تويت
قراءة بقلم الدكتورة Amira Issa استاذة النقد الأدبي الفرنسي لمجموعة لوحات المطر والتي انتجتها خلال مراحل وأساليب مختلفة من تجربتي الفنية وماازال انتج لوحات عن المطر وآخر لوحتين عن المطر نالت جائزتين لوحة في انتظار المطر والأخرى شوق الى المطر ..تقدم لنا قراءة متعددة الأبعاد تشعرنا أمام قصيدةموازية للنص البصري وتثير اسئلة ان هذه الوحات ليست سطوح مرئية بل نصوص تستدعي المحاكات والتؤيل..وانا لاأميل الى الحديث عن لوحاتي حتى لاافسد متعة مشاهدتها أو تحجيم رؤيةالمتلقي ..وانتظر السماء لتخصب الأرض بالمطر وتطهرهاواتحول الى مشاهد وقارئ يستمتع بتأويل وقراءة الآخرين
قراءة في "مجموعة المطر" للفنان التشكيلي حيدر العبادي
بقلم أ.د. أميرة عيسى
استاذة نقد الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية
اين يأخذنا المطر في لوحات حيدر العبادي
روافد تتجمع لتصب في نهر من اللوحات الفنية التي تختصر قصة الانسان، ومطرٌ يغلف البشرية ويعطيها "ماء الحياة الذي لا موت بعده"، امطار تتجمع من خيال الفنان لتصب في نهر الفنون، والنتيجة هي مجموعة لوحات "مجموعة المطر"، المطر الذي يسقي حُبًا وعشقًا وحزنًا وحلمًا هاربًا وألم وهجرة وثورة ونضال واستعمار ورحيل ويبقى آدم وحواء يدًا بيد يعزفون انشودة الخلق.
الكثير الكثير من المشاعر الإنسانية رسمتها امطارُ حيدر العبادي اعطتنا مجموعة من الرسومات المدهشة، القاسم المشترك فيها عمق الفكرة وتناغم الألوان واجساد تشُفُّ حتى تنعدم وتبقى الأفكار في صراع دائم بين الخير والشر بين الممكن والحلم الطائر، أفكار متلونة بالوان قدسية تتمازج بين الأسود والأبيض الأحمر والبنفسجي الأحمر والبرتقالي الاخضر الازرق التركواز …الوان تتماوج لتقول الكثير عن اللهفة والضياع، الحب والعشق، الغزو والرضوخ الاستعمار والرحيل وثورة مضرجة بدماء شعوبٍ تأبى الا ان تنتصر!
قراءتي ستقتصر على ثلاث لوحات كلّها مائية، بقياس 50cmx35cm
"الأنثى والحلم الهارب"
هما لوحتان متواصلتان بالفن والمضمون، المرأة في عريها الرمزي، حيث ان الجسد لم يعد عند حيدر العبادي مصدر الجنس والغريزة، نحن مدعوون للاحساس بما وراء هذا الجسد، هذه الانثى تعيش اجمل الأحلام، حُبّ رومنسية عشق هدؤ استقرار وغيمة ودّ صافية تغسلها بزخات مطرٍ تنقلها مع الحبيب الى سهول الظباء الشاردة، في يدٍ تَحمِلُ الحلمَ والرأسُ يميلُ الى السلام والانصهار بالحبيب ولكن في اليد الأخرى هناك الكثير من الوساوس، كتلة سوداء من الهموم والترقب، لم تكن المعركة بعيدة، هذه هي لوحة الحلم الهارب تصور الانثى في قلب العاصفة، يداها ممدودتان تتشبثان بالحلم والوجه حزين واللون الاحمر صوت الأنين، وما زالت ذكريات البارحة بالوانها الفرحة، الاخضر الازرق التركواز، تَمازج الالوان هذا يحدثنا عن فرحة غابرة، الوان تتكلم عن امل ورجاء بعودة ايام حُبّ تكدّست في الذاكرة…
"رحيل"
اسميتها "رحيل"، وما كان الرحيلُ يومًا بالاجساد، نسيرُ نبتعدُ وتبقى الروح مجبولة بتراب الاجداد.
الفنان حيدر العبادي لم يختر اسمًا لهذه اللوحة بل كتب أعدادًا لعلّ السنين تحدّث أكثر من الحروف ١٩٩٣.
هذه اللوحة، لما فيها من عمق المعاني ونضج الالوان، هي اللوحة السلطانة في مجموعة المطر للفنان حيدر العبادي…
شعوبٌ صابرة الى ربها ناظرة، تستسقي غيومًا سوداء إن امطرت تُمطِر قنابلَ وفناء، شعوبٌ مقهورة صُنّفَت شعوبًا درجة ثالثة، صنفتها عقولٌ جبّارة مستعمِرة لتبقى هي الشعوب الاولى، الشعوب المسيطرة على كلّ الاراضي، اراضي بعيدة تستبيحها وتسرق ثرواتها وتهتك اعراضها…
في لوحته "رحيل" يرسمُ الفنان حيدر العبادي شعوبًا بدون وجوه، هي قطعان غنمٍ تتحضّر لمذبحة قابيل المرفوضة من ربّ العالمين، دماؤها حنّاء منقوشة على اجساد مهترئة…
مطر مطر مطر وينسكب المطرُ قنابلَ وشظايا، تحرق اجسادًا عارية كعري الحقيقة البشريّة المتجردة من كلّ إنسانية، خذلان استسلام رجال ونساء يسيرون على خطٍ رسمته لهم ايادي شيطانية، لعلّ وجه الرَجُل ووجه المرأة في مقدمة المسيرة يقولان شيئاً، نستطيع ان نقرأ بعضًا من التفكير وأملًا بثورة قد تُحوّل كل هذه الاجساد النحيلة الى عضلات تقف وتصدّ وتصرخ: كفى لهذه العبثية التي تتحكم بالعلاقات بين الشعوب، وما اللون الاحمر المتماوج مع اللون البرتقالي سوى دعوة الى تحرك ثوري تسيلُ فيه دماء الشعوب، فتحفظ كرامتها وتسترجع حقوقها…
لوحة حيدر العبادي "رحيل"، هي قصة كلّ الشعوب المستضعفة ، تحيط بها غيمة سوداء تمطر الذلّ والتهجير والألم، غيمة سوداء محلاة بدنتيلا من الوعود والشعارات الكاذبة يبشر بها المستعمر المستتر بشعارات ممجوجة من حرية وديموقراطية ومساواة، شعارات يصدقها محدودي الرؤية، يتأملون خيرًا ولا خير بمن تاجر بدمكَ اغتصب نفطكَ وقتل اطفالك لكي يدفئ اطفاله في اقاصي الاراضي الجليدية…
الالوان تتحاور في لوحة مبدع اللون، حيدر العبادي، السواد المهيمن الغازي والابيض والامل في مستقبل مضيئ ولكن لا بُدّ من انهار دماء تغسل هذه الشعوب، بدمائهم فقط التي تغسلُ اللوحة سينتصرون، بتفكيرهم وعقلهم وتخطيطهم سيقضون على الغيمة السوداء الغازية لارضهم، هذه الارض ستتحول حتمًا الى سهول تتماوج فيها سنابلُ قمحٍ تجنيها ايادي تأبى ان تبقى قطعانًا مسيّرة…
ثورةٌ في لوحة، هذا ما قرأته في لوحة الفنان البابلي العالمي حيدر العبادي والتي اسميتها في النهاية:
"قفْ لا ترحلْ".