ضياء الحجار ساحر رسوم الأطفال وشاهد على ثقافة أجيال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ضياء الحجار ساحر رسوم الأطفال وشاهد على ثقافة أجيال

    ضياء الحجار ساحر رسوم الأطفال وشاهد على ثقافة أجيال


    عين على الكاريكاتير والأخرى على أشهر رسوم الأطفال.
    الخميس 2025/03/27
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    رسام أحب الكاريكاتير والقصص المصورة منذ طفولته

    يعد ضياء الحجار أحد أهم رسامي الكاريكاتير والقصص المصورة في العراق، حيث عمل لعقود مع أشهر مجلات الأطفال، التي يذكرها اليوم بكثير من الحسرة حيث غابت جميعها، وتركت ضياء والعديد من زملائه الفنانين شاهدين على فترات ازدهارها وعلى أهم المراحل التي أثرت في تاريخ المنطقة وتشكيل الأجيال الحالية.

    بغداد - على ورقة لا يتعدى قياسها بضعة سنتيمترات، يستطيع الفنان العراقي ضياء الحجار أن يرسم مدينة معمارية كاملة بكل تفاصيلها وأبعادها من أبنية وشوارع وناس وأسواق مزدحمة بألوانها الزاهية!

    فعندما يدخل صومعته في عالمه الفني الخاص، تراه أمام رسوماته صبورا وحاذقا، حيث الرسم الدقيق بالتفاصيل وخياله الواسع جدا والمبحر في عالم الطفولة.

    في سنوات صباه المبكرة كان ضياء الحجار قارئا نهما لمجلات الأطفال كافة، ومنها مجلات الكوميكس، كمجلتي “سمير” و”ميكي” المصريتين، ومجلات الكوميكس اللبنانية مثل “بساط الريح” و”سوبرمان” و”المغامر”، كان يقرأها بولع كبير، ويتابعها بشغف عميق، قاده فيما بعد إلى التأثر الشديد بتلك الصفحات الرائعة رسما وكتابة، إلى حد تقليدها بحذافيرها.

    كانت له هوايته الخاصة، وهي أن يعمل مجلات أطفال يكتبها ويرسمها بنفسه، ثم يعطيها لأصدقائه ليقرأوها. وعندما كبر وعمل رساما في “مجلتي” و”المزمار” اكتشف أنه مختلف عن الباقين من أقرانه وزملائه الرسامين، فهم دخلوا ميدان العمل في “مجلتي” و”المزمار” من بوابتي معهد أو أكاديمية الفنون الجميلة، حيث كانوا طلابا أو خريجين، بينما هو لم يكن سوى طالب في الدراسة الإعدادية آنذاك. لقد دخل ميدان العمل رساما للأطفال من بوابة الطفولة نفسها حينما قدم لرئيس التحرير إبراهيم السعيد ولرئيس الرسامين طالب مكي مجلات وكتب الأطفال تلك التي كان يكتبها ويرسمها بنفسه. لم يكن الفرق في المستوى الفني فقط بل وفي المعلومات والثقافة الخاصة بعمله، كرسام أطفال فإنه مثلا كان يعرف الكثير من المعلومات بحكم مطالعاته السابقة لمجلات “سندباد” و”سمير” و”ميكي”، ومعرفته أسماء رواد ثقافة الأطفال العرب من رسامين وكتاب، كرواد أدب الأطفال المصريين كامل كيلاني ومحمود زهران ومحمد سعيد العريان الذين قرأ قصصهم في مجلة “سندباد” ومنشورات المكتبة العربية والمكتبة الخضراء.


    على مدى مسيرته الفنية جسد الحجار في رسوماته المتنوعة للأطفال بأسلوب أكاديمي مبسّط وتعبيري وتخطيطات كاريكاتيرية في مطبوعات عدة


    كما عرف بل وتعلق برسوم رواد فن الرسم العربي للأطفال مثل حسين بيكار والحسين فوزي وزهدي العدوي في “سندباد” أيضا، وفي باقي كتيبات دار المعارف، وفي مجلة “سمير” عرف وأعجب بالرسامين المصريين العباقرة؛ روجيه كميل وهارون ومادي ونسيم. وتعرف على شخصية تان تان وأصدقائه لأول مرة باسم تم تم وانبهر برسامه العبقري البلجيكي هيرجيه.

    وعرف تاليا بأن هيرجيه كان رائدا للمدرسة الأوروبية في فن الكوميكس، وقد احتل هذا الواقع بعد رحيل هيرجيه في أواخر سبعينات القرن الماضي الرسام الفرنسي العظيم أوديرزو الذي قدم للعالم مع شريكه كاتب سيناريو الكوميكس الفرنسي رينيه غوسيني أعظم شخصيات الكارتون تكاملا واحترافية كأومبابا بطل الهنود الحمر وأستريكس وأوبليكس رمزيْ الغاليين أجداد الفرنسيين.

    ومن خلال مجلة “سمير” أيضا تعرف على الكوميكس الأميركي من خلال شخصيات الشبح وفلاش كوردن وغيرهما، ثم تعلق في مجلة “ميكي” بشخصيات والت ديزني الممتعة؛ ميكي وعم بطوط وعم دهب وعبقرينو وبندق.

    ويتحدث الفنان ضياء الحجار عن تجربته تلك فيقول “يبدو أن معظم زملائي من رسامين وكتاب لم يكونوا من قراء ومتابعي مطبوعات الأطفال في صغرهم، لذلك وفيما عدا القلة القليلة منهم خاض الكثير منهم تجربته العملية في ثقافة الأطفال وكأنه موظف يمارس عمله في موقع أدنى، أو راح يخلط بين ساحة الطفولة وساحة الكبار الراشدين وخصوصا في ما يخص كتابة سيناريو القصة المصورة.”

    ويضيف أنه “على الرغم من أن تجربة العراق في ثقافة الأطفال قد قاربت النصف قرن من الزمان، فلا زال سيناريو الكوميكس يكتب بسطحية ومباشرة خالية من لمسات الإبداع في تفكيك نص القصة وإعادة تركيبه فنيا بما يؤمن للمتلقي المفاجآت أثناء القراءة ويشركه في التوقع والاستنتاج مما يزيد في جاذبية الكوميكس ويرتقي بقيمته الفنية أدبيا، لذلك أنصح زملائي من الإخوة والأخوات من العاملين في حقل ثقافة الأطفال، الكلام موجه بالطبع لكل من يعمل في مطبوعات الأطفال العراقية، أن يحرصوا على الاطلاع الدائم على التجارب العالمية في فن الكوميكس، وخصوصا أعمال وألبومات تان تان وأستريكس، فهما المدرسة الأرقى عالميا في فن القصص المصورة.”

    ويتابع “أنصحهم أيضا بألا يكتفوا بالقراءة العابرة بل وجوب القراءة بتمعن والتحليل لاكتشاف مكامن الإبداع وتقنيات فن كتابة السيناريو، إذ من غير الصحيح تقطيع النص المبتكر أو المقتبس إلى مشاهد موصوفة وحوارات وهوامش كما جاء في ترتيب أحداث النص لأننا بذلك لم نقدم أدبيا عملا ذا قيمة وتركنا عبء توفير الشد والجاذبية على الرسام وأدائه فقط وهذا غير صحيح ولا كاف بالطبع.”

    وعن عمله خارج العراق يتحدث الحجار “قضيت عقد التسعينات كله وحتى العام 2003 خارج العراق، وأنا أعمل من عمان رساما لمطبوعات الأطفال لدور نشر ومجلات عربية وأردنية مضطرا لمغادرة بلدي الذي لم يعد يوفر لي ولعائلتي الصغيرة لقمة العيش إبان سنوات الحصار العجاف. وقد عرضت عليّ الإقامة الدائمة وبشكل رسمي في عمان كما عرض عليّ الدخول في شراكة مع دار نشر كبيرة، ثم جاء اختياري وترشيحي كرسام كارتون أساسي لفرع شركة والت ديزني الذي افتتح في إحدى الدول العربية، وقد رفضت هذه العروض كلها لأنها كانت تتطلب منى نقل أسرتي معي والإقامة خارج العراق بشكل دائم أو لعدة سنوات على الأقل وهذا ما لم أكن أطيقه ولا أصبر عليه حيث بدا لي واضحا من تجربة السفر والابتعاد عن الوطن بأن جذوري عميقة الغور في بلدي حيث لا أستطيع تحمل العيش خارجه إلا لفترة وجيزة أتجرعها اضطرارا.”

    ويكمل “هكذا اخترت عمان مكانا لعملي، فكنت أمضى فيها عدة أشهر أقصاها لم يتجاوز الثمانية أشهر ثم أعود إلى بغداد لأقضي مع أسرتي أسابيع أو أياما ثم أغادرها عائدا إلى عمان لأجدد الإقامة فيها شهورا جديدة أخرى، وقد وفرت لي هذه الصيغة بالإضافة إلى فرصة التواصل مع بلدي وأسرتي فرصة أخرى للتواصل مع دار ثقافة الأطفال العراقية، ومع زملائي وإخواني فيها الذين كانوا يستغلون وجودي بينهم فيكلفونني بأن أرسم ما أمكن لـ’مجلتي’ و’المزمار’ خلال فترة زيارتي.”


    الفنان ضياء الحجار جسّد في رسوماته للأطفال لوحات تعكس عادات المجتمع البغدادي وتقاليده وبيئته وفولكلور مجتمعات أخرى


    ويتذكر الحجار أنه “في الشهر الأخير من العام 1996 قمت بزيارة المؤسسة التي بدأت منها دار ثقافة الأطفال، حيث كانت حالها كحال العراق كله قد نال منها الحصار ما نال حتى حولها إلى مجرد مؤسسة تنازع أنفاسها. ثم توقفت ‘المزمار’ عن الصدور وكذلك سلاسل الكتب وباقي نشاطات الدار الأخرى وبقيت ‘مجلتي’ فقط تصدر شهريا وبـ16 صفحة وبكم هزيل من المطبوع وبإعداد فقير رسما وكتابة وبطباعة رديئة، كما أن أغلب كوادرها كانوا قد غادروها ولم يبق منهم إلا القليل، وهؤلاء القلة وجدتهم يستعدون لاحتفال متقشف بذكرى صدور المجلة السنوية مع مدير عام الدار الجديد آنذاك الشاعر رعد بندر الذي خلف المدير العام السابق فاروق سلوم.”

    ويقول “طبعا كان موضوع الاحتفال السنوي هو موضوع الغلاف الاحتفالي الذي رجوني أن أرسمه كتقليد يصرون على ديمومته، حاولت الاعتراض وقلت يا أصدقاء أين الكادر الذي تريدونني أن أرسمه؟! أنتم الآن بضعة كتاب ورسام واحد والمدير الجديد؟ رد الزميل صلاح محمد علي وهو يحثني “هاي هيه” أرسم الموجودين فقط تعبيرا عن الحال الذي وصلنا إليه ولكن اجعل ‘مجلتي’ هي القصيدة الجديدة للمدير الجديد الشاعر. نفذت الفكرة والألم يعتصرني على ما مضى من ‘مجلتي’ وثقافة الأطفال الجميلة والمتألقة حيث كنت قد رسمت في مثل هذه المناسبة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كادر ثقافة الأطفال وهم بالعشرات ما بين كاتب ورسام ومصمم مفعمين بالحركات والتعبيرات.”

    ويوضح الرسام “لقد كان هذا الغلاف آخر الأغلفة الاحتفالية التي رسمتها لـ’مجلتي’ و’المزمار’، وأكثرها تعبيرا عن الشظف الذي عاشته دار ثقافة الأطفال وبوضع الأغلفة الاحتفالية للمجلتين وبالذات تلك التي رسمتها وفق ترتيبها الزمني.” لتحتل فيما بعد رسومه مساحة مميزة في قصص الأطفال والفتيان وصحفهم ومجلاتهم في هاتين المجلتين وما صدر عنهما من سلسلة متنوعة، والتي ظهرت في العام 1970، ليبرز فيها ضياء الحجار كأحد الذين أسهموا بشكل واضح في إنضاج هذه التجربة الفنية، عبر المئات من الرسوم.

    وعلى مدى مسيرته الفنية الطويلة جسد الفنان ضياء الحجار في رسوماته المتنوعة للأطفال بأسلوب أكاديمي مبسّط وتعبيري وتخطيطات كاريكاتيرية في مطبوعات عدة ونسج من ذاكرة العراق لوحات تعكس عادات المجتمع البغدادي وتقاليده وبيئته وفولكلور مجتمعات أخرى. ومنذ عام 1971 حتى الآن يعد “شيبوب” إحدى شخصياته الكارتونية المعروفة.

    الحجار امتداد طبيعي لجيل الفنانين الرواد المؤسسيين لفن الكاريكاتير، لجيل عبدالجبار محمود وسعاد سليم ثم غازي المحل

    وقد اكتشف موهبته في الرسم معلمه في الابتدائية عبدالرحمن نايف الجبوري في محافظة كربلاء، فعندما رأى رسوماته اندهش منها، كما شجعه المعلم الثاني وهو الأستاذ عزي الوهاب، وكتبا عنه وعرّفاه للآخرين كطفل موهوب في الرسم.

    وهكذا نال الفنان الحجار شهرة مبكرة وكبيرة، وفي عام 1977 تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة، حيث درس فن الرسم على أيدي أساتذة الفن الكبار في العراق أمثال فائق حسن وإسماعيل الشيخلي وحافظ الدروبي وآخرين، وقد جسد جميع الأساتذة في لوحة كبيرة كانت شاخصة في بوابة الأكاديمية.

    وبعد ذلك حصل على ماجستير فنون، فضلا عن نيله الجائزة الأولى عام 2001 من خلال أعماله، التي عرضت في مركز بولونيا في وارشو.

    أما عنه كرسام كاريكاتيري فكانت بداية الحجار مع مجلتي “الفكاهة” و”المتفرج” الساخرتين، ورسوماته الكاريكاتيرية متنوعة ما بين السياسية والاجتماعية، وكان له أسلوبه الفني المتميز. وقد شارك في جميع المعارض التي أقيمت داخل العراق وخارجه، وفي عدد من الدول والعواصم العربية أبرزها القاهرة.

    ويعد الحجار امتدادا طبيعيا وصحيحا لجيل الفنانين الرواد المؤسسيين لفن الكاريكاتير، لجيل حبزبوز (نوري ثابت) وعبدالجبار محمود وسعاد سليم ثم غازي وحميد المحل وفائق حسن وعطا صبري وغيرهم.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    علي إبراهـيم الدليمي
    كاتب عراقي
يعمل...