في تجربتي الفنية والاكاديمية والعلمية التي زادت عن نصف قرن والتي كانت تنمو بفعل حركة الوعي المستمر في دول ومدن عديدة كنت استشرف وجود الانسان في هذا العالم مرة بالحرف واخرى بالكلمة او باللون بحثا عن لغة تعبير مخاضه المحدود في هذا العالم المضطرب وجوديا ولان العملية الابداعية هي الصلة الفكرية والروحية التي يشترك فيها مثابات الفكر في حركة التنوير فكنت اعيد قراءة اعمالي من خلال ماكتبه النخبة الكبار الذين يشكلون مثابات الفكر والفن والابداع في حياتنا على مر السنين بما يتلائم وكل مرحلة مررت بها، وكنت واثقا ان التجربة الابداعية لايعرف مداها الا مبدع استشاط بها وخبرها فكرا وفنا وخلقا، وهنا استذكر ما كتبه المبدعون الكبار عن تجربتي الفنية بمعارضي واعمالي ومنهم خالدي الذكر الطيب:
جبرا ابراهيم جبرا
نوري الراوي
شاكر حسن ال سعيد
د. نجم حيدر
د. علي ثويني
فاروق يوسف
وليد الاعظمي
د. اسماعيل نوري الربيعي
قاسم محمد عباس
عادل كامل
د. جلال جميل
ماهر السامرائي
عبد الكريم سعدون
حسن عبد الحميد
صلاح عباس
واخرين كثير من البحوث والدراسات وطلبة العلم
ولطالما اغنت دراساتهم وكتاباتهم اعمالي وأدامت حواري الداخلي في الكشف عن الفضاء الرحيب في ثقافة هذا العالم، كل من زاوية محددة وفق رأسماله الفكري فكشفت عن كيان اعمالي الفكري والمادي والتقني والجمالي..
اليوم يختزل الدكتور خليل الطيار ببصيرته النافذة وثرائه المعرفي تجربتي الفنية ليكشف عن جانبها الجمالي والروحي، في ذات الاسئلة الوجودية للانسان الذي يجمعني به، والتي طالما اصلها في كشوفاته المعرفية بحثا ونقدا ومعرفة. وهي تفصح عن مضامينها بتأمل عميق اضاء فيها كثيرا من المناطق المعتمة في عالمنا، ليشكل الدكتور خليل احد المثابات الكبرى في النقد الفني والجمالي في عالمنا العربي المعاصر.
صّيرورة الأجّوبة لأسئلة مرئيات "أياد الحسيني"
• د خليل الطيار
صيرورة العمل أولا:
يرى معًيارنا النقدي أن عملية إنتاج لوحة رسومية لا تتشكل صّيرورتها من خلال انسياب حركة الفرشاة، فهي ليست إلا وسيطًا ناقلًا للألوان وفرشها على السطّوح. لذلك، فإن مشروع خلق لوحة بَصًرية يتبلور، بلا شك، هناك؛ حيث تتولد الفكرة وتُفرغ محمُولاتها أولًا في مخيلة منتجها "المرئي" ليبدأ بمتابعة مخاض ولادتها، وتحويلها من حالتها الحالمة إلى واقعيتها المادية، لتخرج بسّمو جمالي قابل للقراءة.
صيرورة الفكرة:
ولهذا، لا نرى في كل ما يرسّمه الجمالي "إياد الحسيني" رغبة جامحة لإضافة لوحة تسجل رقما لمنجزه، بل نجد في كل مرئية له وجود عملية إفراغ لصّيرورة جديدة، تتوالد أسئلتها الوجّودية في مخيلة حالمة، يعّمل على ترسّيم مسامات إجابتها، وسرعان ما يستعّين بالفرشاة لتشّكيل روحها، وتفريغ مدونتها البَصّرية على النُطّع، لتحتوي بيئة سّرديتها. خاصة وهو في أغلب أعماله يترك عالماً متصوفاً داخل فضّاء لوحته يُلوح فيه عن قلّق إنسانة السائح في ملكوت الله، باحث عن إجابات لأسئلته الوجودية. وفي كل مرة نجد "الحسيني" يلاحق إنسانه وهو يتجّه بعيد ليجتاز حدود اللوحة، فما عاد العّالم الذي وراءه قادرا على إنتاج الإجابات الشافية لأسئلته الحائرة، ويكتفي بترك حروفها تسّتكين على الجدران وتسيح في الطرقات!!!
صيرورة الذات:
عوالم بمناخات رمادية أخذت تتوسع مساحة حلكتها، ليبدوا أمامها إنسان "إياد الحسيني" كهلا، منكسرا تجّبره أسئلته المصّيرية، الاستعّانة بعصّاه يتوكأ عليها في رحلة تصّوف باحث عن إجابات متناهية لا تنتهي، ليصبح "حلاج" عصره مرددا …
"فعلمي ما قادني قط للمعرفة
وهبني عرفت تضاريس هذا الوجود …
مدائنه وقراه
ووديانه وذراه
وتاريخ أملاكه
الأقدمون
وآثار أملاكه المحدثين
فكيف بعرفان سر
الوجود …
ومقصدي مبتدأ
أمره منتهاه"
هذه "الصيرورات" في الأسئلة الوجودية، لإنسان "إياد الحسيني"، لا شك هي أسئلتنا الذاتية، لم يتوان "الحسيني"، عبر منجّزة البَصّري عن ملاحقة دائمة لها في مرئياته الحروفية، ويسّعى في كل مرة المضّي بمتابعة استكمال حلم القبّض على وهج إجاباتها، ويستفزنا ثراؤها الجمالي لقراءة أفكار إنسانه، ومشّاركته حلم القبّض على الإجابات التامة.
ولأنه لا يرغب بتأطير إجابات لوحاته بمعّانٍ ضّيقة، فهو يتّرك صّيرورة أسئلتها مفتوحة الأفق، لنستكمل رحلة البحث عنها في عمل آخر، يحاول أن يجمع فيه شتات المعاني الصائبة لإجابات أسئلة أزمنتنا، التي توسعت مدياتها، وتسبّبت في زيادة قلقنا وانكسارنا...
نهايات الصيرورة
"الحسيني" في تكنيك أعماله لم نجّده يستعّين بالفرشاة ليحقق رغبة الرسم المجّرد ، بل يتخذها بديلا عن الكتابة الحروفية، ليدون فيها جوانب من حلّم صّيرورة الأفكار التي يريد الإمسّاك بمداها البَصّري المتناهي. لكن حدود لوحاته تضّيق إلى حد يتصاغر إنسانه داخلها، لذا نراه يدعونا نفكر معه لإيجاد مساحة اخرى لخلاصاته. وينجح دائما في جذبنا لنقّترب من سمو عوالم لوحاته نستقرأ جماليات سطورها المتوهجة، وان أدركتها الحلّكة احياناً.