نادية هناوي تواصل تفكيك السرديات العربية تحت نظرية الأقلمة
مشروع نقدي يتناول علاقة التراث بالأقلمة من ناحية الأصول والتمثيل والتأثير.
السبت 2025/03/22
ShareWhatsAppTwitterFacebook

السرد العربي له خياله الخاص
بغداد - كتاب “الآفاق المستقبلية في نقد السرديات العربية” للباحثة نادية هناوي، وهو الخامس في تعداد كتبها عن الأقلمة السردية بعد “أقلمة المرويات التراثية العربية” و”أقلمة السرد العربي من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر” و”الأقلمة السردية: مخابرها الغربية – مناشئها الشرقية” و”أقلمة سرد الحيوان”.
في كتباها الجديد، الصادر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر، تواصل هناوي مشروعها النقدي في دراسة السرد العربي، التي تؤسس لها في إطار النظرية السردية وما يجري في العالم من تطور في مجال دراسات الأقلمة، بغية الإفادة منها في دراسة تراث السرد العربي بكل ما فيه من نظم وتقاليد وأساليب وتقانات، ترسيخا لدوره التأصيلي في السرد الحديث والمعاصر، وتدليلا على عالميته التي تراها المؤلفة قد “حجبت بستر التبعية، بكل ما في الاتباع من تقريع الذات ودفن قابلياتها والتشكيك في قدراتها.”
ويشتمل الكتاب الجديد على ستة فصول، تبدأها الباحثة بدراسة اللاواقعية بوصفها تأسيسا منه تنطلق دراسات الأقلمة، وبوصف السرد غير الواقعي تأصيلا لها، ويمكن البحث فيه عما هو مصدر وعما هو معدَّل أو مؤقلَم من خلال رصد الأشكال والموضوعات المبنية على القاعدة اللاواقعية، واستنادا إلى ما انتهى إليه السرد القديم من تقاليد محددة، وما جرى في السرد الواقعي من عمليات الأخذ والبناء بإزاء تلك المصادر والتقاليد التي فيها تتجلى فاعلية العقل البشري عبر هذا التاريخ الطويل من الابتداع والتطوير.
وترى هناوي أن النماذج القصصية والروائية التي تجسد السرد غير الواقعي كثيرة، ولها أساليبها الخاصة في محاكاة الواقع الموضوعي. والأساس الأهم في السرد غير الواقعي هو “الخيالية” التي بها ينحرف عن أعراف محاكاة العالم التي يعرفها كل من المؤلف والقارئ. وقد يستبعد تلك الأعراف أصلا.
ويتناول الكتاب تاليا علاقة التراث بالأقلمة من ناحية الأصول والتمثيل والتأثير، وذلك انطلاقا من مفهوم التخييل ودوره في بناء السرد غير الواقعي وعبر رصد مصادره وأثره في توجيه الذاكرة الجمعية وتشكيل المنظومة السردية. والبغية هي الوقوف على الطريقة التي بها ساهمت أقلمة تقاليد السرد العربي القديم في تطوير السرد الحديث.
وتتطرق هناوي في الفصل الثالث من كتابها إلى آخر مستجدات دراسات الأقلمة وما توصلت إليه من نتائج من خلال ثلاثة مباحث تتناول كيفية تصنيف هذه الدراسات وأهم أعلامها وطبيعة نظرياتهم والعلاقات التي تحكم توجهاتهم البحثية. بينما تعالج في الفصل الرابع مستقبل الأقلمة في دراسة الأدب العربي من ناحية غربلة مفهوم التناص، كونه لا يكترث بالتأشير على الآباء في دراسة علاقة نص لاحق بنص آخر سابق هو مصدر أصيل وله نظام تأليفي خاص، عُرف في حقبة تاريخية سابقة لها ثقافتها وتأثيرها.
الكتاب يبحث في استرداد البعض من أولوياتنا الإبداعية والفكرية ومغايرة توجهات النقد الغربي ونزعة الاتباع
وهذا ما تراه المؤلفة فرصة تاريخية “لأن نسترد البعض من أولوياتنا الإبداعية والفكرية وأن نتغاير في منظوراتنا مع توجهات النقد الغربي ونجافي نزعة الاتباع التي هي سبب رئيس في غياب التأسيس النظري في نقدنا العربي. ولا يزال الكثير من الباحثين العرب يرون استحالة وضع علم سرد عربي بسبب استحكام التبعية ولأن الفكر النقدي في الغرب ما هيمن إلا لأنه ابتعد عن دراسة التقاليد وأمثولاتها الأدبية الضاربة في عمق التاريخ.”
وتتابع هناوي في الفصل الخامس من كتابها الجديد واقع دراسات الأقلمة في دراسة الأدب الصيني من نواحي الترجمة ومشاريع النقد وأطروحاته البحثية. أما الفصل السادس فيناقش أربعة مفاهيم تتجاور مع الأقلمة السردية هي “التراث، الهوية، الآخر الغربي، الآخر الشرقي”.
ويقوم مشروع هناوي النقدي على تداخل التخصصات وتنوع المنهجيات في دراسة السرد العربي والكشف عن تقاليده المندثرة والمستعادة والبحث عن مرتكزاته التي عليها قامت فاعلية هذا السرد في ماضيه وفي حاضره كأنواع وأنماط وطبائع وتحولات وتفاعلات وعلاقات وقضايا.
وتركز الباحثة على قضية الأقلمة التي تعني “العملية الفنية التي تتوافق فيها الأذهان مع ما أسسه المبتكر الأول من إبداع سردي ثم تخصصت كفعالية منتظمة السياقات ومحددة الأبعاد عبر ما تواضع عليه السراد من أسس وأشكال في نقل الأخبار كأحداث أو أوصاف أو تجارب ضمن نطاق لساني ووضع تمثيلي محددين. وبالاتفاق والمواظبة على هذه المواضعات والاعتياد على الأصول تمخضت قوالب وقواعد وتقاليد. وكلما تقادم العهد عليها، ارتكزت عملية التقليد أكثر وكانت مسوغا للأقلمة كمسارات تراكمت وتوسعت وتطورت حتى وصلت إلى ما نعرفه اليوم بالسرديات الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية التي صارت تفيد من وسائل الإدماج والرقمنة بكل وسائطها”.
يذكر أن الأكاديمية والناقدة العراقية نادية هناوي حاصلة على درجة الدكتوراه في فلسفة اللغة العربية وآدابها ونالت كرسي الأستاذية، وهي تعمل حاليا أستاذة للنقد الحديث بكلية التربية في الجامعة المستنصرية، وقد قدّمت أكثر من 100 بحث علمي منشور في مجلات عربية وأجنبية، بجانب العشرات من المشاركات بمؤتمرات وفعاليات عراقية وعربية ودولية.
وأثرت هناوي المكتبة العربية بأكثر من 30 مؤلفا نذكر منها “أقلمة السرد العربي من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر”، “السرد القابض على التاريخ“، “موسوعة السرد العربي معاينات نقدية ومراجعات تاريخية“، “الوهم والحقيقة في تجييل الشعر العراقي“، “النسوية العمومية“، وغيرها.
مشروع نقدي يتناول علاقة التراث بالأقلمة من ناحية الأصول والتمثيل والتأثير.
السبت 2025/03/22
ShareWhatsAppTwitterFacebook

السرد العربي له خياله الخاص
بغداد - كتاب “الآفاق المستقبلية في نقد السرديات العربية” للباحثة نادية هناوي، وهو الخامس في تعداد كتبها عن الأقلمة السردية بعد “أقلمة المرويات التراثية العربية” و”أقلمة السرد العربي من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر” و”الأقلمة السردية: مخابرها الغربية – مناشئها الشرقية” و”أقلمة سرد الحيوان”.
في كتباها الجديد، الصادر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر، تواصل هناوي مشروعها النقدي في دراسة السرد العربي، التي تؤسس لها في إطار النظرية السردية وما يجري في العالم من تطور في مجال دراسات الأقلمة، بغية الإفادة منها في دراسة تراث السرد العربي بكل ما فيه من نظم وتقاليد وأساليب وتقانات، ترسيخا لدوره التأصيلي في السرد الحديث والمعاصر، وتدليلا على عالميته التي تراها المؤلفة قد “حجبت بستر التبعية، بكل ما في الاتباع من تقريع الذات ودفن قابلياتها والتشكيك في قدراتها.”
ويشتمل الكتاب الجديد على ستة فصول، تبدأها الباحثة بدراسة اللاواقعية بوصفها تأسيسا منه تنطلق دراسات الأقلمة، وبوصف السرد غير الواقعي تأصيلا لها، ويمكن البحث فيه عما هو مصدر وعما هو معدَّل أو مؤقلَم من خلال رصد الأشكال والموضوعات المبنية على القاعدة اللاواقعية، واستنادا إلى ما انتهى إليه السرد القديم من تقاليد محددة، وما جرى في السرد الواقعي من عمليات الأخذ والبناء بإزاء تلك المصادر والتقاليد التي فيها تتجلى فاعلية العقل البشري عبر هذا التاريخ الطويل من الابتداع والتطوير.
وترى هناوي أن النماذج القصصية والروائية التي تجسد السرد غير الواقعي كثيرة، ولها أساليبها الخاصة في محاكاة الواقع الموضوعي. والأساس الأهم في السرد غير الواقعي هو “الخيالية” التي بها ينحرف عن أعراف محاكاة العالم التي يعرفها كل من المؤلف والقارئ. وقد يستبعد تلك الأعراف أصلا.
ويتناول الكتاب تاليا علاقة التراث بالأقلمة من ناحية الأصول والتمثيل والتأثير، وذلك انطلاقا من مفهوم التخييل ودوره في بناء السرد غير الواقعي وعبر رصد مصادره وأثره في توجيه الذاكرة الجمعية وتشكيل المنظومة السردية. والبغية هي الوقوف على الطريقة التي بها ساهمت أقلمة تقاليد السرد العربي القديم في تطوير السرد الحديث.
وتتطرق هناوي في الفصل الثالث من كتابها إلى آخر مستجدات دراسات الأقلمة وما توصلت إليه من نتائج من خلال ثلاثة مباحث تتناول كيفية تصنيف هذه الدراسات وأهم أعلامها وطبيعة نظرياتهم والعلاقات التي تحكم توجهاتهم البحثية. بينما تعالج في الفصل الرابع مستقبل الأقلمة في دراسة الأدب العربي من ناحية غربلة مفهوم التناص، كونه لا يكترث بالتأشير على الآباء في دراسة علاقة نص لاحق بنص آخر سابق هو مصدر أصيل وله نظام تأليفي خاص، عُرف في حقبة تاريخية سابقة لها ثقافتها وتأثيرها.

وهذا ما تراه المؤلفة فرصة تاريخية “لأن نسترد البعض من أولوياتنا الإبداعية والفكرية وأن نتغاير في منظوراتنا مع توجهات النقد الغربي ونجافي نزعة الاتباع التي هي سبب رئيس في غياب التأسيس النظري في نقدنا العربي. ولا يزال الكثير من الباحثين العرب يرون استحالة وضع علم سرد عربي بسبب استحكام التبعية ولأن الفكر النقدي في الغرب ما هيمن إلا لأنه ابتعد عن دراسة التقاليد وأمثولاتها الأدبية الضاربة في عمق التاريخ.”
وتتابع هناوي في الفصل الخامس من كتابها الجديد واقع دراسات الأقلمة في دراسة الأدب الصيني من نواحي الترجمة ومشاريع النقد وأطروحاته البحثية. أما الفصل السادس فيناقش أربعة مفاهيم تتجاور مع الأقلمة السردية هي “التراث، الهوية، الآخر الغربي، الآخر الشرقي”.
ويقوم مشروع هناوي النقدي على تداخل التخصصات وتنوع المنهجيات في دراسة السرد العربي والكشف عن تقاليده المندثرة والمستعادة والبحث عن مرتكزاته التي عليها قامت فاعلية هذا السرد في ماضيه وفي حاضره كأنواع وأنماط وطبائع وتحولات وتفاعلات وعلاقات وقضايا.
وتركز الباحثة على قضية الأقلمة التي تعني “العملية الفنية التي تتوافق فيها الأذهان مع ما أسسه المبتكر الأول من إبداع سردي ثم تخصصت كفعالية منتظمة السياقات ومحددة الأبعاد عبر ما تواضع عليه السراد من أسس وأشكال في نقل الأخبار كأحداث أو أوصاف أو تجارب ضمن نطاق لساني ووضع تمثيلي محددين. وبالاتفاق والمواظبة على هذه المواضعات والاعتياد على الأصول تمخضت قوالب وقواعد وتقاليد. وكلما تقادم العهد عليها، ارتكزت عملية التقليد أكثر وكانت مسوغا للأقلمة كمسارات تراكمت وتوسعت وتطورت حتى وصلت إلى ما نعرفه اليوم بالسرديات الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية التي صارت تفيد من وسائل الإدماج والرقمنة بكل وسائطها”.
يذكر أن الأكاديمية والناقدة العراقية نادية هناوي حاصلة على درجة الدكتوراه في فلسفة اللغة العربية وآدابها ونالت كرسي الأستاذية، وهي تعمل حاليا أستاذة للنقد الحديث بكلية التربية في الجامعة المستنصرية، وقد قدّمت أكثر من 100 بحث علمي منشور في مجلات عربية وأجنبية، بجانب العشرات من المشاركات بمؤتمرات وفعاليات عراقية وعربية ودولية.
وأثرت هناوي المكتبة العربية بأكثر من 30 مؤلفا نذكر منها “أقلمة السرد العربي من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر”، “السرد القابض على التاريخ“، “موسوعة السرد العربي معاينات نقدية ومراجعات تاريخية“، “الوهم والحقيقة في تجييل الشعر العراقي“، “النسوية العمومية“، وغيرها.