طرفه عبد بكري
Tarafah ibn al-Abd al-Bakri - Tarafah ibn al-Abd al-Bakri
طَرَفة بن العبد البكريّ
طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد ابن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل [ر]، و(طرفة) لقب اشتُهِرَ به، وهو اسم لنوع من الشجر، أما اسمه فقيل «عُبَيْد» وقيل «عمرو» وقيل «معبد»؛ والأرجح أنّه «عُبَيْد»، وأمُّه: وَردة بنت قتادة بن مشنوء بن عمرو بن مالك ابن ضُبَيعة بن قيس بن ثعلبة، وهذا ينفي أن يكونَ المتلمّس الشاعر الضَّبعيُّ خالَهُ [ر]، بحسب ما هو شائعٌ؛ لأنَّ المتلمِّسَ من بني ضُبَيعة بن ربيعة بن نزار؛ إلاّ أن تكون بين المتلمّس وأُمّ طَرَفة قَرابةٌ من جهة النِّساءِ، فقيل: إنَّه خالُهُ؛ لهذه القرابة، وليس خَالَهُ أَخا أمّه.
وطرفة شاعر جاهلي،من أسرةٍ عريقةٍ ذاتِ حسبٍ، عُرِفَ منها عدد من الشّعراء الجاهليين، منهم جدُّ أبيه (سعد بن مالك)، وعمُّه المرقّش الأصغر[ر]، وعمّ أبيه المرقّش الأكبر [ر]، وابن عمّ أبيه عمرو بن قميئة بن سعد[ر]، وعمّتُهُ الخرنق بنت سفيان[ر]، وأخته لأمّه الخرنق بنت بدر بن هفّان[ر]، ويُخْلَطُ بينَهُما، وكانت أختُهُ زوجاً لعبد عمرو بن بشر بن مرثد بن سعد بن مالك نديمِ عمرو بن هند.
وُلِدَ طرفة في البحرين، وهو اسمٌ قديمٌ لبلاد شاسعة بين البصرة وعُمان تُصاقب الخليجَ العربيّ، فيها عيونٌ ومياه، ويقطنُها بنو بكر وعدد من قبائل العرب، ماتَ أبوه (العبد) وهو صغير، فأبى أعمامُهُ أن يقسموا مالَهُ، وظَلَموا أُمَّهُ ـ وقيل: إنَّ أخوالَهُ هم الذين ظلموها حقَّها ـ فقالَ من أبياتٍ:
ما تَنْظُرُونَ بمالِ وَردَةَ فيكُمُ
صَغُرَ البَنُونَ، ورَهْطُ (وَرْدَةَ) غُيَّبُ
قد يَبْعَثُ الأمرَ العظيمَ صَغيرُهُ
حتّى تَظَلَّ لَهُ الدِّماءُ تَصَبَّبُ
وهي من أوّل الشعر الذي قالَهُ، وهي مُحْكَمَةُ النّسجِ، تغلبُ عليها الحكمةُ، وفيها دلالةٌ على شاعرٍ مفطورٍ على تأمّل الأمور والحياة.
فكانت نشأةُ طرفة نشأةَ يتيمٍ عانى الظُّلْمَ فلم يسكُت عليه، وكان يعلَمُ بحسَبِهِ ويشعُرُ بتميُّزهِ في قولِ الشعر، ويظهر أنَّه كان أَصغَرَ إخوتِهِ، فنشأَ مدلَّلاً تيّاهاً بنفسِهِ، ومالَ إلى الهوى واللّهو والتّبذير؛ فلمّا شبَّ يمَّمَ شطرَ الحيرةِ وفيها الملكِ عمرو بن هند [ر]، فنشأت بينهما خصومة، فهجاه في بيتين كانا سبباً لغضب الملك والأمر بقتله، في قصة معروفة، إذ أرسل معه ومع المتلمس الشاعر صحيفة إلى الوالي على (هجر ) فقتله،ورثَتْهُ أختُهُ الخرنق بأبياتٍ منها:
عَدَدْنا لَهُ ستّاً وعشرينَ حجّةً
فلمَّا توفّاها استوى سيّداً ضخما
وكان ذلك في مدّة حكم عمرو بن هند (554ـ 569م) ويُرَجَّح بعدَ النَّظَر في أقوال مؤرّخي الأدب أنَّ ذلك كان نحو سنة (567م)، فإذا كانت أخته حدّدت عمره بست وعشرين حجّة، فإنَّ ميلاده كان نحو سنة (543م). ولأنّه قُتِلَ ابن بضع وعشرين سنة أَطْلَقَ عليه الشّعراء والعلماء (ابن العشرين).
وقد اهتمّ العلماء في عصر التّدوين بجمع ما بقي على ألسنة النّاس والرواة من شعر طرفة، فجمعه الأصمعي، وابن السِّكّيتِ من رواية أبي عمرو الشيباني، وجمع الأعلم الشنتمري الأندلسي (476هـ) بين الروايتين وشرحهما في كتابه (شرح أشعار الشعراء الستّة الجاهليين).
وعن هذه المجاميع طُبِعَ ديوانه مرّات عدّة، إلى جانب ما جمعه القائمون على طباعته من المصادر، ولعلّ أفضل ذلك طبعة مجمع اللّغة العربية بدمشق عام 1975م.
وأصابَ شعرَه ما أصاب شعرَ القدماء من ضياع واضطراب ونحل، ونبّه ابن سلاّم الجمحيّ على ذلك حينَ جعلَهُ في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وعلّل ذلك بـ«قلّة شعرهم بأيدي الرواة« ولولا ذاك لتقدم في طبقته.
ويتميّز طرفة من أبناء طبقته بأنَّ له قصيدتين مشهورتين وأنَّ له أشعاراً حِساناً جِياداً غيرهما، وقصيدتاه هما: معلقته التي مطلَعُها:
لخولةَ أطلالٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدِ
تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهر اليَدِ
ورائيّتُه التي مَطْلَعُها:
أ َصَحَوْتَ اليومَ أم شاقَتْكَ (هِرْ)
ومِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُسْتَقِرْ
ويرى ابن سلاّم أنّ الرّائيّة مثلُ المعلّقة في جودتها.
وبالنّظر إلى ما صحّ من شِعره يتبيّن أنَّه تناوَل معظمَ موضوعات الشعر ما خَلاَ الرّثاء، وكان الفخر والغزل والحكمة ألصق تلك الموضوعات بنفسه، غير أنَّه إذا وجَّه نظره نحو شيءٍ يصفه جاءَ من الشعر بما يُدْهِشُ، كوصفِهِ للنّاقة في المعلّقة، وللمرأة في رائيّته.
والّذي يدُْهِشُ أكثر هو تدفّق الحكمة على لسانه في كثير من شعره، على قِصَرِ عمره؛ ولعلّ ما شحنَهُ بهذه الحكمة هو غنى تجربته في الحياة وتأمّله لأحوال الناس والحياة، فقد نشأ يتيماً، وعانى ظلم الأقارب، وعاشَرَ الملوك والأمراء وكبار الناس شابّاً، وانخرط في الملذَّاتِ المباحةِ في الجاهلية من نساءٍ وخمر وغناء، وأضاف إلى ذلك تجربةَ عمّه المرقّش الأصغر، وما فيها من معانٍ، وغير ذلك من تجارب، فاجتمع ذلك كلّه في نفس شاعرٍ شابّ متوقّد بالذّكاء وصفَ نفسَهُ بقوله:
أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الّذي تعرفونَهُ
خَشاشٌ كرأسِ الحيّةِ المتوقّدِ
والضَّرْبُ: الخفيفُ إلى حاجاته. والخَشَاش: الذي يَنْخَشُّ في الأمور ذكاءً ومضاءً.
وقد وردت الحكمة في أوائل شعره حين ظُلِمَت أمّه، ومن حكمتِهِ التأمّليّة قوله:
أرى الموتَ يَعْتامُ الكرامَ، ويَصْطَفي
عَقيلةَ مالِ الفاحِشِ المتشدِّدِ
أرى العيشَ كنزاً ناقصاً كلَّ ليلةٍ
وما تَنْقُصِ الأيّامُ والدَّهرُ يَنْفَدِ
ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيك بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
شهد القدماء بمكانة طرفة وشعره فقد جعله حسّان بن ثابت أشعر الناسِ قصيدةً، وجعله لبيد بن ربيعة بعد امرئ القيس،و جعله جريرٌ أشعرَ الناس، وجعله الأخطل أشعر الناس بعد الأعشى.
وقال فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى (206هـ): «طرفةُ أَجوَدُهم واحدةً، ولا يُلْحَقُ بالبحور» يعني امرأ القيس وزهيراً والنابغة والأَعشى؛ فهو يجعل معلقته أجود المعلّقات، ولكنَّ قلّةِ شعرِه بأيدي الرواة تجعله لا يلحق بمَنْ كَثُرَ شعرُهُ فكان كالبحر.
وعند النّظر فيما صحّ من شعر طرفة يظهر أنّ نحوَ الرُّبع منه ساكنَ القوافي، وهو أمرٌ تأثّر به الأعشى فجاءَت في شعره عدّة قصائد ساكنة القوافي.
وكأنَّ العلماءَ الذين جمعوا المعلّقات وافقوا ما ذهب إليه لبيد في وَضْعِهِ بعدَ امرئ القيس، فجَعَلُوا معلّقتَهُ في الترتيب بعد معلقة امرئ القيس، وإن كانت معلّقتُهُ ـ فيما اجمعوا عليه ـ أجودَ المعلّقات.
محمد شفيق البيطار
ـ طرفة بن العبد،الديوان ( طبعة مجمع اللغة العربية بدمشق 1976).
ـ ابن سلام، طبقات فحول الشعراء (مطبعة المدني، القاهرة، د.ت ).
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء (دار الكتب العلمية، بيروت 1985).
Tarafah ibn al-Abd al-Bakri - Tarafah ibn al-Abd al-Bakri
طَرَفة بن العبد البكريّ
طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد ابن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل [ر]، و(طرفة) لقب اشتُهِرَ به، وهو اسم لنوع من الشجر، أما اسمه فقيل «عُبَيْد» وقيل «عمرو» وقيل «معبد»؛ والأرجح أنّه «عُبَيْد»، وأمُّه: وَردة بنت قتادة بن مشنوء بن عمرو بن مالك ابن ضُبَيعة بن قيس بن ثعلبة، وهذا ينفي أن يكونَ المتلمّس الشاعر الضَّبعيُّ خالَهُ [ر]، بحسب ما هو شائعٌ؛ لأنَّ المتلمِّسَ من بني ضُبَيعة بن ربيعة بن نزار؛ إلاّ أن تكون بين المتلمّس وأُمّ طَرَفة قَرابةٌ من جهة النِّساءِ، فقيل: إنَّه خالُهُ؛ لهذه القرابة، وليس خَالَهُ أَخا أمّه.
وطرفة شاعر جاهلي،من أسرةٍ عريقةٍ ذاتِ حسبٍ، عُرِفَ منها عدد من الشّعراء الجاهليين، منهم جدُّ أبيه (سعد بن مالك)، وعمُّه المرقّش الأصغر[ر]، وعمّ أبيه المرقّش الأكبر [ر]، وابن عمّ أبيه عمرو بن قميئة بن سعد[ر]، وعمّتُهُ الخرنق بنت سفيان[ر]، وأخته لأمّه الخرنق بنت بدر بن هفّان[ر]، ويُخْلَطُ بينَهُما، وكانت أختُهُ زوجاً لعبد عمرو بن بشر بن مرثد بن سعد بن مالك نديمِ عمرو بن هند.
وُلِدَ طرفة في البحرين، وهو اسمٌ قديمٌ لبلاد شاسعة بين البصرة وعُمان تُصاقب الخليجَ العربيّ، فيها عيونٌ ومياه، ويقطنُها بنو بكر وعدد من قبائل العرب، ماتَ أبوه (العبد) وهو صغير، فأبى أعمامُهُ أن يقسموا مالَهُ، وظَلَموا أُمَّهُ ـ وقيل: إنَّ أخوالَهُ هم الذين ظلموها حقَّها ـ فقالَ من أبياتٍ:
ما تَنْظُرُونَ بمالِ وَردَةَ فيكُمُ
صَغُرَ البَنُونَ، ورَهْطُ (وَرْدَةَ) غُيَّبُ
قد يَبْعَثُ الأمرَ العظيمَ صَغيرُهُ
حتّى تَظَلَّ لَهُ الدِّماءُ تَصَبَّبُ
وهي من أوّل الشعر الذي قالَهُ، وهي مُحْكَمَةُ النّسجِ، تغلبُ عليها الحكمةُ، وفيها دلالةٌ على شاعرٍ مفطورٍ على تأمّل الأمور والحياة.
فكانت نشأةُ طرفة نشأةَ يتيمٍ عانى الظُّلْمَ فلم يسكُت عليه، وكان يعلَمُ بحسَبِهِ ويشعُرُ بتميُّزهِ في قولِ الشعر، ويظهر أنَّه كان أَصغَرَ إخوتِهِ، فنشأَ مدلَّلاً تيّاهاً بنفسِهِ، ومالَ إلى الهوى واللّهو والتّبذير؛ فلمّا شبَّ يمَّمَ شطرَ الحيرةِ وفيها الملكِ عمرو بن هند [ر]، فنشأت بينهما خصومة، فهجاه في بيتين كانا سبباً لغضب الملك والأمر بقتله، في قصة معروفة، إذ أرسل معه ومع المتلمس الشاعر صحيفة إلى الوالي على (هجر ) فقتله،ورثَتْهُ أختُهُ الخرنق بأبياتٍ منها:
عَدَدْنا لَهُ ستّاً وعشرينَ حجّةً
فلمَّا توفّاها استوى سيّداً ضخما
وكان ذلك في مدّة حكم عمرو بن هند (554ـ 569م) ويُرَجَّح بعدَ النَّظَر في أقوال مؤرّخي الأدب أنَّ ذلك كان نحو سنة (567م)، فإذا كانت أخته حدّدت عمره بست وعشرين حجّة، فإنَّ ميلاده كان نحو سنة (543م). ولأنّه قُتِلَ ابن بضع وعشرين سنة أَطْلَقَ عليه الشّعراء والعلماء (ابن العشرين).
وقد اهتمّ العلماء في عصر التّدوين بجمع ما بقي على ألسنة النّاس والرواة من شعر طرفة، فجمعه الأصمعي، وابن السِّكّيتِ من رواية أبي عمرو الشيباني، وجمع الأعلم الشنتمري الأندلسي (476هـ) بين الروايتين وشرحهما في كتابه (شرح أشعار الشعراء الستّة الجاهليين).
وعن هذه المجاميع طُبِعَ ديوانه مرّات عدّة، إلى جانب ما جمعه القائمون على طباعته من المصادر، ولعلّ أفضل ذلك طبعة مجمع اللّغة العربية بدمشق عام 1975م.
وأصابَ شعرَه ما أصاب شعرَ القدماء من ضياع واضطراب ونحل، ونبّه ابن سلاّم الجمحيّ على ذلك حينَ جعلَهُ في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وعلّل ذلك بـ«قلّة شعرهم بأيدي الرواة« ولولا ذاك لتقدم في طبقته.
ويتميّز طرفة من أبناء طبقته بأنَّ له قصيدتين مشهورتين وأنَّ له أشعاراً حِساناً جِياداً غيرهما، وقصيدتاه هما: معلقته التي مطلَعُها:
لخولةَ أطلالٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدِ
تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهر اليَدِ
ورائيّتُه التي مَطْلَعُها:
أ َصَحَوْتَ اليومَ أم شاقَتْكَ (هِرْ)
ومِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُسْتَقِرْ
ويرى ابن سلاّم أنّ الرّائيّة مثلُ المعلّقة في جودتها.
وبالنّظر إلى ما صحّ من شِعره يتبيّن أنَّه تناوَل معظمَ موضوعات الشعر ما خَلاَ الرّثاء، وكان الفخر والغزل والحكمة ألصق تلك الموضوعات بنفسه، غير أنَّه إذا وجَّه نظره نحو شيءٍ يصفه جاءَ من الشعر بما يُدْهِشُ، كوصفِهِ للنّاقة في المعلّقة، وللمرأة في رائيّته.
والّذي يدُْهِشُ أكثر هو تدفّق الحكمة على لسانه في كثير من شعره، على قِصَرِ عمره؛ ولعلّ ما شحنَهُ بهذه الحكمة هو غنى تجربته في الحياة وتأمّله لأحوال الناس والحياة، فقد نشأ يتيماً، وعانى ظلم الأقارب، وعاشَرَ الملوك والأمراء وكبار الناس شابّاً، وانخرط في الملذَّاتِ المباحةِ في الجاهلية من نساءٍ وخمر وغناء، وأضاف إلى ذلك تجربةَ عمّه المرقّش الأصغر، وما فيها من معانٍ، وغير ذلك من تجارب، فاجتمع ذلك كلّه في نفس شاعرٍ شابّ متوقّد بالذّكاء وصفَ نفسَهُ بقوله:
أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الّذي تعرفونَهُ
خَشاشٌ كرأسِ الحيّةِ المتوقّدِ
والضَّرْبُ: الخفيفُ إلى حاجاته. والخَشَاش: الذي يَنْخَشُّ في الأمور ذكاءً ومضاءً.
وقد وردت الحكمة في أوائل شعره حين ظُلِمَت أمّه، ومن حكمتِهِ التأمّليّة قوله:
أرى الموتَ يَعْتامُ الكرامَ، ويَصْطَفي
عَقيلةَ مالِ الفاحِشِ المتشدِّدِ
أرى العيشَ كنزاً ناقصاً كلَّ ليلةٍ
وما تَنْقُصِ الأيّامُ والدَّهرُ يَنْفَدِ
ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيك بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
شهد القدماء بمكانة طرفة وشعره فقد جعله حسّان بن ثابت أشعر الناسِ قصيدةً، وجعله لبيد بن ربيعة بعد امرئ القيس،و جعله جريرٌ أشعرَ الناس، وجعله الأخطل أشعر الناس بعد الأعشى.
وقال فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى (206هـ): «طرفةُ أَجوَدُهم واحدةً، ولا يُلْحَقُ بالبحور» يعني امرأ القيس وزهيراً والنابغة والأَعشى؛ فهو يجعل معلقته أجود المعلّقات، ولكنَّ قلّةِ شعرِه بأيدي الرواة تجعله لا يلحق بمَنْ كَثُرَ شعرُهُ فكان كالبحر.
وعند النّظر فيما صحّ من شعر طرفة يظهر أنّ نحوَ الرُّبع منه ساكنَ القوافي، وهو أمرٌ تأثّر به الأعشى فجاءَت في شعره عدّة قصائد ساكنة القوافي.
وكأنَّ العلماءَ الذين جمعوا المعلّقات وافقوا ما ذهب إليه لبيد في وَضْعِهِ بعدَ امرئ القيس، فجَعَلُوا معلّقتَهُ في الترتيب بعد معلقة امرئ القيس، وإن كانت معلّقتُهُ ـ فيما اجمعوا عليه ـ أجودَ المعلّقات.
محمد شفيق البيطار
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن سلام، طبقات فحول الشعراء (مطبعة المدني، القاهرة، د.ت ).
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء (دار الكتب العلمية، بيروت 1985).