السيمياء العربية _ اضمحلال الدولة الإسلامية .. من روما الى بغداد
السيمياء العربية
على الرغم من التعامل مع العرب بالنار الإغريقية فإنهم انتصروا وبدأوا في استيعاب وخزن معارف الأمم التي أصبحت تابعة لهم. وأصبحت بغداد المركز الفكري المتقدم لأوروبا وآسيا وأفريقيا ، وقد قامت باستضافة المتعلمين من جميع الأنحاء ليقوموا بالتعليم في البلاطات العربية . كان ضمن هؤلاء علماء هندوس وأطباء وكتبة، ولأن الهند كانت تتبادل إلى حد ما مع الصين يبجل التانتريون 18 ساحرا - سيميائيا منهم على الأقل اثنان صينيان)، فإن الاتصال بالمعرفة الهندية كان يعني الاتصال إلى حد ما بالمعرفة الصينية كذلك. كانت إحدى المعلومات على وجه التحديد قد انتقلت إلى العرب ثم أخيرا، كما سنرى، إلى الغرب، وهي صيغة مخلوط متفجر أصبح يعرف باسم البارود . كان هذا المخلوط من نترات البوتاسيوم (النيتر) والكبريت والكربون ينفجر لأن المواد الصلبة تتفاعل عندما تشتعل لتكون غازات (ثاني أكسيد الكربون ونيتروجين وثاني أكسيد الكبريت ، تشغل حجما أكبر بكثير من المواد الصلبة عند البداية، ويحدث التمدد سريعا جدا.
وساند الحكام المسلمون العلماء اللاجئين من الإسكندرية، وقد حصلوا على ترجمات عربية لأعمال أفلاطون وأرسطو وجالينوس وديموقريطس الكاذب وزوسيموس وآخرين. وبهذا الشكل احتك العرب بالخبرة العملية للسيمياء وجعلوا منها علما عربيا في وقت قصير. كانت المساهمة الرئيسية للعرب في السيمياء هو التخفيف من النزعة الصوفية والتعامل بطريقة
أقرب إلى الاتجاه العملي للسيميائيين السكندريين الأوائل. وربما شعر العرب بأنهم غير مجبرين على استخدام السحر للوصول إلى النتائج لأنهم كانوا يهتمون بسير العمليات اهتمامهم بالأهداف نفسها . وأيا كانت الأسباب فإن السيمياء التي ورثتها أوروبا أخيرا من العرب كانت تستخدم طرقا واقعية تماما .
افترض السيميائيون العرب، ربما معتمدين على الخواص الأرسطية للعناصر، أن كل المواد لها طبائع - مثل الحرارة والبرودة والجفاف - وكانت مهمة السيميائي هي تحضير الطبائع النقية وتعيين النسب التي تدخل بها في تركيب المواد ، ثم إعادة اتحادها بالكميات المناسبة لتعطي النواتج المطلوبة.
فمثلا تعطي بعض المواد العضوية بالتسخين غازات ومواد قابلة للاشتعال وسوائل ورماد . وكانت هذه تؤخذ على أنها تقابل الهواء والنار والماء والأرض العناصر التي لابد أن توجد في المادة الأصلية. وقد قطر كل مكون من هذه المكونات على حدة لعزل الطبيعة النقية للعنصر الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف. البرودة» عزلت بكد وجهد كبير، بتبخير الماء حتى الجفاف مع التقطير عشرات إلى مئات المرات. وكان الناتج مادة نقية بيضاء والتي عندما تلامس أقل درجة من الرطوبة، تذوب وتتحول مرة ثانية إلى الماء (7) ، كانت - من دون شك - بقايا الأملاح التي كانت ذائبة في الماء الأصلي غير النقي. وهذه الأملاح الذائبة هي المسؤولة عن بقع الماء التي تتكون على الأطباق التي تترك لتجف في الهواء). لكن هذه البقايا كانت تؤخذ من قبل السيميائيين على أنها برهان على صحة النظرية.
وتتضح خصائص السيمياء العربية في أعمال الشخصيات التالية والتي يعرفون بها ، ومع أن الوجود الحقيقي لبعض هذه الشخصيات كأفراد محل تساؤل، إلا أنهم كانوا مؤثرين تاريخيا كمؤلفين : فقد كانت سجلاتهم المكتوبة بوضوح كاف هي الأساس الذي بنيت عليه السيمياء الأوروبية.
جابر بن حيان
افترض جابر الذي كان يذكر بأرسطو أن هناك هواءين: «الدخان الأرضي» (جسيمات صغيرة من الأرض في طريقها لتصبح نارا» و «البخار المائي» (جسيمات صغيرة من الماء في طريقها لتصبح هواء). وقد امتزج هذان الهواءان في اعتقاده ليصيرا فلزات. لكن جابر عدل من طريقة أرسطو بافتراض أن الهواء يخضع لتحولات وسيطة إلى الكبريت والزئبق قبل أن يصبحا فلزا . وكان يعتقد أن السبب وراء وجود أنواع مختلفة من الفلزات هو أن الكبريت والزئبق لم يكونا نقيين دائما . وافترض أنه إذا أخذت النسب المضبوطة من الكبريت والزئبق بدرجة النقاوة المناسبة فإنه يمكن إنتاج الذهب.
وكسيميائي عربي، كان جابر يثق في قيمة التجريب، لكنه لم يستطع التخلص تماما من التأثيرات الباطنية (الصوفية) التي كانت مسيطرة في تلك الأيام. ومجموعة المؤلفات المنسوبة إلى جابر مكتوبة بأسلوب ممعن في الصوفية، إلا أن الطرق القياسية للتبلر والتكلس والذوبان والتسامي والاختزال كانت تناقش بوضوح مثل العمليات المتنوعة لتحضير الصلب وصبغة الشعر . ومع أن جابر يحتمل أن يكون قد كتب بنفسه بعض الأعمال إلا أن كل الأعمال المنسوبة إليه لا يمكن أن تكون قد أنجزت بمجهود شخص واحد ، وربما تكون هذه الأعمال هي الأعمال المجمعة لجمعية سرية تسمى إخوان الصفا . وبالإضافة إلى ذلك فإن الكتابات يبدو أنها قد اكتملت حوالي سنة 1000 ميلادية، بينما الشخص الذي كان يعرف بجابر كان قد مات في القرن التاسع، وقد كتبت الأجزاء المختلفة للأعمال بأساليب مختلفة كما يحدث مع المؤلفين المختلفين. وقد نسبت لاحقا بعض الكتب اللاتينية إلى جبير، وهو الشكل اللاتيني لجابر ، ولم يكن لهذه الكتب مقابل في اللغة العربية، وقد كتبت على الأرجح بعد العام 1100.
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (رازيس)
لابد أن يكون أبو بكر محمد بن زكريا الرازي - الشخصية الأكثر مادية - من أسرة غنية لأنه كان قادرا على دراسة الموسيقى والأدب والفلسفة والسحر والسيمياء. كما درس الطب أيضا على يد يهودي اعتنق الإسلام. وقد كتب بغزارة في الطب والعلوم الطبيعية والرياضيات والفلك والفلسفة والمنطق واللاهوت والسيمياء. وكان يقال إنه رجل له رأس مربع كبير ، وكان إذا جلس للدرس أجلس تلامذته أمامه مباشرة، ثم أجلس تلامذتهم خلفهم ثم أجلس التلامذة الآخرين في آخر الجلسة، أبعد ما يكون عنه . فإذا طرح أحدهم سؤالا كان يوجهه للصف الأخير الأبعد ، فإذا لم يحظ بإجابة كان ينتقل بالسؤال للصف الأقرب وهكذا حتى يصل إلى الرازي نظرا لاتساع الإمبراطورية الإسلامية فإن العرب عرفوا واستخدموا مواد كيميائية من المواد الموجودة فى الطبيعة، أكثر بكثير مما فعل الكيميائيون السكندريون. وفي كتابه السيميائي المهم، سر الأسرار»، يسجل الرازي المعلومات ويقسم الكيماويات تبعا لأصلها (حيوانية، ونباتية ومعدنية أو مشتقة من كيماويات أخرى، ويقسم المعادن إلى ست فصائل امتدادا لتقسيم سابق بواسطة زوسيموس)، فهناك أجسام - فلزات مواد قابلة للانصهار ويمكن طرقها، وأرواح - الكبريت والزرنيخ والزئبق وكلوريد الأمونيوم مواد تتطاير في النار)، وأحجار - الماركازيت والماغنيسيا (مواد تنفلق أو تتحطم إذا طرقت، والزاجات - الكبريتات (مركب يذوب في الماء مكون من فلز وكبريت وأوكسجين والبورات ملح الصوديوم مع البورون الموجود في الطبيعة، والنطرق كربونات الصوديوم الموجودة في الطبيعة) ورماد النبات والأملاح - الملح العادي كلوريد الصوديوم، ملح الطعام والبوتاس ( كربونات البوتاسيوم من رماد الخشب)، والنيتر نيترات البوتاسيوم والصوديوم).
وقد اعتمد الرازي - كإنسان منطقي - على الحقائق التي يشاهدها أو يستطيع التحقق منها ، وتجنب بشكل شبه تام الصوفية الباطنية . فمثلا، الوصفة التالية للمياه الحادة القاسية)، وهي محلول الصودا الكاوية القوي واضحة ويمكن تنفيذها في أي مختبر عام للكيمياء اليوم.
خذ أجزاء متساوية من القلي المتكلس كربونات الصوديوم والجير غير المطفأ أكسيد الكالسيوم، وصب عليه أربعة أمثالها من الماء واتركها 3 أيام. رشح الخليط ثم أضف مرة أخرى القلي والجير في حدود ربع المحلول المرشح. كرر ذلك 7 مرات.
صب ذلك في نصف [الحجم ملح النشادر المذاب كلوريد الأمنيوم. احفظه بعد ذلك؛ فهو للحقيقة أقوى ماء حاد قاس] . وسيذيب هذا الماء الطلق (التلك) (الميكا) لحظيا (8) .
ومن الطريف أن الرازي قد اختار مصدرا منطقيا لمبادئه الأخلاقية فقد رفض التدخل الإلهي كلية بناء على فلسفته الدينية واحترافه للسيمياء.
ولم يكن يجد أي قيمة للمعتقدات الدينية التقليدية ، وكان يقول إن هذه المعتقدات كانت السبب الرئيسي للحرب، ولأنه كانت له هذه القناعة، ومازال يعمل بحرية في المجتمع الإسلامي، فإن الثقافة الإسلامية كانت على هذه الدرجة من التسامح.
علي الحسين بن سينا (ابن سينا)
كان ابن سينا واحدا من أكثر المؤلفين المسلمين غزارة وتأثيرا في زمنه . وكان طبيبا فارسيا، عاش حوالى سنة 1000 ميلادية، وكان يحضر أدويته الخاصة ويبحث في صناعة الذهب السيميائي كذلك. وكانت هناك ثلاثة أسباب لهذا المدى من الإنجازات طاقته الطبيعية الخاصة، وتدريبه المبكر وخبرته العريضة، مع أن هذا السبب الأخير جنى عليه لسوء الحظ.
وكطفل، كان مبكر النضج، ذا ذاكرة قوية للأعمال الأدبية، وفقد دفع به والده المحب للعلوم إلى الفلسفة والعلم. فدرس ابن سينا الشريعة الإسلامية والطب والميتافيزيقا . واكتسب شهرته كطبيب مقتدر في أثناء شبابه، وسمحله بدخول المكتبة الملكية للأسرة الحاكمة لأنه عالج أميرا مريضا بنجاح. عزلت الأسرة الحاكمة في نهاية المطاف، وأصبح ابن سينا طريدا، لكنه
وجد أخيرا بلاطا يقبله في وظيفة طبيب ويعينه وزيرا مرتين. ولكن هذه الوظيفة كانت شؤما عليه، لأنها عرضته للدسائس السياسية. وكان على ابن سينا أن يختبئ من حين لآخر، حتى أنه سجن في إحدى المرات. وعلى الرغم من الاضطراب السياسي من حوله، فإن ابن سينا كان يوفق في الاستمرار في إنجاز أعماله . كان يقال إنه كان يقوم بواجبه كطبيب وكإداري في أثناء النهار ثم يدخل في نقاشات صاخبة مع تلامذته في أثناء الليل
وحتى في السجن، فقد استمر ابن سينا في الكتابة، وعندما عُزل راعيه دخل ابن سينا السجن، ثم اضطر أخيرا إلى الفرار ، وقد وجد أخيرا هو ومجموعة صغيرة من أتباعه بلاطا آخر حيث استطاع أن يكمل أعماله. ولسوء الحظ ، فقد كان جزء من واجبات ابن سينا في البلاط الجديد هو آن يرافق راعيه في ميدان القتال . وسقط ابن سينا مريضا في إحدى هذه الرحلات، وتوفي على الرغم من محاولاته بنفسه للشفاء.
و أنتج ابن سينا كما يثير الإعجاب من الأعمال في أثناء حياته. وألف رسائله التي يصل عددها إلى 200 رسالة ، عن الطبيعة المعدية للسل ، ووصف ذات الجنب ، والعديد من أشكال الأمراض العصبية المختلفة وأشار إلى أن المرض يمكن أن ينتشر عن طريق تلوث والماء والتربة. وككيميائي ، فإن ابن سينا قسم المعادن إلى أحجار ومواد قابلة للانصهار وكبريت وأملاح . و رفض النظرية القائلة إنه يمكن معالجة الفلز بالإكسير ليصبحذهبا . وكان يعتقد أنه إذا كان التحول ممكنا بأي شكل ، فإن الفلز يمكن أن يتفكك إلى مكوناته ويعاد جمعه. وإنجازه الكبير القانون في الطب هو موسوعة ممنهجة مبنية على قراءته للأطباء الإغريق من عصر الإمبراطورية الرومانية ، وللأعمال العربية الأخرى ، وبدرجة أقل على معرفته الإكلينيكية الشخصية فقدت مذكراته في أثناء سفرياته وترحاله). وقد كان «القانون في الطب مرجعا طبيا للعرب ثم للطب الأوروبي على مدى الـ «500» سنة التالية. وعندما زال مجده وشهرته مثل جالينوس عاد ثانية إلى أوروبا في القرن السادس عشر وهو الحدث الذي أعاد صياغة تاريخ الكيمياء مرة أخرى.
اضمحلال الدولة الإسلامية
وجد العرب وحدتهم وإلهامهم في الإسلام، وبنوا إمبراطورية مؤسسة على قوة الإسلام. وجمعت الإمبراطورية الإسلامية المعارف الإغريقية واللاتينية والهندية والصينية، واستوردت السيمياء والتقنية الكيميائية من المناطق التابعة لها، وبسبب توقهم للمعرفة والعلوم قام العرب بتوسيع أساسيات هذه المجالات وجعلوا من السيمياء شيئا واقعيا مرة أخرى. لكن أخيرا بدأت الإمبراطورية الإسلامية في الخضوع للقوى التي تذكر بتلك القوى المسؤولة عن انحدار الإمبراطورية الرومانية . كان هناك انفصال تدريجي في العام 700، أعلن أمير عربي استقلال إسبانيا عن الخلافة، وبعدها انفصل العرب المصريون كذلك. وقد قام المغول والهونيون بغزو الإمبراطورية الإسلامية متزامنين مع القرص المزعج والغامض لبعوضة أخرى : الصليبيين. ومع أن العرب استمروا في المساهمة في الكيمياء على مدى القرون التالية (في الحقيقة وحتى العصور الحديثة فمثلا الحاصل على جائزة نوبل 1990 في الكيمياء عربي - أمريكي) . إلا أن راية التميز كانت قد انتقلت من أيديهم.
السيمياء العربية
على الرغم من التعامل مع العرب بالنار الإغريقية فإنهم انتصروا وبدأوا في استيعاب وخزن معارف الأمم التي أصبحت تابعة لهم. وأصبحت بغداد المركز الفكري المتقدم لأوروبا وآسيا وأفريقيا ، وقد قامت باستضافة المتعلمين من جميع الأنحاء ليقوموا بالتعليم في البلاطات العربية . كان ضمن هؤلاء علماء هندوس وأطباء وكتبة، ولأن الهند كانت تتبادل إلى حد ما مع الصين يبجل التانتريون 18 ساحرا - سيميائيا منهم على الأقل اثنان صينيان)، فإن الاتصال بالمعرفة الهندية كان يعني الاتصال إلى حد ما بالمعرفة الصينية كذلك. كانت إحدى المعلومات على وجه التحديد قد انتقلت إلى العرب ثم أخيرا، كما سنرى، إلى الغرب، وهي صيغة مخلوط متفجر أصبح يعرف باسم البارود . كان هذا المخلوط من نترات البوتاسيوم (النيتر) والكبريت والكربون ينفجر لأن المواد الصلبة تتفاعل عندما تشتعل لتكون غازات (ثاني أكسيد الكربون ونيتروجين وثاني أكسيد الكبريت ، تشغل حجما أكبر بكثير من المواد الصلبة عند البداية، ويحدث التمدد سريعا جدا.
وساند الحكام المسلمون العلماء اللاجئين من الإسكندرية، وقد حصلوا على ترجمات عربية لأعمال أفلاطون وأرسطو وجالينوس وديموقريطس الكاذب وزوسيموس وآخرين. وبهذا الشكل احتك العرب بالخبرة العملية للسيمياء وجعلوا منها علما عربيا في وقت قصير. كانت المساهمة الرئيسية للعرب في السيمياء هو التخفيف من النزعة الصوفية والتعامل بطريقة
أقرب إلى الاتجاه العملي للسيميائيين السكندريين الأوائل. وربما شعر العرب بأنهم غير مجبرين على استخدام السحر للوصول إلى النتائج لأنهم كانوا يهتمون بسير العمليات اهتمامهم بالأهداف نفسها . وأيا كانت الأسباب فإن السيمياء التي ورثتها أوروبا أخيرا من العرب كانت تستخدم طرقا واقعية تماما .
افترض السيميائيون العرب، ربما معتمدين على الخواص الأرسطية للعناصر، أن كل المواد لها طبائع - مثل الحرارة والبرودة والجفاف - وكانت مهمة السيميائي هي تحضير الطبائع النقية وتعيين النسب التي تدخل بها في تركيب المواد ، ثم إعادة اتحادها بالكميات المناسبة لتعطي النواتج المطلوبة.
فمثلا تعطي بعض المواد العضوية بالتسخين غازات ومواد قابلة للاشتعال وسوائل ورماد . وكانت هذه تؤخذ على أنها تقابل الهواء والنار والماء والأرض العناصر التي لابد أن توجد في المادة الأصلية. وقد قطر كل مكون من هذه المكونات على حدة لعزل الطبيعة النقية للعنصر الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف. البرودة» عزلت بكد وجهد كبير، بتبخير الماء حتى الجفاف مع التقطير عشرات إلى مئات المرات. وكان الناتج مادة نقية بيضاء والتي عندما تلامس أقل درجة من الرطوبة، تذوب وتتحول مرة ثانية إلى الماء (7) ، كانت - من دون شك - بقايا الأملاح التي كانت ذائبة في الماء الأصلي غير النقي. وهذه الأملاح الذائبة هي المسؤولة عن بقع الماء التي تتكون على الأطباق التي تترك لتجف في الهواء). لكن هذه البقايا كانت تؤخذ من قبل السيميائيين على أنها برهان على صحة النظرية.
وتتضح خصائص السيمياء العربية في أعمال الشخصيات التالية والتي يعرفون بها ، ومع أن الوجود الحقيقي لبعض هذه الشخصيات كأفراد محل تساؤل، إلا أنهم كانوا مؤثرين تاريخيا كمؤلفين : فقد كانت سجلاتهم المكتوبة بوضوح كاف هي الأساس الذي بنيت عليه السيمياء الأوروبية.
جابر بن حيان
افترض جابر الذي كان يذكر بأرسطو أن هناك هواءين: «الدخان الأرضي» (جسيمات صغيرة من الأرض في طريقها لتصبح نارا» و «البخار المائي» (جسيمات صغيرة من الماء في طريقها لتصبح هواء). وقد امتزج هذان الهواءان في اعتقاده ليصيرا فلزات. لكن جابر عدل من طريقة أرسطو بافتراض أن الهواء يخضع لتحولات وسيطة إلى الكبريت والزئبق قبل أن يصبحا فلزا . وكان يعتقد أن السبب وراء وجود أنواع مختلفة من الفلزات هو أن الكبريت والزئبق لم يكونا نقيين دائما . وافترض أنه إذا أخذت النسب المضبوطة من الكبريت والزئبق بدرجة النقاوة المناسبة فإنه يمكن إنتاج الذهب.
وكسيميائي عربي، كان جابر يثق في قيمة التجريب، لكنه لم يستطع التخلص تماما من التأثيرات الباطنية (الصوفية) التي كانت مسيطرة في تلك الأيام. ومجموعة المؤلفات المنسوبة إلى جابر مكتوبة بأسلوب ممعن في الصوفية، إلا أن الطرق القياسية للتبلر والتكلس والذوبان والتسامي والاختزال كانت تناقش بوضوح مثل العمليات المتنوعة لتحضير الصلب وصبغة الشعر . ومع أن جابر يحتمل أن يكون قد كتب بنفسه بعض الأعمال إلا أن كل الأعمال المنسوبة إليه لا يمكن أن تكون قد أنجزت بمجهود شخص واحد ، وربما تكون هذه الأعمال هي الأعمال المجمعة لجمعية سرية تسمى إخوان الصفا . وبالإضافة إلى ذلك فإن الكتابات يبدو أنها قد اكتملت حوالي سنة 1000 ميلادية، بينما الشخص الذي كان يعرف بجابر كان قد مات في القرن التاسع، وقد كتبت الأجزاء المختلفة للأعمال بأساليب مختلفة كما يحدث مع المؤلفين المختلفين. وقد نسبت لاحقا بعض الكتب اللاتينية إلى جبير، وهو الشكل اللاتيني لجابر ، ولم يكن لهذه الكتب مقابل في اللغة العربية، وقد كتبت على الأرجح بعد العام 1100.
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (رازيس)
لابد أن يكون أبو بكر محمد بن زكريا الرازي - الشخصية الأكثر مادية - من أسرة غنية لأنه كان قادرا على دراسة الموسيقى والأدب والفلسفة والسحر والسيمياء. كما درس الطب أيضا على يد يهودي اعتنق الإسلام. وقد كتب بغزارة في الطب والعلوم الطبيعية والرياضيات والفلك والفلسفة والمنطق واللاهوت والسيمياء. وكان يقال إنه رجل له رأس مربع كبير ، وكان إذا جلس للدرس أجلس تلامذته أمامه مباشرة، ثم أجلس تلامذتهم خلفهم ثم أجلس التلامذة الآخرين في آخر الجلسة، أبعد ما يكون عنه . فإذا طرح أحدهم سؤالا كان يوجهه للصف الأخير الأبعد ، فإذا لم يحظ بإجابة كان ينتقل بالسؤال للصف الأقرب وهكذا حتى يصل إلى الرازي نظرا لاتساع الإمبراطورية الإسلامية فإن العرب عرفوا واستخدموا مواد كيميائية من المواد الموجودة فى الطبيعة، أكثر بكثير مما فعل الكيميائيون السكندريون. وفي كتابه السيميائي المهم، سر الأسرار»، يسجل الرازي المعلومات ويقسم الكيماويات تبعا لأصلها (حيوانية، ونباتية ومعدنية أو مشتقة من كيماويات أخرى، ويقسم المعادن إلى ست فصائل امتدادا لتقسيم سابق بواسطة زوسيموس)، فهناك أجسام - فلزات مواد قابلة للانصهار ويمكن طرقها، وأرواح - الكبريت والزرنيخ والزئبق وكلوريد الأمونيوم مواد تتطاير في النار)، وأحجار - الماركازيت والماغنيسيا (مواد تنفلق أو تتحطم إذا طرقت، والزاجات - الكبريتات (مركب يذوب في الماء مكون من فلز وكبريت وأوكسجين والبورات ملح الصوديوم مع البورون الموجود في الطبيعة، والنطرق كربونات الصوديوم الموجودة في الطبيعة) ورماد النبات والأملاح - الملح العادي كلوريد الصوديوم، ملح الطعام والبوتاس ( كربونات البوتاسيوم من رماد الخشب)، والنيتر نيترات البوتاسيوم والصوديوم).
وقد اعتمد الرازي - كإنسان منطقي - على الحقائق التي يشاهدها أو يستطيع التحقق منها ، وتجنب بشكل شبه تام الصوفية الباطنية . فمثلا، الوصفة التالية للمياه الحادة القاسية)، وهي محلول الصودا الكاوية القوي واضحة ويمكن تنفيذها في أي مختبر عام للكيمياء اليوم.
خذ أجزاء متساوية من القلي المتكلس كربونات الصوديوم والجير غير المطفأ أكسيد الكالسيوم، وصب عليه أربعة أمثالها من الماء واتركها 3 أيام. رشح الخليط ثم أضف مرة أخرى القلي والجير في حدود ربع المحلول المرشح. كرر ذلك 7 مرات.
صب ذلك في نصف [الحجم ملح النشادر المذاب كلوريد الأمنيوم. احفظه بعد ذلك؛ فهو للحقيقة أقوى ماء حاد قاس] . وسيذيب هذا الماء الطلق (التلك) (الميكا) لحظيا (8) .
ومن الطريف أن الرازي قد اختار مصدرا منطقيا لمبادئه الأخلاقية فقد رفض التدخل الإلهي كلية بناء على فلسفته الدينية واحترافه للسيمياء.
ولم يكن يجد أي قيمة للمعتقدات الدينية التقليدية ، وكان يقول إن هذه المعتقدات كانت السبب الرئيسي للحرب، ولأنه كانت له هذه القناعة، ومازال يعمل بحرية في المجتمع الإسلامي، فإن الثقافة الإسلامية كانت على هذه الدرجة من التسامح.
علي الحسين بن سينا (ابن سينا)
كان ابن سينا واحدا من أكثر المؤلفين المسلمين غزارة وتأثيرا في زمنه . وكان طبيبا فارسيا، عاش حوالى سنة 1000 ميلادية، وكان يحضر أدويته الخاصة ويبحث في صناعة الذهب السيميائي كذلك. وكانت هناك ثلاثة أسباب لهذا المدى من الإنجازات طاقته الطبيعية الخاصة، وتدريبه المبكر وخبرته العريضة، مع أن هذا السبب الأخير جنى عليه لسوء الحظ.
وكطفل، كان مبكر النضج، ذا ذاكرة قوية للأعمال الأدبية، وفقد دفع به والده المحب للعلوم إلى الفلسفة والعلم. فدرس ابن سينا الشريعة الإسلامية والطب والميتافيزيقا . واكتسب شهرته كطبيب مقتدر في أثناء شبابه، وسمحله بدخول المكتبة الملكية للأسرة الحاكمة لأنه عالج أميرا مريضا بنجاح. عزلت الأسرة الحاكمة في نهاية المطاف، وأصبح ابن سينا طريدا، لكنه
وجد أخيرا بلاطا يقبله في وظيفة طبيب ويعينه وزيرا مرتين. ولكن هذه الوظيفة كانت شؤما عليه، لأنها عرضته للدسائس السياسية. وكان على ابن سينا أن يختبئ من حين لآخر، حتى أنه سجن في إحدى المرات. وعلى الرغم من الاضطراب السياسي من حوله، فإن ابن سينا كان يوفق في الاستمرار في إنجاز أعماله . كان يقال إنه كان يقوم بواجبه كطبيب وكإداري في أثناء النهار ثم يدخل في نقاشات صاخبة مع تلامذته في أثناء الليل
وحتى في السجن، فقد استمر ابن سينا في الكتابة، وعندما عُزل راعيه دخل ابن سينا السجن، ثم اضطر أخيرا إلى الفرار ، وقد وجد أخيرا هو ومجموعة صغيرة من أتباعه بلاطا آخر حيث استطاع أن يكمل أعماله. ولسوء الحظ ، فقد كان جزء من واجبات ابن سينا في البلاط الجديد هو آن يرافق راعيه في ميدان القتال . وسقط ابن سينا مريضا في إحدى هذه الرحلات، وتوفي على الرغم من محاولاته بنفسه للشفاء.
و أنتج ابن سينا كما يثير الإعجاب من الأعمال في أثناء حياته. وألف رسائله التي يصل عددها إلى 200 رسالة ، عن الطبيعة المعدية للسل ، ووصف ذات الجنب ، والعديد من أشكال الأمراض العصبية المختلفة وأشار إلى أن المرض يمكن أن ينتشر عن طريق تلوث والماء والتربة. وككيميائي ، فإن ابن سينا قسم المعادن إلى أحجار ومواد قابلة للانصهار وكبريت وأملاح . و رفض النظرية القائلة إنه يمكن معالجة الفلز بالإكسير ليصبحذهبا . وكان يعتقد أنه إذا كان التحول ممكنا بأي شكل ، فإن الفلز يمكن أن يتفكك إلى مكوناته ويعاد جمعه. وإنجازه الكبير القانون في الطب هو موسوعة ممنهجة مبنية على قراءته للأطباء الإغريق من عصر الإمبراطورية الرومانية ، وللأعمال العربية الأخرى ، وبدرجة أقل على معرفته الإكلينيكية الشخصية فقدت مذكراته في أثناء سفرياته وترحاله). وقد كان «القانون في الطب مرجعا طبيا للعرب ثم للطب الأوروبي على مدى الـ «500» سنة التالية. وعندما زال مجده وشهرته مثل جالينوس عاد ثانية إلى أوروبا في القرن السادس عشر وهو الحدث الذي أعاد صياغة تاريخ الكيمياء مرة أخرى.
اضمحلال الدولة الإسلامية
وجد العرب وحدتهم وإلهامهم في الإسلام، وبنوا إمبراطورية مؤسسة على قوة الإسلام. وجمعت الإمبراطورية الإسلامية المعارف الإغريقية واللاتينية والهندية والصينية، واستوردت السيمياء والتقنية الكيميائية من المناطق التابعة لها، وبسبب توقهم للمعرفة والعلوم قام العرب بتوسيع أساسيات هذه المجالات وجعلوا من السيمياء شيئا واقعيا مرة أخرى. لكن أخيرا بدأت الإمبراطورية الإسلامية في الخضوع للقوى التي تذكر بتلك القوى المسؤولة عن انحدار الإمبراطورية الرومانية . كان هناك انفصال تدريجي في العام 700، أعلن أمير عربي استقلال إسبانيا عن الخلافة، وبعدها انفصل العرب المصريون كذلك. وقد قام المغول والهونيون بغزو الإمبراطورية الإسلامية متزامنين مع القرص المزعج والغامض لبعوضة أخرى : الصليبيين. ومع أن العرب استمروا في المساهمة في الكيمياء على مدى القرون التالية (في الحقيقة وحتى العصور الحديثة فمثلا الحاصل على جائزة نوبل 1990 في الكيمياء عربي - أمريكي) . إلا أن راية التميز كانت قد انتقلت من أيديهم.
تعليق