مفردات النخل في اللهجة الإماراتية وأصولها في المعاجم القديمة
علي العبدان يستعرض المفردات المتعلقة بالنخل في لهجة بلاده.
السبت 2025/02/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook

النخلة ركن من الهوية والثقافة
في أحدث إصداراته البحثية يهتم الفنان والكاتب علي العبدان بحضور النخل في الثقافة الإماراتية وارتباطه بالمعجم اللساني وكيف تأثر الإماراتيون وأثّروا في القبائل بحكم الهجرات القديمة، ما يجعل كتابه “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية” معجما مهما يعزز الهوية الإماراتية ويعرّف بأبرز مكوناتها.
تحظى أشجار النخيل بمكانة متميزة في الثقافة الإماراتية، واحتلت كذلك موقعا متفردا في التراث، وكانت ولا تزال مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية الإماراتية. وقد اهتمت الحكومة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة، والمؤسسات العلمية والتراثية والتنموية بأشجار النخيل، وخصصت لها المهرجانات والملتقيات، وأصدرت عنها الكثير والكثير من المؤلفات العلمية والفنية والأدبية وحتى اللغوية.
ومن بين المؤلفات التي دارت في فلك النخل في الإمارات ووثقت حضوره في الموروث الشعبي والثقافة الوطنية الإماراتية، يبرز كتاب “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية”، لمؤلفه الباحث والكاتب الإماراتي علي العبدان، حيث يبحث الكتاب في المفردات المتعلقة بالنخل في اللهجة الإماراتية وأصولها في المعاجم العربية القديمة.
الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث، والذي تصدرته مقدمة كتبها رئيس المعهد الدكتور عبدالعزيز المسلم، جاء بمثابة معجم وجيز يسعى إلى تعريف القارئ بمجموعة من المفردات المتعلقة بشجر النخيل في اللهجة الإماراتية؛ وهو ما وقف مؤلف الكتاب على أصل قديم له، وذلك لبيان أصالة هذه اللهجة في العربية عموما، وأصالة ما يتعلق بموضوع النخيل من الألفاظ خصوصا.
◙ مثقف مهتم بالتوثيق
ويعرض الكتاب خمسين مفردة في اللهجة الإماراتية تتعلق بالنخيل في شكل معجم میسر، مع ضبطها بالشكل وبيان كيفية نطقها في اللهجة الإماراتية، ثم ذكر أصلها الفصيح أو القديم في المعاجم العربية، أو ما توصل إليه الباحث باجتهاده وغلبة ظنه.
وبحسب نصوص الكتاب، فإن المكون الأساسي للعامية في الإمارات هو اللهجة الإماراتية، بالإضافة إلى الكثير من الكلمات الدخيلة من أصول غير عربية؛ كما هي الحال في عموم الكلام العامي في أنحاء العالم العربي كافة، والمقصود باللهجة الإماراتية ما كان فصيح الأصل وبقي على حاله، أو أصابه شيء من التحوير العائد في المؤلف إلى ما يمكن أن يطلق عليه الذوق اللساني الخاص بمجتمع هذه المنطقة.
ويدلنا الكتاب على أن اللهجة الإماراتية بدورها مزيج من لهجات عدة، منها لهجة أزد عمان، بحكم الوجود الإقليمي، ولهجة هذيل ولهجة بني تميم وغيرهما، بحكم الهجرة القديمة من مناطق هاتين اللهجتين. ومن لهجة أزد عمان ما قد يرد في هذا المعجم مما يصفه علماء اللغة بأنه كلمة أزدية، مثل كلمة “قارن” في قولهم: رطب قارن، ومن لهجة بني تميم قلب الجيم ياء، كما في قولهم: شير، ويقصد ونشجر، وهذه لهجة تميمية كما هو معلوم، ومن لهجة هُذَيْل إضافة هاء السكت لآخر الكلمة، كما في لهجة عرب أبوظبي ودبي، وعموم قبائل بني ياس الكريمة، إذ يقول أحدهم: ولديه، ويقصد ولدي، وهو حرف من العربية جاء في قوله تعالى: مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلطَٰانِيَه (الآيتين 28 و29 من سورة الحاقة).أي: مالي، وسلطاني.
ونتعرف من الكتاب على أنه في اللهجة الإماراتية يلفظ حرف القاف في معظم الأحيان جيماً قاهرية، أو كحرف (G) في كلمة (Go) الإنجليزية، فإذا قال المؤلف في موضع من الكتاب مثلا: (قعام – بالجيم القاهرية) فإنه يقصد ما ذُكر هنا. وقد ينطق حرف القاف أحيانا كثيرة جيماً، فيقال: “جدم” وأصله قدم، وحرف الجيم الأصلي قد ينطق ياءً في كلمات معينة مثل جذع، إذ تنطق في اللهجة الإماراتية: يذع، وهي لهجة تميمية كما أخبرنا مؤلف الكتاب.
◙ معجم وجيز للمفردات المتعلقة بشجر النخيل في اللهجة الإماراتية؛ وهو ما وقف مؤلف الكتاب على أصل قديم له
ويشير مؤلف الكتاب إلى أنه ينبغي الانتباه إلى أن الضاد تلفظ ظاءً في العامية الإماراتية، كما هي الضاد النجدية والعراقية في قولهم مثلاً: فرط، وهي في القديم: فرض. وإذا قلت على سبيل المثال: غيض – بتخفيف الياء- فإن معنى ذلك عدم إسكان الياء تماما في نطق الكلمة، بل تنطق كحرف (A) الإنجليزي، أو كألف ممالة. وفي كتابه “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية” رتب لنا الباحث والكاتب الإماراتي علي العبدان مفردات اللهجة الإماراتية -المتعلقة بالنخل- وفق الترتيب الألف بائي، وجعلها مغلظة في الطباعة، أي ترد في الكتاب بخط عريض.
ومن أجل تأصيل مفردات اللهجة في الفصيح، رجع المؤلف إلى خمسة مما تيسر له من المصادر اللغوية المشهورة، منها القاموس المحيط للفيروز آبادي، والمُخَصَّص لابن سيده، وتاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، وجمهرة اللغة لابن دريد، وكتاب النخلة لأبي حاتم السجستاني، ومصادر أخرى منها كتاب “أميرة الصحراء” للأديب الإماراتي الراحل محمد بن راشد الجروان، حيث استقى منه بعض المفردات المتعلقة بالنخيل في اللهجة الإماراتية، بالإضافة إلى بعض الأمثال أو التعبيرات الشعبية في هذا السياق.
يُذكر أن علي العبدان هو أيضا فنان تشكيلي وأحد الباحثين المهمومين بالجانب التوثيقي للأنماط والظواهر الثقافية والفنية والتراثية في الإمارات، وقد امتدت جهوده أيضا إلى البحث في تراث وموسيقى الخليج العربي وبخاصة فن الصوت الخليجي، بجانب البحث في أركيولوجيا الثقافة المحلية الإماراتية. كما عُرف بنشاطاته البحثية وكتاباته في مجال التراث، فقد عُرف بدوره كفنان تشكيلي، حيث أصبح عضوا بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وله جهود في مجال الكاريكاتير وتوثيقه في الإمارات، كما عُرف بكونه ناقدا فنيا وباهتماماته المسرحية والسينمائية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

حجاج سلامة
كاتب مصري
علي العبدان يستعرض المفردات المتعلقة بالنخل في لهجة بلاده.
السبت 2025/02/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook

النخلة ركن من الهوية والثقافة
في أحدث إصداراته البحثية يهتم الفنان والكاتب علي العبدان بحضور النخل في الثقافة الإماراتية وارتباطه بالمعجم اللساني وكيف تأثر الإماراتيون وأثّروا في القبائل بحكم الهجرات القديمة، ما يجعل كتابه “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية” معجما مهما يعزز الهوية الإماراتية ويعرّف بأبرز مكوناتها.
تحظى أشجار النخيل بمكانة متميزة في الثقافة الإماراتية، واحتلت كذلك موقعا متفردا في التراث، وكانت ولا تزال مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية الإماراتية. وقد اهتمت الحكومة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة، والمؤسسات العلمية والتراثية والتنموية بأشجار النخيل، وخصصت لها المهرجانات والملتقيات، وأصدرت عنها الكثير والكثير من المؤلفات العلمية والفنية والأدبية وحتى اللغوية.
ومن بين المؤلفات التي دارت في فلك النخل في الإمارات ووثقت حضوره في الموروث الشعبي والثقافة الوطنية الإماراتية، يبرز كتاب “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية”، لمؤلفه الباحث والكاتب الإماراتي علي العبدان، حيث يبحث الكتاب في المفردات المتعلقة بالنخل في اللهجة الإماراتية وأصولها في المعاجم العربية القديمة.
الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث، والذي تصدرته مقدمة كتبها رئيس المعهد الدكتور عبدالعزيز المسلم، جاء بمثابة معجم وجيز يسعى إلى تعريف القارئ بمجموعة من المفردات المتعلقة بشجر النخيل في اللهجة الإماراتية؛ وهو ما وقف مؤلف الكتاب على أصل قديم له، وذلك لبيان أصالة هذه اللهجة في العربية عموما، وأصالة ما يتعلق بموضوع النخيل من الألفاظ خصوصا.

ويعرض الكتاب خمسين مفردة في اللهجة الإماراتية تتعلق بالنخيل في شكل معجم میسر، مع ضبطها بالشكل وبيان كيفية نطقها في اللهجة الإماراتية، ثم ذكر أصلها الفصيح أو القديم في المعاجم العربية، أو ما توصل إليه الباحث باجتهاده وغلبة ظنه.
وبحسب نصوص الكتاب، فإن المكون الأساسي للعامية في الإمارات هو اللهجة الإماراتية، بالإضافة إلى الكثير من الكلمات الدخيلة من أصول غير عربية؛ كما هي الحال في عموم الكلام العامي في أنحاء العالم العربي كافة، والمقصود باللهجة الإماراتية ما كان فصيح الأصل وبقي على حاله، أو أصابه شيء من التحوير العائد في المؤلف إلى ما يمكن أن يطلق عليه الذوق اللساني الخاص بمجتمع هذه المنطقة.
ويدلنا الكتاب على أن اللهجة الإماراتية بدورها مزيج من لهجات عدة، منها لهجة أزد عمان، بحكم الوجود الإقليمي، ولهجة هذيل ولهجة بني تميم وغيرهما، بحكم الهجرة القديمة من مناطق هاتين اللهجتين. ومن لهجة أزد عمان ما قد يرد في هذا المعجم مما يصفه علماء اللغة بأنه كلمة أزدية، مثل كلمة “قارن” في قولهم: رطب قارن، ومن لهجة بني تميم قلب الجيم ياء، كما في قولهم: شير، ويقصد ونشجر، وهذه لهجة تميمية كما هو معلوم، ومن لهجة هُذَيْل إضافة هاء السكت لآخر الكلمة، كما في لهجة عرب أبوظبي ودبي، وعموم قبائل بني ياس الكريمة، إذ يقول أحدهم: ولديه، ويقصد ولدي، وهو حرف من العربية جاء في قوله تعالى: مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلطَٰانِيَه (الآيتين 28 و29 من سورة الحاقة).أي: مالي، وسلطاني.
ونتعرف من الكتاب على أنه في اللهجة الإماراتية يلفظ حرف القاف في معظم الأحيان جيماً قاهرية، أو كحرف (G) في كلمة (Go) الإنجليزية، فإذا قال المؤلف في موضع من الكتاب مثلا: (قعام – بالجيم القاهرية) فإنه يقصد ما ذُكر هنا. وقد ينطق حرف القاف أحيانا كثيرة جيماً، فيقال: “جدم” وأصله قدم، وحرف الجيم الأصلي قد ينطق ياءً في كلمات معينة مثل جذع، إذ تنطق في اللهجة الإماراتية: يذع، وهي لهجة تميمية كما أخبرنا مؤلف الكتاب.

ويشير مؤلف الكتاب إلى أنه ينبغي الانتباه إلى أن الضاد تلفظ ظاءً في العامية الإماراتية، كما هي الضاد النجدية والعراقية في قولهم مثلاً: فرط، وهي في القديم: فرض. وإذا قلت على سبيل المثال: غيض – بتخفيف الياء- فإن معنى ذلك عدم إسكان الياء تماما في نطق الكلمة، بل تنطق كحرف (A) الإنجليزي، أو كألف ممالة. وفي كتابه “مفردات النخل في اللهجة الإماراتية” رتب لنا الباحث والكاتب الإماراتي علي العبدان مفردات اللهجة الإماراتية -المتعلقة بالنخل- وفق الترتيب الألف بائي، وجعلها مغلظة في الطباعة، أي ترد في الكتاب بخط عريض.
ومن أجل تأصيل مفردات اللهجة في الفصيح، رجع المؤلف إلى خمسة مما تيسر له من المصادر اللغوية المشهورة، منها القاموس المحيط للفيروز آبادي، والمُخَصَّص لابن سيده، وتاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، وجمهرة اللغة لابن دريد، وكتاب النخلة لأبي حاتم السجستاني، ومصادر أخرى منها كتاب “أميرة الصحراء” للأديب الإماراتي الراحل محمد بن راشد الجروان، حيث استقى منه بعض المفردات المتعلقة بالنخيل في اللهجة الإماراتية، بالإضافة إلى بعض الأمثال أو التعبيرات الشعبية في هذا السياق.
يُذكر أن علي العبدان هو أيضا فنان تشكيلي وأحد الباحثين المهمومين بالجانب التوثيقي للأنماط والظواهر الثقافية والفنية والتراثية في الإمارات، وقد امتدت جهوده أيضا إلى البحث في تراث وموسيقى الخليج العربي وبخاصة فن الصوت الخليجي، بجانب البحث في أركيولوجيا الثقافة المحلية الإماراتية. كما عُرف بنشاطاته البحثية وكتاباته في مجال التراث، فقد عُرف بدوره كفنان تشكيلي، حيث أصبح عضوا بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وله جهود في مجال الكاريكاتير وتوثيقه في الإمارات، كما عُرف بكونه ناقدا فنيا وباهتماماته المسرحية والسينمائية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

حجاج سلامة
كاتب مصري