لوثةُ التحرُّرِ الإفرادي
. مقالة:سامي الحاج حسين
لامفرَّ لك كفردٍ،من استمرار سطوة العقل الجمعيِّ عليك؛ بمايحتويه من مفاهيمَ مطلَقةٍ وأحكامٍ جاهزةٍ ومسبقة..
فإنْ تطردْهُ من داخلك بعد طول جَهدٍ؛ تجدْهُ حارساً لأسواره الشائكة التي حولك،محاصراً إياكَ في محيطك، يتربَّص بكَ في كلَّ خطاويكَ..
يرقب لحظة خروجك عن مفاهيم عباءته المهترئة منذ آلاف السنين.. لينبذَ بشدَّةٍ هروبَك اللامبرَّرَ إلى ذاتِك الحقيقية،ويهاجمَ محاولاتِ تحرُّرِك الوجوديِّ،ولربَّما يبيحُ قتلَك أوصَلبَك.. سيَّما إذا راودتك نفسك بكلِّ عِنادٍ على التفرُّد ..
فانسلاخك عن المألوف المتعفِّن-إن أمكنك-يُعدُّ تحدِّياً وتميُّزاً واستقلالاً وإبداعاً..
فما الإبداع عند النمطيِّين إلَّا بدعةً وانحرافاً عن البوصلةِ وأشدُّ كفراً؛ في مجتمعٍ يسوده الجهل والتخلف..
لذا يستلُّ المحنَّطون الجامدون سيوفَهم ونبالَهم استعداداً لمجاهدتك، لكأنَّما كنتَ ترمي بتفرُّدك وتميُّزك إلى المساسِ في قدسيَّة ملامحهم المستنسخة المتجانسة..
أو أنَّك تخدشُ مجدَهم الوهميًّ وآليَّةَ سلوكٍهم ولو من بعيدٍ..
فللقطيعِ عقولٌ،جذورُها ضاربةٌ بعمقٍ في تربة بيئاتهم العتيقة،وهم إذ يتفرَّعون عن ماضٍ جميل التخيل في أساطيره، يظلُّون إليه تابعين بكلِّ طواعيةٍ واستسلامٍ وخنوع..لأنهم سلبيون اتكاليون قدريُّون بدون تعقُل..
إنَّهم أشبه بحاسِبٍ إلكترونيٍّ مبرمَج، تتساوى فيه مخرجاته الثقافية مع مُدخَلاته،وقد غابت عنهم روح التفاعل والفاعلية والتساؤل،وسُلب لديهم الفعل الإرادي الفكري والنقدي والإبداعي.
ومَن يتمرَّد من الأذكياء المبدعين الخارقين يصبح في نظرهم خائناً للدين وللوطن.
فالفلسفة ضلالٌ وكفرٌ وخروجٌ عن تعاليم الغزالي والأشعري وابن تيمية لما فيها من تساؤلاتٍ عقليَّة،فإذا كانت الفلسفة أمَّاً للعلوم فهم ينسفونها وينسفون معها العلوم.
الكيمياء غير مستحبة لأنَّ فيها خلط لمواد الطبيعة التي خلقها الله مستقلة، وهي نوعٌ من السحر وتشبُّهٌ بالخالق، أمَّا النحت فهو أشبه بصناعة الأصنام وعبادة الحجر،والصور كأنها تخليد للإنسان فلاتدخل الملائكة بيتاً فيه صورة،وفنُّ الموسيقا وعلومها تُعَدُّ من الفواحش ويعدُّ الفنُّ والغناء ملهاةً عن الصلاة والذكر،والرسم والتشكيل يُعَدُّ محاكاةً لخلق الله،والشعر لغوٌ مرفوض لما فيه من سرح الخيال والمبالغة والابتعاد عن الواقع والحق والحقيقة، والمسرح والتمثيل كله كذب وخداع، والألعاب الرياضية مكروهةٌ لما فيها من لهوٍ وخشونةٍ قد تعرِّض اللاعبين إلى الأذى،لكنهم يستثنون ركوب الخيل والسباحة،وعلم الفلك والصعود إلى القمر والكواكب الأخرى مغامرةٌ غير مجدية،وجريمةٌ لهدر أموال الشعوب،والسياسة علمٌ محتقَرٌ لأنًّه يقوم على الغشِّ والنفاق والخداع وعلى المصالح الدنيوية،أمَّا عن المرأة فليست أكثر من أداة متعةٍ للرجل، والنظر إليها تبقى دونيًّةً تحطُّ من شأنها كإنسانةٍ عبر تاريخ المجتمع الذكوري الطويل.
فالقطيع كالأشرار لايغنون ويتَّحدون في صفٍ واحد،أمَّا المبدعون فمتفرِّقون ومستقِلُّون ومحارَبون من الحساد الجهلة بدوافع نقصهم.
وفي النهاية لماذا لاتجوز اللعنة إلَّا على إبليس وحده وفي الحياة آلاف الأبالسة والمنافقين.
فتحرَّرك العقلي أمر نسبي يعود إلى تأمُّلاتك وسعة اطلاعك ضمن إطارٍ مشبعٍ بالتخلف..
لكنَّكَ لن تكون سعيداً وهانئاً وناعماً بحريَّتك واستقلالك..
إذ لن تتحرَّر ولن تحقِّق سعادتك إلَّا بالانغماس الاجتماعي المشجع إلى مزيدٍ من الحرِّيَّة والنهوضِ والإنسانيَّةِ ككلٍّ.
. حلب 2/6/2022
****************
* مشاركة الفنان:
Jehad Hasan
من المانيا