التقاليد التقنية للإسكندرية _ التصوف السكندري .. الإسكندريه والسيمياء
التقاليد التقنية للإسكندرية :
الحرفي المجهول :
وصلت إلينا المعلومات عن شبيه الذهب لأن أحد الحرفيين قرر تسجيل تقنيات إنتاجه على ورق البردي، ولأن الديبلوماسي السويدي الذي عثر على هذه البرديات في القرن التاسع عشر كان يملك من الحصافة ما جعله يحوزها ويشحنها إلى أوروبا للدراسة. وبعد 85 عاما من الدراسة، تيقن العلماء أن اثنتين من اللفائف تحتويان وصفا لعمليات كيميائية.
ويبدو أن البرديات كانت مكتوبة بالخط نفسه وفي نهاية القرن الثالث الميلادي تقريبا . وكانت على الأرجح منسوخة من أعمال أقدم لأنه يمكن اكتشاف الأخطاء الطفيفة المصاحبة للنسخ. أما الأصول فمن المحتمل أن تكون قد كتبت بعد 100 عام (ق.م) .
تحتوي البردية الأولى أساسا على وصفات للصباغة والتثبيت وتحضير تقليد الأحجار الكريمة. ومن أجل تحضير خلات النحاس (الزنجار) وهي مادة خضراء تستخدم لصنع الزمرد الصناعي كانت الوصفة التالية. ويلاحظ أن النحاس كان ينص على أنه قبرصي، فكما أشرنا كانت المواد المستخدمة نادرا ما تكون نقية. وكانت في بعض الأحيان - المواد التي لها الأسماء نفسها - تظهر سلوكا كيميائيا مختلفا بسبب الشوائب التي كانت تحتويها ، ولذلك إذا جاءت المادة الواحدة من مصادر مختلفة
فإنها كانت تعالج أحيانا كمواد مختلفة تماما .
نظف رقيقة جيدة الصنع من النحاس القبرصي بواسطة حجر خفاف وماء، وجففها ثم ادهنها خفيفا بقليل من الزيت، أفرد الدهان ثم لف حولها حبلا . علقها بعد ذلك في برميل خشبي به خل قوي بحيث لا تلامس الخل ثم أغلق البرميل بإحكام لتمنع البخر. وإذا وضعت النحاس (في البرميل) في الصباح، إذن يمكن أن تكشط الزنجار بحرص في المساء... ثم علقها ثانية حتى تستهلك تماما ... والخل يصبح غير صالح للاستخدام (2).
أما البردية الثانية فيبدو أنها معنية أساسا بالفلزات، متضمنة وصفات واقعية جدا لصنع الذهب الزائف.
صناعة الآسيم سبيكة الفضة والذهب : خذ القصدير اللين على شكل قطع صغيرة، نقه أربعين مرة، خد أربعة أجزاء منه وثلاثة أجزاء من نحاس أبيض نقي وجزءا واحدا من الآسيم. اصهرها ثم نقها مرات عدة بعد صبها، واصنع بالناتج ما تشاء. فسيكون آسيما من أعلى جودة بحيث يخدع حتى الحرفيين (3) .
ويمكن أن تكون هذه الوصفات قد استخدمت بواسطة أحد الحرفيين في ورشة ما ، فهي عملية من دون إشارة إلى أسرار غامضة أو دون محاولة الإخفاء المحتويات على العكس تماما من الكتابات السيميائية المتأخرة. أما كيف أمكن الحفاظ عليها فمازال أمرا غامضا ، قد يظن أحدهم أنها أخفيت في تابوت لمومياء لضمان سلامتها . وقد يكون مالكها رغب في أن يدفن مع ممتلكات ثمينة، والخطوات المكتوبة قد تكون أثمن ما يملكه حرفي.
ويمكن تتبع جذور هذه المعالجة العملية حتى أرض اليونان. إذ انتقل مركز التعليم، لفترة من أثينا إلى الإسكندرية، لكن أثينا لم تصبح فجأة مدينة أشباح. وفي الحقيقة فقد كانت أكاديمية أفلاطون وجمعية المناقشات العامة لأرسطو نشطتين على مدى 700 سنة أخرى. وبينما كان الفلاسفة الإغريق الرحالون (الطوافون) يقومون بإعطاء الدروس الخصوصية ويخطبون في الناس ويجمعون ما يستطيعون من عطايا، فإنهم حملوا الفلسفة اليونانية الطبيعية عبر العالم الهيليني. إلا أن خليفة أرسطو في جمعية المناقشات العلمية نيوفراستوس (حوالى 315 ق.م) كان أكثر من مجرد فيلسوف بحت. كان ملاحظا ذكيا للكيمياء العملية كما هو واضح من وصفه لإنتاج خلات الرصاص الرصاص الأبيض).
يوضع الرصاص في وعاء خزفي فوق خل قوي، وبعد أن يكتسب سمكا معينا من الصدأ، وهو الأمر الذي يحدث عادة خلال عشرة أيام، يفتح الوعاء ويكشط الصدأ ... يطحن الصدأ المكشوط إلى مسحوق ويُغلى (في الماء) لمدة طويلة وما يترسب في قاع الوعاء أخيرا هو الرصاص الأبيض (4).
كما يصف أيضا استخدام عجينة باريس :
الحجر الذي يصنع منه الجبس بواسطة الحرق يشبه المرمر . فمتانته وحرارته عندما يبلل عجيبة جدا. ويعدونه للاستخدام بتفتيته إلى مسحوق وصب الماء فوقه، ويقلبونه ويخلطونه باستمرار بواسطة أدوات خشبية لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك بالأيدي بسبب الحرارة ويحضر بهذا الشكل قبل الاستخدام مباشرة لأنه يصبح صلبا في غضون فترة قصيرة (5).
وكان يمكن للممارسة العملية في الكيمياء أن تستمر دون تعديل إذ لم تكن الإسكندرية هي مرفأ التوقف التالي.
التصوف السكندري
وفي الإسكندرية. طفت هذه البراجماتية في بحر من المذاهب الأخرى: الأرسطية والرواقية والأبيقورية والأفلاطونية الحديثة والغنوصية والزرادشتية والميثراسية (*) ، وربما كانت هناك مذاهب أخرى قد فقدت أسماؤها .
(1) عقيدة دينية فارسية ازدهرت في أواخر عصر الإمبراطورية الرومانية ونافست المسيحية نسبة إلى الإله ميثرا، هو النور والحقيقة وحامي البشر من الشر، أي من الظلام رمز الشيطان والخطيئة. وترمز الشمس إلى الإله ميثرا (المراجع).
وكانت لليهودية والمسيحية والإسلام أهمية كبرى للكيمياء، ويمكن تتبع جذور اليهودية حتى حوالى سنة 1800 (ق.م) . عندما أمر الإله رجلا يسمى أبرام - تبعا للروايات التقليدية - أن يغير اسمه إلى إبراهام (إبراهيم) في إشارة إلى منزلته الجديدة كسلف لكل الناس. وفي الواقع يعتبر كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين أنفسهم أبناء إبراهيم، وهم أتباع الديانات الثلاث الكبرى المؤثرة في العالم الحديث. كانت أولى الحضارات الناجحة العبرية - متطابقة في كثير من الأمور مع حضارات الجيران. وكان العبرانيون على الدرجة نفسها من الوحشية والقسوة والإقليمية. وكان امتلاكهم لناصية التقنية الكيميائية قريبا من الحضارات المحيطة بهم.
كانوا يعرفون الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير وتشغيلها . ومع ذلك فقد كان للعبرانيين خصوصية مميزة هي أن إله إبراهام - تبعا للروايات - يصر على أن يكون الإله الأوحد بادئا بذلك مفهوما غير مسبوق عن التوحيد .
وقد ساعد التوحيد في ضمان استمرارية الثقافة . ذلك أن ديانة التوحيد لا ينال منها استيعابها لآلهة أو عادات أخرى. وبدرجة أهمية هذه الميزة نفسها كان إبراهام من قوم رُحَل وكان إلهه كذلك إلها رحالا غير مرتبط بضريح أو بموقع مقدس معين، مما جعل الديانة قابلة للانتقال ومكن الحضارة العبرية من النجاة كثقافة حتى بعد أن طرد العبرانيون من أرضهم وشتتوا .
التقاليد التقنية للإسكندرية :
الحرفي المجهول :
وصلت إلينا المعلومات عن شبيه الذهب لأن أحد الحرفيين قرر تسجيل تقنيات إنتاجه على ورق البردي، ولأن الديبلوماسي السويدي الذي عثر على هذه البرديات في القرن التاسع عشر كان يملك من الحصافة ما جعله يحوزها ويشحنها إلى أوروبا للدراسة. وبعد 85 عاما من الدراسة، تيقن العلماء أن اثنتين من اللفائف تحتويان وصفا لعمليات كيميائية.
ويبدو أن البرديات كانت مكتوبة بالخط نفسه وفي نهاية القرن الثالث الميلادي تقريبا . وكانت على الأرجح منسوخة من أعمال أقدم لأنه يمكن اكتشاف الأخطاء الطفيفة المصاحبة للنسخ. أما الأصول فمن المحتمل أن تكون قد كتبت بعد 100 عام (ق.م) .
تحتوي البردية الأولى أساسا على وصفات للصباغة والتثبيت وتحضير تقليد الأحجار الكريمة. ومن أجل تحضير خلات النحاس (الزنجار) وهي مادة خضراء تستخدم لصنع الزمرد الصناعي كانت الوصفة التالية. ويلاحظ أن النحاس كان ينص على أنه قبرصي، فكما أشرنا كانت المواد المستخدمة نادرا ما تكون نقية. وكانت في بعض الأحيان - المواد التي لها الأسماء نفسها - تظهر سلوكا كيميائيا مختلفا بسبب الشوائب التي كانت تحتويها ، ولذلك إذا جاءت المادة الواحدة من مصادر مختلفة
فإنها كانت تعالج أحيانا كمواد مختلفة تماما .
نظف رقيقة جيدة الصنع من النحاس القبرصي بواسطة حجر خفاف وماء، وجففها ثم ادهنها خفيفا بقليل من الزيت، أفرد الدهان ثم لف حولها حبلا . علقها بعد ذلك في برميل خشبي به خل قوي بحيث لا تلامس الخل ثم أغلق البرميل بإحكام لتمنع البخر. وإذا وضعت النحاس (في البرميل) في الصباح، إذن يمكن أن تكشط الزنجار بحرص في المساء... ثم علقها ثانية حتى تستهلك تماما ... والخل يصبح غير صالح للاستخدام (2).
أما البردية الثانية فيبدو أنها معنية أساسا بالفلزات، متضمنة وصفات واقعية جدا لصنع الذهب الزائف.
صناعة الآسيم سبيكة الفضة والذهب : خذ القصدير اللين على شكل قطع صغيرة، نقه أربعين مرة، خد أربعة أجزاء منه وثلاثة أجزاء من نحاس أبيض نقي وجزءا واحدا من الآسيم. اصهرها ثم نقها مرات عدة بعد صبها، واصنع بالناتج ما تشاء. فسيكون آسيما من أعلى جودة بحيث يخدع حتى الحرفيين (3) .
ويمكن أن تكون هذه الوصفات قد استخدمت بواسطة أحد الحرفيين في ورشة ما ، فهي عملية من دون إشارة إلى أسرار غامضة أو دون محاولة الإخفاء المحتويات على العكس تماما من الكتابات السيميائية المتأخرة. أما كيف أمكن الحفاظ عليها فمازال أمرا غامضا ، قد يظن أحدهم أنها أخفيت في تابوت لمومياء لضمان سلامتها . وقد يكون مالكها رغب في أن يدفن مع ممتلكات ثمينة، والخطوات المكتوبة قد تكون أثمن ما يملكه حرفي.
ويمكن تتبع جذور هذه المعالجة العملية حتى أرض اليونان. إذ انتقل مركز التعليم، لفترة من أثينا إلى الإسكندرية، لكن أثينا لم تصبح فجأة مدينة أشباح. وفي الحقيقة فقد كانت أكاديمية أفلاطون وجمعية المناقشات العامة لأرسطو نشطتين على مدى 700 سنة أخرى. وبينما كان الفلاسفة الإغريق الرحالون (الطوافون) يقومون بإعطاء الدروس الخصوصية ويخطبون في الناس ويجمعون ما يستطيعون من عطايا، فإنهم حملوا الفلسفة اليونانية الطبيعية عبر العالم الهيليني. إلا أن خليفة أرسطو في جمعية المناقشات العلمية نيوفراستوس (حوالى 315 ق.م) كان أكثر من مجرد فيلسوف بحت. كان ملاحظا ذكيا للكيمياء العملية كما هو واضح من وصفه لإنتاج خلات الرصاص الرصاص الأبيض).
يوضع الرصاص في وعاء خزفي فوق خل قوي، وبعد أن يكتسب سمكا معينا من الصدأ، وهو الأمر الذي يحدث عادة خلال عشرة أيام، يفتح الوعاء ويكشط الصدأ ... يطحن الصدأ المكشوط إلى مسحوق ويُغلى (في الماء) لمدة طويلة وما يترسب في قاع الوعاء أخيرا هو الرصاص الأبيض (4).
كما يصف أيضا استخدام عجينة باريس :
الحجر الذي يصنع منه الجبس بواسطة الحرق يشبه المرمر . فمتانته وحرارته عندما يبلل عجيبة جدا. ويعدونه للاستخدام بتفتيته إلى مسحوق وصب الماء فوقه، ويقلبونه ويخلطونه باستمرار بواسطة أدوات خشبية لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك بالأيدي بسبب الحرارة ويحضر بهذا الشكل قبل الاستخدام مباشرة لأنه يصبح صلبا في غضون فترة قصيرة (5).
وكان يمكن للممارسة العملية في الكيمياء أن تستمر دون تعديل إذ لم تكن الإسكندرية هي مرفأ التوقف التالي.
التصوف السكندري
وفي الإسكندرية. طفت هذه البراجماتية في بحر من المذاهب الأخرى: الأرسطية والرواقية والأبيقورية والأفلاطونية الحديثة والغنوصية والزرادشتية والميثراسية (*) ، وربما كانت هناك مذاهب أخرى قد فقدت أسماؤها .
(1) عقيدة دينية فارسية ازدهرت في أواخر عصر الإمبراطورية الرومانية ونافست المسيحية نسبة إلى الإله ميثرا، هو النور والحقيقة وحامي البشر من الشر، أي من الظلام رمز الشيطان والخطيئة. وترمز الشمس إلى الإله ميثرا (المراجع).
وكانت لليهودية والمسيحية والإسلام أهمية كبرى للكيمياء، ويمكن تتبع جذور اليهودية حتى حوالى سنة 1800 (ق.م) . عندما أمر الإله رجلا يسمى أبرام - تبعا للروايات التقليدية - أن يغير اسمه إلى إبراهام (إبراهيم) في إشارة إلى منزلته الجديدة كسلف لكل الناس. وفي الواقع يعتبر كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين أنفسهم أبناء إبراهيم، وهم أتباع الديانات الثلاث الكبرى المؤثرة في العالم الحديث. كانت أولى الحضارات الناجحة العبرية - متطابقة في كثير من الأمور مع حضارات الجيران. وكان العبرانيون على الدرجة نفسها من الوحشية والقسوة والإقليمية. وكان امتلاكهم لناصية التقنية الكيميائية قريبا من الحضارات المحيطة بهم.
كانوا يعرفون الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير وتشغيلها . ومع ذلك فقد كان للعبرانيين خصوصية مميزة هي أن إله إبراهام - تبعا للروايات - يصر على أن يكون الإله الأوحد بادئا بذلك مفهوما غير مسبوق عن التوحيد .
وقد ساعد التوحيد في ضمان استمرارية الثقافة . ذلك أن ديانة التوحيد لا ينال منها استيعابها لآلهة أو عادات أخرى. وبدرجة أهمية هذه الميزة نفسها كان إبراهام من قوم رُحَل وكان إلهه كذلك إلها رحالا غير مرتبط بضريح أو بموقع مقدس معين، مما جعل الديانة قابلة للانتقال ومكن الحضارة العبرية من النجاة كثقافة حتى بعد أن طرد العبرانيون من أرضهم وشتتوا .
تعليق