الكيمياء وجذور التقنية الحضارية - الميتالورجيا ( تشكيل المعادن ) .. من كيميائي ما قبل التاريخ إلى الفيلسوف الكيميائي
الكيمياء وجذور التقنية الحضارية
مع حلول الحضارة نضجت التقنية الكيميائية وأصبح من الممكن تطوير تقنيات تتطلب بنى خاصة دائمة مثل الأفران لصهر الفلزات)، كما أصبح من الممكن تسجيل العمليات الكيميائية وتكرارها وتحسينها . ومن المصنوعات التي تبقت حتى اليوم يمكن أن نكون - خطوة خطوة - صورة عن الطرق المستخدمة في ذلك الوقت. وأطول هذه المصنوعات عمرا هي الفلزات والميتالورجيا (تشكيل المعادن) هي أول تقنية كيميائية يمكن إعادة بناء تاريخها بشيء من الثقة.
الميتالورجيا ( تشكيل المعادن )
كانت الفلزات تستخدم عملياً بواسطة جميع الحضارات حتى قبل أن تستخدم تقنيات أخرى بدائية في الظاهر مثل العجلة . لكن معظم الفلزات تتفاعل مع الأكسجين والكبريت والهالوجينات - مثل الكلور والفلور واليود - وتوجد في الطبيعة كخامات، أي مزيج معقد من الأملاح والسيليكات مثل الفلسبار والبيريت والبوكسيت. لكن الفضة والذهب من جهة أخرى لا تتفاعل بشكل واضح، وهي بذلك يمكن أن تتواجد في الطبيعة على شكل فلز نقي مثل شذرات الذهب التي كانت موجود في مجرى الأنهار في أثناء جميع الذهب في الولايات المتحدة الأمريكية العام (1849). ويمكن أن يوجد النحاس على شكل رواسب من الفلز النقي إلا أنه على الأغلب موجود على شكل خام. ويمكن أن تصنع هذه الفلزات الثلاثة بتقنيات بسيطة مثل الطرق وأن تستخرج بتقنيات سهلة مثل الجمع.
النحاس والفضة والذهب
ربما كان النحاس أول فلز من هذه الفلزات يُجمع وذلك لسعة انتشاره بالنسبة للفلزات الأخرى. وعثر على حلي مصنوعة من مشغولات نحاسية في شمال العراق، وهي تضرب في التاريخ البعيد حتى سنة 9 آلاف ق.م. تقريبا (6) ، وكانت على الأرجح تستخدم في الزينة. وتبين أن مدافن السكان الأصليين المحصنة في أمريكا الشمالية والتي يرجع تاريخها إلى العام 2000 (ق.م). تحتوي على رؤوس حراب وأزاميل وأساور من النحاس، وكان المستوطنون في الإكوادور قبل العصر الكولمبي يشكلون النحاس النقي بالطرق على الساخن، وصنعوا فؤوسا صغيرة ونواقيس وإبر خياطة نحاسية (7) . ويظهر النحاس كذلك في البقايا المبكرة للمستوطنات في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين والهند الصينية.
وسبائك الذهب لينة نسبيا ومن هنا كان الاختبار الأسطوري للعملات الذهبية عن طريق العض ويمكن طرقها مع بعضها لتشكل ألواحا . وقد جعلت هذه الخاصية الذهب مرغوبا فيه كمادة للزينة بالإضافة للون، ولكنه كان غير ذي فائدة لأي شيء آخر . وتطور حديثا فن استخدام الذهب في صناعة الوصلات الكهربية المقاومة للصدأ وفي تكسية الأسنان. ويجعل هذا الأمر من كم المعاناة البشرية التي بذلت للبحث عن الذهب شيئا مثيرا للضحك لسخافته . وفي مصر كان الذهب يستخرج ويصنع بواسطة العبيد .
وقد توجد الفضة مسبوكة مع الذهب مكونة مادة تسمى إلكتروم. وهناك طرق عدة يمكن استخدامها لفصل الفضة من هذه السبيكة واسترجاع الذهب. لكن من المرجح أن تكون أقدم الطرق هي تسخين الإلكتروم في بوتقة مع الملح العادي - كلوريد الصوديوم. ومع الوقت والحرارة وتكرار المعالجة تتحول الفضة إلى كلوريد فضة وتخرج مع الخبث وهو طبقة الشوائب التي تطفو فوق الفلز المصهور في أثناء العملية. ومع ذلك لم تكن الفضة منتجا غير مرغوب فيه دائما ، ففي مصر وفي الفترة ما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر قبل الميلاد كانت الفضة أكثر ندرة وأغلى من الذهب (8) . بحلول العام 3 آلاف ق.م. ربما يكون السومريون قد اكتشفوا في أثناء تسخين النحاس لجعله أكثر طواعية، أن مزيدا من النحاس يمكن استرجاعه من النار إذا سخّن الفلز مع أنواع معينة من الأتربة والأحجار - أي مع أكاسيد معينة . كانت هذه الأتربة أو الأكاسيد هي خامة الفلز والعملية التي اكتشفوها - الصهر - اختزلت أملاح الفلز إلى الفلز النقي بفعل الكربون الموجود في فحم النار. وتعرف عملية تغيير أملاح الفلز إلى الفلز النقي باسم الاختزال لأن الفلز من دون الأكسجين أو الهالوجين أو الكبريت المصاحبة له في أملاحه يزن أقل من الخام. وأخيرا تعلم صناع الفلزات كيف يميزون الخامات المختلفة الحاملة للفلزات وذلك باللون والبنية والوزن ولون اللهب والرائحة المنبعثة عند التسخين مثل رائحة الثوم الخاصة بخامات الزرنيخ، وكان يمكنهم إنتاج المواد المرغوبة عند الطلب.
البرونز
خلط السومريون كذلك النحاس بالقصدير ليصنعوا مادة جديدة هي البرونز. ووجدوا أن المادة الجديدة أسهل نسبيا في السبك وأصلب كثيرا من النحاس وحده. وأمكن استخدام البرونز في صناعة أدوات أطول عمرا مثل المعازق والمجارف والسكاكين التي تحتفظ بحدة سلاحها لفترات أطول. وكان اكتشاف البرونز ذا أهمية خاصة حتى أن عصرا بأكمله من التاريخ هو العصر البرونزي اكتسب اسمه من استخدامه. غير أن هذا المصطلح فقد التحديد التاريخي لأن الحضارات المختلفة كانت قد اكتشفت استخدام البرونز في فترات زمنية جد مختلفة. وبعض الحضارات لا تعرف العصر البرونزي كما هو الحال في فنلندا وشمال روسيا وبولينيزيا ووسط أفريقيا وجنوب الهند وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان. فقد قفزت هذه الحضارات مباشرة من الحجر إلى الحديد. ويصل تاريخ الأشياء البرونزية المصرية إلى ما يقرب من 3 آلاف سنة ق.م. ولكي يقوم المصريون القدماء بصنع البرونز فإنهم كانوا يستوردون خام القصدير من بلاد فارس على الأغلب. كما كان يقوم الحرفيون من بلاد ما بين النهرين أيضا باستيراد القصدير. وكان يمكن تصنيع البرونز من النحاس والزرنيخ إذا أصبح القصدير نادرا . لكن هذه الصناعة قد ماتت كانت الأبخرة الناتجة عن العملية تسبب التسمم بالزرنيخ على الأرجح، لذا فمن المحتمل أن يكون الفنيون هم الذين اختفوا وليس الفن). ومع البرونز بدأت تخرج للوجود صورة من علاقات تجارية متشابكة في البحر المتوسط. والحقيقة هناك بعض الأدلة على دخول الآشوريين في بعض أعمال المقاولات الماهرة والتي يمكن وصفها بأنها غير أخلاقية. كانوا يشكلون مجتمعا قاسيا متجمد القلب من المحاربين من الجنسين دون تمييز الذين هزموا سكان ما بين النهرين - ميزوبوتاميا (العراق الآن حوالى سنة 1200 ق.م. ويبدو أنهم كانوا يخدعون الأتراك القدماء ويوهمونهم بأن أقرب مصدر للقصدير يقع في هندوکوش في أفغانستان حاليا)، وعليه كانوا يطالبون الأتراك بأسعار باهظة بينما كان الفلز يأتي من منجم على السواحل التركية (9) .
وقد لوحظ بعد ذلك أن عملية صهر النحاس كانت تسير بصورة أفضل إذا أضيفت أتربة معينة تحتوي على أكسيد الحديد. وقد تكون مجرد المصادفة هي التي أوجدت أكسيد الحديد ضمن خام النحاس لأن هذه الأتربة كانت توجد في الطبقة العليا من رواسب كبريتيد النحاس التي تعرضت للتعرية الجوية . قام أكسيد الحديد بتحسين عملية صهر النحاس لأنه كان يعمل كصهور : مادة تساعد في إزالة الشوائب بالاتحاد معها لتكوين قشرة طافية أو خبث بينما كانت تتكون قطع من الحديد كمنتج جانبي.
الحديد
كان الحديد معروفا في مصر ربما منذ السنة 3 آلاف ق.م. لكن اسمه كان فلز السماء، وهو ما يعكس كون أول عينات منه من مصدر نيزكي. وكان الحديد بذلك يعد شيئا غير مألوف أكثر منه بضاعة أو سلعة. ومع ذلك فإن عينات من الحديد المحضر بالصهر ( من خام الحديد وليس من النيازك ربما كانت تنتج في بلاد ما بين النهرين وشمال سوريا السنة 3 آلاف ق.م. وكان هناك مسبك للحديد يعمل في جنوب أفريقيا العام 2000 (ق.م) (10) .
كان أول حديد تم تحضيره بالصهر على شكل فطيرة من كتلة إسفنجية ضمن خبث شبه سائل، لأن درجة حرارة انصهار الحديد الفعلية هي 1500 مئوية بينما كانت درجات الحرارة التي يمكن الوصول إليها بأفران الفحم البدائية لا تزيد على 1200 مئوية. وكان هذا المنتج الذي سمي فيما بعد باسم نورة (*) يتطلب تكرار التسخين والطرق على الساخن للتخلص من الخبث. وتم التوصل إلى سقي الحديد بتكرار الطرق على البارد مع إعادة التسخين.
وبمضي الوقت أخذ العمال يزيدون من الوقود واستخدموا منافيخ ضخمة لرفع درجة حرارة الأفران . ومع ذلك فإن الحديد النقي كان ألين من البرونز ويعتبر مادة رديئة المستوى في صناعة السلاح وبعض التطبيقات الأخرى التي تتطلب عمرا أطول. وكان مازال قيد الغيب أن تسخين الحديد في وجود الكربون بكميات صغيرة جدا ليتسرب داخل بنية الحديد فيزيد من قوة المادة بشكل واضح.
وتسمى عملية تسخين الحديد في وجود الكربون والذي يأتي عادة من الفحم المستخدم في النار بالكربنة. وكان الأطباء الهندوس من أوائل من اكتشف الحديد المكربن، أو الصلب، واستخدموه في الأدوات الجراحية. وفي الصين كانت الكربنة تتم مباشرة باستخدام خام للحديد غني بالكربون.
واكتشفت هذه التقنية كذلك قبائل هندو - أوروبية غامضة تسمى الهكسوس. ووظفوا هذه التقنية مباشرة لصنع سلاح أفضل، استطاعوا اجتياح آسيا الصغرى، وفي العام 1200 ق.م. طرقوا أبواب مصر مهددين.
الكيمياء وجذور التقنية الحضارية
مع حلول الحضارة نضجت التقنية الكيميائية وأصبح من الممكن تطوير تقنيات تتطلب بنى خاصة دائمة مثل الأفران لصهر الفلزات)، كما أصبح من الممكن تسجيل العمليات الكيميائية وتكرارها وتحسينها . ومن المصنوعات التي تبقت حتى اليوم يمكن أن نكون - خطوة خطوة - صورة عن الطرق المستخدمة في ذلك الوقت. وأطول هذه المصنوعات عمرا هي الفلزات والميتالورجيا (تشكيل المعادن) هي أول تقنية كيميائية يمكن إعادة بناء تاريخها بشيء من الثقة.
الميتالورجيا ( تشكيل المعادن )
كانت الفلزات تستخدم عملياً بواسطة جميع الحضارات حتى قبل أن تستخدم تقنيات أخرى بدائية في الظاهر مثل العجلة . لكن معظم الفلزات تتفاعل مع الأكسجين والكبريت والهالوجينات - مثل الكلور والفلور واليود - وتوجد في الطبيعة كخامات، أي مزيج معقد من الأملاح والسيليكات مثل الفلسبار والبيريت والبوكسيت. لكن الفضة والذهب من جهة أخرى لا تتفاعل بشكل واضح، وهي بذلك يمكن أن تتواجد في الطبيعة على شكل فلز نقي مثل شذرات الذهب التي كانت موجود في مجرى الأنهار في أثناء جميع الذهب في الولايات المتحدة الأمريكية العام (1849). ويمكن أن يوجد النحاس على شكل رواسب من الفلز النقي إلا أنه على الأغلب موجود على شكل خام. ويمكن أن تصنع هذه الفلزات الثلاثة بتقنيات بسيطة مثل الطرق وأن تستخرج بتقنيات سهلة مثل الجمع.
النحاس والفضة والذهب
ربما كان النحاس أول فلز من هذه الفلزات يُجمع وذلك لسعة انتشاره بالنسبة للفلزات الأخرى. وعثر على حلي مصنوعة من مشغولات نحاسية في شمال العراق، وهي تضرب في التاريخ البعيد حتى سنة 9 آلاف ق.م. تقريبا (6) ، وكانت على الأرجح تستخدم في الزينة. وتبين أن مدافن السكان الأصليين المحصنة في أمريكا الشمالية والتي يرجع تاريخها إلى العام 2000 (ق.م). تحتوي على رؤوس حراب وأزاميل وأساور من النحاس، وكان المستوطنون في الإكوادور قبل العصر الكولمبي يشكلون النحاس النقي بالطرق على الساخن، وصنعوا فؤوسا صغيرة ونواقيس وإبر خياطة نحاسية (7) . ويظهر النحاس كذلك في البقايا المبكرة للمستوطنات في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين والهند الصينية.
وسبائك الذهب لينة نسبيا ومن هنا كان الاختبار الأسطوري للعملات الذهبية عن طريق العض ويمكن طرقها مع بعضها لتشكل ألواحا . وقد جعلت هذه الخاصية الذهب مرغوبا فيه كمادة للزينة بالإضافة للون، ولكنه كان غير ذي فائدة لأي شيء آخر . وتطور حديثا فن استخدام الذهب في صناعة الوصلات الكهربية المقاومة للصدأ وفي تكسية الأسنان. ويجعل هذا الأمر من كم المعاناة البشرية التي بذلت للبحث عن الذهب شيئا مثيرا للضحك لسخافته . وفي مصر كان الذهب يستخرج ويصنع بواسطة العبيد .
وقد توجد الفضة مسبوكة مع الذهب مكونة مادة تسمى إلكتروم. وهناك طرق عدة يمكن استخدامها لفصل الفضة من هذه السبيكة واسترجاع الذهب. لكن من المرجح أن تكون أقدم الطرق هي تسخين الإلكتروم في بوتقة مع الملح العادي - كلوريد الصوديوم. ومع الوقت والحرارة وتكرار المعالجة تتحول الفضة إلى كلوريد فضة وتخرج مع الخبث وهو طبقة الشوائب التي تطفو فوق الفلز المصهور في أثناء العملية. ومع ذلك لم تكن الفضة منتجا غير مرغوب فيه دائما ، ففي مصر وفي الفترة ما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر قبل الميلاد كانت الفضة أكثر ندرة وأغلى من الذهب (8) . بحلول العام 3 آلاف ق.م. ربما يكون السومريون قد اكتشفوا في أثناء تسخين النحاس لجعله أكثر طواعية، أن مزيدا من النحاس يمكن استرجاعه من النار إذا سخّن الفلز مع أنواع معينة من الأتربة والأحجار - أي مع أكاسيد معينة . كانت هذه الأتربة أو الأكاسيد هي خامة الفلز والعملية التي اكتشفوها - الصهر - اختزلت أملاح الفلز إلى الفلز النقي بفعل الكربون الموجود في فحم النار. وتعرف عملية تغيير أملاح الفلز إلى الفلز النقي باسم الاختزال لأن الفلز من دون الأكسجين أو الهالوجين أو الكبريت المصاحبة له في أملاحه يزن أقل من الخام. وأخيرا تعلم صناع الفلزات كيف يميزون الخامات المختلفة الحاملة للفلزات وذلك باللون والبنية والوزن ولون اللهب والرائحة المنبعثة عند التسخين مثل رائحة الثوم الخاصة بخامات الزرنيخ، وكان يمكنهم إنتاج المواد المرغوبة عند الطلب.
البرونز
خلط السومريون كذلك النحاس بالقصدير ليصنعوا مادة جديدة هي البرونز. ووجدوا أن المادة الجديدة أسهل نسبيا في السبك وأصلب كثيرا من النحاس وحده. وأمكن استخدام البرونز في صناعة أدوات أطول عمرا مثل المعازق والمجارف والسكاكين التي تحتفظ بحدة سلاحها لفترات أطول. وكان اكتشاف البرونز ذا أهمية خاصة حتى أن عصرا بأكمله من التاريخ هو العصر البرونزي اكتسب اسمه من استخدامه. غير أن هذا المصطلح فقد التحديد التاريخي لأن الحضارات المختلفة كانت قد اكتشفت استخدام البرونز في فترات زمنية جد مختلفة. وبعض الحضارات لا تعرف العصر البرونزي كما هو الحال في فنلندا وشمال روسيا وبولينيزيا ووسط أفريقيا وجنوب الهند وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان. فقد قفزت هذه الحضارات مباشرة من الحجر إلى الحديد. ويصل تاريخ الأشياء البرونزية المصرية إلى ما يقرب من 3 آلاف سنة ق.م. ولكي يقوم المصريون القدماء بصنع البرونز فإنهم كانوا يستوردون خام القصدير من بلاد فارس على الأغلب. كما كان يقوم الحرفيون من بلاد ما بين النهرين أيضا باستيراد القصدير. وكان يمكن تصنيع البرونز من النحاس والزرنيخ إذا أصبح القصدير نادرا . لكن هذه الصناعة قد ماتت كانت الأبخرة الناتجة عن العملية تسبب التسمم بالزرنيخ على الأرجح، لذا فمن المحتمل أن يكون الفنيون هم الذين اختفوا وليس الفن). ومع البرونز بدأت تخرج للوجود صورة من علاقات تجارية متشابكة في البحر المتوسط. والحقيقة هناك بعض الأدلة على دخول الآشوريين في بعض أعمال المقاولات الماهرة والتي يمكن وصفها بأنها غير أخلاقية. كانوا يشكلون مجتمعا قاسيا متجمد القلب من المحاربين من الجنسين دون تمييز الذين هزموا سكان ما بين النهرين - ميزوبوتاميا (العراق الآن حوالى سنة 1200 ق.م. ويبدو أنهم كانوا يخدعون الأتراك القدماء ويوهمونهم بأن أقرب مصدر للقصدير يقع في هندوکوش في أفغانستان حاليا)، وعليه كانوا يطالبون الأتراك بأسعار باهظة بينما كان الفلز يأتي من منجم على السواحل التركية (9) .
وقد لوحظ بعد ذلك أن عملية صهر النحاس كانت تسير بصورة أفضل إذا أضيفت أتربة معينة تحتوي على أكسيد الحديد. وقد تكون مجرد المصادفة هي التي أوجدت أكسيد الحديد ضمن خام النحاس لأن هذه الأتربة كانت توجد في الطبقة العليا من رواسب كبريتيد النحاس التي تعرضت للتعرية الجوية . قام أكسيد الحديد بتحسين عملية صهر النحاس لأنه كان يعمل كصهور : مادة تساعد في إزالة الشوائب بالاتحاد معها لتكوين قشرة طافية أو خبث بينما كانت تتكون قطع من الحديد كمنتج جانبي.
الحديد
كان الحديد معروفا في مصر ربما منذ السنة 3 آلاف ق.م. لكن اسمه كان فلز السماء، وهو ما يعكس كون أول عينات منه من مصدر نيزكي. وكان الحديد بذلك يعد شيئا غير مألوف أكثر منه بضاعة أو سلعة. ومع ذلك فإن عينات من الحديد المحضر بالصهر ( من خام الحديد وليس من النيازك ربما كانت تنتج في بلاد ما بين النهرين وشمال سوريا السنة 3 آلاف ق.م. وكان هناك مسبك للحديد يعمل في جنوب أفريقيا العام 2000 (ق.م) (10) .
كان أول حديد تم تحضيره بالصهر على شكل فطيرة من كتلة إسفنجية ضمن خبث شبه سائل، لأن درجة حرارة انصهار الحديد الفعلية هي 1500 مئوية بينما كانت درجات الحرارة التي يمكن الوصول إليها بأفران الفحم البدائية لا تزيد على 1200 مئوية. وكان هذا المنتج الذي سمي فيما بعد باسم نورة (*) يتطلب تكرار التسخين والطرق على الساخن للتخلص من الخبث. وتم التوصل إلى سقي الحديد بتكرار الطرق على البارد مع إعادة التسخين.
وبمضي الوقت أخذ العمال يزيدون من الوقود واستخدموا منافيخ ضخمة لرفع درجة حرارة الأفران . ومع ذلك فإن الحديد النقي كان ألين من البرونز ويعتبر مادة رديئة المستوى في صناعة السلاح وبعض التطبيقات الأخرى التي تتطلب عمرا أطول. وكان مازال قيد الغيب أن تسخين الحديد في وجود الكربون بكميات صغيرة جدا ليتسرب داخل بنية الحديد فيزيد من قوة المادة بشكل واضح.
وتسمى عملية تسخين الحديد في وجود الكربون والذي يأتي عادة من الفحم المستخدم في النار بالكربنة. وكان الأطباء الهندوس من أوائل من اكتشف الحديد المكربن، أو الصلب، واستخدموه في الأدوات الجراحية. وفي الصين كانت الكربنة تتم مباشرة باستخدام خام للحديد غني بالكربون.
واكتشفت هذه التقنية كذلك قبائل هندو - أوروبية غامضة تسمى الهكسوس. ووظفوا هذه التقنية مباشرة لصنع سلاح أفضل، استطاعوا اجتياح آسيا الصغرى، وفي العام 1200 ق.م. طرقوا أبواب مصر مهددين.
تعليق