حفصون
Ibn Hafsun - Ibn Hafsoun
ابن حفصون
(…- 305هـ/…- 918م)
عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر ابن شتيم، أعظم ثوار الأندلس وأشدهم مراساً وأخطرهم جانباً، وتدَّعى أسرة عمر تحدرها من نسل نبيل قوطي يدعى ألفونسو وكان جدّه لأبيه أول من اعتنق الإسلام من أسرته.
نشأ عمر سيء السيرة عنيفاً يعتدي على النفس والمال، ولم يلبث أن هجر أسرته، وأطلق العنان لأهوائه وغيِّه، والتفّ حوله جماعة من أهل الفساد والبغي، فألف عصابة معتدية، ونزل بجبل بيبشتر Bobastro في جبال سييرانيفادا جنوبي الأندلس بين مالقة ورندة وذلك سنة 267هـ/880-881م وقد قدّر لعمر بن حفصون أن ينقلب من زعيم عصابة إلى زعيم ثورة تعد في أهم الثورات التي حصلت في تاريخ الأندلس سواء من حيث طول أمدها، أو اتساع رقعتها، أو فيما نتج من إشعال نار الثورات والحروب الأهلية من أقصى الأندلس إلى أقصاها.
ساعدت ابن حفصون أوضاع مواتية أحسن استغلالها إلى حد كبير، فقد اتخذ منذ البداية حصن بيبشتر المنيع قاعدة انطلاق له، فهو موغل داخل الجبال ولايمكن الوصول إلى منطقته إلا عبر خوانق جبلية وعرة، لاتسمح بمرور أكثر من اثنين أو ثلاثة معاً، وتحتوي هذه المنطقة عدا حصن بيبشتر حصوناً أخرى متعددة غزيرة المياه وافرة الأشجار والثمار، الأمر الذي لايهدد الممتنعين بها بالمجاعة.
نجح ابن حفصون أيضاً بجمع فئات متعددة من الناس حوله، وكانت أول فئة جلبها، عصابات قطاع الطرق الكثيرة العدد في المناطق الجبلية التي تجاوره، فكان يمنيهم بفتح البلاد وغنائم الأموال، وكان مع ذلك متحبباً لأصحابه يَبُرُّ الرجال ويكرم الشجعان، ويأخذ الحق حتى من ابنه، مما أفسح له في المجال لتوطيد الأمن والنظام في المنطقة التي سيطر عليها، واستطاع ابن حفصون جلب المولَّدين نحوه (المولدون اسم أطلق على من اعتنق الإسلام من الإسبان) مستغلاً نقمتهم معلناً أنه يريد أن يثأر لهم ويخرجهم من عبوديتهم.
وأدّى التبدل السريع في الأمراء إلى عدم اسـتمرار الجـهود المبـذولـة لخنـق عصيان ابن حفصون قبل استفحاله، فقد تعاقب على عرش الإمارة الأموية في الأندلس ما بين سنة 271-278هـ/884-891م وهي المرحلة التي بلغت فيها ثورة ابن حفصون ذروتها ثلاثة أمراء، الأمير محمد بن عبد الرحمن (238-273هـ/852-886م) والمنذر بن محمد (273-275هـ/886-888م) والأمير عبد الله بن محمد (275-300هـ/888-912م).
استغل ابن حفصون موت الأمير محمد والأمير المنذر والأزمات التي حدثت في أواخر حكم الأمير محمد بظهور شبه إمارات مستقلة في الثغور وبعض المناطق الأخرى الأندلسية، ليوسع نطاق ثورته، فبسط سلطانه على كورة ريّة بأسرها، وامتدّ سلطانه إلى أرشذونة ومالقة وجيان واستجه واستولى على قبرة Cabra وعلى حصن أشرس الواقع في شمالي ريّة.
وفي عهد الأمير عبد الله وجّه ابن حفصون غاراته شمالاً حتى أحواز قرطبة، وبلغ من جُرأته أنه حاول إحراق مخيم الأمير في ضاحية شقندة على مقربة من العاصمة، وعند ذلك قرر الأمير عبد الله أن يخرج لقتاله مرة أخرى، فحشد ما استطاع من قواته واتجه نحو الجنوب إلى ناحية قبره حيث حشد الثائر قواته في معقل بلاي أوبولي Polei, Poley والتحمت قوات الأمير عبد الله بقوات ابن حفصون سنة 278هـ/891م وحقق الأمير في هذه المعركة نصراً كبيراً كان له أثره البالغ في مستقبل حركة ابن حفصون وبالتالي على مستقبل الأندلس، فقد استعاد جيش الأمير الثقة بقوته بعد الهزائم التي كان مُني بها قبل ذلك، واستعادت الإمارة الأموية بعض هيبتها في داخل البلاد وخارجها، ولذلك عندما طلب ابن حفصون مساعدة الأغالبة في ولاية إفريقية أبلغوه انشغال أميرهم بإخضاع ثورات قائمة في بلادهم.
في سنة 286هـ/899م أعلن عمر بن حفصون اعتناقه للنصرانية، وإذا كان ارتداده قد أكسبه عطف بعض المستعربين (وهم الذين بقوا على دينهم ولكنهم تأثروا بالثقافة العربية وتخلقوا بأخلاقها) فإنه خسر من جهة أخرى الكثير من أنصاره من المولدين الذين تبرؤوا من فعلته، واشتد السخط عليه في سائر جنبات الأندلس ورأى المسلمون في قتاله نوعاً من الجهاد.
توفي الأمير عبد الله سنة 300هـ/912م فخلفه حفيده عبد الرحمن الناصر لدين الله، الذي صمم منذ البداية على استئصال حركة ابن حفصون، فوضع خطة محكمة تقوم على إخضاع الثائرين المحيطين بابن حفصون، واستنزالهم من حصونهم أولاً ثم التوغل تدريجياً نحو حصن بيبشتر معقل ثورة ابن حفصون.
نجح عبد الرحمن في تنفيذ خطته، فأخضع منطقة جيان كلها، واستولى على سبعين معقلاً حصيناً، وفي سنة 301هـ/914م، تمكّن عبد الرحمن من استعادة بعض الحصون التابعة لابن حفصون في المناطق الساحلية الممتدة من طرش إلى الجزيرة الخضراء.
توفي عمر بن حفصون، ولكن ثورته استمرت حتى سنة 314هـ حين اشتبك الأمير عبد الرحمن مع سليمان بن عمر بن حفصون في معركة فاصلة قرب حصن بيبشتر، انتهت بمقتل سليمان واستسلام حفص الذي خلفه أخوه في الحصن، وحُمل هو وأسرته إلى قرطبة وأمر عبد الرحمن بهدم الحصن.
علي أحمد
الأمويون في الأندلس ـ عبد الرحمن الناصر.
ـ ابن عذارى المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تح. ليفي بروڤنسال (دار صادر، بيروت 1951).
ـ المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة 1949).
ـ أحمد بدر، دراسات في تاريخ الأندلس وحضارتها، من الفتح حتى الخلافة (دمشق 1972).
Ibn Hafsun - Ibn Hafsoun
ابن حفصون
(…- 305هـ/…- 918م)
عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر ابن شتيم، أعظم ثوار الأندلس وأشدهم مراساً وأخطرهم جانباً، وتدَّعى أسرة عمر تحدرها من نسل نبيل قوطي يدعى ألفونسو وكان جدّه لأبيه أول من اعتنق الإسلام من أسرته.
نشأ عمر سيء السيرة عنيفاً يعتدي على النفس والمال، ولم يلبث أن هجر أسرته، وأطلق العنان لأهوائه وغيِّه، والتفّ حوله جماعة من أهل الفساد والبغي، فألف عصابة معتدية، ونزل بجبل بيبشتر Bobastro في جبال سييرانيفادا جنوبي الأندلس بين مالقة ورندة وذلك سنة 267هـ/880-881م وقد قدّر لعمر بن حفصون أن ينقلب من زعيم عصابة إلى زعيم ثورة تعد في أهم الثورات التي حصلت في تاريخ الأندلس سواء من حيث طول أمدها، أو اتساع رقعتها، أو فيما نتج من إشعال نار الثورات والحروب الأهلية من أقصى الأندلس إلى أقصاها.
ساعدت ابن حفصون أوضاع مواتية أحسن استغلالها إلى حد كبير، فقد اتخذ منذ البداية حصن بيبشتر المنيع قاعدة انطلاق له، فهو موغل داخل الجبال ولايمكن الوصول إلى منطقته إلا عبر خوانق جبلية وعرة، لاتسمح بمرور أكثر من اثنين أو ثلاثة معاً، وتحتوي هذه المنطقة عدا حصن بيبشتر حصوناً أخرى متعددة غزيرة المياه وافرة الأشجار والثمار، الأمر الذي لايهدد الممتنعين بها بالمجاعة.
نجح ابن حفصون أيضاً بجمع فئات متعددة من الناس حوله، وكانت أول فئة جلبها، عصابات قطاع الطرق الكثيرة العدد في المناطق الجبلية التي تجاوره، فكان يمنيهم بفتح البلاد وغنائم الأموال، وكان مع ذلك متحبباً لأصحابه يَبُرُّ الرجال ويكرم الشجعان، ويأخذ الحق حتى من ابنه، مما أفسح له في المجال لتوطيد الأمن والنظام في المنطقة التي سيطر عليها، واستطاع ابن حفصون جلب المولَّدين نحوه (المولدون اسم أطلق على من اعتنق الإسلام من الإسبان) مستغلاً نقمتهم معلناً أنه يريد أن يثأر لهم ويخرجهم من عبوديتهم.
وأدّى التبدل السريع في الأمراء إلى عدم اسـتمرار الجـهود المبـذولـة لخنـق عصيان ابن حفصون قبل استفحاله، فقد تعاقب على عرش الإمارة الأموية في الأندلس ما بين سنة 271-278هـ/884-891م وهي المرحلة التي بلغت فيها ثورة ابن حفصون ذروتها ثلاثة أمراء، الأمير محمد بن عبد الرحمن (238-273هـ/852-886م) والمنذر بن محمد (273-275هـ/886-888م) والأمير عبد الله بن محمد (275-300هـ/888-912م).
وفي عهد الأمير عبد الله وجّه ابن حفصون غاراته شمالاً حتى أحواز قرطبة، وبلغ من جُرأته أنه حاول إحراق مخيم الأمير في ضاحية شقندة على مقربة من العاصمة، وعند ذلك قرر الأمير عبد الله أن يخرج لقتاله مرة أخرى، فحشد ما استطاع من قواته واتجه نحو الجنوب إلى ناحية قبره حيث حشد الثائر قواته في معقل بلاي أوبولي Polei, Poley والتحمت قوات الأمير عبد الله بقوات ابن حفصون سنة 278هـ/891م وحقق الأمير في هذه المعركة نصراً كبيراً كان له أثره البالغ في مستقبل حركة ابن حفصون وبالتالي على مستقبل الأندلس، فقد استعاد جيش الأمير الثقة بقوته بعد الهزائم التي كان مُني بها قبل ذلك، واستعادت الإمارة الأموية بعض هيبتها في داخل البلاد وخارجها، ولذلك عندما طلب ابن حفصون مساعدة الأغالبة في ولاية إفريقية أبلغوه انشغال أميرهم بإخضاع ثورات قائمة في بلادهم.
في سنة 286هـ/899م أعلن عمر بن حفصون اعتناقه للنصرانية، وإذا كان ارتداده قد أكسبه عطف بعض المستعربين (وهم الذين بقوا على دينهم ولكنهم تأثروا بالثقافة العربية وتخلقوا بأخلاقها) فإنه خسر من جهة أخرى الكثير من أنصاره من المولدين الذين تبرؤوا من فعلته، واشتد السخط عليه في سائر جنبات الأندلس ورأى المسلمون في قتاله نوعاً من الجهاد.
توفي الأمير عبد الله سنة 300هـ/912م فخلفه حفيده عبد الرحمن الناصر لدين الله، الذي صمم منذ البداية على استئصال حركة ابن حفصون، فوضع خطة محكمة تقوم على إخضاع الثائرين المحيطين بابن حفصون، واستنزالهم من حصونهم أولاً ثم التوغل تدريجياً نحو حصن بيبشتر معقل ثورة ابن حفصون.
نجح عبد الرحمن في تنفيذ خطته، فأخضع منطقة جيان كلها، واستولى على سبعين معقلاً حصيناً، وفي سنة 301هـ/914م، تمكّن عبد الرحمن من استعادة بعض الحصون التابعة لابن حفصون في المناطق الساحلية الممتدة من طرش إلى الجزيرة الخضراء.
توفي عمر بن حفصون، ولكن ثورته استمرت حتى سنة 314هـ حين اشتبك الأمير عبد الرحمن مع سليمان بن عمر بن حفصون في معركة فاصلة قرب حصن بيبشتر، انتهت بمقتل سليمان واستسلام حفص الذي خلفه أخوه في الحصن، وحُمل هو وأسرته إلى قرطبة وأمر عبد الرحمن بهدم الحصن.
علي أحمد
الموضوعات ذات الصلة: |
مراجع للاستزادة: |
ـ المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة 1949).
ـ أحمد بدر، دراسات في تاريخ الأندلس وحضارتها، من الفتح حتى الخلافة (دمشق 1972).