خفاجي (سنان)
Al-Khafaji (Ibn Sinan-) - Al-Khafaji (Ibn Sinan-)
الخَفَاجِيّ (ابن سِنان -)
(423-466هـ/1031-1073م)
أبو محمد، عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، الخفاجي الحلبي، شـاعر مجيد، وأديب بارع. نسْبته إلى «خفاجة بن عمرو بن عقيل» وهي قبيلة عربية تنتمي إلى عدنـان، وقـد سكنت في أطراف الشام، ولاسيما قرب حلب، وكان أبوه محمد من أشراف هذه القبيلة، يدل على ذلك قوله مخاطباً أحد خصمائه:
مهلاً، فإنـك ما تَعـدُّ «مباركاً»
خالاً، ولا تدعو «سناناً» والدا
بيتٌ له النسب الجليّ، وغيـره
دعوى تريـد أدلـة وشواهـدا
نشأ ابن سنان في حلب نشأة عربية خالصة، وأخذ العلم والأدب عن علمائها، ثم رحل في سبيل ذلك أيضاً، فتتلمذ لأبي العلاء المعري[ر]، وللأديب الشاعر أبي نصر المنازي، وغيرهما، وجمع ثقافة جيدة، ودارس الشعراء الفحول، والعلماء المبرزين، وكان انتفاعه بالمعري أكثر من غيره، لأنه تأثر به في شعره، وذكره كثيراً في بعض كتبه.
والمصادر لا تمد بتفصيلات كافية عن حياته، ولاسيما مراحلها الأولى، إلا أن في أشعاره ما يدل على أنه كان على صلة بكثير من رجال عصره وأمرائه، كما تدل بعض أخباره القليلة على أنه كان ذا طموح سياسي كبير - إلى جانب عنايتـه بالأدب والشعر والتأليف - ودائم التعلق بالأمجاد الموروثة عن آبائه، وبالأخلاق العربية الأصيلة، وقد دأب منذ مطلع شبابه على مكاتبـة الوجوه والأعيان، لا استجداء وتملقاً، بل طموحاً إلى المناصب، وتعلقاً بالرفعة والرياسة،وفيهم أمراء من بني منقذ في قلعة «شيزر» كالأمير سعد الدولة علي بن مقلّد بن نصر، وآخرون من بني حمدان كالأمير ناصر الدولة علي بن الحسين بن عبد الله، وأمراء خلفوا الحمدانيين على إمارة حلب، وهم المرداسيون، وفي مقدمتهم أبو سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، وغير هؤلاء وأولئك من أعيان منتصف القرن الهجري الخامس الذي شهد فوضى الصراع على السلطة في حلب وما حولها.
وقد كان لابن سنان الخفاجي دور سياسي مهم في تلك الحقبة حتى إن الأمير المرداسي أبا سلامة، محمود بن نصر، حين فكر في أن يستنجد بالروم، لم يجد خيراً من ابن سنان ليرسله في هذه المهمة الشاقـة، وكان في الثلاثيـن من عمـره، وذلك في المحرم من سنة 453هـ/يناير1061م، فذهب إلى القسطنطينية رسولاً من قبل أبي سلامة، وعاد ابن سنان إلى سورية بعد شهور، ولم تُسفر بعثته عن شيء، لأن أميره « محموداً» صالح عمه «ثمالاً» واقتسما البلاد بينهما، وولي الوزارة لمحمود أبو نصر محمـد بن الحسن بن النحاس، وكانت تربطه بالخفاجي صداقة متينة، ومـودة مؤكـدة، فأشار ابـن النحاس على الأمير محمود المرداسي بأن يولي ابن سنان على «عَزاز» من أعمال حلب، وربما كانت هذه التولية بسعيٍ من ابن سنان لدى صديقه الوزير ليتوسط له عند الأمير، فكان له ما أراد.
ولكن ابن سنان كان في نفسه نزوع إلى الثورة، وسخط على أولياء الأمـر في عصره، فعصى ولي أمره محموداً المرداسي، وخرج عن طاعته، معتصماً بقلعة عزاز المنيعة، وانتهى أمر ابن سنان على يد صديقه الوزير أبي نصر ابن النحاس، الذي دس له السم في طعامه - في خبر مثير - فمات سنة 466هـ/1073م وقيل سنة 464هـ، في سن مبكرة لم تزد على الأربعين إلا قليلاً، بعد حياة حافلة، في السياسة والأدب والمغامرات التي لم تتسع لها حياته، ولم يحقق شيئاً من مطامحه ومطامعه التي عبّر عنها بقوله:
مَن مُبلغ اللوّام أن مطامعي
صارت حديثاً بينهم وقصائدا؟!
وقد حُمل جثمانه إلى حلب، وصلى عليه أميرها محمود بن صالح المرداسي.
تـرك ابن سنان الخفاجي - على صغر سنه وامتلاء حياته بالأحداث والمشاغل - جملة من الكتب، طبع منها اثنان هما: ديوان شعره، وكتاب «سر الفصاحة» وأقامه على أساس الفرق بين الفصاحة والبلاغة، وضرب الأمثلة من الشعر والنثر، ولم ينس أن يمهد لكتابه بذكر الأصوات والحروف، لأن لها أثرها في فصاحة الكلمة التي تتألف منها، كما تحدث عن اللغة العربية وخصائصها، وما فيها من جماليات الاستعارة والتشبيه، والإيجاز والإطناب والمساواة.
وختم الخفاجي كتابه بالحديث عن المفاضلة بين النظم والنثر، وما يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفته. وقد تناول ذلك كله بأسلوب العالم الأديب، والناقد البصير، بعد اطلاعه الواسع على كتب من سبقه من النقاد، وما قرأه من دواوين السابقين من الشعراء، ولقيمة هذا الكتاب انتفع به من أتى بعده كابن الأثير في كتابه «المثل السائر».
وله ستة مصنفات أخرى، لا تزال مفقودة، وهي: الصِّـرْفة، الحُكم بين النظم والنثر، العروض (في جداول)، حكم منثورة، كتاب في رؤية الهلال، عبارة المتكلمين في أصول الدين.
ولم ينقطع ابن سنان عن نظم الشعر طوال حياته، وفي ديوانه كثير من القصائد التي نظمها وهو في ميعة الصبا وريعان الشباب، ويدهش المرء لما يراه في تلك القصائد من جودة السبك، وجمال الصياغة، وجمال المعنى، كقوله مفتخراً:
سبقتُ، وما بُلّغتُ عشراً كواملاً
فكيف وقـد جاوزتُها بثمـانِ؟
ولي في قراع النائبـات عزائـمٌ
تريك بلـوغ النجم بالذَّمَـلان
ومعظم شعره يدور في فلك الأغراض التقليدية المعروفة في عصره، وفي مقدمتها: المديـح والغزل، اللذان يطغيان على ديوانه. يليهما بعد ذلك: الرثاء، والأوصاف، وأدب النفس، والزهد، والهجاء. وعلى ذلك جاءت المختارات الشعرية التي أثبتها محمود سامي البارودي في «مختاراته» من شعر ابن سنان، وعدد أبياتها 785 بيتاً. فضلاً عن أغراض أخرى تناثرت في ديوانه من فخـر ومكاتبات ومعارضات.
ثم إن في شعره نقداً اجتماعياً بارزاً، تأثر فيه بأستاذه أبي العلاء المعري الذي أورثه أشياء كثيرة نفسية وأدبية، منها نزعته الثورية، وميوله الإصلاحية، وتأملاته الفلسفية، دون ما في شعر المعري من غموض وتكلف كانا موضع نظر ونقد في رأي الخفاجي الذي أشار إلى شيء من ذلك في كتابه «سر الفصاحة».
وديوان الخفاجي، من هذه الناحية، يمدّ بما لا تمد به المصادر الأخرى، عن كثير من جوانب حياته وسيرته السياسية والاجتماعية والأدبية. وقد كان تلميذ المعري الوفي في كثير من آرائه، ومن نظراته في الحكمة والفلسفة، وفي التشاؤم والنّفرة من الناس، بل حتى في مذهبه الفني المعروف بلزوم ما لا يلزم في قوافيه، كقوله:
جهلتم، فما وجه النهار بواضحٍ
لديكم، ولا طَـرْف الدّجى بكحيل
وغرّكمُ طول البقـاء سفـاهـةً
كأنكـمُ لـم تسمعـوا برحيـل
إذا وقف العافي عليكم، كأنـما
يمـرّ برسمٍ في الديـار مُحيـلِ
فصادقُ وعدٍ منكمُ مثلُ كـاذبٍ
ومُبْـرِمُ أمـرٍ منكـمُ كسَحيـل
محمود فاخوري
ـ محمد راغب الطباخ، إعلام النبلاء (حلب 1409هـ/1989م).
ـ ابن العديم، زبدة الحلب، تحقيق سامي الدهان (دمشق 1373هـ/1954م).
ـ ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، تصحيـح وتعليـق عبد المتعال الصعيدي (مصر 1372هـ/1953م).
ـ ابن شاكر الكتبي، فوات الوفيات، تحقيق إحسان عباس (بيروت 1974م).
Al-Khafaji (Ibn Sinan-) - Al-Khafaji (Ibn Sinan-)
الخَفَاجِيّ (ابن سِنان -)
(423-466هـ/1031-1073م)
أبو محمد، عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، الخفاجي الحلبي، شـاعر مجيد، وأديب بارع. نسْبته إلى «خفاجة بن عمرو بن عقيل» وهي قبيلة عربية تنتمي إلى عدنـان، وقـد سكنت في أطراف الشام، ولاسيما قرب حلب، وكان أبوه محمد من أشراف هذه القبيلة، يدل على ذلك قوله مخاطباً أحد خصمائه:
مهلاً، فإنـك ما تَعـدُّ «مباركاً»
خالاً، ولا تدعو «سناناً» والدا
بيتٌ له النسب الجليّ، وغيـره
دعوى تريـد أدلـة وشواهـدا
نشأ ابن سنان في حلب نشأة عربية خالصة، وأخذ العلم والأدب عن علمائها، ثم رحل في سبيل ذلك أيضاً، فتتلمذ لأبي العلاء المعري[ر]، وللأديب الشاعر أبي نصر المنازي، وغيرهما، وجمع ثقافة جيدة، ودارس الشعراء الفحول، والعلماء المبرزين، وكان انتفاعه بالمعري أكثر من غيره، لأنه تأثر به في شعره، وذكره كثيراً في بعض كتبه.
والمصادر لا تمد بتفصيلات كافية عن حياته، ولاسيما مراحلها الأولى، إلا أن في أشعاره ما يدل على أنه كان على صلة بكثير من رجال عصره وأمرائه، كما تدل بعض أخباره القليلة على أنه كان ذا طموح سياسي كبير - إلى جانب عنايتـه بالأدب والشعر والتأليف - ودائم التعلق بالأمجاد الموروثة عن آبائه، وبالأخلاق العربية الأصيلة، وقد دأب منذ مطلع شبابه على مكاتبـة الوجوه والأعيان، لا استجداء وتملقاً، بل طموحاً إلى المناصب، وتعلقاً بالرفعة والرياسة،وفيهم أمراء من بني منقذ في قلعة «شيزر» كالأمير سعد الدولة علي بن مقلّد بن نصر، وآخرون من بني حمدان كالأمير ناصر الدولة علي بن الحسين بن عبد الله، وأمراء خلفوا الحمدانيين على إمارة حلب، وهم المرداسيون، وفي مقدمتهم أبو سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، وغير هؤلاء وأولئك من أعيان منتصف القرن الهجري الخامس الذي شهد فوضى الصراع على السلطة في حلب وما حولها.
وقد كان لابن سنان الخفاجي دور سياسي مهم في تلك الحقبة حتى إن الأمير المرداسي أبا سلامة، محمود بن نصر، حين فكر في أن يستنجد بالروم، لم يجد خيراً من ابن سنان ليرسله في هذه المهمة الشاقـة، وكان في الثلاثيـن من عمـره، وذلك في المحرم من سنة 453هـ/يناير1061م، فذهب إلى القسطنطينية رسولاً من قبل أبي سلامة، وعاد ابن سنان إلى سورية بعد شهور، ولم تُسفر بعثته عن شيء، لأن أميره « محموداً» صالح عمه «ثمالاً» واقتسما البلاد بينهما، وولي الوزارة لمحمود أبو نصر محمـد بن الحسن بن النحاس، وكانت تربطه بالخفاجي صداقة متينة، ومـودة مؤكـدة، فأشار ابـن النحاس على الأمير محمود المرداسي بأن يولي ابن سنان على «عَزاز» من أعمال حلب، وربما كانت هذه التولية بسعيٍ من ابن سنان لدى صديقه الوزير ليتوسط له عند الأمير، فكان له ما أراد.
ولكن ابن سنان كان في نفسه نزوع إلى الثورة، وسخط على أولياء الأمـر في عصره، فعصى ولي أمره محموداً المرداسي، وخرج عن طاعته، معتصماً بقلعة عزاز المنيعة، وانتهى أمر ابن سنان على يد صديقه الوزير أبي نصر ابن النحاس، الذي دس له السم في طعامه - في خبر مثير - فمات سنة 466هـ/1073م وقيل سنة 464هـ، في سن مبكرة لم تزد على الأربعين إلا قليلاً، بعد حياة حافلة، في السياسة والأدب والمغامرات التي لم تتسع لها حياته، ولم يحقق شيئاً من مطامحه ومطامعه التي عبّر عنها بقوله:
مَن مُبلغ اللوّام أن مطامعي
صارت حديثاً بينهم وقصائدا؟!
وقد حُمل جثمانه إلى حلب، وصلى عليه أميرها محمود بن صالح المرداسي.
تـرك ابن سنان الخفاجي - على صغر سنه وامتلاء حياته بالأحداث والمشاغل - جملة من الكتب، طبع منها اثنان هما: ديوان شعره، وكتاب «سر الفصاحة» وأقامه على أساس الفرق بين الفصاحة والبلاغة، وضرب الأمثلة من الشعر والنثر، ولم ينس أن يمهد لكتابه بذكر الأصوات والحروف، لأن لها أثرها في فصاحة الكلمة التي تتألف منها، كما تحدث عن اللغة العربية وخصائصها، وما فيها من جماليات الاستعارة والتشبيه، والإيجاز والإطناب والمساواة.
وختم الخفاجي كتابه بالحديث عن المفاضلة بين النظم والنثر، وما يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفته. وقد تناول ذلك كله بأسلوب العالم الأديب، والناقد البصير، بعد اطلاعه الواسع على كتب من سبقه من النقاد، وما قرأه من دواوين السابقين من الشعراء، ولقيمة هذا الكتاب انتفع به من أتى بعده كابن الأثير في كتابه «المثل السائر».
وله ستة مصنفات أخرى، لا تزال مفقودة، وهي: الصِّـرْفة، الحُكم بين النظم والنثر، العروض (في جداول)، حكم منثورة، كتاب في رؤية الهلال، عبارة المتكلمين في أصول الدين.
ولم ينقطع ابن سنان عن نظم الشعر طوال حياته، وفي ديوانه كثير من القصائد التي نظمها وهو في ميعة الصبا وريعان الشباب، ويدهش المرء لما يراه في تلك القصائد من جودة السبك، وجمال الصياغة، وجمال المعنى، كقوله مفتخراً:
سبقتُ، وما بُلّغتُ عشراً كواملاً
فكيف وقـد جاوزتُها بثمـانِ؟
ولي في قراع النائبـات عزائـمٌ
تريك بلـوغ النجم بالذَّمَـلان
ومعظم شعره يدور في فلك الأغراض التقليدية المعروفة في عصره، وفي مقدمتها: المديـح والغزل، اللذان يطغيان على ديوانه. يليهما بعد ذلك: الرثاء، والأوصاف، وأدب النفس، والزهد، والهجاء. وعلى ذلك جاءت المختارات الشعرية التي أثبتها محمود سامي البارودي في «مختاراته» من شعر ابن سنان، وعدد أبياتها 785 بيتاً. فضلاً عن أغراض أخرى تناثرت في ديوانه من فخـر ومكاتبات ومعارضات.
ثم إن في شعره نقداً اجتماعياً بارزاً، تأثر فيه بأستاذه أبي العلاء المعري الذي أورثه أشياء كثيرة نفسية وأدبية، منها نزعته الثورية، وميوله الإصلاحية، وتأملاته الفلسفية، دون ما في شعر المعري من غموض وتكلف كانا موضع نظر ونقد في رأي الخفاجي الذي أشار إلى شيء من ذلك في كتابه «سر الفصاحة».
وديوان الخفاجي، من هذه الناحية، يمدّ بما لا تمد به المصادر الأخرى، عن كثير من جوانب حياته وسيرته السياسية والاجتماعية والأدبية. وقد كان تلميذ المعري الوفي في كثير من آرائه، ومن نظراته في الحكمة والفلسفة، وفي التشاؤم والنّفرة من الناس، بل حتى في مذهبه الفني المعروف بلزوم ما لا يلزم في قوافيه، كقوله:
جهلتم، فما وجه النهار بواضحٍ
لديكم، ولا طَـرْف الدّجى بكحيل
وغرّكمُ طول البقـاء سفـاهـةً
كأنكـمُ لـم تسمعـوا برحيـل
إذا وقف العافي عليكم، كأنـما
يمـرّ برسمٍ في الديـار مُحيـلِ
فصادقُ وعدٍ منكمُ مثلُ كـاذبٍ
ومُبْـرِمُ أمـرٍ منكـمُ كسَحيـل
محمود فاخوري
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن العديم، زبدة الحلب، تحقيق سامي الدهان (دمشق 1373هـ/1954م).
ـ ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، تصحيـح وتعليـق عبد المتعال الصعيدي (مصر 1372هـ/1953م).
ـ ابن شاكر الكتبي، فوات الوفيات، تحقيق إحسان عباس (بيروت 1974م).