معارض صفحة الفن والنقد التشكيلي
المعرض الرابع والستون
الناقد والفنان خالد خضير الصالحي
بوست رقم 7
حارس العتبة
يوسف الناصر
أن تقرأ نصاً نقدياً للصديق للناقد والرسام خالد خضيّر الصالحي، فأنت تقرأ لواحد من بين عدد محدود جدا من نقاد الفن ودارسيه، سواء أكان في العراق أم في باقي البلدان العربية، ممن يدركون أن مهمتهم تنويريةٌ وانهم يسعون باتجاه ثقافة انسانية نبيلة تُعلي من شأن الانسان وتكرّم الطبيعة وتجعل الحياة أكثر احتمالا.
أن تقرأ نصا لخالد خضير فانت تقرأ لكاتب مسؤول يقدّر خطورة الفكر وأهمية المعرفة، خصوصا في زمن التجهيل والجهالة وازدراء العقل والجمال، زمن تعمّ به الفوضى والرداءة ويتسيده الاميّون واللصوص. كاتب حمّل نفسه مسؤولية جسيمة في حفظ وتطوير الكتابة عن الحركة الفنية في العراق، وهو يديم بذلك دور المثقف العراقي التنويري المهدد بالتهميش والتعتيم، بينما ينام حرّاس الهيكل ممن نفترض ان مناصبهم وشهاداتهم (العالية) تحتّم عليهم ان يقوموا بدور السدنة والحماة للفكر والفن والثقافة العراقية عموما.
بالامس كنت اقرأ (مقالا) لناقد عراقي عن الفنان الراحل منعم فرات، كنت منفعلا ومضطربا وانا الاحق السطور دون ان يصلني شيء مما يقال، سطر يحيلني لآخر وفقرة توصلني بأخرى في متاهة من الكلمات والمصطلحات والتعابير التي لا يجمعها جامع سوى الله، بعد كل سطر اهمُّ برمي الورقة غيظا من نفسي وعقلي غير القادر على الوصول الى فحوى الكلام الذي بدا عميقا، لكني أصبّر نفسي واشجعها على قراءة سطور اخرى، عسى أن يقدح عقلي وتسعفني بصيرتي فالتقط منها خيط السعادة الذي سيخرجني من الجب (باعتباري يوسف)، وهكذا، سطر بعد آخر وفقرة بعد اخرى في سلسلة لا تنتهي وانا اشدّ من عزيمتي واستعيد روح المناضل القديم ( بالمناسبة هذا يحدث لي كثيرا الان فانا احاول ان اقرأ ما استطعت مما يكتب عن الفن العراقي)؛ فأعدت قراءة المقال بعد فترة هدوء لكي لا اكون ظالما، لكني انتهيت مثلما بدأت، وكأني قرأت هواءً، لم أخرج بشي، منذ متى ونحن نكتب بلا معنى؟.
منذ متى ونحن نتكلم دون أن نقول شيئاً؟ منذ متى ونحن نكتب من أجل ان نمحو و ندوّن لكي ننسى ونقول لكي لا نُفهم؟، ما معنى الكتابة اذن؟ ونحن ندّعي اننا اهل التدوين. سوى إني رغم كل ذلك تلمست في نفسي نوعا من اعجاب بكاتب المقال وشيئا من دهشة حيرتني، كيف يمكن لشخص ان يكتب صفحتين او ثلاثا دون ان يقول شيئا. هذا شان يستحق التأمل، لابد وان يوجد مكان للاستفادة من موهبة كهذه.
ولكن ما هي علاقة خالد خضير الصالحي بهذا الامر؟ خصوصا وانني اكتب رسالة الى جلسة بحث وحديث في الفن يقودها هو نفسه؟.
بعد كل حديث مع خالد الصالحي، وبعد كل نص اقراه له أتوقع أن أخرج بشيء ما: فكرة جديدة، زاوية نظر مختلفة، انتباهة، ويحدث دائما أن أجد ما أنتظره.
لم يكن المقال الذي قرأته استثناء يستحق الاشارة، هذا النوع من الكتابة هو السائد الان عندنا في نقد الفن ودراسته، لذلك لابد من خالد. تصور معي ان خالد والاخرين القليلين جدا غير موجودين في العراق، خالد وهؤلاء القلة يكتبون لإنارة الدرب وليس لتعميته، يكتبون من أجل الافصاح وليس الابهام، يتكلمون ليقولوا شيئا.
هو اول من فكرت به من اصدقائي بمناسبة المقال آنف الذكر فأنا أتصل به واشكو اليه هذا الخراب الذي يحاصرنا من كل صوب، الرطانة التي تتسيد لغتنا وحديثنا عن الفن، البلوى التي اخترعها من ليس لديهم ما يقولونه، فخالد بالنسبة لي احد سدنة الوضوح.
يقلب خالد موضوع بحثه بحساسية فائقة خصوصا عندما يتعلق الامر بالرسم، فهو رسام اولا، والرسم كان سبيله الى الفن، لكن الاقدار الرحيمة بالفن العراقي أضافت له مهمة أخرى ووجهته نحو النقد ودراسة تاريخ وفلسفة الفن. ليس لديه صياغات وافكار جاهزة تؤطر المتلقي قبل الدخول في موضوع البحث، منفتح على الجديد من الافكار وتجارب الفنانين، حتى اني ارى في حواراتنا احيانا انه (شديد الديمقراطية)، يمضي عميقا في تقليب سعادات ومواجع الفن العراقي بصبر ولكن بمحبة. عميق الاحساس بما تراه عيونه المدربة على الرؤية وملاحقة الجمال.
اتحدث مع خالد وانا على يقين من انى في حضرة استاذ واسع الثقافة كما نتوقع من ناقد يتصدى لمهمة جسيمة في دراسة الفن العراقي وتتبع تاريخة وسبل تطوره في وقتنا الحالي الذي تعمّه الفوضى وتعيش فيه حركتنا الثقافية والفنية وقتا عصيبا.
أحسده مرة على حرصة واصراره على البحث والمتابعة، ومرات على حذرة الواضح وهو يكتب ويحاضر عن الفن، لكني اعزو ذلك الى تمثله صرامة روح الباحث الجاد اضافة الى (طبيعته) الاخرى كلاعب شطرنج ماهر ومدرب معروف للعبة ليس بالعراق فحسب بل في بلاد اخرى كثيرة، لاعب الشطرنج الدقيق والمحسوب الخطوات الذي لا تتوفر له رفاهية الخطأ والغفلة.
المعرض الرابع والستون
الناقد والفنان خالد خضير الصالحي
بوست رقم 7
حارس العتبة
يوسف الناصر
أن تقرأ نصاً نقدياً للصديق للناقد والرسام خالد خضيّر الصالحي، فأنت تقرأ لواحد من بين عدد محدود جدا من نقاد الفن ودارسيه، سواء أكان في العراق أم في باقي البلدان العربية، ممن يدركون أن مهمتهم تنويريةٌ وانهم يسعون باتجاه ثقافة انسانية نبيلة تُعلي من شأن الانسان وتكرّم الطبيعة وتجعل الحياة أكثر احتمالا.
أن تقرأ نصا لخالد خضير فانت تقرأ لكاتب مسؤول يقدّر خطورة الفكر وأهمية المعرفة، خصوصا في زمن التجهيل والجهالة وازدراء العقل والجمال، زمن تعمّ به الفوضى والرداءة ويتسيده الاميّون واللصوص. كاتب حمّل نفسه مسؤولية جسيمة في حفظ وتطوير الكتابة عن الحركة الفنية في العراق، وهو يديم بذلك دور المثقف العراقي التنويري المهدد بالتهميش والتعتيم، بينما ينام حرّاس الهيكل ممن نفترض ان مناصبهم وشهاداتهم (العالية) تحتّم عليهم ان يقوموا بدور السدنة والحماة للفكر والفن والثقافة العراقية عموما.
بالامس كنت اقرأ (مقالا) لناقد عراقي عن الفنان الراحل منعم فرات، كنت منفعلا ومضطربا وانا الاحق السطور دون ان يصلني شيء مما يقال، سطر يحيلني لآخر وفقرة توصلني بأخرى في متاهة من الكلمات والمصطلحات والتعابير التي لا يجمعها جامع سوى الله، بعد كل سطر اهمُّ برمي الورقة غيظا من نفسي وعقلي غير القادر على الوصول الى فحوى الكلام الذي بدا عميقا، لكني أصبّر نفسي واشجعها على قراءة سطور اخرى، عسى أن يقدح عقلي وتسعفني بصيرتي فالتقط منها خيط السعادة الذي سيخرجني من الجب (باعتباري يوسف)، وهكذا، سطر بعد آخر وفقرة بعد اخرى في سلسلة لا تنتهي وانا اشدّ من عزيمتي واستعيد روح المناضل القديم ( بالمناسبة هذا يحدث لي كثيرا الان فانا احاول ان اقرأ ما استطعت مما يكتب عن الفن العراقي)؛ فأعدت قراءة المقال بعد فترة هدوء لكي لا اكون ظالما، لكني انتهيت مثلما بدأت، وكأني قرأت هواءً، لم أخرج بشي، منذ متى ونحن نكتب بلا معنى؟.
منذ متى ونحن نتكلم دون أن نقول شيئاً؟ منذ متى ونحن نكتب من أجل ان نمحو و ندوّن لكي ننسى ونقول لكي لا نُفهم؟، ما معنى الكتابة اذن؟ ونحن ندّعي اننا اهل التدوين. سوى إني رغم كل ذلك تلمست في نفسي نوعا من اعجاب بكاتب المقال وشيئا من دهشة حيرتني، كيف يمكن لشخص ان يكتب صفحتين او ثلاثا دون ان يقول شيئا. هذا شان يستحق التأمل، لابد وان يوجد مكان للاستفادة من موهبة كهذه.
ولكن ما هي علاقة خالد خضير الصالحي بهذا الامر؟ خصوصا وانني اكتب رسالة الى جلسة بحث وحديث في الفن يقودها هو نفسه؟.
بعد كل حديث مع خالد الصالحي، وبعد كل نص اقراه له أتوقع أن أخرج بشيء ما: فكرة جديدة، زاوية نظر مختلفة، انتباهة، ويحدث دائما أن أجد ما أنتظره.
لم يكن المقال الذي قرأته استثناء يستحق الاشارة، هذا النوع من الكتابة هو السائد الان عندنا في نقد الفن ودراسته، لذلك لابد من خالد. تصور معي ان خالد والاخرين القليلين جدا غير موجودين في العراق، خالد وهؤلاء القلة يكتبون لإنارة الدرب وليس لتعميته، يكتبون من أجل الافصاح وليس الابهام، يتكلمون ليقولوا شيئا.
هو اول من فكرت به من اصدقائي بمناسبة المقال آنف الذكر فأنا أتصل به واشكو اليه هذا الخراب الذي يحاصرنا من كل صوب، الرطانة التي تتسيد لغتنا وحديثنا عن الفن، البلوى التي اخترعها من ليس لديهم ما يقولونه، فخالد بالنسبة لي احد سدنة الوضوح.
يقلب خالد موضوع بحثه بحساسية فائقة خصوصا عندما يتعلق الامر بالرسم، فهو رسام اولا، والرسم كان سبيله الى الفن، لكن الاقدار الرحيمة بالفن العراقي أضافت له مهمة أخرى ووجهته نحو النقد ودراسة تاريخ وفلسفة الفن. ليس لديه صياغات وافكار جاهزة تؤطر المتلقي قبل الدخول في موضوع البحث، منفتح على الجديد من الافكار وتجارب الفنانين، حتى اني ارى في حواراتنا احيانا انه (شديد الديمقراطية)، يمضي عميقا في تقليب سعادات ومواجع الفن العراقي بصبر ولكن بمحبة. عميق الاحساس بما تراه عيونه المدربة على الرؤية وملاحقة الجمال.
اتحدث مع خالد وانا على يقين من انى في حضرة استاذ واسع الثقافة كما نتوقع من ناقد يتصدى لمهمة جسيمة في دراسة الفن العراقي وتتبع تاريخة وسبل تطوره في وقتنا الحالي الذي تعمّه الفوضى وتعيش فيه حركتنا الثقافية والفنية وقتا عصيبا.
أحسده مرة على حرصة واصراره على البحث والمتابعة، ومرات على حذرة الواضح وهو يكتب ويحاضر عن الفن، لكني اعزو ذلك الى تمثله صرامة روح الباحث الجاد اضافة الى (طبيعته) الاخرى كلاعب شطرنج ماهر ومدرب معروف للعبة ليس بالعراق فحسب بل في بلاد اخرى كثيرة، لاعب الشطرنج الدقيق والمحسوب الخطوات الذي لا تتوفر له رفاهية الخطأ والغفلة.