الجزيرة العربية هي : موطن أقدم حضارة للجنس البشري فمنذ أقدم الأزمنة التاريخية المعروفة؛ كانت هذه الجزيرة مأهولة بجماعات بشرية متشابهة في الملامح والطباع؛ وتتكلم لغة مشتركة هي:اللغة العربية الأم, وان الأقوام التي سكنت وادي النيل والعراق وبلاد الشام هم من هذه الجماعة, وان اليمن- وحضرموت تحديداً-هي منبتهم الأول, ومنها ابتدأت الهجرات العربية إلى أطراف تلك الجزيرة والى ما وراء تلك الأطراف, ويرى الباحثون أن أسلاف العرب كانوا:يتمتعون بحضارة قديمة في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة العرب, وكانت اليمن عامرة بأنها رها الدائمة الجريان؛ وبأمطارها الغزيرة الدائمة السقوط, إلا أنها تعرضت إلى تغيرات مناخية في نهاية العصر الجليدي؛ في حدود ما قبل عشرين ألف سنة ق م؛ الأمر الذي أدى إلى انحباس الأمطار واندثار الأنهار, فأخذ الجفاف ينتشر منذ ذلك الحين في النطاق الصحراوي الحالي؛ مما اضطر الناس إلى الهجرة من اليمن– موطن الجنس العربي الأول– إلى أماكن ذات موارد مائية دائمة؛ فكان أن توجه قسم من أحفاد فالغ بن عابر إلى شمال الجزيرة العربية؛ ومنها أخذوا يتوزعون إلى الأطراف والى ما وراء تلك الأطراف, فمنهم من توجه شرقا نحو بلاد الرافدين,ومنهم من استقر في فلسطين وفي سوريا ولبنان, ومنهم من توجه غربا نحو طور سينا وحتى أطراف وادي النيل وشمال أفريقيا,وهذه الجماعات سميت : بالعرب المستعربة لأن أغلبهم هاجروا من اليمن موطن آبائهم, والذين لم يبرح أغلبهم اليمن سمو:بالعرب العاربة وهم أحفاد قحطان بن عابر وحدد بعض الباحثين بداية هذه الهجرات بالألف الرابعة ق م؛ وربما قبل ذلك بكثير على رأي البعض الآخر منهم, ومن الجدير بالذكر إن هذه الجماعات العربية لم تستقر في مواطنها الجديدة نتيجة حرب أو غزو؛ بل كانت تنتقل بين أرجائها الفسيحة في أرض مكشوفة ومفتوحة للجميع (أرض الله الواسعة) فتقصد الماء أينما كان؛ حيث كانت الأماكن الصالحة للسكن – في هذه البقاع - متوفرة للجميع في البداية, وكان كل المهاجرين من عنصر واحد وأصل واحد وقومية واحدة هي : العربية تربطهم وشائج اللغة العربية الأم؛ والتراث الصحراوي الذي ينتمون إليه جميعا؛ فلا يزاحمهم أو يعترضهم عنصر غريب لأن العناصر غير العربية(السامية)لم تكن قد هاجرت إلى هذه البقاع بعد وكان اتصال المهاجرين مستمرا بينهم وبين أبناء عمومتهم في اليمن, ومن المعتقد أن الهجرة كانت تدريجية؛ في موجات متعاقبة عندما كانت تضيق عليهم موارد الغذاء, ويؤكد الخبراء : أن اتجاه الهجرة من ناحية البحرين وناحية الحجاز متواترة في الأزمنة التاريخية القديمة والحديثة, وأن هذه الهجرات من جزيرة العرب إلى وادي النيل وحوض دجلة والفرات وبلاد الشام واستقرت فيها قبل خمسة وأربعين قرناً ق م, كانت تحمل معها حضارة غير يسيرة من مضاهر الحياة الاجتماعية والسياسية ووسائلها, وان أول من عُرف يقيناً قبل خمسة وثلاثين قرناً ق م هو الملك (منا) مؤسس الأسرة الملكية الفرعونية الأولى؛ وأصله من الجزيرة العربية, وان المهاجرين قد دخلوا مصر من برزخ السويس ومن طريق الجنوب, وكانوا يحملون معهم حضارة أرقى مما كان في مصر وقت ذاك, وهم الذين أتوا بفن التحنيط والكتابة الهيروغليفية, وهذا ما أكده جمهرة من مؤرخي تاريخ مصر القديم وعلماء آثارها بأن معظم سكان مصر القدماء هم : موجات قدمت إلى مصر من جزيرة العرب وقد عممت لغتها وطبعت مصر وما حولها بطابعها أما في حوض دجلة والفرات وبلاد الشام فقد أقامت هذه الجماعات العربية(السامية) أعظم الحضارات وأقدمها مما عرفه العالم في تاريخ البشرية وهي : الأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية والكنعانية والفينيقية والآرامية وغيرها, وقد أطلق معظم الباحثين على هذه الجماعات التي جاءت من جزيرة العرب ب:الهجرات السامية, وهذه التسمية ليست دقيقة؛ حيث أن هذه الجماعة وباتفاق الباحثين والمؤرخين هي : الجماعة العربية وان مهد الساميين هو: اليمن والحجاز ونجد والعروض ومنها جميعاً ابتدأت الهجرات إلى شمال الجزيرة العربية والى مشارف بلاد الشام والعراق وحتى تخوم إيران, ثم إلى وادي النيل وبلاد الحبشة وشمال إفريقيا, وان الأمة العربية قديماً وحديثا هي:الجنس السامي بأكمله, وان منزلة اللهجات السامية من اللغة العربية هي : منزلة الفروع الدانية من الأصل الواحد
كتبه الاستاء الفقيد خالد مركوز العبيدي
كتبه الاستاء الفقيد خالد مركوز العبيدي