مثقفون وكتاب سعوديون يشيدون بتجربة إبراهيم التركي كاتبا ومثقفا وإنسانا
مقالات الكتاب تجمع على قيمة الكاتب ومسيرته المؤثرة في الثقافة السعودية.
الخميس 2025/01/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إبراهيم التركي شخصية ابتكارية متجددة
من النادر أن نشهد المثقفين والمبدعين يشيدون بتجارب بعضهم البعض، وهذا أمر يثير الاستغراب، وهذا ما يمكن تجاوزه بالاحتفاء بالتجارب الراسخة في أعين معاصريها، دون انتظار رحيلها لتثمين منجزها، وهذا من شأنه أن يعطي قيمة حية لكل تجربة، ويثمن كل فعل حضاري بعيدا عن الأنانية. وهذا ما حاوله كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة.”
حظيت مسيرة الكاتب والناقد والأديب والصحافي السعودي الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، بمتابعة واحتفاء كبيرين في الأوساط الثقافية السعودية.
وفي صورة من صور ذلك الاحتفاء، جاء كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، لمؤلفه جابر محمد مدخلي، والذي لم يقف عند سرد سيرة المُحتفى به والوقوف عند أهم المحطات في مسيرته الطويلة مع الصحافة والأدب والنقد، بل ضمّنه كذلك مجموعة من كتابات سطرتها أقلام كُتّاب كبار من الأدباء والنقاد والشعراء والإعلاميين وبعض المسئولين، الذين تلاقت أقلامهم، وتقاربت أفهامهم، وتداخلت لتصافح إبراهيم التركي أديبا ومثقفا وصحفيا، عبر شهادات قيمة تتناول أجزاء من عطاء لا ينضب، ومن جهد لا يتوقف للتركي، بعضها تناوله مبدعا وباحثا، وبعضها عرج عليه شخصا فاعلا، وإعلاميا مثقفا.
تجربة مبدع
في تقديمه لكتابه، يقول المؤلف جابر محمد مدخلي، إنه حين يستحضر شخصية الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، يجد أنه أمام شخصية متجددة وابتكارية، ومضادة للتيبس، ومتنصلة عن الأنا وطاردة للذاتية المقيتة، شخصية تقدم غيرها لتحظى هي بالصف الأخير وبه تكتفي. شخصية تكره أن يصفها الآخر بالمثالية، وتقبل تواضعا أن توصف بالعادية أو الثانوية.
ويضيف مؤلف الكتاب “الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو رجل الظل والتواري. الرجل الذي سعى بكل ما أوتي من قواه للتخفي خلف صمت أعماله، ولغته، وقلبه الكبير، ويأبى الله إلا أن يظهره على الناس كلهم.”
ورأى مدخلي أن شخصية كالدكتور إبراهيم التركي يصعب تلخيصها، ولكن لا يصعب أن نعتبرها جميعنا استثناء، والمدخلي يُقدم كتابه هذا، للمشهد الثقافي العربي “تكريما لمسيرته الحافلة.”
الكتاب، الصادر عن النادي الأدبي الثقافي بجدة، تصدّره مقال للدكتور عبدالله بن عويقل السلمي، رئيس النادي، وجاء بعنوان “إبراهيم التركي المُستثنى التام”، قال فيه إن مؤلف “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، جابر محمد مدخلي، استطاع أن يستنطق الأقلام، وأن تتدفق ذكريات من – استكتبهم ونشرت مُشاركاتهم على صفحات كتابه – وتنثال حروفهم إبداعا عن إبراهيم التركي.”
وأضاف بأنهم كانوا “يعرفون عن التركي أنه إذا تحدث أفصح، وإذا كتب أشرق لفظه، وسهل أسلوبه.. يشرق حرفه إشراق البشاشة… أستمع إليه متحدثا وكأنه عازف موسيقى.”
وتابع بأن ما كتب عن الدكتور إبراهيم، في هذا الكتاب، جعل معرفته به أقرب وأشمل، وأنه – أي إبراهيم التركي – “مع جمال حرفه مؤتلف الخلق متلائم الذوق معتدل الفكر، وإذا كنت أعرف عن إبراهيم التركي طيب معشره وحسن منطقه ولطف عبارته – حين التقيه، أو أتصل به – إلا أنني بهذا الكتاب وجدتني أمام فرصة مواتية – لي شخصيا – أن أتعرف على ‘أبي يزن‘ أكثر من خلال كتابات من تحدثوا عنه على صفحات هذا الكتاب، فأي جمال أملك للأذهان والخواطر من قراءة – بأقلام مبدعين – عن تجربة مبدع. وسيرة مثقف وأديب.”
وفي فاتحة الكتاب، كتب الناقد والأكاديمي السعودي، الدكتور عبدالله الغذامي، مقالا بعنوان “أبو يزن.. الشاهد الثقافي”، قال فيه إن “أبو يزن، الدكتور إبراهيم التركي، يحتل مساحة عريضة وعميقة في ذاكرة الثقافة مبدعا وباحثا، وفي الوقت ذاته فاعلا ثقافيا، يحرك دفة الثقافة عبر ملحق ‘الثقافية‘ في جريدة الجزيرة والذي استمر لأربعة عقود من الفعل الثقافي الحيوي والتفاعلي، حضرت فيه الشخصيات الثقافية من باحثين وباحثات ومبدعين ومبدعات سعوديين وعربا، وجرى الاحتفاء بالتجارب الكبرى من غازي القصيبي ومحمود درويش إلى طلائع الشباب والشابات المبدعات الذين تمتعت كتاباتهم عبر ملحق جريدة الجزيرة بتحفيز من أبي يزن.”
وأضاف الغذامي بأنه في المرحلة التي شهدها وتفاعل معها، فإن سعد الحميدين في جريدة الرياض، والدكتور إبراهيم التركي في جريدة الجزيرة، كانا مما يمسكان بجناحي الثقافة السعودية في تفاعل حيوي وتنافس رفيع المستوى، وظلت الملحقات الثقافية بينهما تشعل شموع الثقافة، وتضع الفعل الثقافي في تفاعل أسبوعي تترقبه المواعيد والمبادرات ومفاجآت المنجز الإبداعي والنقدي والمعرفي، وجرى استقطاب الأكاديميين بمثل ما تم فتح الفضاء العريض لشُداة الكلمة المبدعة، والنص المتحدي للسكون والمشاغب للسائد.
ولفت الدكتور عبدالله الغذامي إلى ملفات التكريم في المجلة الثقافية في جريدة الجزيرة، والدور اللافت لها، خاصة بعد تحولها من ملحق “الثقافية” إلى مجلة ثقافية أسبوعية، حيث توالى الاحتفال بتجارب كبار المفكرين والمبدعين مما مثل دورا عميقا في تقدير تاريخهم ومنجزهم، وربط الجيل الجديد مع جبل الريادات عبر شهادات يتم تحفيز رواد الثقافة للكتابة عن رفاق دربهم، مما يكشف عن وثائق نادرة وفريدة ما كان لها أن تظهر لولا التحفيز عبر الاستكتاب، وندب الرفاق للكتابة عن رفاقهم، حيث نتج عن ذلك رصيد ضخم يكشف عن خبايا سيرة كل مفكر تتم الكتابة عنه، وتقديم سيرته، وحال منتجه عبر شهادة من عاصروه، وعاشوا ظرفه كله.
جوانب إنسانية
التركي خاض مشوارا طويلا حافلا بالكثير من التميز والتنوع جامعا بين الأصالة والمعاصرة دون ارتهان لفكر واحد
في مداخلته التي نشرت بالكتاب تناول الأديب السعودي حمد القاضي الجوانب الإنسانية في سيرة التركي، حيث قال: “إبراهيم التركي أحبه من عرفوه حرفا، فكيف بمن عرفه إنسانا وخلا،” وأشار إلى أن بداية معرفته بالتركي بدأت وهما في عمر الناشئة بعنيزة، حيث جمعهما مسجد واحد، وشارع واحد، وأنه منذ معرفتهما المبكرة وحتى اليوم، ظل التركي كما هو خلا وفيا، ذا خلق نبيل، وسمت جميل، وأدب بالقول، ورقي بالتعامل.
وقال خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية، في شهادته حول سيرة ومسيرة الدكتور إبراهيم التركي – والتي عنونها بـ”فارس الكلمة” – إنه حينما نتحدث عن إبراهيم التركي أديبا، وشاعرا، ومثقفا، وناقدا، وصحفيا لامعا، فإننا نتحدث عن مشوار طويل وثري حفل بالكثير من التميز والتنوع في عطاءاته، جامعا بين الأصالة والمعاصرة. لم يرتهن لفكر معين، ولم يقيد نفسه بثقافة ذات صبغة واحدة، بل أعطى لنفسه الحرية المطلقة، وأبحر في قراءة كل فن وممارسة الكتابة فيه، وكأنه كمثقف استجاب لمقولة “خذ من كل فن بطرف،” وقد استهوته هذه المقولة مبكرا، فكتب المقالة القصيرة والطويلة، ومزجهما بين السرد المباشر والأسلوب ذي الحبكة القصصية سهلة القراءة، ومثل هذا كتب القصيدة التقليدية، ملتزما بأوزانها وقافيتها المعروفة، ومثل هذا قدم نفسه شاعرا حداثيا معتمدا على ثقافته المعاصرة.
وفي شهادته التي حملت عنوان “شريك الصحافة”، قال عبدالله الحسني، مدير تحرير الشئون الثقافية بجريدة الرياض السعودية: “قلة هم الذين يشبهون ما يكتبونه، أو بالأصح هم أنفسهم الذين يعبرون ويعيشون ويوجهون بأفكارهم أنفسهم وفي الوقت نفسه غيرهم. كان التركي واحدا منهم، حتى على مستوى حديثك معه تشعره هو نفسه الذي يناقش القضايا الثقافية، وهموم الفكر، والمشاعر الإنسانية.”
الدكتور إبراهيم التركي، يحتل مساحة عريضة وعميقة في ذاكرة الثقافة مبدعا وباحثا وفي الوقت ذاته فاعلا ثقافيا
وأضاف بأنه كان يستمتع بتلك الزاوية التي يكتبها التركي واستمرت لعقود خلت، وأن حبوره زاد حينما اجتمعا مجدا حين التحق بالعمل الصحفي الذي سبقه إليه التركي بسنوات لـ “تتوطد تلك العلاقة والتواصل الثقافي الجميل، وتتبعها مشاركات ثقافية امتدت ولا تزال وستظل من أجل خدمة ورقي المشهد الثقافي السعودي.”
وقال محمد هليل الرّويلي، الكاتب والإعلامي السعودي، في شهادته التي جاءت بعنوان “إبراهيم التركي.. أسرارُ النّبْعِ والسّاقِي”: “هذا هو معلمي وملهمي ومنارتي، والأب الروحي؛ الذي أدخل البهجة للمهج. وجعل السعادة تطبُع على أفئدة مْن رحلوا (قبل أن يرحلوا)، ومن بَقْوا… سأكتب عنه وإن كان بكتابتي عنه ما سَيُغضّ بزهده، لكن إيماني ورجائي بغفران قلبه يشفع لي عنده. هو الغيمة الماطرة، والوسم والزهر.. حديقة عمري والكروم. الدكتور إبراهيم عبدالرحمن التركي، الذي ظل عاكفا كالحقل والساقي، والطير والوكر المنيف، والغيم، وكفوف المتضرع خلال سنوات السير والمسير. لا يتشاكى، ولا يتباكى، ولا يتعاظم، ويتهاوى، نزّه قلمه عن القول بالجور وافتراء الباطل أو الزور.”
هذا، وقد أجمعت المداخلات التي نُشرت على صفحات كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، على أن إبراهيم التركي قامة، وقيمة عند كل من يعرفه أو يتحدث عنه، إذ تكمن أهمية الكتاب في أنه محاولة جادة لاستنطاق قراء التركي وأصدقائه، وزملائه. ومَنْ يطالعه سيشعر أن ثمة روحا تحف هذا العمل، وحرفا ممتعا متنوعا ثريا – مضمونا وموضوعا وأسلوبا – خطته الأقلام برقة ندية وأريحية هو أهل لها.
ويكشف هذا الكتاب وتلك الشهادات التي كُتبت بأقلام قِمم تمتاز بثقافة العلم وسعة المعرفة وقيمة الوفاء، عن مكانة سامقة وأخلاق عالية، وتجارب ثرية وعلاقات واسعة لهذا الرمز إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، نهر المعرفة المتدفق، والصوت الذي يتمتع بالصفاء والقوة والوعي، والذي ينتمي بحسب ما جاء على صفحات هذا الكتاب، إلى المدرسة الجمالية المتدفقة لفظا وخلقا وقيما وثقافة، حيث كان في كل مسارات كتاباته وطروحاته وندواته، معتزا بثراء منابع ثروته العربية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة
كاتب مصري
مقالات الكتاب تجمع على قيمة الكاتب ومسيرته المؤثرة في الثقافة السعودية.
الخميس 2025/01/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إبراهيم التركي شخصية ابتكارية متجددة
من النادر أن نشهد المثقفين والمبدعين يشيدون بتجارب بعضهم البعض، وهذا أمر يثير الاستغراب، وهذا ما يمكن تجاوزه بالاحتفاء بالتجارب الراسخة في أعين معاصريها، دون انتظار رحيلها لتثمين منجزها، وهذا من شأنه أن يعطي قيمة حية لكل تجربة، ويثمن كل فعل حضاري بعيدا عن الأنانية. وهذا ما حاوله كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة.”
حظيت مسيرة الكاتب والناقد والأديب والصحافي السعودي الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، بمتابعة واحتفاء كبيرين في الأوساط الثقافية السعودية.
وفي صورة من صور ذلك الاحتفاء، جاء كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، لمؤلفه جابر محمد مدخلي، والذي لم يقف عند سرد سيرة المُحتفى به والوقوف عند أهم المحطات في مسيرته الطويلة مع الصحافة والأدب والنقد، بل ضمّنه كذلك مجموعة من كتابات سطرتها أقلام كُتّاب كبار من الأدباء والنقاد والشعراء والإعلاميين وبعض المسئولين، الذين تلاقت أقلامهم، وتقاربت أفهامهم، وتداخلت لتصافح إبراهيم التركي أديبا ومثقفا وصحفيا، عبر شهادات قيمة تتناول أجزاء من عطاء لا ينضب، ومن جهد لا يتوقف للتركي، بعضها تناوله مبدعا وباحثا، وبعضها عرج عليه شخصا فاعلا، وإعلاميا مثقفا.
تجربة مبدع
في تقديمه لكتابه، يقول المؤلف جابر محمد مدخلي، إنه حين يستحضر شخصية الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، يجد أنه أمام شخصية متجددة وابتكارية، ومضادة للتيبس، ومتنصلة عن الأنا وطاردة للذاتية المقيتة، شخصية تقدم غيرها لتحظى هي بالصف الأخير وبه تكتفي. شخصية تكره أن يصفها الآخر بالمثالية، وتقبل تواضعا أن توصف بالعادية أو الثانوية.
ويضيف مؤلف الكتاب “الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو رجل الظل والتواري. الرجل الذي سعى بكل ما أوتي من قواه للتخفي خلف صمت أعماله، ولغته، وقلبه الكبير، ويأبى الله إلا أن يظهره على الناس كلهم.”
ورأى مدخلي أن شخصية كالدكتور إبراهيم التركي يصعب تلخيصها، ولكن لا يصعب أن نعتبرها جميعنا استثناء، والمدخلي يُقدم كتابه هذا، للمشهد الثقافي العربي “تكريما لمسيرته الحافلة.”
الكتاب، الصادر عن النادي الأدبي الثقافي بجدة، تصدّره مقال للدكتور عبدالله بن عويقل السلمي، رئيس النادي، وجاء بعنوان “إبراهيم التركي المُستثنى التام”، قال فيه إن مؤلف “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، جابر محمد مدخلي، استطاع أن يستنطق الأقلام، وأن تتدفق ذكريات من – استكتبهم ونشرت مُشاركاتهم على صفحات كتابه – وتنثال حروفهم إبداعا عن إبراهيم التركي.”
وأضاف بأنهم كانوا “يعرفون عن التركي أنه إذا تحدث أفصح، وإذا كتب أشرق لفظه، وسهل أسلوبه.. يشرق حرفه إشراق البشاشة… أستمع إليه متحدثا وكأنه عازف موسيقى.”
وتابع بأن ما كتب عن الدكتور إبراهيم، في هذا الكتاب، جعل معرفته به أقرب وأشمل، وأنه – أي إبراهيم التركي – “مع جمال حرفه مؤتلف الخلق متلائم الذوق معتدل الفكر، وإذا كنت أعرف عن إبراهيم التركي طيب معشره وحسن منطقه ولطف عبارته – حين التقيه، أو أتصل به – إلا أنني بهذا الكتاب وجدتني أمام فرصة مواتية – لي شخصيا – أن أتعرف على ‘أبي يزن‘ أكثر من خلال كتابات من تحدثوا عنه على صفحات هذا الكتاب، فأي جمال أملك للأذهان والخواطر من قراءة – بأقلام مبدعين – عن تجربة مبدع. وسيرة مثقف وأديب.”
وفي فاتحة الكتاب، كتب الناقد والأكاديمي السعودي، الدكتور عبدالله الغذامي، مقالا بعنوان “أبو يزن.. الشاهد الثقافي”، قال فيه إن “أبو يزن، الدكتور إبراهيم التركي، يحتل مساحة عريضة وعميقة في ذاكرة الثقافة مبدعا وباحثا، وفي الوقت ذاته فاعلا ثقافيا، يحرك دفة الثقافة عبر ملحق ‘الثقافية‘ في جريدة الجزيرة والذي استمر لأربعة عقود من الفعل الثقافي الحيوي والتفاعلي، حضرت فيه الشخصيات الثقافية من باحثين وباحثات ومبدعين ومبدعات سعوديين وعربا، وجرى الاحتفاء بالتجارب الكبرى من غازي القصيبي ومحمود درويش إلى طلائع الشباب والشابات المبدعات الذين تمتعت كتاباتهم عبر ملحق جريدة الجزيرة بتحفيز من أبي يزن.”
وأضاف الغذامي بأنه في المرحلة التي شهدها وتفاعل معها، فإن سعد الحميدين في جريدة الرياض، والدكتور إبراهيم التركي في جريدة الجزيرة، كانا مما يمسكان بجناحي الثقافة السعودية في تفاعل حيوي وتنافس رفيع المستوى، وظلت الملحقات الثقافية بينهما تشعل شموع الثقافة، وتضع الفعل الثقافي في تفاعل أسبوعي تترقبه المواعيد والمبادرات ومفاجآت المنجز الإبداعي والنقدي والمعرفي، وجرى استقطاب الأكاديميين بمثل ما تم فتح الفضاء العريض لشُداة الكلمة المبدعة، والنص المتحدي للسكون والمشاغب للسائد.
ولفت الدكتور عبدالله الغذامي إلى ملفات التكريم في المجلة الثقافية في جريدة الجزيرة، والدور اللافت لها، خاصة بعد تحولها من ملحق “الثقافية” إلى مجلة ثقافية أسبوعية، حيث توالى الاحتفال بتجارب كبار المفكرين والمبدعين مما مثل دورا عميقا في تقدير تاريخهم ومنجزهم، وربط الجيل الجديد مع جبل الريادات عبر شهادات يتم تحفيز رواد الثقافة للكتابة عن رفاق دربهم، مما يكشف عن وثائق نادرة وفريدة ما كان لها أن تظهر لولا التحفيز عبر الاستكتاب، وندب الرفاق للكتابة عن رفاقهم، حيث نتج عن ذلك رصيد ضخم يكشف عن خبايا سيرة كل مفكر تتم الكتابة عنه، وتقديم سيرته، وحال منتجه عبر شهادة من عاصروه، وعاشوا ظرفه كله.
جوانب إنسانية
التركي خاض مشوارا طويلا حافلا بالكثير من التميز والتنوع جامعا بين الأصالة والمعاصرة دون ارتهان لفكر واحد
في مداخلته التي نشرت بالكتاب تناول الأديب السعودي حمد القاضي الجوانب الإنسانية في سيرة التركي، حيث قال: “إبراهيم التركي أحبه من عرفوه حرفا، فكيف بمن عرفه إنسانا وخلا،” وأشار إلى أن بداية معرفته بالتركي بدأت وهما في عمر الناشئة بعنيزة، حيث جمعهما مسجد واحد، وشارع واحد، وأنه منذ معرفتهما المبكرة وحتى اليوم، ظل التركي كما هو خلا وفيا، ذا خلق نبيل، وسمت جميل، وأدب بالقول، ورقي بالتعامل.
وقال خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية، في شهادته حول سيرة ومسيرة الدكتور إبراهيم التركي – والتي عنونها بـ”فارس الكلمة” – إنه حينما نتحدث عن إبراهيم التركي أديبا، وشاعرا، ومثقفا، وناقدا، وصحفيا لامعا، فإننا نتحدث عن مشوار طويل وثري حفل بالكثير من التميز والتنوع في عطاءاته، جامعا بين الأصالة والمعاصرة. لم يرتهن لفكر معين، ولم يقيد نفسه بثقافة ذات صبغة واحدة، بل أعطى لنفسه الحرية المطلقة، وأبحر في قراءة كل فن وممارسة الكتابة فيه، وكأنه كمثقف استجاب لمقولة “خذ من كل فن بطرف،” وقد استهوته هذه المقولة مبكرا، فكتب المقالة القصيرة والطويلة، ومزجهما بين السرد المباشر والأسلوب ذي الحبكة القصصية سهلة القراءة، ومثل هذا كتب القصيدة التقليدية، ملتزما بأوزانها وقافيتها المعروفة، ومثل هذا قدم نفسه شاعرا حداثيا معتمدا على ثقافته المعاصرة.
وفي شهادته التي حملت عنوان “شريك الصحافة”، قال عبدالله الحسني، مدير تحرير الشئون الثقافية بجريدة الرياض السعودية: “قلة هم الذين يشبهون ما يكتبونه، أو بالأصح هم أنفسهم الذين يعبرون ويعيشون ويوجهون بأفكارهم أنفسهم وفي الوقت نفسه غيرهم. كان التركي واحدا منهم، حتى على مستوى حديثك معه تشعره هو نفسه الذي يناقش القضايا الثقافية، وهموم الفكر، والمشاعر الإنسانية.”
الدكتور إبراهيم التركي، يحتل مساحة عريضة وعميقة في ذاكرة الثقافة مبدعا وباحثا وفي الوقت ذاته فاعلا ثقافيا
وأضاف بأنه كان يستمتع بتلك الزاوية التي يكتبها التركي واستمرت لعقود خلت، وأن حبوره زاد حينما اجتمعا مجدا حين التحق بالعمل الصحفي الذي سبقه إليه التركي بسنوات لـ “تتوطد تلك العلاقة والتواصل الثقافي الجميل، وتتبعها مشاركات ثقافية امتدت ولا تزال وستظل من أجل خدمة ورقي المشهد الثقافي السعودي.”
وقال محمد هليل الرّويلي، الكاتب والإعلامي السعودي، في شهادته التي جاءت بعنوان “إبراهيم التركي.. أسرارُ النّبْعِ والسّاقِي”: “هذا هو معلمي وملهمي ومنارتي، والأب الروحي؛ الذي أدخل البهجة للمهج. وجعل السعادة تطبُع على أفئدة مْن رحلوا (قبل أن يرحلوا)، ومن بَقْوا… سأكتب عنه وإن كان بكتابتي عنه ما سَيُغضّ بزهده، لكن إيماني ورجائي بغفران قلبه يشفع لي عنده. هو الغيمة الماطرة، والوسم والزهر.. حديقة عمري والكروم. الدكتور إبراهيم عبدالرحمن التركي، الذي ظل عاكفا كالحقل والساقي، والطير والوكر المنيف، والغيم، وكفوف المتضرع خلال سنوات السير والمسير. لا يتشاكى، ولا يتباكى، ولا يتعاظم، ويتهاوى، نزّه قلمه عن القول بالجور وافتراء الباطل أو الزور.”
هذا، وقد أجمعت المداخلات التي نُشرت على صفحات كتاب “الاستثناء مجددا: إبراهيم التركي.. سيرة ومسيرة”، على أن إبراهيم التركي قامة، وقيمة عند كل من يعرفه أو يتحدث عنه، إذ تكمن أهمية الكتاب في أنه محاولة جادة لاستنطاق قراء التركي وأصدقائه، وزملائه. ومَنْ يطالعه سيشعر أن ثمة روحا تحف هذا العمل، وحرفا ممتعا متنوعا ثريا – مضمونا وموضوعا وأسلوبا – خطته الأقلام برقة ندية وأريحية هو أهل لها.
ويكشف هذا الكتاب وتلك الشهادات التي كُتبت بأقلام قِمم تمتاز بثقافة العلم وسعة المعرفة وقيمة الوفاء، عن مكانة سامقة وأخلاق عالية، وتجارب ثرية وعلاقات واسعة لهذا الرمز إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، نهر المعرفة المتدفق، والصوت الذي يتمتع بالصفاء والقوة والوعي، والذي ينتمي بحسب ما جاء على صفحات هذا الكتاب، إلى المدرسة الجمالية المتدفقة لفظا وخلقا وقيما وثقافة، حيث كان في كل مسارات كتاباته وطروحاته وندواته، معتزا بثراء منابع ثروته العربية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة
كاتب مصري