فن الموزاييك.. بين الأصالة والإبداع
شيار خليل
صنف الموزاييك من أقدم الفنون التصويرية، ويعد نوعاً من أنواع التصوير أو الرسم، حيث يقوم على أساس تغطية المساحات اللونية بواسطة قطع صغيرة الحجم مختلفة الأشكال فمنها المكعب، المثلث والسداسي، وهو من الفنون المنتشرة في محلات دمشق القديمة المحتفظة بتراث وحضارة بلادنا.
موقع "eSyria" خلال جولته بدمشق القديمة التقى بعدة أشخاص لهم خبرة في مجال تصنيع الموزاييك، وهنا يحدثنا السيد "محمد ديب عجاج" أحد المهتمين بالمهنة، فيقول: «فن الموزاييك يعتبر من الفنون القديمة التي عاصرت دمشق، وقد شهد تطوراً كبيراً في النصف الثاني من القرن الماضي، حيث لاحظنا أنه تطور ليستخدم في أنواع مختلفة من الخشب مثل "الليمون، الكينا، الورد"، ويعتبر استخدام الصدف فيه من الجماليات التي تعطي للقطعة شكلاً أنيقاً وساحراً، ولفن الموزاييك شهرة كبيرة في حضارتنا فمعظم المتاحف العالمية والسورية تحتفظ بجداريات كبيرة شغلت بطريقة الموزاييك أو الفسيفساء، وهذا يعود إلى عمق الحضارة التي نحتفظ بها».
إن الحضارة السورية تحتفظ بالكثير من اللوحات الفسيفسائية الكبيرة، وخلال بحثنا عن هذه اللوحات نلاحظ أنه يستخدم فيها مواد ثمينة عديدة، منها الزجاج الملون، الذهب، الصدف أو الرخام، وكل هذه المواد تختار لمتانتها وصلابتها
أما عن كلمة "الموزاييك" فيقول: «إنها كلمة أعجمية وترادفها بالعربية كلمة "الفسيفساء"، وهنا نلاحظ أن الفسيفساء له حضور واسع في الأبنية الدمشقية القديمة والجوامع التي مازالت تحتفظ بتلك القطع المصطفة بعضها إلى جانب بعض بطريقة جمالية بصرية تدل على الإبداع الفني في تلك العصور، وربما ذلك يكون واضحاً في النقوش واللوحات الموجودة في الجامع الأموي، الذي صممه ونفذه فنانون إيرانيون بالاشتراك مع فنانين عرب».
الفسيفساء يزين الجامع الأموي
"الموزاييك" يعتبر تراثاً فنياً "إسلامياً" له شهرة كبيرة في العالم بشكل عام، وعن المواد المستخدمة في تزيين القطعة الفنية أو بما يسمى "الموزاييك" يحدثنا السيد "محي الدين النوفري" أحد العاملين في مجال تزيين الفسيفساء: «إن الحضارة السورية تحتفظ بالكثير من اللوحات الفسيفسائية الكبيرة، وخلال بحثنا عن هذه اللوحات نلاحظ أنه يستخدم فيها مواد ثمينة عديدة، منها الزجاج الملون، الذهب، الصدف أو الرخام، وكل هذه المواد تختار لمتانتها وصلابتها».
يتابع السيد "محي الدين": «إن الأحجار المستخدمة في الموزاييك تكون عبارة عن مرمر ورخام وأحجار طبيعية متينة تدوم لسنوات طويلة، كما يستخدم أحياناً أحجار ثمينة فيها مثل "الياقوت، فيروز والعقيق"، ومعظم المواد المستخدمة يكون لها طابعها الجمالي والفني المرتبط بالقطعة».
موزاييك حجري
ويشير السيد "محي الدين" إلى أن هناك أنواعاً كثيرة للموزاييك يستخدم فيها الزجاج المكسور الملون بطريقة مبدعة، ومن أنواع الموزاييك المعروفة لدينا، يتابع: «الموزاييك الزجاجي، الخشبي، الحجري والرخامي، كما أن هناك موزاييكاً يشتغل من المعدن، ويستخدم في جميعها الألوان المعروفة مثل الأزرق المائل للخضرة، البنفسجي، الأسود الفاتح والكستنائي أو الأحمر، وتأخذ أشكالاً هندسية عدة مثل المثلث، المربع، المنحني، متوازي الأضلاع».
عن طريقة صناعة وعجن الموزاييك "الفسيفساء" يخبرنا السيد "أكرم القيمري" معلم صب موزاييكي: «إننا نقوم بعملية العجن في وعاء كبير، وعبر أدوات معينة ننتج أشكالاً هندسية مختلفة، من ثم ندخلها إلى الفرن الحراري لبضعة دقائق من الساعة لتأخذ شكلها الأول، ثم تخرج القطع وتصبغ بألوان مختلفة لتعاد إلى الفرن من أجل الشكل النهائي، أما المرحلة الحساسة والمتميزة فيكون بتركيبها بشكل متناسق وأنيق على الجدران المخصصة لها والتي عادة تستخدم في البيوت الدمشقية الكبيرة والمساجد المعروفة».
العمل على الخشب
أما الأدوات المستخدمة في صنع الموزاييك عنها يقول "أكرم": «إن المطرقة الخاصة بعملنا تعتبر الأداة الرئيسية، ويضاف إليها بعض الأدوات الحديثة التي دخلت الأسواق، منها "الكماشة الثنائية" ذات وظيفتين، "الكماشة الأساسية"، "الكماشة المكسرة"، "الدائرة"، وكماشات تقطع الأحجار والمواد المستخدمة بطرق عشوائية ومرتبة التي تعطي أشكالاً فنية مختلفة».
هل تلقى مهنة الموزايك رواجاً جيداً في الأسواق السورية؟ عن ذلك يخبرنا الأستاذ "محمد عابدين" صاحب محل: «إن الفسيفساء مازال له قيمة كبيرة بين الدمشقيين والعرب، كما أن الأجانب في السنوات الأخيرة بدؤوا باقتناء اللوحات الفسيفسائية التي اشتغلت بطريقة إبداعية وفنية رائعة، ومن المعروف أن الفسيفساء احتل مكانة راقية بين المجتمع السوري وهذا جعلنا نستخدمه في الصحون وديكورات المنازل من خزانات وغرف نوم».
وعن أهم اللوحات الفسيفسائية الموجودة في سورية يخبرنا الباحث الأثري "طوني رفائيل": «إن أشهر الأعمال الموجودة في سورية هي لوحة الفصول الأربعة في مدينة "شهبا" بالسويداء، ولوحة العشاء الأخير في قلعة "المرقب"، متحف فسيفساء "طيبة الإمام" في مدينة "حماة"، وهو يحتوي على أكبر لوحة فسيفساء في العالم تزيد مساحتها على 600 متر مربع، متحف الفسيفساء في مدينة "أفاميا" الأثرية والكثير من اللوحات الضخمة في الجامع الأموي بدمشق».
ويذكر "ابن عساكر" في كتابه عن "دمشق": «إن استخدام الفسيفساء قديم ويرجع لأيام السومريين والرومان، حيث شهد العصر البيزنطي تطوراً كبيراً في صناعة الفسيفساء لأنهم أدخلوا في صناعته الزجاج والمعادن، كما استخدموا الفسيفساء بشكل كبير في القرن الثالث والرابع الميلادي باللون الأبيض والأسود فبرعوا بتصوير حياة البحر والأسماك والحيوانات، والقتبانيين العرب الذين صنعوا أشكالاً هندسية، والفسيفساء الإسلامية كما في الجامع الأموي "دمشق" وقبة الصخرة في "القدس"، وقد مر تطور الفسيفساء بمراحل عديدة حتى بلغ قمته في العصر الإسلامي التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة، ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء والخوض في تلافيف أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة، إنه فن التلاحم والتشابك الذي عبّر في دلالاته عن أحوال أمة ذات حضارة قادت العالم إلى آفاق غير مسبوقة من العلم والمعرفة».
شيار خليل
صنف الموزاييك من أقدم الفنون التصويرية، ويعد نوعاً من أنواع التصوير أو الرسم، حيث يقوم على أساس تغطية المساحات اللونية بواسطة قطع صغيرة الحجم مختلفة الأشكال فمنها المكعب، المثلث والسداسي، وهو من الفنون المنتشرة في محلات دمشق القديمة المحتفظة بتراث وحضارة بلادنا.
موقع "eSyria" خلال جولته بدمشق القديمة التقى بعدة أشخاص لهم خبرة في مجال تصنيع الموزاييك، وهنا يحدثنا السيد "محمد ديب عجاج" أحد المهتمين بالمهنة، فيقول: «فن الموزاييك يعتبر من الفنون القديمة التي عاصرت دمشق، وقد شهد تطوراً كبيراً في النصف الثاني من القرن الماضي، حيث لاحظنا أنه تطور ليستخدم في أنواع مختلفة من الخشب مثل "الليمون، الكينا، الورد"، ويعتبر استخدام الصدف فيه من الجماليات التي تعطي للقطعة شكلاً أنيقاً وساحراً، ولفن الموزاييك شهرة كبيرة في حضارتنا فمعظم المتاحف العالمية والسورية تحتفظ بجداريات كبيرة شغلت بطريقة الموزاييك أو الفسيفساء، وهذا يعود إلى عمق الحضارة التي نحتفظ بها».
إن الحضارة السورية تحتفظ بالكثير من اللوحات الفسيفسائية الكبيرة، وخلال بحثنا عن هذه اللوحات نلاحظ أنه يستخدم فيها مواد ثمينة عديدة، منها الزجاج الملون، الذهب، الصدف أو الرخام، وكل هذه المواد تختار لمتانتها وصلابتها
أما عن كلمة "الموزاييك" فيقول: «إنها كلمة أعجمية وترادفها بالعربية كلمة "الفسيفساء"، وهنا نلاحظ أن الفسيفساء له حضور واسع في الأبنية الدمشقية القديمة والجوامع التي مازالت تحتفظ بتلك القطع المصطفة بعضها إلى جانب بعض بطريقة جمالية بصرية تدل على الإبداع الفني في تلك العصور، وربما ذلك يكون واضحاً في النقوش واللوحات الموجودة في الجامع الأموي، الذي صممه ونفذه فنانون إيرانيون بالاشتراك مع فنانين عرب».
الفسيفساء يزين الجامع الأموي
"الموزاييك" يعتبر تراثاً فنياً "إسلامياً" له شهرة كبيرة في العالم بشكل عام، وعن المواد المستخدمة في تزيين القطعة الفنية أو بما يسمى "الموزاييك" يحدثنا السيد "محي الدين النوفري" أحد العاملين في مجال تزيين الفسيفساء: «إن الحضارة السورية تحتفظ بالكثير من اللوحات الفسيفسائية الكبيرة، وخلال بحثنا عن هذه اللوحات نلاحظ أنه يستخدم فيها مواد ثمينة عديدة، منها الزجاج الملون، الذهب، الصدف أو الرخام، وكل هذه المواد تختار لمتانتها وصلابتها».
يتابع السيد "محي الدين": «إن الأحجار المستخدمة في الموزاييك تكون عبارة عن مرمر ورخام وأحجار طبيعية متينة تدوم لسنوات طويلة، كما يستخدم أحياناً أحجار ثمينة فيها مثل "الياقوت، فيروز والعقيق"، ومعظم المواد المستخدمة يكون لها طابعها الجمالي والفني المرتبط بالقطعة».
موزاييك حجري
ويشير السيد "محي الدين" إلى أن هناك أنواعاً كثيرة للموزاييك يستخدم فيها الزجاج المكسور الملون بطريقة مبدعة، ومن أنواع الموزاييك المعروفة لدينا، يتابع: «الموزاييك الزجاجي، الخشبي، الحجري والرخامي، كما أن هناك موزاييكاً يشتغل من المعدن، ويستخدم في جميعها الألوان المعروفة مثل الأزرق المائل للخضرة، البنفسجي، الأسود الفاتح والكستنائي أو الأحمر، وتأخذ أشكالاً هندسية عدة مثل المثلث، المربع، المنحني، متوازي الأضلاع».
عن طريقة صناعة وعجن الموزاييك "الفسيفساء" يخبرنا السيد "أكرم القيمري" معلم صب موزاييكي: «إننا نقوم بعملية العجن في وعاء كبير، وعبر أدوات معينة ننتج أشكالاً هندسية مختلفة، من ثم ندخلها إلى الفرن الحراري لبضعة دقائق من الساعة لتأخذ شكلها الأول، ثم تخرج القطع وتصبغ بألوان مختلفة لتعاد إلى الفرن من أجل الشكل النهائي، أما المرحلة الحساسة والمتميزة فيكون بتركيبها بشكل متناسق وأنيق على الجدران المخصصة لها والتي عادة تستخدم في البيوت الدمشقية الكبيرة والمساجد المعروفة».
العمل على الخشب
أما الأدوات المستخدمة في صنع الموزاييك عنها يقول "أكرم": «إن المطرقة الخاصة بعملنا تعتبر الأداة الرئيسية، ويضاف إليها بعض الأدوات الحديثة التي دخلت الأسواق، منها "الكماشة الثنائية" ذات وظيفتين، "الكماشة الأساسية"، "الكماشة المكسرة"، "الدائرة"، وكماشات تقطع الأحجار والمواد المستخدمة بطرق عشوائية ومرتبة التي تعطي أشكالاً فنية مختلفة».
هل تلقى مهنة الموزايك رواجاً جيداً في الأسواق السورية؟ عن ذلك يخبرنا الأستاذ "محمد عابدين" صاحب محل: «إن الفسيفساء مازال له قيمة كبيرة بين الدمشقيين والعرب، كما أن الأجانب في السنوات الأخيرة بدؤوا باقتناء اللوحات الفسيفسائية التي اشتغلت بطريقة إبداعية وفنية رائعة، ومن المعروف أن الفسيفساء احتل مكانة راقية بين المجتمع السوري وهذا جعلنا نستخدمه في الصحون وديكورات المنازل من خزانات وغرف نوم».
وعن أهم اللوحات الفسيفسائية الموجودة في سورية يخبرنا الباحث الأثري "طوني رفائيل": «إن أشهر الأعمال الموجودة في سورية هي لوحة الفصول الأربعة في مدينة "شهبا" بالسويداء، ولوحة العشاء الأخير في قلعة "المرقب"، متحف فسيفساء "طيبة الإمام" في مدينة "حماة"، وهو يحتوي على أكبر لوحة فسيفساء في العالم تزيد مساحتها على 600 متر مربع، متحف الفسيفساء في مدينة "أفاميا" الأثرية والكثير من اللوحات الضخمة في الجامع الأموي بدمشق».
ويذكر "ابن عساكر" في كتابه عن "دمشق": «إن استخدام الفسيفساء قديم ويرجع لأيام السومريين والرومان، حيث شهد العصر البيزنطي تطوراً كبيراً في صناعة الفسيفساء لأنهم أدخلوا في صناعته الزجاج والمعادن، كما استخدموا الفسيفساء بشكل كبير في القرن الثالث والرابع الميلادي باللون الأبيض والأسود فبرعوا بتصوير حياة البحر والأسماك والحيوانات، والقتبانيين العرب الذين صنعوا أشكالاً هندسية، والفسيفساء الإسلامية كما في الجامع الأموي "دمشق" وقبة الصخرة في "القدس"، وقد مر تطور الفسيفساء بمراحل عديدة حتى بلغ قمته في العصر الإسلامي التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة، ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء والخوض في تلافيف أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة، إنه فن التلاحم والتشابك الذي عبّر في دلالاته عن أحوال أمة ذات حضارة قادت العالم إلى آفاق غير مسبوقة من العلم والمعرفة».