المثقفون والكتاب العرب لا يقرأون الروايات فحسب
حصاد قراءات الأدباء لعام 2024 يظهر عودة قوية إلى التراث.
الثلاثاء 2024/12/31
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كيف يختار القارئ كتابه
آلاف العناوين من الكتب التي تطبع سنويا في مختلف أنحاء العالم العربي، منها المترجم والمكتوب بالعربية، ومنها السردي ومنها البحثي والشعري وغيرها من الأنواع. وهذا من شأنه أن يضع القارئ في دوامة حيث يصعب عليه اختيار عناوين يقرأها. ولذا قد يستعين القراء بآراء النقاد والمثقفين والكتاب. "العرب" استطلعت آراء عدد من الكتاب والباحثين حول أهم قراءاتهم.
قد يعتبر البعض الكلام عن وصول السنة إلى محطتها الأخيرة مجرد حديث عن تغيّر الأرقام ونوع من مراوغة الزمن، لكن ما إن يكون العالم على مشارف عام جديد حتى تكون في استقباله الكثير من الأمنيات، إذ يتوسل الجميع بالبدايات خيرا كأن لسان حالهم يقول ما هو في أعطاف المجهول أفضل من الأوقات التي صارت قيد الماضي. لكن ذلك لا يمنع من الالتفات إلى الأوقات التي تسربت بين عقارب الساعة بحثا عن ملامح ما اختبره المرء وعاشه في السنة التي أوشكت على المغادرة.
هنا تختلف الحسابات والتقديرات تبعا لاهتمامك. بالطبع إذا كانت القراءة جزءا من يومياتك يكون السؤال حاضرا عن حصيلة الكتب التي فاجأتك بجودتها أو خيبت ظنك بما أخذت من الوقت دون أن تجود بما يذكر. وبينما لا تفصلنا إلا ساعات معدودة عن تبديل التقويم استطلعت العرب أراء عدد من المثقفين والكتاب عن لائحة قراءاتهم، مقترحة تحديد ثلاثة عناوين كانت بمثابة اكتشاف بالنسبة إلى المشاركين.
القراءة أشواط لامتناهية
عبدالعزيز وصلي: أسلك خطا انتقائيا لاختيار الكتب وفق مزاجي في القراءة
قبل أن يذكر الكتب التي قرأها في عام 2024 أشار الصحافي الليبي عبدالعزيز وصلي إلى أنه يسلك خطا انتقائيا في اختياراته، مؤكدا على طابعه المزاجي في القراءة، فبرأيه يمضي القارئ كثيرا من الوقت مع الكتب ولكن ما يبقى في الذهن ليس إلا عناوين وازنة. ما ينوه إليه وصلي في حصاده هو كتب تميزت بجودتها، إذ يقدم لمحات عن أبرز ما قرأه كتاب “هكذا أكتب” للصحفي الفلسطيني عارف حجاوي، وهو كتاب ممتع ومفيد، يضم مجموعة مقالات موزعة بين التجارب التربوية، والإعلامية، والمغامرات اللغوية، كتبت على مدى نحو ثلاثين عاما.
ويضيف “حرصت كذلك على قراءة رواية ‘موعدنا في شهر آب‘، الرواية الجديدة للراحل الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، وهي أقرب للنوفيلا، تقرأ في جلسة واحدة بلغة سلسلة وحبكة غير معقدة وبشخصيات محدودة، ورغم كل ما وجه لها من نقد، إلا أنني وجدت من الممتع أن أطلع على رواية لم تعجب ماركيز شخصيا لتنشر بعد وفاته، وقرأت كل ما كتب حولها من كواليس وحقائق، بعضها عرفته للمرة الأولى عن واحد من أحب الكتاب إليّ.”
ويستدرك وصلي “لكن اكتشافي الحقيقي لهذا العام كان ‘مباهج الكتابة وأوجاعها‘ للعظيم إرنست همنغواي، 142 صفحة من الرسائل الخاصة والمقابلات والحديث عن كواليس الكتابة والحياة الصحفية والأدبية والشخصية لواحد من أهم الكتاب الذين مروا بهذه المهنة في رأيي الشخصي. أما إعادة قراءة بعض العناوين فهي عادة لم أتخلَّ عنها أبدا، فبعد كل سلسلة من العناوين الجديدة أجد نفسي منكبا على بعض الكلاسيكيات الخالدة لإعادة قراءتها بين الأدب العربي والروسي واللاتيني والغربي والشرقي فيما يشبه عقد مقارنات غير واعية بين كتابة اليوم والأمس دون أحكام محددة.“
ومن جانبها تلمح الشاعرة والمترجمة السورية فاطما خضر إلى صعوبة السؤال، لأن كل قراءة تمثل بذاتها اكتشافا كما أن إعادة قراءة كتاب معين بنظرها تقود إلى رؤية زاوية مجهولة في تركيبة النص، ومن الواضح أن المجال الذي يستهوي الإنسان التعمق فيه يحدد تشكيلة القراءات. تقول صاحبة “الحزن يبدأ رحيما”: “لكن على اعتبار أني شاعرة، ومهتمة بالترجمة الأدبية، ومنشغلة حاليا بالقراءات الأدبية أكثر من سواها، سأجيب بعناوين كتب تنتمي لعالم الأدب.”
فاطما خضر: كل قراءة أو إعادة قراءة تمثل بذاتها اكتشافا
وتذكر كتاب «أرني وجهك أيها الهارب» وهو مجموعة شعرية للشاعر والمترجم اللبناني محمد ناصر الدين. تقول “يكفي أن تقرأ أول قصيدة ‘الشعر في يومه السابع‘، لتجد نفْسك أمام شاعر استطاع بقصيدة واحدة نسْج أنطولوجيا، اختزل فيها قصة الخلق والأسطورة والدين والأرض والمقاومة والفلسفة والخيمياء، لينتصر الشعر في نهايتها، بتكثيف عال ومجاز مذهل، أذكر قوله: ‘الآن وقد سقط العقل والأسطورة/ هرب إلى الشعر/ أرني وجهك أيها الهارب‘. سيقف القارئ مطولا عند هذه القصيدة، قبل إكمال رحلته في دروب السحر الكامن في كل قصيدة ضمن الكتاب.”
وتشير أيضا إلى كتاب «محمود درويش – الطروادي الأخير» الذي وصفه الدكتور فيصل دراج: «هو الأفضل في مجاله على الإطلاق.» تولى إعداده وتحريره سعيد البرغوثي، ويمثل مجموعة حوارات أجريت مع محمود درويش، وصفها البرغوثي بأنها توثيق لتوأمتين: درويش والقضية الفلسطينية. وتكشف بمجملها عن شاعر وعاشق يضج بالحياة كما تضج به، ومفكر له فلسفته وآراؤه، وثائر له همه الثوري والإنساني، يحمل فلسطين في قلبه مسافرا بها بذاته وكلماته في أرجاء العالم.
وتدرج خضر ضمن قراءاتها كتاب «متأخرا عن العالم مسافة عشر دقائق» مجموعة قصصية للشاعر والقاص السوري رأفت حكمت، تقدم إبداعه فيها عشر خطوات، ابتداء بعنوان حمل صيغة الحال، وكأنه جواب لسؤال يسأله العالم دون أن يكترث لحالك «كيف حالك؟» فيأتي جوابك صادما للوجود، وبديهيا كإنسان سوري الهوية: متأخرا عن العالم مسافة عشر دقائق. تصل لنهاية المجموعة، فتشعر بأنك خارج من عيادة نفسية، لطبيب يشخص مرضاه عبر تقرير على شكل قصة، لتشكل المجموعة بمجملها عينة لمجتمع مكتنز بالعقد والتشوهات النفسية المكبوتة.
وتتابع “أما عن العنوان الذي أعدت قراءته، وسأعيد كما فعلت دوما، فهو ‘زوربا‘ للروائي الأحب لقلبي نيكوس كازانتزاكي، وهنا بالنسبة إلي: ‘There is no caption to say‘.”
فلاح حكمت: أتابع المنشورات يوميا ولا أقرأ سوى كتب إلكترونية
أما الكاتب العراقي فلاح حكمت فيستعيد قائمة قراءاته معلقا على ما لم يكن بأقل من مستوى سقف توقعه، لافتا إلى حرصه منذ سنوات عدة على متابعته شبه اليومية لموقع أمازون الإلكتروني والاطلاع على المستجدات المنشورة في حقول معرفية مخصوصة، وهو لا يقرأ سوى كتب إلكترونية. وأغلب مقروآته هي بالإنجليزية وهذا لا يعني غياب الكتب العربية في برنامجه كما يقول.
ويتابع حكمت “ثمة كتب عربية أطالعها بعد قراءة مراجعات لها أثق بحكمة ورصانة كتابها. أول العناوين التي ستقفز إلى ذهني من مقروءات سنة 2024 هو ‘دروس قرن من الحياة‘ للفيلسوف الفرنسي إدغار موران. كانت قراءة هذا الكتاب ثروة فكرية وفلسفية حقيقية من جانب فيلسوف يرى أن الحياة هي سباحة في بحر من اللايقين. أظن هذه الفكرة تستحق أن تجعل من الكتاب ترياقا لمكافحة غول الأصولية اليقينية التي تنهش بلداننا العربية وتضيع كل فرصة للتنمية الحقيقية فيها.”
العنوان الثاني الذي يذكره هو “مكتبة منتصف الليل” للكاتب مات هيغ، ويلفت إلى أن هذه رواية كتبها مؤلفها عقب تعافيه من حالة اكتئابية حادة، وفيها يقدم لنا سردية روائية لمفهوم العوالم المتوازية بما يترتب عنه من إمكانية الخيارات اللانهائية لحياتنا التي سنختار فيها خيارا واحدا تبعا لقوانين الحتمية الفيزيائية. أما العنوان الثالث فهو “مسعى لم ينته” لفيلسوف العلم الأشهر كارل بوبر، وهو سيرة ذاتية كتبها واضعا مبدأ التفنيد والتكذيب للنظرية العلمية الحقيقية كمعيار لتمييزها عن العلم الزائف.
أما الكتاب الذي يحرص حكمت كل حين على قراءة مقاطع منتخبة منه فهو كتاب “Cybernetics” لمؤلفه الرياضياتي – الفيلسوف نوربرت فاينر. يقول “لا أظنه سيترجم إلى العربية يوما ما بسبب فخامته المفاهيمية، وهو أمر يصيبني بحزن لا سبيل لي بكبحه.”
العودة إلى الجذور والتراث
ليلى المطوع: اكتشاف جذور السرد الخليجي كان رهاني لهذا العام
أرادت الكاتبة البحرينية ليلى المطوع هذه السنة العودة إلى الجذور، جذور السرد التجريبي في المنطقة، أي في الخليج العربي واختارت قراءاتها من هذه البيئة إذ تقول مؤلفة “المنسيون بين ماءين”: “بدأت بـ‘أغنية أ.ص‘ للروائي البحريني الكبير أمين صالح، وهي رواية تجريبية صدرت في مطلع الثمانينات تتناول سيرة من حياته، وتبعتها برواية ‘رهائن الغيب‘ والتي صدرت في بداية الألفية، يمتاز الروائي الكبير بلغة شعرية، وخيال بالغ الخصوصية في ابتكار المشاهد قادر على ربط القارئ بمحيطه، حتى أنه أسس هذا النوع من السرد الشعري، وكسر الأنماط السردية وأسس لبيئة ثقافية تتقبل هذه الأنماط الأدبية لذلك أرى أن اكتشاف جذور السرد التجريبي البحريني والخليجي في 2024 كان هو الاكتشاف الأكبر لي هذا العام.”
والكتاب الثاني الذي قرأته وأدهشها هي رواية “احذر دائما من الكلاب” للروائي سمير قسيمي، تقول “أحب أعمال هذا الروائي، الذي في كل عمل يعيد اكتشاف صوته السردي، فمن الصعب أن تجده يكرر نفسه في أعماله، والرواية عمل تجريبي ذو رمزية عالية، هناك خط رقيق ما بين عالم الإنسان والحيوان، وما بين تمازج الأديان، فالشخوص هنا تتراوح بين عالمين متداخلين، فالكلاب هي السلطة التي على عبدالمؤمن الحذر منها، عبدالمؤمن التي تبدأ الرواية به، ويقودنا لهذا العالم الفريد. كل قراءة لقسيمي هي اكتشاف لوعي القارئ بما حوله، فعوالم قسيمي تحتاج جهدا ممتعا لفك رموزها يدفعك بكل دهشة لقراءة العمل“.
والكتاب الثالث الذي تذكره المطوع هو مجموعة قصصية عنوانها “تاجر الحكايات”، وهي نصوص قصيرة ومدهشة مختلفة لحسن عبدالموجود.
أما عن الكتب التي أعادت قراءتها، تقول “قرأت ‘المعبد الذهبي‘ ليوكيو مشيما بعد زيارتي للمعبد الذهبي في كيوتو، وهي عن راهب أحرق المعبد لشدة افتتانه به. وكذلك كتاب ‘تصاوير العري في الفن الإسلامي‘ لشاكر لعيبي، وكتاب ‘الفن والنظرية الاجتماعية‘ لأوستن هارينغتون، الذي يتحدث عن تكون الوعي الجمالي بالفنون من خلال نظرة فردية وجمعية، وكيف أن صراع الكنائس في أوروبا أنتج فنونا مذهلة، خالدة وإلى اليوم يقصدها الآلاف.“
نسرين بوزازي: تعمدت تتبع نصوص التراث بحثا عن معطيات جديدة
تحاول الباحثة التونسية نسرين بوزازي أن لا تبتعد عن مجال اختصاصها، فتذكر أنها قرأت المصادر التي لا يمكن القفز عليها بالنسبة إلى أي مهتم بالحضارة الإسلامية. وقدمت مداخلتها موضحة خارطة قراءاتها قائلة “من الصعب حصر القيم من الكتب التي اطلعت عليها خلال هذه السنة ولكني سأذكر عناوين لا يمكنني اعتبارها اكتشافا نظرا إلى شهرتها وصدورها في وقت سابق، ولكن من شأن إعادة الاطلاع عليها أن تفتح للباحث المختص في قضايا التراث الإسلامي آفاقا أرحب لاكتشاف منافذ جديدة للقراءة وفهم المسائل على نحو مغاير للمنتشر والمألوف. هذه العناوين تباعا هي ‘البداهات الزائفة‘ للأستاذ عبدالمجيد الشرفي وبصفة أخص ‘تكوين العقل العربي‘ للراحل محمد عابد الجابري و‘إشكاليات العقل العربي‘ للراحل أيضا جورج طرابيشي.”
وتضيف الباحثة “لا أبالغ إن قلت إن عودتي المستمرة إلى الدراستين الأخيرتين وتتبعي لتفاصيل الجدل أو ‘المشادة‘ الفكرية التي جمعت اثنين من أهم دارسي قضايا الفكر العربي والإسلامي قد أفادتني أيما إفادة، فعلاوة عن وجهات نظريهما المختلفة، استفدت أيضا من سعة اطلاعهما على مكونات المكتبة الإسلامية.”
وتتابع “لقد تعمدت تتبع نصوص التراث المثبتة في دراستيهما ضمن مصادرها الأصلية ما مكنني من العثور على معطيات جديدة أشبه بكنوز معرفية أسعى حاليا إلى استثمارها في مشاريع بحثية تهدف إلى مراجعة بعض النتائج المتعلقة بدراسة مسائل دقيقة في التراث وأضحت بدورها جزءا من ‘البداهات الزائفة‘ على غرار فهمنا لحركة ثقافية ضخمة من جنس حركة التدوين، وهو ما يفسر سبب محافظة مثل هذه الدراسات الجادة على نضارتها وفاعليتها في الواقع الفكري سيما إذا كانت قائمة على نقاش حقيقي وتجاذب فكري جاد فتحفز العقل العربي على الخروج من حالة الركود والسقوط في فخ اجترار نتائجه ودفعه إلى المضي قدما في الحفر عميقا في قضايا التراث.”
وتواصل بوزازي “الحق أننا اليوم في حاجة ملحة لبث الحياة في المجال الثقافي العربي واستعادة هذه الحماسة والروح ‘الجدالية – التنافسية‘ بين المثقفين، بشكل يساهم في رفع كل أشكال الوصاية على الفكر العربي ويدفع نسق عمله في اتجاه تصاعدي خطوة أولى للتأثير في الواقع وتحويل مجتمعاتنا إلى الفعل الخلاق والانخراط الإيجابي في منظومة الحداثة.”
روايات مؤثرة
أزهر جرجيس: رغم انشغالاتي بالسفر فإنني لم أنقطع عن القراءة
حاول الكاتب العراقي أزهر جرجيس وسط انشغالاته بالسفر والانتقال من مكان إلى آخر أن لا ينقطع عن القراءة وأجاب عن سؤالنا بشأن أهم العناوين التي تسنى له الوقت لقراءته بصيغة توضيحية لظروفه “في العام 2024 لم أقرأ الكثير من الكتب بسبب الانشغال بالكتابة والسفر، غير أني حظيت بنصوص رائعة هذه المرة ظلت شاخصة في ذاكرتي. منها ‘جاك وسيده‘ لميلان كونديرا، بترجمة الروائي المغربي عبدالمجيد سباطة، وهي مسرحية بثلاثة فصول تتناول بطريقة كونديرا الخاصة العلاقات الإنسانية ومفاهيم القدر وما إلى ذلك.”
ويذكر كذلك رواية رائعة للكاتب والمخرج البحريني الراحل فريد رمضان تحمل عنوان “المحيط الإنكليزي”، مبرزا أنها كانت رواية تاريخية يمتزج فيها الواقعي بالخيالي، والطقوسي بالخرافي حتى ليكاد السرد أن يلتبس على القارئ لولا براعة رمضان وتمكنه من أدواته. مضيفا “من الكتب التي استمتعت بقراءتها أيضا، رواية ‘قناع بلون السماء‘ للكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، وهي عمل مميز يرمح فيه التخييل مفككا الواقع المعاش والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية.”
وما ترشح من قائمة قراءات الشاعرة ريم القمري يؤكد على أن نزهتها كانت في غابة السرد الروائي إذ بدأت برواية “حفيد كورصو” لعبد الوهاب الملوح. تحكي الرواية عن رحلة البحث عن الذات والهوية من خلال حياة حفيد كورصو، وهو أحد أهم البايات الذين حكموا تونس وهو مراد الثاني، الذي يحمل تراثا من الحروب والانتصارات والهزائم، ليجد نفسه في صراع مع ماضيه الثقافي والحضاري. حيث يلتقي التاريخ بالأسطورة ليشكل فضاء سرديا غنيا بالأبعاد الرمزية. الرواية تمزج بين الواقعي والخيالي في رسم معالم شخصية تعاني من انكسارات الماضي، وعقد نفسية رهيبة جعلت منها قاتلا دمويا.
ريم القمري: نزهتي بين الكتب كانت في غابة السرد الروائي
وتابعت قمري برواية “دفاتر الجيلاني ولد حمد” للصحبي الكرعاني، وهي رواية تتابع شخصية الجيلاني، المزارع البسيط الذي يدون حياته اليومية في دفاتر مليئة بالتأملات حول المجتمع والتاريخ والسياسة. وتسلط الرواية الضوء على علاقة الإنسان بالأرض من خلال سرد حميمي يعكس تفاصيل الحياة الريفية في تونس وما تحمله من تحديات وصراعات. بأسلوب يمزج بين الواقعية والشعرية، يروي النص قصة كفاح الجيلاني ضد التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد كيانه وارتباطه بجذوره.
تضيف القمري “قرأت من جديد رواية ‘قيامة الحشاشين‘ للهادي التيمومي، وأضيفها إلى سجل اختياراتي لسنة 2024 وختمت ماراثون القراءة بـ‘دفاتر الوراق‘ لجلال جرجس. كأن خيط الحديث انتهى إلينا لاضير أن أشارككم بعضا من قراءاتي خلال سنة 2024 دون الإطالة بذكر العناوين ومايدور وراء الغلاف من الجدل الفكري أو التشظي النفسي للشخصيات الروائية لذلك يمكنني الاكتفاء بالإشارة إلى ثلاثة كتب كانت حاضرة في أيامنا المنقضية وربما نعود إليها لاحقا ‘متاهة الضائعين الغرب وخصومه‘ لأمين معلوف، ‘إله الفلاسفة‘ للورانس فانين–فيرنا. وفي صنف الرواية شدني ما نشر للكاتبة السورية سها مصطفى بعنوان ‘اللعنة‘.”
وتتابع “بالتأكيد تجدد العهد مع كتب قد مضت سنوات على قراءتها لأول مرة منها ‘ذاكرة غانياتي الحزينات‘ لماركيز، كذلك عدت لقراءة ‘حياة تستحق أن تعاش‘ لألبير كامو و‘البحث عن المعنى‘.” الجدير بالإشارة إن هناك أسماء في عالم الأدب كتُبُهَا تقع على مرمى القراءة باستمرار والروائية المصرية منصورة عزالدين من هذه الفئة.
قبل الاسترسال في الحديث ذكرني المحرر بأن الوقت يداهمنا لذا لا يسعني إلا الاعتراف بأن في الهزيع الأخير لسنة 2024 توجد ثلاثة عناوين أتنقل بينها “زمن جميل مضى” جابر عصفور، “المنسيون بين ماءين” ليلى المطوع، “الدخان واللهب” شاكر عبدالحميد. وكان مارسيل بروست محقا في رأيه بأن الكتب هي تقاويم وحيدة احتفظنا بها للأيام التي انقضت.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كه يلان محمد
كاتب عراقي
حصاد قراءات الأدباء لعام 2024 يظهر عودة قوية إلى التراث.
الثلاثاء 2024/12/31
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كيف يختار القارئ كتابه
آلاف العناوين من الكتب التي تطبع سنويا في مختلف أنحاء العالم العربي، منها المترجم والمكتوب بالعربية، ومنها السردي ومنها البحثي والشعري وغيرها من الأنواع. وهذا من شأنه أن يضع القارئ في دوامة حيث يصعب عليه اختيار عناوين يقرأها. ولذا قد يستعين القراء بآراء النقاد والمثقفين والكتاب. "العرب" استطلعت آراء عدد من الكتاب والباحثين حول أهم قراءاتهم.
قد يعتبر البعض الكلام عن وصول السنة إلى محطتها الأخيرة مجرد حديث عن تغيّر الأرقام ونوع من مراوغة الزمن، لكن ما إن يكون العالم على مشارف عام جديد حتى تكون في استقباله الكثير من الأمنيات، إذ يتوسل الجميع بالبدايات خيرا كأن لسان حالهم يقول ما هو في أعطاف المجهول أفضل من الأوقات التي صارت قيد الماضي. لكن ذلك لا يمنع من الالتفات إلى الأوقات التي تسربت بين عقارب الساعة بحثا عن ملامح ما اختبره المرء وعاشه في السنة التي أوشكت على المغادرة.
هنا تختلف الحسابات والتقديرات تبعا لاهتمامك. بالطبع إذا كانت القراءة جزءا من يومياتك يكون السؤال حاضرا عن حصيلة الكتب التي فاجأتك بجودتها أو خيبت ظنك بما أخذت من الوقت دون أن تجود بما يذكر. وبينما لا تفصلنا إلا ساعات معدودة عن تبديل التقويم استطلعت العرب أراء عدد من المثقفين والكتاب عن لائحة قراءاتهم، مقترحة تحديد ثلاثة عناوين كانت بمثابة اكتشاف بالنسبة إلى المشاركين.
القراءة أشواط لامتناهية
عبدالعزيز وصلي: أسلك خطا انتقائيا لاختيار الكتب وفق مزاجي في القراءة
قبل أن يذكر الكتب التي قرأها في عام 2024 أشار الصحافي الليبي عبدالعزيز وصلي إلى أنه يسلك خطا انتقائيا في اختياراته، مؤكدا على طابعه المزاجي في القراءة، فبرأيه يمضي القارئ كثيرا من الوقت مع الكتب ولكن ما يبقى في الذهن ليس إلا عناوين وازنة. ما ينوه إليه وصلي في حصاده هو كتب تميزت بجودتها، إذ يقدم لمحات عن أبرز ما قرأه كتاب “هكذا أكتب” للصحفي الفلسطيني عارف حجاوي، وهو كتاب ممتع ومفيد، يضم مجموعة مقالات موزعة بين التجارب التربوية، والإعلامية، والمغامرات اللغوية، كتبت على مدى نحو ثلاثين عاما.
ويضيف “حرصت كذلك على قراءة رواية ‘موعدنا في شهر آب‘، الرواية الجديدة للراحل الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، وهي أقرب للنوفيلا، تقرأ في جلسة واحدة بلغة سلسلة وحبكة غير معقدة وبشخصيات محدودة، ورغم كل ما وجه لها من نقد، إلا أنني وجدت من الممتع أن أطلع على رواية لم تعجب ماركيز شخصيا لتنشر بعد وفاته، وقرأت كل ما كتب حولها من كواليس وحقائق، بعضها عرفته للمرة الأولى عن واحد من أحب الكتاب إليّ.”
ويستدرك وصلي “لكن اكتشافي الحقيقي لهذا العام كان ‘مباهج الكتابة وأوجاعها‘ للعظيم إرنست همنغواي، 142 صفحة من الرسائل الخاصة والمقابلات والحديث عن كواليس الكتابة والحياة الصحفية والأدبية والشخصية لواحد من أهم الكتاب الذين مروا بهذه المهنة في رأيي الشخصي. أما إعادة قراءة بعض العناوين فهي عادة لم أتخلَّ عنها أبدا، فبعد كل سلسلة من العناوين الجديدة أجد نفسي منكبا على بعض الكلاسيكيات الخالدة لإعادة قراءتها بين الأدب العربي والروسي واللاتيني والغربي والشرقي فيما يشبه عقد مقارنات غير واعية بين كتابة اليوم والأمس دون أحكام محددة.“
ومن جانبها تلمح الشاعرة والمترجمة السورية فاطما خضر إلى صعوبة السؤال، لأن كل قراءة تمثل بذاتها اكتشافا كما أن إعادة قراءة كتاب معين بنظرها تقود إلى رؤية زاوية مجهولة في تركيبة النص، ومن الواضح أن المجال الذي يستهوي الإنسان التعمق فيه يحدد تشكيلة القراءات. تقول صاحبة “الحزن يبدأ رحيما”: “لكن على اعتبار أني شاعرة، ومهتمة بالترجمة الأدبية، ومنشغلة حاليا بالقراءات الأدبية أكثر من سواها، سأجيب بعناوين كتب تنتمي لعالم الأدب.”
فاطما خضر: كل قراءة أو إعادة قراءة تمثل بذاتها اكتشافا
وتذكر كتاب «أرني وجهك أيها الهارب» وهو مجموعة شعرية للشاعر والمترجم اللبناني محمد ناصر الدين. تقول “يكفي أن تقرأ أول قصيدة ‘الشعر في يومه السابع‘، لتجد نفْسك أمام شاعر استطاع بقصيدة واحدة نسْج أنطولوجيا، اختزل فيها قصة الخلق والأسطورة والدين والأرض والمقاومة والفلسفة والخيمياء، لينتصر الشعر في نهايتها، بتكثيف عال ومجاز مذهل، أذكر قوله: ‘الآن وقد سقط العقل والأسطورة/ هرب إلى الشعر/ أرني وجهك أيها الهارب‘. سيقف القارئ مطولا عند هذه القصيدة، قبل إكمال رحلته في دروب السحر الكامن في كل قصيدة ضمن الكتاب.”
وتشير أيضا إلى كتاب «محمود درويش – الطروادي الأخير» الذي وصفه الدكتور فيصل دراج: «هو الأفضل في مجاله على الإطلاق.» تولى إعداده وتحريره سعيد البرغوثي، ويمثل مجموعة حوارات أجريت مع محمود درويش، وصفها البرغوثي بأنها توثيق لتوأمتين: درويش والقضية الفلسطينية. وتكشف بمجملها عن شاعر وعاشق يضج بالحياة كما تضج به، ومفكر له فلسفته وآراؤه، وثائر له همه الثوري والإنساني، يحمل فلسطين في قلبه مسافرا بها بذاته وكلماته في أرجاء العالم.
وتدرج خضر ضمن قراءاتها كتاب «متأخرا عن العالم مسافة عشر دقائق» مجموعة قصصية للشاعر والقاص السوري رأفت حكمت، تقدم إبداعه فيها عشر خطوات، ابتداء بعنوان حمل صيغة الحال، وكأنه جواب لسؤال يسأله العالم دون أن يكترث لحالك «كيف حالك؟» فيأتي جوابك صادما للوجود، وبديهيا كإنسان سوري الهوية: متأخرا عن العالم مسافة عشر دقائق. تصل لنهاية المجموعة، فتشعر بأنك خارج من عيادة نفسية، لطبيب يشخص مرضاه عبر تقرير على شكل قصة، لتشكل المجموعة بمجملها عينة لمجتمع مكتنز بالعقد والتشوهات النفسية المكبوتة.
وتتابع “أما عن العنوان الذي أعدت قراءته، وسأعيد كما فعلت دوما، فهو ‘زوربا‘ للروائي الأحب لقلبي نيكوس كازانتزاكي، وهنا بالنسبة إلي: ‘There is no caption to say‘.”
فلاح حكمت: أتابع المنشورات يوميا ولا أقرأ سوى كتب إلكترونية
أما الكاتب العراقي فلاح حكمت فيستعيد قائمة قراءاته معلقا على ما لم يكن بأقل من مستوى سقف توقعه، لافتا إلى حرصه منذ سنوات عدة على متابعته شبه اليومية لموقع أمازون الإلكتروني والاطلاع على المستجدات المنشورة في حقول معرفية مخصوصة، وهو لا يقرأ سوى كتب إلكترونية. وأغلب مقروآته هي بالإنجليزية وهذا لا يعني غياب الكتب العربية في برنامجه كما يقول.
ويتابع حكمت “ثمة كتب عربية أطالعها بعد قراءة مراجعات لها أثق بحكمة ورصانة كتابها. أول العناوين التي ستقفز إلى ذهني من مقروءات سنة 2024 هو ‘دروس قرن من الحياة‘ للفيلسوف الفرنسي إدغار موران. كانت قراءة هذا الكتاب ثروة فكرية وفلسفية حقيقية من جانب فيلسوف يرى أن الحياة هي سباحة في بحر من اللايقين. أظن هذه الفكرة تستحق أن تجعل من الكتاب ترياقا لمكافحة غول الأصولية اليقينية التي تنهش بلداننا العربية وتضيع كل فرصة للتنمية الحقيقية فيها.”
العنوان الثاني الذي يذكره هو “مكتبة منتصف الليل” للكاتب مات هيغ، ويلفت إلى أن هذه رواية كتبها مؤلفها عقب تعافيه من حالة اكتئابية حادة، وفيها يقدم لنا سردية روائية لمفهوم العوالم المتوازية بما يترتب عنه من إمكانية الخيارات اللانهائية لحياتنا التي سنختار فيها خيارا واحدا تبعا لقوانين الحتمية الفيزيائية. أما العنوان الثالث فهو “مسعى لم ينته” لفيلسوف العلم الأشهر كارل بوبر، وهو سيرة ذاتية كتبها واضعا مبدأ التفنيد والتكذيب للنظرية العلمية الحقيقية كمعيار لتمييزها عن العلم الزائف.
أما الكتاب الذي يحرص حكمت كل حين على قراءة مقاطع منتخبة منه فهو كتاب “Cybernetics” لمؤلفه الرياضياتي – الفيلسوف نوربرت فاينر. يقول “لا أظنه سيترجم إلى العربية يوما ما بسبب فخامته المفاهيمية، وهو أمر يصيبني بحزن لا سبيل لي بكبحه.”
العودة إلى الجذور والتراث
ليلى المطوع: اكتشاف جذور السرد الخليجي كان رهاني لهذا العام
أرادت الكاتبة البحرينية ليلى المطوع هذه السنة العودة إلى الجذور، جذور السرد التجريبي في المنطقة، أي في الخليج العربي واختارت قراءاتها من هذه البيئة إذ تقول مؤلفة “المنسيون بين ماءين”: “بدأت بـ‘أغنية أ.ص‘ للروائي البحريني الكبير أمين صالح، وهي رواية تجريبية صدرت في مطلع الثمانينات تتناول سيرة من حياته، وتبعتها برواية ‘رهائن الغيب‘ والتي صدرت في بداية الألفية، يمتاز الروائي الكبير بلغة شعرية، وخيال بالغ الخصوصية في ابتكار المشاهد قادر على ربط القارئ بمحيطه، حتى أنه أسس هذا النوع من السرد الشعري، وكسر الأنماط السردية وأسس لبيئة ثقافية تتقبل هذه الأنماط الأدبية لذلك أرى أن اكتشاف جذور السرد التجريبي البحريني والخليجي في 2024 كان هو الاكتشاف الأكبر لي هذا العام.”
والكتاب الثاني الذي قرأته وأدهشها هي رواية “احذر دائما من الكلاب” للروائي سمير قسيمي، تقول “أحب أعمال هذا الروائي، الذي في كل عمل يعيد اكتشاف صوته السردي، فمن الصعب أن تجده يكرر نفسه في أعماله، والرواية عمل تجريبي ذو رمزية عالية، هناك خط رقيق ما بين عالم الإنسان والحيوان، وما بين تمازج الأديان، فالشخوص هنا تتراوح بين عالمين متداخلين، فالكلاب هي السلطة التي على عبدالمؤمن الحذر منها، عبدالمؤمن التي تبدأ الرواية به، ويقودنا لهذا العالم الفريد. كل قراءة لقسيمي هي اكتشاف لوعي القارئ بما حوله، فعوالم قسيمي تحتاج جهدا ممتعا لفك رموزها يدفعك بكل دهشة لقراءة العمل“.
والكتاب الثالث الذي تذكره المطوع هو مجموعة قصصية عنوانها “تاجر الحكايات”، وهي نصوص قصيرة ومدهشة مختلفة لحسن عبدالموجود.
أما عن الكتب التي أعادت قراءتها، تقول “قرأت ‘المعبد الذهبي‘ ليوكيو مشيما بعد زيارتي للمعبد الذهبي في كيوتو، وهي عن راهب أحرق المعبد لشدة افتتانه به. وكذلك كتاب ‘تصاوير العري في الفن الإسلامي‘ لشاكر لعيبي، وكتاب ‘الفن والنظرية الاجتماعية‘ لأوستن هارينغتون، الذي يتحدث عن تكون الوعي الجمالي بالفنون من خلال نظرة فردية وجمعية، وكيف أن صراع الكنائس في أوروبا أنتج فنونا مذهلة، خالدة وإلى اليوم يقصدها الآلاف.“
نسرين بوزازي: تعمدت تتبع نصوص التراث بحثا عن معطيات جديدة
تحاول الباحثة التونسية نسرين بوزازي أن لا تبتعد عن مجال اختصاصها، فتذكر أنها قرأت المصادر التي لا يمكن القفز عليها بالنسبة إلى أي مهتم بالحضارة الإسلامية. وقدمت مداخلتها موضحة خارطة قراءاتها قائلة “من الصعب حصر القيم من الكتب التي اطلعت عليها خلال هذه السنة ولكني سأذكر عناوين لا يمكنني اعتبارها اكتشافا نظرا إلى شهرتها وصدورها في وقت سابق، ولكن من شأن إعادة الاطلاع عليها أن تفتح للباحث المختص في قضايا التراث الإسلامي آفاقا أرحب لاكتشاف منافذ جديدة للقراءة وفهم المسائل على نحو مغاير للمنتشر والمألوف. هذه العناوين تباعا هي ‘البداهات الزائفة‘ للأستاذ عبدالمجيد الشرفي وبصفة أخص ‘تكوين العقل العربي‘ للراحل محمد عابد الجابري و‘إشكاليات العقل العربي‘ للراحل أيضا جورج طرابيشي.”
وتضيف الباحثة “لا أبالغ إن قلت إن عودتي المستمرة إلى الدراستين الأخيرتين وتتبعي لتفاصيل الجدل أو ‘المشادة‘ الفكرية التي جمعت اثنين من أهم دارسي قضايا الفكر العربي والإسلامي قد أفادتني أيما إفادة، فعلاوة عن وجهات نظريهما المختلفة، استفدت أيضا من سعة اطلاعهما على مكونات المكتبة الإسلامية.”
وتتابع “لقد تعمدت تتبع نصوص التراث المثبتة في دراستيهما ضمن مصادرها الأصلية ما مكنني من العثور على معطيات جديدة أشبه بكنوز معرفية أسعى حاليا إلى استثمارها في مشاريع بحثية تهدف إلى مراجعة بعض النتائج المتعلقة بدراسة مسائل دقيقة في التراث وأضحت بدورها جزءا من ‘البداهات الزائفة‘ على غرار فهمنا لحركة ثقافية ضخمة من جنس حركة التدوين، وهو ما يفسر سبب محافظة مثل هذه الدراسات الجادة على نضارتها وفاعليتها في الواقع الفكري سيما إذا كانت قائمة على نقاش حقيقي وتجاذب فكري جاد فتحفز العقل العربي على الخروج من حالة الركود والسقوط في فخ اجترار نتائجه ودفعه إلى المضي قدما في الحفر عميقا في قضايا التراث.”
وتواصل بوزازي “الحق أننا اليوم في حاجة ملحة لبث الحياة في المجال الثقافي العربي واستعادة هذه الحماسة والروح ‘الجدالية – التنافسية‘ بين المثقفين، بشكل يساهم في رفع كل أشكال الوصاية على الفكر العربي ويدفع نسق عمله في اتجاه تصاعدي خطوة أولى للتأثير في الواقع وتحويل مجتمعاتنا إلى الفعل الخلاق والانخراط الإيجابي في منظومة الحداثة.”
روايات مؤثرة
أزهر جرجيس: رغم انشغالاتي بالسفر فإنني لم أنقطع عن القراءة
حاول الكاتب العراقي أزهر جرجيس وسط انشغالاته بالسفر والانتقال من مكان إلى آخر أن لا ينقطع عن القراءة وأجاب عن سؤالنا بشأن أهم العناوين التي تسنى له الوقت لقراءته بصيغة توضيحية لظروفه “في العام 2024 لم أقرأ الكثير من الكتب بسبب الانشغال بالكتابة والسفر، غير أني حظيت بنصوص رائعة هذه المرة ظلت شاخصة في ذاكرتي. منها ‘جاك وسيده‘ لميلان كونديرا، بترجمة الروائي المغربي عبدالمجيد سباطة، وهي مسرحية بثلاثة فصول تتناول بطريقة كونديرا الخاصة العلاقات الإنسانية ومفاهيم القدر وما إلى ذلك.”
ويذكر كذلك رواية رائعة للكاتب والمخرج البحريني الراحل فريد رمضان تحمل عنوان “المحيط الإنكليزي”، مبرزا أنها كانت رواية تاريخية يمتزج فيها الواقعي بالخيالي، والطقوسي بالخرافي حتى ليكاد السرد أن يلتبس على القارئ لولا براعة رمضان وتمكنه من أدواته. مضيفا “من الكتب التي استمتعت بقراءتها أيضا، رواية ‘قناع بلون السماء‘ للكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، وهي عمل مميز يرمح فيه التخييل مفككا الواقع المعاش والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية.”
وما ترشح من قائمة قراءات الشاعرة ريم القمري يؤكد على أن نزهتها كانت في غابة السرد الروائي إذ بدأت برواية “حفيد كورصو” لعبد الوهاب الملوح. تحكي الرواية عن رحلة البحث عن الذات والهوية من خلال حياة حفيد كورصو، وهو أحد أهم البايات الذين حكموا تونس وهو مراد الثاني، الذي يحمل تراثا من الحروب والانتصارات والهزائم، ليجد نفسه في صراع مع ماضيه الثقافي والحضاري. حيث يلتقي التاريخ بالأسطورة ليشكل فضاء سرديا غنيا بالأبعاد الرمزية. الرواية تمزج بين الواقعي والخيالي في رسم معالم شخصية تعاني من انكسارات الماضي، وعقد نفسية رهيبة جعلت منها قاتلا دمويا.
ريم القمري: نزهتي بين الكتب كانت في غابة السرد الروائي
وتابعت قمري برواية “دفاتر الجيلاني ولد حمد” للصحبي الكرعاني، وهي رواية تتابع شخصية الجيلاني، المزارع البسيط الذي يدون حياته اليومية في دفاتر مليئة بالتأملات حول المجتمع والتاريخ والسياسة. وتسلط الرواية الضوء على علاقة الإنسان بالأرض من خلال سرد حميمي يعكس تفاصيل الحياة الريفية في تونس وما تحمله من تحديات وصراعات. بأسلوب يمزج بين الواقعية والشعرية، يروي النص قصة كفاح الجيلاني ضد التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد كيانه وارتباطه بجذوره.
تضيف القمري “قرأت من جديد رواية ‘قيامة الحشاشين‘ للهادي التيمومي، وأضيفها إلى سجل اختياراتي لسنة 2024 وختمت ماراثون القراءة بـ‘دفاتر الوراق‘ لجلال جرجس. كأن خيط الحديث انتهى إلينا لاضير أن أشارككم بعضا من قراءاتي خلال سنة 2024 دون الإطالة بذكر العناوين ومايدور وراء الغلاف من الجدل الفكري أو التشظي النفسي للشخصيات الروائية لذلك يمكنني الاكتفاء بالإشارة إلى ثلاثة كتب كانت حاضرة في أيامنا المنقضية وربما نعود إليها لاحقا ‘متاهة الضائعين الغرب وخصومه‘ لأمين معلوف، ‘إله الفلاسفة‘ للورانس فانين–فيرنا. وفي صنف الرواية شدني ما نشر للكاتبة السورية سها مصطفى بعنوان ‘اللعنة‘.”
وتتابع “بالتأكيد تجدد العهد مع كتب قد مضت سنوات على قراءتها لأول مرة منها ‘ذاكرة غانياتي الحزينات‘ لماركيز، كذلك عدت لقراءة ‘حياة تستحق أن تعاش‘ لألبير كامو و‘البحث عن المعنى‘.” الجدير بالإشارة إن هناك أسماء في عالم الأدب كتُبُهَا تقع على مرمى القراءة باستمرار والروائية المصرية منصورة عزالدين من هذه الفئة.
قبل الاسترسال في الحديث ذكرني المحرر بأن الوقت يداهمنا لذا لا يسعني إلا الاعتراف بأن في الهزيع الأخير لسنة 2024 توجد ثلاثة عناوين أتنقل بينها “زمن جميل مضى” جابر عصفور، “المنسيون بين ماءين” ليلى المطوع، “الدخان واللهب” شاكر عبدالحميد. وكان مارسيل بروست محقا في رأيه بأن الكتب هي تقاويم وحيدة احتفظنا بها للأيام التي انقضت.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كه يلان محمد
كاتب عراقي