استعمال الصور الكلامية العاطفية - ثلاث طرق أساسية وقوية لتحفيز الأطفال وتشجيعهم .. كتاب عندما تكسب قلب طفلك
ثالثاً : استعمال الصور الكلامية العاطفية
في الكثير من الأيام العادية، تنشأ مشادة بين أفراد العائلة الواحدة فيهين أحدهم الآخر، وقد يؤذي بعضهم الآخر، وقد يعيشون لحظات صعبة من الخلافات والنزاعات . قد يتمنى بعض أفراد العائلة الواحدة أحياناً لو أن أحد أفراد أسرته أو بعضهم يستطيع فهم مشاعره ومعاناته. إن استمال الكلمات والصور العاطفية يمثل واحداً من أفضل الطرق لجعل الآخرين يحسون بمشاعرنا وبمعاناتنا ويتوقفون عن إيذائنا أو إهانتنا . فالصور الكلامية العاطفية هي الصور التي تحاول أن تقرن مشاعرنا مع تجارب حقيقية أو متخيلة. واستخدام هذه الصور لتحفيز الآخرين يعني ببساطة أننا نعي طبيعة مشاعرهم ونتعاطف معهم. إنّه ببساطة تحفيز على المستوى العاطفي.
فتاة في سن المراهقة أخبرتني ذات مرة كيف كانت تستعمل هذه الصور الحسية العاطفية لإقناع والدها ولتحفيزه للتعاطف مع القضايا التي تهمها . كان أبوها يعمل في ميكانيك السيارات، وكانت تستعمل تلك الصور الحسية المتعلقة بعمل أبيها لتشرح له بعض همومها ومتاعبها .
كانت تقول له مثلاً : أنت تعرف يا أبي من خبرتك بأنك قد تقوم بتصليح سيارة في بعض الأحيان، وتصبح السيارة بعد تصليحها قابلة للعمل، ولكن ليس بالصورة المثلى، فيعود صاحب السيارة إليك يشتكي من أن السيارة لا تسير على ما يرام فتقوم أنت باستحضار كل مهارتك وأدواتك وتعيد فحصها بدقة مرة ثانية لتكتشف ذلك العطل الثانوي الصغير الذي كانت السيارة تعاني منه، فتصلحه، فتعود السيارة إلى العمل بأفضل حالة حسن أنت فعلاً أب رائع، وعلاقتنا معك جيدة فأنت تغمرنا حقيقة بعطفك وحنانك، ولكن هناك جزء صغير من هذه العلاقة بحاجة إلى تعديل بسيط. كم أتمنى عليك أن تعطينا من وقتك ما يكفي للحديث عن هذا الموضوع لأشرحه لك من وجهة نظري أنا وأنا واثقة أننا معاً سنصل إلى تشخيص جيد لهذه المشكلة، وسنجد حلاً مناسباً لها)). والد هذه الفتاة سيتفهم على الفور هذه الصورة الحسية وسيتخيل أحدهم يعود بسيارته إلى ورشة التصليح التي يديرها لإكمال عملية التصليح، وهو سيدرك، دون شك مشاعر ابنته، وسيتعامل مع هذا الموضوع إيجابياً وستتحسن نتيجة لذلك علاقته مع أسرته.
كنت أستعمل هذه الصور الحسية في جلسات نصحي للأزواج الذين كانوا يقصدونني للمساعدة في حل بعض المشاكل التي يعانون منها، وكنت أشجع زبائني على استعمالها . في إحدى المرات استعملت زوجة أحد لاعبي كرة القدم المشهورين صورة حسية دراماتيكية لا أنساها، وذلك في
معرض وصفها لمشاعرها حيال زوجها حيث قالت له الطريقة التي تعاملني بها تشعرني كما لو أنني أرنب صغيرة خارج البيت في ليل بارد وماطر وموحش خرجت أنت من البيت لتضع كيس الفضلات في الحاوية، فدست علي بقدميك، وسحقت يدي الأماميتين. حزينة ومرعوبة أحاول التخلص من هذه الحالة ولكن دون جدوى. بدأت الدموع تتساقط من عيني زوجها وهو يحاول القول: ((لم أكن أعرف مطلقاً . أنك ممتعضة لهذه الدرجة وأن مشاعرك قد نالها هذا القدر من الإحباط، وأنني أنا السبب فيما وصلت إليه حالك هذه)).
عندما يبدأ الشخص يشعر بشعور الآخرين، ويحس بآلامهم، تبدأ قابليته لتفهم مشاكلهم تزداد ويرق قلبه وتصفو روحه تجاههم. وهذه خطوة هامة جداً في طريق الحل. إن استعمال الصور الحسية العاطفية مفيد في حال الأطفال ، كما هو مفيد للكبار، ويتأثر الأطفال بهذه الصور الحسية العاطفية في كل مراحل أعمارهم ابتداء من السن الذي يبدؤون معها بالكلام، إليك الآن أقدم الخطوتين الأساسيتين لإنجاح مفعول الصور الحسية العاطفية.
الخطوة الأولى هي تحديد المشكلة بوضوح ومعرفة مشاعرنا الحقيقية تجاهها الخطوة الثانية هي اختلاق صورة حسية عاطفية مناسبة للحالة التي نعاني منها . فمثلاً إذا كان المرء محبطاً ويائساً يستطيع أن يقول : ((أشعر أنني أغوص في سواد نفق لا نهاية له)). أو ((أشعر كما لو أنني خرقة بالية نتنه لا فائدة منها)) أو ((أشعر أنني أغرق في مستنقع جليدي، وقد وصل الماء إلى أنفي)) الصور الحسية الكلامية العاطفية تستمد مفرداتها من البيئة المحيطة بنا ومن تجاربنا وتجارب الآخرين الشخصية. يمكن مثلاً استعمال حالات وأوصاف تتعلق بالماء والجبل والصحراء والحيوانات. وأثاث البيت وتغيرات الفصول.. إلخ .
تمتلئ الكتب المقدسة بالقصص التي تستعمل هذه الصور العاطفية الحسية. أحد الأمثلة على ذلك ما ورد في الإنجيل من قصة داود (david) وباشيبا (bathshabu) فقد أحب داوود باشيبا حباً عنيفاً واشتهى وصالها، وقد استطاع أخيراً استمالتها ، فحملت منه، ولأنه شعر بعقدة الذنب، فقد حاول إرجاع زوجها يوريا ( uriah) من المعركة ليبقى مع زوجته للتعويض عما اقترفه. وكان داود يشعر بأنه بعمله هذا يكون قد كفر عن فعلته المشينة. ولكن يوريا رفض العودة من أرض المعركة إلى البيت لأنه لا يريد أن يفضل نفسه على زملائه الجنود، ولا يرغب في إهانتهم وإحراج موقفهم. فغضب داود منه غضباً شديداً جعله يرسله إلى طليعة الجيش حيث موته سيكون مؤكّداً وبالفعل فقد مات يوريا على الجبهة.
ولم يكن داود جاهزاً للندم والتوبة والتغير حتى جاءت تلك الصورة الحسية العاطفية المؤثرة عندما أرسل الله ناثان (nathan) إليه وقد قص ناثان على داود قصة عاطفية مؤثرة محبوكة بعناية فائقة حيث أخبره بأنه كان هناك رجل شديد الغنى لديه قطيع بالمئات من الأغنام وكان له أخ فقير لا يملك من متاع الدنيا شيئاً سوى غنمة واحدة كان يرعاها مع أطفاله كواحدة من الأسرة لشدة حاجتهم لها . وذات يوم زار الرجل الغني ضيف، فاستثقل أن يذبح له شاة من شياهه الكثيرة فأحضر شاة أخيه الوحيدة، وذبحها وأولم لضيفه.
تأثر داود بالقصة تأثراً كبيراً، وأظهر امتعاضه ونقمته على ذلك الرجل الغني في القصة وقال بأن هذا الرجل الغني عليه أن يعوض عن شاة الفقير بأربع شياه مثلها، وأضاف: مثل هذا الرجل غير جدير بالحياة، ويجب أن يعاقب بالموت. عندما وصل داود إلى هذا الحد واجهه ناثان بالحقيقة قائلاً له : ذلك الرجل الغني هو أنت يا داود. فتذكر داود ما فعله مع باشيبا ومع زوجها، وكانت الصورة الحسية العاطفية التي أخبره بها ناثان قوية ومعبرة لدرجة أنها أبكت داود وأشعرته بندم بالغ فتاب إلى الله وبدأ يكفر عن ذنوبه.
السيد المسيح كان قمة في استعمال مثل هذه الصورة الحسية العاطفية. كان يستعمل الموجودات الطبيعية والتجارب الشخصية لتعليم تلامذته الحقيقة. كان يقول مثلاً : مملكة الله والإيمان بها مثل العثور على لؤلؤة لا تقدر بثمن)) أو ما لم نسقط إلى التراب، ونمت وتنزرع فيه كحبة صغيرة ، لن تنمو ثمرة الحقيقة في الحياة)) أو ((أنا الرب الراعي)) أو (الإيمان مثل حبة الخردل )) أو ((أنا) نور العالم)).
هذه الصور الحسية توضح الحقيقة وهي مصوغة من موجودات البيئة والخبرات البشرية بحيث تقنع الشخص العادي، وتستحوذ على مشاعره وعواطفه. ولقد خبرت بنفسي التأثير الفعّال لهذه الصور الحسية العاطفية في بيتنا . فبمساعدة مثل هذه الصورة كان الأمر لا يحتاج سوى إلى خمس دقائق لتغيير إحدى العادات السيئة التي كانت تركب بعض أطفالي. كان عملي يجبرني على أن أغيب عن المنزل لأيام وعندما أعود يستقبلني الجميع بالفرحة والترحاب. وكنت استمتع بمعانقتهم وبرؤية وجوههم المرحبة المستبشرة، ولكن بعد انتهاء فترة الاستقبال هذه ، كان غريغ يتجنب رؤيتي والحديث معي لساعة أو لساعتين. وكنت أحاول لمسه وسؤاله عن حاله وماذا عمل في فترة غيابي ولكنه كان يقول لي : (( اتركني وحدي)) ((لا أريد الحديث مع أحد)) وأشياء أخرى من هذا القبيل.
هذه المسألة أزعجتني جداً. كان غريغ يتصرف كما لو أنه منغلق على ذاته ومنغلق على تواصلي معه، ولم أكن أعتقد أن هناك سبباً لذلك.
سألت نورما زوجتي عن رؤيتها لهذه المشكلة وعن السبب الذي يجعل غريغ يتصرف معي على هذه الشاكلة، فأشارت إلى أنها تعتقد بأن غريغ مستاء جداً من غيابي عن البيت، وأنه يريد أن ((يعاقبني)) على هذا الغياب بهذا النموذج من السلوك والتصرفات.
أحببت أن أجعل غريغ يفهم حقيقة أن رفضه لي وتجنبه لمحادثتي يؤذيني، ويؤلمني أشد الألم. وفي أحد المساءات بعد يومين من عودتي للبيت من مهمة خارج المدينة، دعوته للعشاء خارج المنزل، وقد كُنا وحدنا أنا وهو. وبعد العشاء اختلقت له قصة ذات علاقة بمشاركاته في فريق كرة السلة المدرسي.
قلت له : ((غريغ، افرض أنك كنت تلعب في فريق كرة السلة المدرسي وكنت أحد أهم اللاعبين في الفريق وأكثرهم تسجيلاً للأهداف، وفجأة حدثت لك إصابة شديدة اضطرتنا لأخذك للطبيب الذي قام بدوره بعلاجك ومنعك من اللعب لفترة أسبوعين ريثما يتم شفاؤك التام من الإصابة. ولذلك توقفت عن اللعب في هذين الأسبوعين، ولكنك كنت تحضر التمرينات وتشاهد فريقك يلعب. وبعد أسبوعين عدت إلى الملعب، ولكن مدرب الفريق تجاهلك تماماً وكذلك رفاق اللعب انفضوا عنك ولم يلتفتوا إلى وجودك مطلقاً، فماذا سيكون شعورك في هذه الحال ؟.
وأجاب غريغ على الفور : ((سيزعجني ذلك دون شك. وأتمنى أن لا أخوض تجربة كهذه أبداً)) . هذا تماماً ما يشعر به والدك عندما يعود إلى البيت من رحلة شاقة خارج البيت في مهمة تتعلق بعمله، فيستقبله الجميع، ولكنك وحدك ترفض محادثته والتواصل معه لساعة أو لساعتين. يريد أن يعود إلى فريق الأسرة، ولكنك تتجاهله، وتمنعه من الشعور بأنه واحد من هذا الفريق.
أجاب غريغ بتفهم : (( لم أكن أدرك ذلك. في كلامك كل الحكمة والعقل، وأعدك أن لا أعود لمثل هذه التصرفات أبداً)).
بعد أسبوعين من ذلك الحوار، غادرت المنزل في مهمة من تلك المهمات الخاصة بعملي. وبينما كنت على وشك الدخول إلى السيارة وقبل أن أودع جميع أفراد الأسرة، صاح غريغ : وفقك الله يا أبي في رحلتك لتكن رحلة رائعة واستعد لأن أتجاهلك عندما تعود مرة ثانية إلى البيت)). وضحكنا جميعاً .. ولم يحدث بعد ذلك أن استقبلني ببرود، أو تجاهل وجودي عندما كنت أعود إلى البيت.
الصور الحسية العاطفية يمكن استعمالها مع الجميع. حاول أن تستعمل مثل هذه الصور مع أصدقائك وزملائك قبل استعمالها مع أطفالك، وكلما دريت نفسك على استعمال مثل هذه الصور العاطفية كلما أجدت استعمالها، وأصبح لديك القدرة والمفردات اللازمة لإقناع الآخرين واستمالتهم وجعلهم يحسون بمشاعرك وبمعاناتك وبالتالي تأكدت من قوة فعالية هذه الطريقة في الفصل القادم، سنتابع الحديث عن تحفيز الأطفال وسنذكر لكم تسع عشرة طريقة أخرى لتحفيزهم وتشجيعهم.
ثالثاً : استعمال الصور الكلامية العاطفية
في الكثير من الأيام العادية، تنشأ مشادة بين أفراد العائلة الواحدة فيهين أحدهم الآخر، وقد يؤذي بعضهم الآخر، وقد يعيشون لحظات صعبة من الخلافات والنزاعات . قد يتمنى بعض أفراد العائلة الواحدة أحياناً لو أن أحد أفراد أسرته أو بعضهم يستطيع فهم مشاعره ومعاناته. إن استمال الكلمات والصور العاطفية يمثل واحداً من أفضل الطرق لجعل الآخرين يحسون بمشاعرنا وبمعاناتنا ويتوقفون عن إيذائنا أو إهانتنا . فالصور الكلامية العاطفية هي الصور التي تحاول أن تقرن مشاعرنا مع تجارب حقيقية أو متخيلة. واستخدام هذه الصور لتحفيز الآخرين يعني ببساطة أننا نعي طبيعة مشاعرهم ونتعاطف معهم. إنّه ببساطة تحفيز على المستوى العاطفي.
فتاة في سن المراهقة أخبرتني ذات مرة كيف كانت تستعمل هذه الصور الحسية العاطفية لإقناع والدها ولتحفيزه للتعاطف مع القضايا التي تهمها . كان أبوها يعمل في ميكانيك السيارات، وكانت تستعمل تلك الصور الحسية المتعلقة بعمل أبيها لتشرح له بعض همومها ومتاعبها .
كانت تقول له مثلاً : أنت تعرف يا أبي من خبرتك بأنك قد تقوم بتصليح سيارة في بعض الأحيان، وتصبح السيارة بعد تصليحها قابلة للعمل، ولكن ليس بالصورة المثلى، فيعود صاحب السيارة إليك يشتكي من أن السيارة لا تسير على ما يرام فتقوم أنت باستحضار كل مهارتك وأدواتك وتعيد فحصها بدقة مرة ثانية لتكتشف ذلك العطل الثانوي الصغير الذي كانت السيارة تعاني منه، فتصلحه، فتعود السيارة إلى العمل بأفضل حالة حسن أنت فعلاً أب رائع، وعلاقتنا معك جيدة فأنت تغمرنا حقيقة بعطفك وحنانك، ولكن هناك جزء صغير من هذه العلاقة بحاجة إلى تعديل بسيط. كم أتمنى عليك أن تعطينا من وقتك ما يكفي للحديث عن هذا الموضوع لأشرحه لك من وجهة نظري أنا وأنا واثقة أننا معاً سنصل إلى تشخيص جيد لهذه المشكلة، وسنجد حلاً مناسباً لها)). والد هذه الفتاة سيتفهم على الفور هذه الصورة الحسية وسيتخيل أحدهم يعود بسيارته إلى ورشة التصليح التي يديرها لإكمال عملية التصليح، وهو سيدرك، دون شك مشاعر ابنته، وسيتعامل مع هذا الموضوع إيجابياً وستتحسن نتيجة لذلك علاقته مع أسرته.
كنت أستعمل هذه الصور الحسية في جلسات نصحي للأزواج الذين كانوا يقصدونني للمساعدة في حل بعض المشاكل التي يعانون منها، وكنت أشجع زبائني على استعمالها . في إحدى المرات استعملت زوجة أحد لاعبي كرة القدم المشهورين صورة حسية دراماتيكية لا أنساها، وذلك في
معرض وصفها لمشاعرها حيال زوجها حيث قالت له الطريقة التي تعاملني بها تشعرني كما لو أنني أرنب صغيرة خارج البيت في ليل بارد وماطر وموحش خرجت أنت من البيت لتضع كيس الفضلات في الحاوية، فدست علي بقدميك، وسحقت يدي الأماميتين. حزينة ومرعوبة أحاول التخلص من هذه الحالة ولكن دون جدوى. بدأت الدموع تتساقط من عيني زوجها وهو يحاول القول: ((لم أكن أعرف مطلقاً . أنك ممتعضة لهذه الدرجة وأن مشاعرك قد نالها هذا القدر من الإحباط، وأنني أنا السبب فيما وصلت إليه حالك هذه)).
عندما يبدأ الشخص يشعر بشعور الآخرين، ويحس بآلامهم، تبدأ قابليته لتفهم مشاكلهم تزداد ويرق قلبه وتصفو روحه تجاههم. وهذه خطوة هامة جداً في طريق الحل. إن استعمال الصور الحسية العاطفية مفيد في حال الأطفال ، كما هو مفيد للكبار، ويتأثر الأطفال بهذه الصور الحسية العاطفية في كل مراحل أعمارهم ابتداء من السن الذي يبدؤون معها بالكلام، إليك الآن أقدم الخطوتين الأساسيتين لإنجاح مفعول الصور الحسية العاطفية.
الخطوة الأولى هي تحديد المشكلة بوضوح ومعرفة مشاعرنا الحقيقية تجاهها الخطوة الثانية هي اختلاق صورة حسية عاطفية مناسبة للحالة التي نعاني منها . فمثلاً إذا كان المرء محبطاً ويائساً يستطيع أن يقول : ((أشعر أنني أغوص في سواد نفق لا نهاية له)). أو ((أشعر كما لو أنني خرقة بالية نتنه لا فائدة منها)) أو ((أشعر أنني أغرق في مستنقع جليدي، وقد وصل الماء إلى أنفي)) الصور الحسية الكلامية العاطفية تستمد مفرداتها من البيئة المحيطة بنا ومن تجاربنا وتجارب الآخرين الشخصية. يمكن مثلاً استعمال حالات وأوصاف تتعلق بالماء والجبل والصحراء والحيوانات. وأثاث البيت وتغيرات الفصول.. إلخ .
تمتلئ الكتب المقدسة بالقصص التي تستعمل هذه الصور العاطفية الحسية. أحد الأمثلة على ذلك ما ورد في الإنجيل من قصة داود (david) وباشيبا (bathshabu) فقد أحب داوود باشيبا حباً عنيفاً واشتهى وصالها، وقد استطاع أخيراً استمالتها ، فحملت منه، ولأنه شعر بعقدة الذنب، فقد حاول إرجاع زوجها يوريا ( uriah) من المعركة ليبقى مع زوجته للتعويض عما اقترفه. وكان داود يشعر بأنه بعمله هذا يكون قد كفر عن فعلته المشينة. ولكن يوريا رفض العودة من أرض المعركة إلى البيت لأنه لا يريد أن يفضل نفسه على زملائه الجنود، ولا يرغب في إهانتهم وإحراج موقفهم. فغضب داود منه غضباً شديداً جعله يرسله إلى طليعة الجيش حيث موته سيكون مؤكّداً وبالفعل فقد مات يوريا على الجبهة.
ولم يكن داود جاهزاً للندم والتوبة والتغير حتى جاءت تلك الصورة الحسية العاطفية المؤثرة عندما أرسل الله ناثان (nathan) إليه وقد قص ناثان على داود قصة عاطفية مؤثرة محبوكة بعناية فائقة حيث أخبره بأنه كان هناك رجل شديد الغنى لديه قطيع بالمئات من الأغنام وكان له أخ فقير لا يملك من متاع الدنيا شيئاً سوى غنمة واحدة كان يرعاها مع أطفاله كواحدة من الأسرة لشدة حاجتهم لها . وذات يوم زار الرجل الغني ضيف، فاستثقل أن يذبح له شاة من شياهه الكثيرة فأحضر شاة أخيه الوحيدة، وذبحها وأولم لضيفه.
تأثر داود بالقصة تأثراً كبيراً، وأظهر امتعاضه ونقمته على ذلك الرجل الغني في القصة وقال بأن هذا الرجل الغني عليه أن يعوض عن شاة الفقير بأربع شياه مثلها، وأضاف: مثل هذا الرجل غير جدير بالحياة، ويجب أن يعاقب بالموت. عندما وصل داود إلى هذا الحد واجهه ناثان بالحقيقة قائلاً له : ذلك الرجل الغني هو أنت يا داود. فتذكر داود ما فعله مع باشيبا ومع زوجها، وكانت الصورة الحسية العاطفية التي أخبره بها ناثان قوية ومعبرة لدرجة أنها أبكت داود وأشعرته بندم بالغ فتاب إلى الله وبدأ يكفر عن ذنوبه.
السيد المسيح كان قمة في استعمال مثل هذه الصورة الحسية العاطفية. كان يستعمل الموجودات الطبيعية والتجارب الشخصية لتعليم تلامذته الحقيقة. كان يقول مثلاً : مملكة الله والإيمان بها مثل العثور على لؤلؤة لا تقدر بثمن)) أو ما لم نسقط إلى التراب، ونمت وتنزرع فيه كحبة صغيرة ، لن تنمو ثمرة الحقيقة في الحياة)) أو ((أنا الرب الراعي)) أو (الإيمان مثل حبة الخردل )) أو ((أنا) نور العالم)).
هذه الصور الحسية توضح الحقيقة وهي مصوغة من موجودات البيئة والخبرات البشرية بحيث تقنع الشخص العادي، وتستحوذ على مشاعره وعواطفه. ولقد خبرت بنفسي التأثير الفعّال لهذه الصور الحسية العاطفية في بيتنا . فبمساعدة مثل هذه الصورة كان الأمر لا يحتاج سوى إلى خمس دقائق لتغيير إحدى العادات السيئة التي كانت تركب بعض أطفالي. كان عملي يجبرني على أن أغيب عن المنزل لأيام وعندما أعود يستقبلني الجميع بالفرحة والترحاب. وكنت استمتع بمعانقتهم وبرؤية وجوههم المرحبة المستبشرة، ولكن بعد انتهاء فترة الاستقبال هذه ، كان غريغ يتجنب رؤيتي والحديث معي لساعة أو لساعتين. وكنت أحاول لمسه وسؤاله عن حاله وماذا عمل في فترة غيابي ولكنه كان يقول لي : (( اتركني وحدي)) ((لا أريد الحديث مع أحد)) وأشياء أخرى من هذا القبيل.
هذه المسألة أزعجتني جداً. كان غريغ يتصرف كما لو أنه منغلق على ذاته ومنغلق على تواصلي معه، ولم أكن أعتقد أن هناك سبباً لذلك.
سألت نورما زوجتي عن رؤيتها لهذه المشكلة وعن السبب الذي يجعل غريغ يتصرف معي على هذه الشاكلة، فأشارت إلى أنها تعتقد بأن غريغ مستاء جداً من غيابي عن البيت، وأنه يريد أن ((يعاقبني)) على هذا الغياب بهذا النموذج من السلوك والتصرفات.
أحببت أن أجعل غريغ يفهم حقيقة أن رفضه لي وتجنبه لمحادثتي يؤذيني، ويؤلمني أشد الألم. وفي أحد المساءات بعد يومين من عودتي للبيت من مهمة خارج المدينة، دعوته للعشاء خارج المنزل، وقد كُنا وحدنا أنا وهو. وبعد العشاء اختلقت له قصة ذات علاقة بمشاركاته في فريق كرة السلة المدرسي.
قلت له : ((غريغ، افرض أنك كنت تلعب في فريق كرة السلة المدرسي وكنت أحد أهم اللاعبين في الفريق وأكثرهم تسجيلاً للأهداف، وفجأة حدثت لك إصابة شديدة اضطرتنا لأخذك للطبيب الذي قام بدوره بعلاجك ومنعك من اللعب لفترة أسبوعين ريثما يتم شفاؤك التام من الإصابة. ولذلك توقفت عن اللعب في هذين الأسبوعين، ولكنك كنت تحضر التمرينات وتشاهد فريقك يلعب. وبعد أسبوعين عدت إلى الملعب، ولكن مدرب الفريق تجاهلك تماماً وكذلك رفاق اللعب انفضوا عنك ولم يلتفتوا إلى وجودك مطلقاً، فماذا سيكون شعورك في هذه الحال ؟.
وأجاب غريغ على الفور : ((سيزعجني ذلك دون شك. وأتمنى أن لا أخوض تجربة كهذه أبداً)) . هذا تماماً ما يشعر به والدك عندما يعود إلى البيت من رحلة شاقة خارج البيت في مهمة تتعلق بعمله، فيستقبله الجميع، ولكنك وحدك ترفض محادثته والتواصل معه لساعة أو لساعتين. يريد أن يعود إلى فريق الأسرة، ولكنك تتجاهله، وتمنعه من الشعور بأنه واحد من هذا الفريق.
أجاب غريغ بتفهم : (( لم أكن أدرك ذلك. في كلامك كل الحكمة والعقل، وأعدك أن لا أعود لمثل هذه التصرفات أبداً)).
بعد أسبوعين من ذلك الحوار، غادرت المنزل في مهمة من تلك المهمات الخاصة بعملي. وبينما كنت على وشك الدخول إلى السيارة وقبل أن أودع جميع أفراد الأسرة، صاح غريغ : وفقك الله يا أبي في رحلتك لتكن رحلة رائعة واستعد لأن أتجاهلك عندما تعود مرة ثانية إلى البيت)). وضحكنا جميعاً .. ولم يحدث بعد ذلك أن استقبلني ببرود، أو تجاهل وجودي عندما كنت أعود إلى البيت.
الصور الحسية العاطفية يمكن استعمالها مع الجميع. حاول أن تستعمل مثل هذه الصور مع أصدقائك وزملائك قبل استعمالها مع أطفالك، وكلما دريت نفسك على استعمال مثل هذه الصور العاطفية كلما أجدت استعمالها، وأصبح لديك القدرة والمفردات اللازمة لإقناع الآخرين واستمالتهم وجعلهم يحسون بمشاعرك وبمعاناتك وبالتالي تأكدت من قوة فعالية هذه الطريقة في الفصل القادم، سنتابع الحديث عن تحفيز الأطفال وسنذكر لكم تسع عشرة طريقة أخرى لتحفيزهم وتشجيعهم.
تعليق