الفشل في البحث عن الهوية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفشل في البحث عن الهوية

    الفشل في البحث عن الهوية
    تحت عنوان
    إرهاصات السياسة التركية المعاصرة
    بقلم / البارون الأخير محمود صلاح الدين
    تركمان... الرجل التركي في يومنا هذا، وذلك الطموح القاتل ورحلة البحث عن أمجاد الماضي، هذا ما نجده في الخطوط العريضة إذا ما تحدثنا عنها بشكل سطحي. ولكن الأمر مغاير لكل هذا؛ فالمسألة تكمن في ما يُعرف بـ "عقدة الهوية".
    أصل الترك ... يعود أصل الترك إلى القبائل التركية القديمة التي نشأت في مناطق آسيا الوسطى، وتحديدًا في سهول منغوليا وبحيرة بايكال. ثم توسعت لاحقًا باتجاه الغرب والجنوب. ومن هنا نعرف البدايات. بعد اعتناقهم الإسلام، وجدوا في أنفسهم الحق في تولي السلطة الإسلامية، بدءًا من سيطرة السلاجقة على الخلفاء العباسيين، ومن بعدهم العثمانيون الذين سعوا للبحث عن مذهب إسلامي يجيز لهم تولي منصب خليفة المسلمين. فوجدوا ضالتهم في المذهب الحنفي، لكنهم اعتمدوا أيضًا على تشجيع الطرق الصوفية؛ إذ إنها الطريقة التي ضمنت لهم عدم خروج أتباع المذاهب الأخرى عليهم. هذا عرض مختصر يشرح الهدف من الموضوع.
    الهوية السياسية لتركيا اليوم ... أما اليوم، فإن ما يفعله الأتراك وتوجهاتهم نحو العالم العربي هو ردة فعل على ما فشلوا في تحقيقه. تركيا لا نستطيع أن نعتبرها دولة آسيوية أو أوروبية بسبب موقعها الجغرافي، وهذا ما ساهم في عدم تحديد هوية الدولة. فمنذ القرن الماضي، حاولت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ما حال دون ذلك أمران الاختلاف الديانة والتاريخ الدامي الذي يربط بين ما كان يُعرف بالدولة العثمانية وأوروبا.
    وهذا يُعد من أهم الأسباب التي أدت إلى رفض طلب الانضمام. بذلك وقع الأتراك بين المضي في ربط دولتهم بتجمعات اقتصادية قوية، ودخولها ضمن الخارطة الجغرافية للقارة العجوز.
    العودة إلى التاريخ العربي ... وجد الأتراك أنفسهم أمام تاريخ يمتد على الأراضي العربية في فترة سابقة من الزمن، وكأن لسان حالهم يقول: "إذا ما خلصت فلوسك، ابحث في دفاترك القديمة". فتذكروا أنهم كانوا يحكمون العرب. وأرى أن كل هذا هو عبارة عن إرهاصات العقدة القديمة. لكن تكمن المشكلة في أن حكمهم للعرب آنذاك كان بسبب الدين الذي أسقطه مصطفى كمال أتاتورك. واليوم، فإن تدخلاتهم في سوريا أو مطالبتهم بولاية الموصل هي مجرد رحلة طويلة تكللت بالفشل في البحث عن هوية يتكلمون بها أمام المجتمعات الدولية.
    تركيا واللعب بورقة السياسة ... تركيا اليوم تلعب بمبدأ الورقة الرابحة، لكنها لا تعلم لون أو شكل تلك الورقة التي ستضمن لها كل شيء في عالم السياسة. بالأمس، انضمت إلى حلف الناتو، وبعد فترة نراها تساوم في شراء السلاح من روسيا. أعتبر أن كل هذا تخبط وانعدام رؤية لدى القادة هناك في ما يريدون تحقيقه.
    الهوية الإسلامية ... ما حدث في سوريا هو محاولة لمد النفوذ، على غرار نفوذ محمد علي باشا في مصر. وكان الأمر بالنسبة لهم مجرد نزهة أو مغامرة يظنون أنها ستعود عليهم بمكاسب خيالية. الغريب أن تركيا في الفترة الأخيرة استعانت بفصائل ذات طابع ديني لتنفيذ أجندتها السياسية، وهذا نوع من السذاجة السياسية. أرى أن هناك تناقضًا واضحًا بين ما تعلنه وما تفعله على الأرض.
    ولم تكن سوريا الحلقة الأولى لأطماع تركيا؛ بل سبقها تدخلهم في ليبيا والجزائر. وقد يتكلل عملهم بالنجاح، لكن ما لم تفهمه السلطات هناك هو وجود فرق كبير بين المشرق العربي والمغرب العربي.
    نوعية المجتمعات والمقاومة ... إن نوعية المجتمعات تحدد نقاط النجاح والفشل. وما لا يعرفه الكثير هو أن نوعية الاستعمار في القرن الماضي حددت هوية المقاومة على الأراضي العربية. فالمقاومة الإسلامية كانت الأبرز في المغرب العربي بسبب الاختلاف الديني، بينما في المشرق العربي برز الفكر القومي بسبب الاختلاف القومي مع الأتراك في ذلك الوقت. وهذا سيكون عائقًا كبيرًا أمام إعادة أمجاد الدولة العثمانية في دول المنطقة.
    أزمة الهوية التركية ... إن كل ما تفعله تركيا اليوم يؤكد أنها تعاني من عقدة الانتماء الإقليمي؛ فهم ليسوا أوروبيين، وليسوا بعرب. وهذا ما ولّد نوعًا من التخبط لدى الساسة هناك، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة في المستقبل. إنهم أشبه بمن يلعب بالنار، وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.
    الخاتمة ... في النهاية، نرى أن العديد من المجتمعات تعاني من عقدٍ كثيرة، ومنها عقدة الدولة. فهناك دول تضع كلمة "دولة" قبل اسمها بسبب عقدة أنها ليست دولة مستقلة. وهكذا الحال مع تركيا وعقدة البحث عن الهوية التي فشلوا حتى يومنا هذا في تحديد ملامحها. الأمر أشبه بامرأة أتعبها الزمن، فمضت تبحث عن طبيب تجميل يعيد لها شبابها. وأنا أقول لتركيا ورجالها: "لن يُصلح العطار ما أفسده الدهر".
يعمل...
X