أدباؤنا تحت عنوان:
بين شهادات تقديرية وتوقيع كتب لن يقرأها أحد
بقلم: البارون الأخير / محمود صلاح الدين
في البداية، هذه الكلمات ليست محاولة لتسقيط أحد، ولكن الواقع الذي نعيشه يفرض علينا الحديث عن هذا الموضوع. فالتاريخ الذي كتبه الأدب العربي يحمل أسماء عظيمة لا يمكن أن نتجاهلها، وسأتجنب ذكر الأسماء لكيلا نقع في الغبن تجاه البعض.
وهنا يجب استعراض ما يفعله الأدباء في يومنا هذا؛ حيث نرى الكثير من الصباحيات والأمسيات التي تنظمها شخصيات لا تمت بصلة حقيقية لقضية الأدب والفكر، سوى بكتابات تفتقر إلى الرصانة، مليئة بالمقتبسات المكررة مما كُتب في السابق. وإذا ما اجتمع هؤلاء الأدباء، تراهم يتبادلون المجاملات المفرطة التي يغلب عليها طابع النفاق، مع أحاديث متكررة عن أدباء القرن الماضي ومقتطفات من أعمالهم.
وإذا سألت أحدهم عما قدّمه هو، تجد الإجابة: "أنا شاعر، أنا كاتب، أنا صحفي، أنا قاص". ولكن يبقى السؤال: لماذا لا يسمع بهم أحد؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا استعراض بعض السلوكيات التي يمارسها هؤلاء الأدباء. من أبرز هذه السلوكيات، بناء "برج عاجي" يناطح السماء، حيث يرسم لنفسه عزلة يختبئ فيها، لينظر إلى الآخرين بازدراء لا يليق بالمنهج الأدبي الذي يُفترض أنه ينتمي إليه. وإذا ما تحدث أحدهم، انهال عليك بأسلوب تلميعي واستعراضي، محاولًا صناعة هالة من التضخيم حول أعمال لم يسمع بها أحد.
ولو عدنا إلى الماضي واستعرضنا السير الذاتية للأدباء العظماء، لوجدنا أن ما كانوا يكتبونه كان يحاكي الواقع والمجتمع. فالرافد الحقيقي للأدب كان العامة من الناس، كما فعل الجاحظ. لم يكتفِ الجاحظ بما قرأ، ولم يجلس في مكتبته قائلًا: "ها قد وصلت". بل كانت له تجارب حية، مثل كتابه "البخلاء"، الذي استلهمه من تجربة حياتية واقعية.
على العكس من ذلك، لم يسعَ الجاحظ إلى نيل الشهادات أو التقاط الصور التذكارية ليُثبت للناس أنه أديب. ومن هنا، نستطيع أن نفهم مواضع الخلل في أدبائنا اليوم.
من الصور الأخرى للأدباء المعاصرين، مقاطعة المجلات والصحف بحجة أنهم "أدباء مرموقون". والحق يُقال، إن بعض هؤلاء، حتى أمهاتهم لا يعرفن أنهم يكتبون. ومع ذلك، يُصرّون على طباعة كتب ذاتية، ليعودوا بعد أيام ويقولوا: "المجتمع جاهل"، لأن كتبهم لم تحقق مبيعات تُذكر.
أعرف الكثير من هؤلاء، وأرى في المكتبات أسماء لم أقرأ لها حرفًا من قبل. والسؤال: هل يحمل المجتمع جهل الكاتب أو الأديب لعدم ترويجه لنفسه؟
من خلال عملي في المكتبة، أقول لكم إن هناك كتبًا تُوضع على الرف لسنوات دون أن يستعيرها أحد، حتى يتلفها الغبار والزمن. لذلك، يجب أن أقول – وقد قلتها منذ أعوام – إن على الأديب والكاتب أن يصنع اسمًا يبحث عنه الناس في المكتبات قبل أن يُقدِم على طباعة كتاب واحد.
ولكن اليوم، ورغم تقدم العلم وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على مفاصل الحياة، ما زالت هناك عقليات متمسكة بنظرية أن "من يملك القلم هو فوق مستوى البشر". والحقيقة أن هؤلاء لا يراهم أحد، ولم يسمع بهم أحد.
والأغرب من ذلك، أن ترى بعضهم يسعون وراء المسابقات الأدبية التي تُقيمها بعض المؤسسات الإعلامية. وعندما يفشلون، يغضبون ويرددون: "المجتمع جاهل". ولكن الحقيقة كما قال الشاعر:
"نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا *** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا".
بين شهادات تقديرية وتوقيع كتب لن يقرأها أحد
بقلم: البارون الأخير / محمود صلاح الدين
في البداية، هذه الكلمات ليست محاولة لتسقيط أحد، ولكن الواقع الذي نعيشه يفرض علينا الحديث عن هذا الموضوع. فالتاريخ الذي كتبه الأدب العربي يحمل أسماء عظيمة لا يمكن أن نتجاهلها، وسأتجنب ذكر الأسماء لكيلا نقع في الغبن تجاه البعض.
وهنا يجب استعراض ما يفعله الأدباء في يومنا هذا؛ حيث نرى الكثير من الصباحيات والأمسيات التي تنظمها شخصيات لا تمت بصلة حقيقية لقضية الأدب والفكر، سوى بكتابات تفتقر إلى الرصانة، مليئة بالمقتبسات المكررة مما كُتب في السابق. وإذا ما اجتمع هؤلاء الأدباء، تراهم يتبادلون المجاملات المفرطة التي يغلب عليها طابع النفاق، مع أحاديث متكررة عن أدباء القرن الماضي ومقتطفات من أعمالهم.
وإذا سألت أحدهم عما قدّمه هو، تجد الإجابة: "أنا شاعر، أنا كاتب، أنا صحفي، أنا قاص". ولكن يبقى السؤال: لماذا لا يسمع بهم أحد؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا استعراض بعض السلوكيات التي يمارسها هؤلاء الأدباء. من أبرز هذه السلوكيات، بناء "برج عاجي" يناطح السماء، حيث يرسم لنفسه عزلة يختبئ فيها، لينظر إلى الآخرين بازدراء لا يليق بالمنهج الأدبي الذي يُفترض أنه ينتمي إليه. وإذا ما تحدث أحدهم، انهال عليك بأسلوب تلميعي واستعراضي، محاولًا صناعة هالة من التضخيم حول أعمال لم يسمع بها أحد.
ولو عدنا إلى الماضي واستعرضنا السير الذاتية للأدباء العظماء، لوجدنا أن ما كانوا يكتبونه كان يحاكي الواقع والمجتمع. فالرافد الحقيقي للأدب كان العامة من الناس، كما فعل الجاحظ. لم يكتفِ الجاحظ بما قرأ، ولم يجلس في مكتبته قائلًا: "ها قد وصلت". بل كانت له تجارب حية، مثل كتابه "البخلاء"، الذي استلهمه من تجربة حياتية واقعية.
على العكس من ذلك، لم يسعَ الجاحظ إلى نيل الشهادات أو التقاط الصور التذكارية ليُثبت للناس أنه أديب. ومن هنا، نستطيع أن نفهم مواضع الخلل في أدبائنا اليوم.
من الصور الأخرى للأدباء المعاصرين، مقاطعة المجلات والصحف بحجة أنهم "أدباء مرموقون". والحق يُقال، إن بعض هؤلاء، حتى أمهاتهم لا يعرفن أنهم يكتبون. ومع ذلك، يُصرّون على طباعة كتب ذاتية، ليعودوا بعد أيام ويقولوا: "المجتمع جاهل"، لأن كتبهم لم تحقق مبيعات تُذكر.
أعرف الكثير من هؤلاء، وأرى في المكتبات أسماء لم أقرأ لها حرفًا من قبل. والسؤال: هل يحمل المجتمع جهل الكاتب أو الأديب لعدم ترويجه لنفسه؟
من خلال عملي في المكتبة، أقول لكم إن هناك كتبًا تُوضع على الرف لسنوات دون أن يستعيرها أحد، حتى يتلفها الغبار والزمن. لذلك، يجب أن أقول – وقد قلتها منذ أعوام – إن على الأديب والكاتب أن يصنع اسمًا يبحث عنه الناس في المكتبات قبل أن يُقدِم على طباعة كتاب واحد.
ولكن اليوم، ورغم تقدم العلم وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على مفاصل الحياة، ما زالت هناك عقليات متمسكة بنظرية أن "من يملك القلم هو فوق مستوى البشر". والحقيقة أن هؤلاء لا يراهم أحد، ولم يسمع بهم أحد.
والأغرب من ذلك، أن ترى بعضهم يسعون وراء المسابقات الأدبية التي تُقيمها بعض المؤسسات الإعلامية. وعندما يفشلون، يغضبون ويرددون: "المجتمع جاهل". ولكن الحقيقة كما قال الشاعر:
"نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا *** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا".