دهان بغدادي
Al-Dahan al-Bagdadi (ibn-) - Al-Dahan al-Bagdadi (ibn-)
ابن الدهان البغدادي
(494-569هـ/1100-1173م)
أبو محمد سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، ناصح الدين، المعروف بابن الدهان. من أعيان النحو، ومن علماء اللغة والأدب المشهورين بالفضل ومعرفة العربية. وله يدٌ باسطة في الشعر أيضاً.
ولد ببغداد وفيها كانت نشأته العلمية، حيث سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين، وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البنّاء وغيرهما. كما أخذ اللغة وعلوم العربية عن الرمّاني.
رحل إلى أصفهان وسمع بها، واستفاد من خزائن أوقافها، ونسخ الكثير من كتب الأدب بخطّه. ثم عاد إلى بغداد واستوطنها زماناً يلقي دروسه ويأخذ الناسُ عنه، ومن تلاميذه الخطيب التبريزي وجماعة آخرون.
وقد علت شهرته ببغداد حتى لقب سيبويه عصره. وكان يقال: النحويون ببغداد أربعة: ابن الجواليقي، وابن الشجري، وابن الخشّاب، وابن الدهان.
ثم ترك ابن الدهان بغداد يريد دمشق، حتى اجتاز الموصل، فأكرمه وزيرها جمال الدين محمد بن علي الأصفهاني المعروف بالجواد، وألزمه الإقامة هناك للإقراء والإفادة والتصنيف، فأقام بقية حياته يعلّم ويدرّس ويقصده الناس والطلاب لأخذ العلم على يديه.
وله مؤلفات كثيرة أتعب فيها خاطره وناظره، وكتب أفنى في تحصيلها عمره، وكان قد أبقاها في بغداد حين غادرها إلى الموصل، فبلغه أن طوفاناً طغى عليها، فأرسل من يأتيه بها إن كانت سالمة. فحملت إليه في الموصل وقد أصابها الماء حتى أفسد بعضها وأتلف بعضها الآخر، فأشير عليـه بأن يبخّر ما سلم منها - على فساده - بشيء يقطع رائحتها الرديئة عنها، ويطيّبها. فشرع في تبخيرها بمادة عِلْكيّة ولازم ذلك بكميات كبيرة، حتى أثر دخانها في رأسه وعينيه، فأحدث له اختلال النظر ثم العمى.
وبقي في الموصل إلى أن توفي فيها،ودفن بمقبرة المعافى بن عمران الموصلي بباب الميدان، بعد أن تصدى للاشتغال بالعلم نحو خمسين سنة، إلا أنه - مع سعة علمه - كان سقيم الخط كثير الغلط.
وله شعر كثير أورد منه ابن خلكان وغيره بعض المقطوعات، ومنها قوله:
وأخٍ رخُصت عليه حتى ملني
والشيء مملولٌ إذا ما يَرخُصُ
ما في زمانك من يَعزُّ وجودُه
إن رُمْتَه، إلا صديق مخلص
وقوله:
أرى الفضل منّاحَ التأخُّرِ أهلَه
وجهلَ الفتى يسعى له في التقدّم
كذاك أرى الخفاش ينجيه قبحُه
ويحتبس القمريَّ حسنُ الترنُّـمِ
ولابن الدهان كتب كثيرة فُقد معظمها إما بسبب محنته في الطوفان الذي حل بها في بغداد، وإما بسبب الكوارث والكوائن المختلفة التي اجتاحت تلك البلاد في عصر ابن الدهان أو بعد عصره. ومن كتبه: «تفسير القرآن»: أربعة مجلدات، شرح «الإيضاح والتكملة» لأبي علي الفارسي: أربعون مجلداَ وقيل: ثلاث وأربعون، «الدروس»، في النحو: ألفه للمبتدئين في هذا العلم، «النُّكَت والإشارات على ألسنة الحيوانات»، «المعقود في المقصور والممدود»، شرح «اللُّمع، لابن جني»: نحو ثلاثة مجلدات. قال عنه ابن خلكان: «ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب» يعني كتاب اللمَع، «زهر الرياض» (وهو تذكرته): سبعة مجلدات. قال القفطي: «رأيتها وملكتُها بخطه»، ديوان رسائل، ديوان شعر، «الأضداد» (رسالة في اللغة): طبعت في المجموعة الأولى من سلسلة «نفائس المخطوطات»، «الرسالة السعيدية في المآخذ الكندية» (أو: المآخذ الكندية من المعاني الطائية). مجلدة واحدة. تتضمن ما في شعر المتنبي من معانٍ مأخوذة من شعر أبي تمام الطائي.
ومن الجدير بالذكر أن لابن الدهان ولداً ـ وهو أبو زكريا، يحيى بن سعيد ـ كان أديباً شاعراً، ويقال له ابن الدهان أيضاً، ووصفه السيوطي في «البغية» بأنه «النحوي ابن النحوي». وقد ولد يحيى هذا في أوائل سنة 569 هـ وهي السنة التي مات فيها أبوه بعد بضعة أشهر - في أرجح الأقوال - وكان يحيى رضيعاً.
وعندما بشر به أبوه سعيد بن المبارك، وقد أسنّ قال:
قيل لي: جاءك نسْلٌ
ولد شهمٌ وسيم
قلت: عزّوه بفقـدي
ولدُ الشيخ يتيمُ
فلما كبر يحيى بن سعيد (الابن) نشأ ينحو منحى أبيه في الاشتغال بالأدب والنحو واللغة وعلوم الدين ونظم الشعر. وانقطع إلى عالم وقته مكي بن ريان النحوي الضرير (ت603هـ) فأخذ عنه النحو وتخرج عليه، واعتنى به مكي لحقّ والده، ثم اتصل يحيى بخدمة «القاهر» صاحب الموصل وصار شيخ الشيوخ بها.
توفي يحيى في الموصل سنة 616هـ وهو في عقد الأربعين من عمره، ودفن على أبيه بمقبرة المعافى بن عمران، ولم يترك شيئاً من المصنفات.
محمود فاخوري
ـ القفطي، إنباه الرواة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة 1952م).
ـ السيوطي، بغية الوعاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة 1964م).
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (دار المستشرق، بيروت).
Al-Dahan al-Bagdadi (ibn-) - Al-Dahan al-Bagdadi (ibn-)
ابن الدهان البغدادي
(494-569هـ/1100-1173م)
أبو محمد سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، ناصح الدين، المعروف بابن الدهان. من أعيان النحو، ومن علماء اللغة والأدب المشهورين بالفضل ومعرفة العربية. وله يدٌ باسطة في الشعر أيضاً.
ولد ببغداد وفيها كانت نشأته العلمية، حيث سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين، وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البنّاء وغيرهما. كما أخذ اللغة وعلوم العربية عن الرمّاني.
رحل إلى أصفهان وسمع بها، واستفاد من خزائن أوقافها، ونسخ الكثير من كتب الأدب بخطّه. ثم عاد إلى بغداد واستوطنها زماناً يلقي دروسه ويأخذ الناسُ عنه، ومن تلاميذه الخطيب التبريزي وجماعة آخرون.
وقد علت شهرته ببغداد حتى لقب سيبويه عصره. وكان يقال: النحويون ببغداد أربعة: ابن الجواليقي، وابن الشجري، وابن الخشّاب، وابن الدهان.
ثم ترك ابن الدهان بغداد يريد دمشق، حتى اجتاز الموصل، فأكرمه وزيرها جمال الدين محمد بن علي الأصفهاني المعروف بالجواد، وألزمه الإقامة هناك للإقراء والإفادة والتصنيف، فأقام بقية حياته يعلّم ويدرّس ويقصده الناس والطلاب لأخذ العلم على يديه.
وله مؤلفات كثيرة أتعب فيها خاطره وناظره، وكتب أفنى في تحصيلها عمره، وكان قد أبقاها في بغداد حين غادرها إلى الموصل، فبلغه أن طوفاناً طغى عليها، فأرسل من يأتيه بها إن كانت سالمة. فحملت إليه في الموصل وقد أصابها الماء حتى أفسد بعضها وأتلف بعضها الآخر، فأشير عليـه بأن يبخّر ما سلم منها - على فساده - بشيء يقطع رائحتها الرديئة عنها، ويطيّبها. فشرع في تبخيرها بمادة عِلْكيّة ولازم ذلك بكميات كبيرة، حتى أثر دخانها في رأسه وعينيه، فأحدث له اختلال النظر ثم العمى.
وبقي في الموصل إلى أن توفي فيها،ودفن بمقبرة المعافى بن عمران الموصلي بباب الميدان، بعد أن تصدى للاشتغال بالعلم نحو خمسين سنة، إلا أنه - مع سعة علمه - كان سقيم الخط كثير الغلط.
وله شعر كثير أورد منه ابن خلكان وغيره بعض المقطوعات، ومنها قوله:
وأخٍ رخُصت عليه حتى ملني
والشيء مملولٌ إذا ما يَرخُصُ
ما في زمانك من يَعزُّ وجودُه
إن رُمْتَه، إلا صديق مخلص
وقوله:
أرى الفضل منّاحَ التأخُّرِ أهلَه
وجهلَ الفتى يسعى له في التقدّم
كذاك أرى الخفاش ينجيه قبحُه
ويحتبس القمريَّ حسنُ الترنُّـمِ
ولابن الدهان كتب كثيرة فُقد معظمها إما بسبب محنته في الطوفان الذي حل بها في بغداد، وإما بسبب الكوارث والكوائن المختلفة التي اجتاحت تلك البلاد في عصر ابن الدهان أو بعد عصره. ومن كتبه: «تفسير القرآن»: أربعة مجلدات، شرح «الإيضاح والتكملة» لأبي علي الفارسي: أربعون مجلداَ وقيل: ثلاث وأربعون، «الدروس»، في النحو: ألفه للمبتدئين في هذا العلم، «النُّكَت والإشارات على ألسنة الحيوانات»، «المعقود في المقصور والممدود»، شرح «اللُّمع، لابن جني»: نحو ثلاثة مجلدات. قال عنه ابن خلكان: «ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب» يعني كتاب اللمَع، «زهر الرياض» (وهو تذكرته): سبعة مجلدات. قال القفطي: «رأيتها وملكتُها بخطه»، ديوان رسائل، ديوان شعر، «الأضداد» (رسالة في اللغة): طبعت في المجموعة الأولى من سلسلة «نفائس المخطوطات»، «الرسالة السعيدية في المآخذ الكندية» (أو: المآخذ الكندية من المعاني الطائية). مجلدة واحدة. تتضمن ما في شعر المتنبي من معانٍ مأخوذة من شعر أبي تمام الطائي.
ومن الجدير بالذكر أن لابن الدهان ولداً ـ وهو أبو زكريا، يحيى بن سعيد ـ كان أديباً شاعراً، ويقال له ابن الدهان أيضاً، ووصفه السيوطي في «البغية» بأنه «النحوي ابن النحوي». وقد ولد يحيى هذا في أوائل سنة 569 هـ وهي السنة التي مات فيها أبوه بعد بضعة أشهر - في أرجح الأقوال - وكان يحيى رضيعاً.
وعندما بشر به أبوه سعيد بن المبارك، وقد أسنّ قال:
قيل لي: جاءك نسْلٌ
ولد شهمٌ وسيم
قلت: عزّوه بفقـدي
ولدُ الشيخ يتيمُ
فلما كبر يحيى بن سعيد (الابن) نشأ ينحو منحى أبيه في الاشتغال بالأدب والنحو واللغة وعلوم الدين ونظم الشعر. وانقطع إلى عالم وقته مكي بن ريان النحوي الضرير (ت603هـ) فأخذ عنه النحو وتخرج عليه، واعتنى به مكي لحقّ والده، ثم اتصل يحيى بخدمة «القاهر» صاحب الموصل وصار شيخ الشيوخ بها.
توفي يحيى في الموصل سنة 616هـ وهو في عقد الأربعين من عمره، ودفن على أبيه بمقبرة المعافى بن عمران، ولم يترك شيئاً من المصنفات.
محمود فاخوري
مراجع للاستزادة: |
ـ السيوطي، بغية الوعاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة 1964م).
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (دار المستشرق، بيروت).