سرديات تشكيلية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سرديات تشكيلية

    https://www.almothaqaf.org/art-2/978...%D8%A7%D8%A8-2

    أصدقائي الأحبة
    هذا هو الجزء الثاني من من مقال "سرديات تشكيلية" الذي يتضمن قراءة لأعمال سبعة فنانين وهم مهدي الشمري، مريوان جلال، محمد الدعمي، رائد هوبي، رائد محمد، صادق طعمة وسعدي داوود راجيًا أن تروق لكم. لقراءة المقال على رابط صحيفة (المثقف) أضغط على الرابط أعلاه رجاء.

    سرديات تشكيلية لـ 20 فنانًا عراقيًا في مدينة الضباب (2)

    عدنان حسين أحمد (لندن)

    تنقيطية الشمّري ومُصادفاته

    لم أحظَ بمشاهدة معرض شخصي للفنان مهدي الشمري مع أنني متواجد بلندن منذ 17 سنة ولكنني شاهدت له أعمالًا متفرقة في معارض جماعية كان آخرها "ظهيرة صيف" و "قرية عراقية". كما استمتعت في مارس / آذار من هذه السنة بمشاهدة عملين آخرين له وهما "وجه سومري" و "ثورة". ومع قلة ما رأيت له من أعمال إلّا أنني أستطيع القول بأنه فنان واقعي بامتياز تراكمت خبرته على مدى سنواتٍ طوالا، فهو من مواليد كربلاء 1953، انتقل إلى لندن ليواصل مشروعه الفني وحياته الاجتماعية التي ستتغير على وفق المعطيات الثقافية والفكرية الجديدة. لا أتفق مع صديقي الشمّري بأنّ "الفن يعتمد على المصادفة" لأن المصادفة لا تخلق عملًا فنيًا على الدوام ولعلها تنجح مرة واحدة أو اثنتين لكنها غير مأمونة العواقب دائمًا. وبغض النظر عن مسألة الاتفاق والاختلاف في الرأي، فهو أمر طبيعي لا غضاضة فيه، أجد من المناسب أن نعرّج على ثيمتيّ لوحتيه اللتين استمتعت بهما شخصيًا، فالفن الواقعي له أساطينه في كل مكان من هذا العالم. ولوحة "ظهيرة صيف" بفيغراتها Figures الثلاثة وخلفيتها المكتظّة التي تزدان بالمآذن والقباب وأعمدة الكهرباء هي إحالة للواقع اليومي الذي تعيشه المدينة والناس الذين يقصدون العتبات الدينية ويجدون ضالتهم فيها. ومع أنّ الشخصيات تبدو مجردة من أشكالها الحقيقية ولم نرَ منها إلّا هياكلها العامة إلّا أنّ هذا العمل قادر على إغراء المتلقّي وشدّه إلى الفضاء الواقعي الذي رصدته عينه الذكية الفاحصة التي استطاعت أن تلمّ هذا المشهد الجميل برمته. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لمستهُ الأخيرة التي نثر فيها هذه الألوان الجميلة المختلفة التي أحالت اللوحة إلى عمل تنقيطي Pointillist يحفِّز على التأمل وإطالة النظر. والتنقيطية Pointillism هي إحدى تقنيات الرسم الانطباعي الجديد التي تُستعمل فيها نقاط صغيرة من ألوان نقيّة مختلفة تمتزج في عين المُشاهد طوّرها الفنان الفرنسي جورج سورا وتهدف إلى إنتاج درجة أكبر من الإضاءة الساطعة وبريق اللون الأخّاد الذي يُعرف بالسطوعية الصبغية Chromoluminarism وهي ذاتها التي نراها في لوحة "ظهيرة صيف" التي أبدعتها الأنامل المرهفة والمخيّلة المتوهجة للفنان مهدي الشمّري.
    لا تختلف لوحة "قرية عراقية" من حيث الثيمة الواقعية وهي عودة أفراد الأسرة إلى البيت بعد نهار طويل، كما يتكرر مشهد النسوة الملفعات بالعباءات السود وهنّ عائدات إلى منزلهن يرافقهن صبي صغير لعله يمثل طفولة الفنان نفسه. كما شكّلت أعمدة الكهرباء وأشجار النخيل الباسقة مشهدية جذّابة غاية في الروعة والاتقان. لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ الفنان مهدي الشمري، وهذا ما نسيته في مستهل المقال، بأنه يجد في لوحاته صورًا قد تتطابق مع الصور الشعرية لشعراء آخرين من بينهم الشاعرة السورية؛ عراقية الهوى، آلاء أبو الشملات التي سبق أن قدّم لها أربعة أو خمسة أعمال فنية تتناغم فيها مخيلة الفنان مع مخيلة الشاعرة، فهو لا يتعمّد رسم الصور الشعرية للمبدعة أبو الشملات وإنما يجدها في لوحاته المنفّذة سلفًا وكأنهما يفكران عن بُعد في شيء واحد في لحظة غامضة من الزمن.

    مريوان جلال وتوظيف الأسطورة الإيزيدية

    على الرغم من كَثرة الفنانين الكورد بلندن وعموم المدن البريطانية إلّا أننا في جمعية الفنانين التشكيليين لم نرَ ونستمتع بالأعمال الفنية الكوردية سواء أكانت لوحة أو منحوتة أو عملًا سيراميكيًا باستثناء أعمال الفنان الكوردي المثابر مريوان جلال الذي اشترك بثلاثة أعمال نحتية سيراميكية وهي على التوالي "سفينة الأحلام" و "غيمة سوداء" و "قلق وصراع". لا شكَّ في أنّ منحوتة "سفينة الأحلام" هي عمل واقعي حيث يكتظ على متنها المئات وربما الآلاف من الناس الذين غادروا أو طانهم بسبب الظلم، والتعسّف، وضيق ذات اليد، وقبلها ضيق مساحة الحرية التي لا توفرها الأنظمة القمعية المتخلفة الطاردة لأبنائها. ورغم أنّ اسم "سفينة الأحلام" يوحي بمساحة كبيرة من التفاؤل إلّا أن اكتظاظها بهذا العدد الكبير من الهاربين من أوطانهم قد يعرّضها للخطر ويقبر أحلام الناس الذي ركبوا الأهوال والمخاطر. ومع ذلك فإن المتلقّي سيظل متشبثًا باسم السفينة وما توحيه من دلالات إيجابية ليست خفية على المُتلقي الكريم الذي يتمتع بمشاهدة هذا العمل الفني الجميل. أما منحوتة "غيمة سوداء" التي يستدعي الفنان بواسطتها الأفعى الموجودة عند باب معبد لالش وما تمثله من أسطورة مُقنعة على الرغم من بساطتها. وإذا كانت الأفعى رمزًا للشر والإبذاء في الثقافات والأساطير الأخرى فإنها رمز للخير في الأساطير الإيزيدية التي تقول بأن السفينة التي انثقبت في الطوفان الكبير وأوشكت أن تُغرق كل من عليها قد استدعت الأفعى إلى الظهور في الحال حيث كوّرت نفسها وسدّت الثقب وأنقذت كل الكائنات الحية التي كانت موجودة على متن السفينة. عودًا على عدم مشاركة الفنانين الكورد وحتى ندرة حضورهم إلى الفعاليات والأنشطة الثقافية العراقية أقول قبل بضعة أشهر، وتحديدًا في 6 أبريل إلى 18 مايس 2024 أقام الفنانون الكورد معرضًا احتفائيًا بالشاعر الكوردي المعروف عبدالله كوران الذين استوحوا أعمالهم الفنية من قصائده ومن بينهم هؤلاء الفنانين الذين بلغ عددهم 20 فنانًا أذكر أمانغ مردوخي، آفان فتّاح، حمه هاشم، كاوا رمزي، كويستان جمال باوان، لقمان أحمد، ناز علي عولا، شيلان جبار، سونيا أحمد، شورش صالح ومريوان جلال وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعًا. أقول ثانية نحن بحاجة ماسة لأن نشاهد أعمالهم الفنية ونتفاعل معهم ومعها في آنٍ واحد. وأتمنى لهذه الرسالة أن تصل إليهم وأن يأخذوها بنظر الاعتبار.

    محمد الدعمي والإخلاص للواقعية

    قبل مدة قصيرة كتبت عن الفنان محمد الدعمي وتناولت العديد من أعماله الفنية الواقعية بالنقد والتحليل وقلت بأنه لا يأبه بالتيارات والمدارس الفنية وأن لوحته هي خليط من أساليب ورؤى فنية متعددة، لكنه يظل مخلصا لواقعيته التي يستمد منها العديد من الثيمات والرؤى البصرية الخلاقة. وفي هذا المعرض قدّم جانبًا من سرديته التشكيلية المتمثلة بلوحتين أسمى إحداهما "صراع" والثانية تركها بلا عنوان لأن مضمونها وفحواها لا يحتاج إلى تسمية أو توصيف. يُحلينا الفنان محمد الدعمي إلى بيئة الجنوب ومضاربها التي توقّفنا عندها في الدراسة النقدية السابقة لكنه ينخرط الآن في مشروع مهم يضم سلسة من الأعمال الفنية التي يرصد فيها "الجاموس" بقرنيه، وشكله الأسود، وملامحة المعروفة لأبناء الهور على وجه التحديد، فهذا الحيوان لا يعيش إلّا بالقرب من الأنهار والبحيرات والمسطحات المائية التي يخوض فيها كلّما دعته الحاجة إلى السباحة وتبريد جسده الساخن. أمّا من الناحية الفنية فلم يُرسم هذا الحيوان كثيرًا كما فعل الفنانون العراقيون مع الحصان أو الجمل أو الأسد، فغالبية الحيوانات المفترسة والداجنة وجدت نفسها على الأسطح التصويرية للفنانين العراقيين لكن الجاموس كان قليل الحضور مع أنه كان موجودًا في رسومات السومريين والأكديين والبابليين ومنحوتاتهم. أن يخصص الدعمي سلسة كاملة من الأعمال الفنية لهذا الحيوان هي فكرة هائلة لأننا سنرى تنويعاته على صعيد الشكل واللون والمقاربة الفنية. فلاغرابة أن يضعنا الفنان بين الترقّب والمفاجأة والانتظار خاصة وأنّ تقنياته وأدواته الفنية تتطور يومًا بعد يوم، بينما تتعمّق رؤاه رغم بُعد المسافة بين مُغتربه اللندني ومسطحات الأهوار التي تنبسط أمامه على مدّ البصر.

    أصالة الخيل وجمالية الخط العربي

    أتحفنا الفنان التشكيلي رائد هوبي بعمل فني واحد عنوانه "أصالة" قياس 100 × 100 سم، نفّذه بالزيت على الكانفاس. أمّا ثيمته الرئيسة فتتوزع بين رأس جواد ملتفت إلى يسار الناظر لا يظهر منه إلّا رأسه وعنقه وجزء بسيط من صدره وحافة ظهره العليا. تحيط برأس الجواد هالتان ضوئيتان فيما يحتشد الجزء الأعلى ووسط اللوحة بحروف تدلل على أهمية الحرف العربي وجماليته. أثارت هذه اللوحة اهتمام العديد من الحاضرين وأعتبرها البعض تحفة فنية آسرة الجمال. الفنان رائد هوبي من مواليد 1963. تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد سنة 1990. كما درس في أكاديمية سينت يوست الفنية وتخرج فيها سنة 1999، وشارك في العديد من المعارض الفنية داخل المملكة المتحدة وخارجها.

    حمامة السلام والحرية في الوطن

    شارك الفنان رائد محمد بعمل سيراميكي واحد يحمل عنوان "حمامة السلام" وقد نفذّه بطريقة فنية لافتة للانتباه حقًا. قد تكون أفكار المنحوتات السيراميكية بسيطة أو مباشرة بمعنى من المعاني، أي أنّ الفنان يريد أن يُوصل رسالة برقية سريعة إلى المتلقي فلاغرابة أن يعتمد على الصياغة الواقعية لمنحوتته حتى وإن منحها بعض اللمسات الغريبة التي قد تُحيل إلى التعبيرية أو السُريالية أو النفس العجائبي أو الغرائبي وإذا واجه المتلقي صعوبة في إدراك فحوى المنحوتة السيراميكية أو استعصى فهمها كليًا فعند ذلك يلجأ الفنان إلى التوضيح بإحدى الطرق المتاحة له كأن يستعير حكمة، أو قولًا مأثورًا أو بيتًا الشعر وما إلى ذلك. وعلى جانب من "حمامة السلام" نقرأ الجملة الآتية التي تقول:"إذا لم تعش حُرًا في وطنك فمن الأفضل أن تموت غريبًا"! الفنان رائد محمد من مواليد 1964 حاصل على شهادة البكالوريوس في السيراميك من جامعة بغداد سنة 1989، والدكتوراة في السيراميك أيضًا من جامعة الأسكندرية سنة 2019. يُدّرس في جامعة بابل في قسم التربية الفنية منذ سنة 2013 وحتى الآن.

    لقطات حميمة على خلفيات برّاقة

    تتميز تجربة الفنان صادق طعمة بالغنى والثراء على صعيديّ الشكل والمضمون حيث جرّب العديد من التيارات والمدارس الفنية كالانطباعية والتعبيرية والرمزية وقد أطلّ علينا في معرض "سرد تشكيلي" بعملين واقعيين يحمل الأول اسم "أم مع ابنها" ويندرج الثاني تحت عنوان "أمومة". ولو دققنا في العمل الأول لوجدناه يتجاوز الواقعية إذا ما نظرنا إلى خلفيته الجميلة لونًا وتكوينًا. أما فيغر Figure الأم فهو يحمل من الحميمية والنظرة الدافئة الحنونة ما يشدّ انتباه المتلقي ويدعوه لتأمل هذا العمل الفني الواقعي على صعيد الشخصيتين من جهة، وعلى صعيد الخلفية اللونية التي قد تنأى عن الواقع قليلًا لكن التكوينات قد تعيدنا إليه وإن كانت تحمل بصمات تمتد أبعد من حدود الواقع. وهذا الأمر ينسحب على لوحة "أمومة" أيضًا حيث تحتضن الأم طفلها بحميمية عالية ولعلها تشمّه أيضًا لتؤكد استعمالها لأكثر من حاسة في آنٍ واحد. قبل أيام ليست بعيدة كان الفنان صادق طعمة قد انتهى من معرضه الشخصي الذي أُقيم في الصالة نفسها، صالة (أم. بي بيرلا ميلينيوم آرت غاليري) الذي يحمل عنوان "قصيدة في لوحة" موظفًا فيه الشِعر في اللوحة التشكيلية. وقبل ذلك كان الفنان صادق طعمه معروفًا بتقنياته وأساليب المتعددة التي تتراوح بين التعبيرية والرمزية والواقعية وقد تألق فيهما جميعًا وإن كان لكل مذهب جمالياته وتأثيراته المختلفة على المتلقين. جدير ذكره أنّ صادق طعمة من مواليد بغداد سنة 1952 حاصل على دبلوم من معهد الفنون الجميلة ببغداد، وقد توّج دراسته بالحصول على درجة الماجستير في الفنون الجميلة في جامعة ميدلسيكس بلندن. قدّم صادق طعمة دروسًا في الفن الإسلامي والخط العربي أيضًا إلى جانب عمله كمصمم ورسام في عدد من الصحف العربية التي تتخذ من لندن مقرًا لها.

    التعالق والتناهل الإبداعيين

    كتبتُ غير مرة عن تجربة الفنان سعدي داوود، وهي تجربة فنية مثيرة للانتباه لأكثر من سبب، فهو من مدينة الناصرية التي أتعاطف معها روحيًا وذهنيًا لارتباطها بالحسّ الوطني العالي، كما أنه يسكن عند مشارف مسطحاتها المائية التي نسميها الأهوار، ولعله يقترب كثيرًا من الصديق الفنان محمد الدعمي وإن اختلفت ثيماتهما وأخذت كل واحدة منهما منحىً آخر في الرصد والالتقاط والمعالجة. اشترك سعدي داوود بثلاثة أعمال فنية وهي "تعويذة 1 " وتعويذة 2" و "تعويذة 3". التعويذتان الأولى والثانية تنتميان إلى مناخه اللوني المعروف الذي أصبح بصمة خاصة بالفنان فما إن أراها حتى أعرف أنها تنتمي للفنان سعدي داوود حتى إن موّه اسمه وأزال توقيعه من اللوحة. ربما تُذكرنا هذا التعويذات بالتمائم والطلاسم والبازبدات التي جسّدها الفنان الغرافيكي والشاعر المبدع ناصر مؤنس ولكنها تختلف من جهة المعالجة لكلا الفنانَين. ففي التعويذة الأولى نشاهد 12 عملًا مختلفًا يمكن قراءة كل عمل على انفراد كتعويذة منفصلة، طادرة للأرواح الشريرة، أو جالبة للحظ بكل أشكاله العاطفية التي يجمع بين الأحبة تارة، وتفرّق بينهما تارة أخرى، وهكذا دواليك في مختلف شؤون الحياة المادية والاقتصادية والاجتماعية. أمّا التعويذة الثانية فهي أعقد قليلًا وتذّكِّرنا بلمسات جواد سليم وإن اختلفت الموضوعات. أمّا التعويذة الثالثة فهي تحيل مباشرة إلى أعمال شاكر حسن آل سعيد، وربما تذهب أبعد من ذلك لتصل إلى أنطونيو تابيس ولكنني على المستوى الشخصي أحبّ هذا التعالق الإبداعي ولا أرى فيه أبعد من حدود التعالق والتناهل الإبداعيين.
يعمل...
X