الخطوات الخمس لإعادة فتح الذات المغلقة للطفل - ١ - كتاب عندما تكسب قلب طفلك
الخطوات الخمس لإعادة فتح الذات المغلقة للطفل.
١ - تمتع بالليونة ورقة القلب:
أول خطوة احتجتها لإعادة فتح الذات المغلقة لغريغ هي إظهار الليونة ورقة القلب والحنان. هذا اللطف ذو قدرة سحرية على إذابة الغضب.
عندما نبدأ بمحاولة إعادة فتح الذات المغلقة لشخص ما، يجب أن نوظف كلا من حركات أجسامنا ، و تعابير وجوهنا ، وطبقة أصواتنا كلها بحيث نظهر في كل ذلك رقة ولطفاً وحناناً ومحبة للشخص الذي نحاول إرجاعه إلينا . هذا المستوى من التواصل شديد الضرورة لتهدئة الشخص المتضرّر وإشعاره بأهميته. يمكننا أن نقول مثلاً :
أ - كم أنت غال علينا ، ووجودك شديد الأهمية لنا، ونحاول أن نعبر عن ذلك بصدق ودون خطابية مكشوفة. ويجب أن تكون حركتنا باتجاه الشخص بطيئة. ويستحسن أن تكون رؤوسنا منخفضة قليلاً لإشعاره كم نحن حزينون لأذيته، وأننا نشاركه مشاعره بمحبة.
ب - لا نريدك أن تنغلق على ذاتك، ولا نود أن نخسرك، إننا نحبك دون شك.
ج - نحن نعرف بأن هناك خطأ جسيماً قد وقع، ونحن نعترف بأن الإهانة التي لحقت بك غير سهلة الاحتمال. وسوف نحاول تصحيح ما يمكن تصحيحه وإعادة الأمور إلى نصابها .
د - نحن متشوقون لسماعك من فضلك ارو لنا ما حدث، ونحن نعدك بأننا لن نغضب، ولن نستاء مما تقول، ونعدك بأننا لن نسمح لأحد بإيذائك في المرة القادمة.
كنت أعالج أحد اللاعبين الرياضيين المحترفين وزوجه. وقد أسرت لي الزوجة بأنها قد أهينت إهانة عميقة من قبل زوجها من خلال أقواله وأفعاله لها . وصرح الزوج بأنه لا يعرف لماذا تظل زوجته ممتعضة ومنزعجة من كل ما يفعله . وقد لاحظت بأن الزوجة متأذية، وبأنها بدأت تغلق ذاتها في وجه زوجها ، وبدأ الحوار ينعدم بينهما .
ولذا سألت الزوج فيما إذا كان يوافق على إجراء جلسات تصحيحية لوضعهما بهدف مساعدة الزوجة على إعادة فتح ذاتها لزوجها . فوافق على المحاولة. طلبت إلى الزوج قائلاً : أريدك أن تكون رقيقاً ليناً وعطوفاً معها، وحبذا لو تضع ذراعك حول كتفها)). وتابعت : ((تظاهر كما لو أنك تذوب عشقاً ومحبة بها، وحدثها بلطف ورقة بأنك تعرف أنك تسببت بإيذائها وإهانة مشاعرها ، وأنك تود تصحيح الأمور)).
وبدأ الزوج يفعل ما قلت له حيث وضع ذراعه حول كتف زوجته، وكرر الكلام الذي لقنته إياه.
قالت الزوجة إثر ذلك : (( أوه .. أنت لا تعني ما تقول)). وبدلاً من أن يتفهم الزوج مدى الإهانة التي تعاني منها الزوجة صاح في وجهها : ((أنا) أعرف ما أقول وأعنيه .. لا تعلميني ماذا أقول، ولا تتهميني بأنني لا أعنيه)) . لقد كان الرياضي يستمع إلى كلمات زوجته وليس إلى طبقة صوتها التي كانت تشير إلى درجة تأذيها وانغلاقها على ذاتها . وكان غضب الزوج وقسوته في الرد وسرعته في رد الفعل يزيدان الطين بلة على زوجته، ويعزّزان من درجة انغلاقها على ذاتها . واقترحت عليهما أن أمثل أنا دور الزوج، وأشرح لهما ما عنيته بقولي . فغيرت من طبقة صوتي بحيث أصبح رقيقاً عطوفاً، وبلطف زائد مددت يدي فوق الطاولة التي تجلس عليها وأمسكت بيدها قائلاً : أنت حقاً متأذية أليس كذلك؟ وأنا أعرف أن ما فعتلته بك سيئ، وقد آذاك وأثر عليك)). ولدى سماع هذه الطريقة اللينة اللبقة ، انفرجت أسارير المرأة، وارتاحت تعابير وجهها الغاضب. انحنى رأسها قليلاً ، وبدأت الدموع تطفر من عينيها لقد تعجبنا جميعاً من السهولة والسرعة التي أظهرت فيها المرأة استعدادها لأن تنفتح على ذاتها وعلى زوجها .
لقد وجدت أن هذه الطريقة فعّالة جداً في بيتي، ومع أطفالي ومع غيرهم من زبائني الرقة واللطف تذيبان النضب وتشرعان أبواب التفاهم والتسامح وتساهمان في انفتاح الذوات المغلقة باتجاه من أغلقت في وجوههم .
2 - تعمق في تفهم المشكلة :
الخطوة الثانية لمساعدة الشخص في الانعتاق من مشكلة الانغلاق على ذاته هي التعمق في فهم مقدار الألم الذي يعتمل داخل الشخص المتضرر وفهم شعوره الخاص واستنتاجاته للسلوك المهين الذي تلقاه. عندما سألت ابني غريغ عن سبب صراخه وبكائه شرح لي كيف وقع في بأنيو الحمام وأذى أذنه، ازداد فهي لطبيعة المشكلة ولدرجة الألم التي يعاني منها مباشرة . لا شك أنني كنت ليناً ومتعاطفاً مع غريغ عندما جلست إليه لأفهم المشكلة منه، ولكني تعاطفت معه أكثر ورغبتي في مساعدته زادت عندما فهمت حقيقة المشكلة أكثر، وتعمقت في فهم مدى الألم الذي يعاني منه فلو كنت مكانه وسقطت على رأسي في بانيو
الحمام لخرجت أصرخ، وفعلت تماماً كما فعل غريغ .
إن استعمال اللين ومحاولة الفهم العميق لجذور المشكلة الحاصلة ومدى الألم والأذى الذي تسببت به المشكلة غالباً ما يساعد الشخص المتضرر على تجاوز مشكلته والبدء بإعادة فتح ذاته على الآخرين .
غالباً ما يحلم الأطفال في ظروف بيوتهم المختلفة بأن يفهمهم أحد ما من أفراد أسرهم، ويشعر بشعورهم ويتألم لآلامهم . وحيث أن الكثير من البيوت تدار من قبل أحد الأبوين فقط ، وفي بيوت كثيرة يوجد زواج ثان وثالث، ويعيش بعض الأطفال في كنف أشخاص غير آبائهم أو أمهاتهم أو بوجود أشخاص يشاطرون أحد أبويهم الحياة تحت سقف واحد . في مثل هذه الظروف كلها يصبح حلم الأطفال بوجود أحد يفهمهم، ويشعر بشعورهم حلماً حقيقياً يراود خيال الأطفال ليل نهار . وفي بعض الأحيان قد يظن بعض الأطفال أنه السبب في طلاق أحد والديه من الآخر أو اختلافهما فيحجم عن التواصل والكلام مع أي منهما لتجنب جرح أي منهما، ثم لا يلبث أن ينطوي على نفسه ويطور حالة من الانغلاق على الذات، فيصبح مشاكساً كثير الشكوى متجنّباً الاقتراب من أبويه لدرجة منعهما من لمسه .
وفي هذه الحال من الممكن أن يشرع أحد الأبوين بالتعامل مع هذا الطفل بلين وعطف، وأن يتعمق في فهم جذور مشكلته والتوصل إلى إدراك مصادر ألمه وذلك للبدء بحل هذه المشكلة .
أحد أفضل الطرق لزيادة مستوى فهمنا المشكلة طفل متأذ يمكن أن تكون باستعمال الصور العاطفية المؤثرة وإشاعة الثقة في نفس الطفل وتطمينه والسماح له بالحديث بحرية عما يريد أن يفضي به من مكنونات روحه . وبمجرد بدأ الطفل بالحديث عن هذه المشكلة ، يمكن توقع حلها بسهولة.
أحد الأطفال كان يعاني من انتقاد أبيه الشديد له، وبشكل دائم. وصف هذا الطفل لأبيه ما يشعر به في أحد الأيام وصفاً دقيقاً قال : (( أشعر أحياناً وكأنني فرخ طير صغير في عشه، وعندما تطير عائداً إلى عشنا هذا أتشوق كثيراً لرؤيتك لأني أتوقع منك الطعام والحنان والتشجيع . ولكنك بدلاً من أن تقدم لي ذلك، تهز بعنف أحد الأغصان التي تحمل عشنا أو تعبث بقش العش نفسه، ثم تطير مبتعداً عني مرة ثانية)). ثم تابع الطفل مكملاً صورته المؤثرة هذه : بدأت أعتقد يا أبي بأنك تمزق عشنا هذا تمزيقاً، وأنا لست جاهزاً للطيران بعد. يستحوذني شعور بالضعف وعدم الأمان عندما أشاهدك قادماً نحوي لأنني لا أتوقع منك سوى السخرية مني وإهانتي وتمزيق مشاعري تماما كسحب خيوط الشبكة المكونة للعش من مكانها )). وعندما سمع الأب هذه الصورة الكلامية المؤثرة أدرك حجم الألم والأذى الذي لحق بابنه جراء تصرفاته.
هذه الصورة العاطفية المؤثرة ساعدت الأب كثيراً على فهم المشكلة وبالتالي بدأ الأب يتجنّب انتقاد ولده، وبدأ يحاول التقرب منه أكثر وكسبه كصديق. كآباء يمكننا أن نسأل أطفالنا ليساعدونا في فهم مشاعرهم وذلك بطرح أسئلة عليهم من نموذج: لو كنت أرنباً ما الذي تعاني منه الآن جراء ما حدث لك ؟ أو لو كنت قطعة من القماش كيف تبدو الآن بعد ما حدث لك ؟ أو ما هو اللون الذي يصف مشاعرك الآن؟ وإذا ما أعطينا أولادنا الوقت والتشجيع الكافي يمكنهم أن يعبروا خير تعبير عن مشاعرهم الحقيقية ، فإذا أجابتني ابنتي بأن شعورها أزرق الآن ، أستطيع أن أكمل السؤال : هل هو أزرق فاتح أم أزرق غامق وهل يتضمن هذا اللون الأزرق بقعاً مبهجة من ألوان أخرى؟
أحد الأطفال وصف حالته لأبيه الذي يسافر كثيراً خارج البيت قائلاً : بسبب الطريقة التي تحاول معها أن تتجنبني يا أبي ، أشعر كما لو أنني ممسحة تحت المغسلة تسقط فوقها قطرات من ماء المغسلة قطرة فقطرة لشهرين متواصلين، ولم يلاحظ أحد بأن هذه الممسحة قد تعفنت، ونمت عليها الفطور والجراثيم الكثيرة. يستطيع معظم الآباء وبسهولة فهم الألم الذي ينجم عن ترك كائن حي جميل يتعفن ببطء دون أن يلتفت إليه أحد .
نستطيع مساعدة أطفالنا للحديث عن مشاعرهم ووصفها بتذكيرهم بحوادث سابقة مرت معهم. يمكننا، على سبيل المثال، مبادرتهم بالقول أتذكر ذلك الوقت عندما رفض صديقك في البناء المقابل اللعب معك وخاصمك بعدها ؟ هل تصر في الآن يجعلك تشعر بالشعور نفسه؟ (( أو اتذكر عندما حصلت على علامة مرسبة في صفك بعد أن درست جيداً، وتعبت من أجل التفوّق، وبدأ زملاؤك يسخرون منك فشعرت بخجل شديد؟)). هل هذا ما تشعر به الآن بعد أن صححت لك ما قلته أمام زوارك من زملائك؟.
الصور الكلامية العاطفية أداة مهمة جداً في التواصل بين البشر، وقد تتاح لنا الفرصة للحديث عن هذا الموضوع أكثر في فصول الكتاب اللاحقة. ومن المهم جداً أن يعرف أطفالنا بأننا نفهم حقاً طبيعة مشاعرهم بعد تلقيهم إهانة ما أو شعورهم بالغين من تصرف ما من تصرفاتنا . فإذا رفض الطفل الحديث والتعبير عن مشاعره، فقد يحتاج الأمر إلى فترة من الزمن تبرد فيه المشاعر الحارة لكل من الطفل والأب على حد سواء.
بعد دقائق أو أكثر في بعض الأحيان، يستطيع الأب أن يبدأ عملية الاستقصاء بجدية ولطف وذلك للكشف عن مستوى الأذية ودرجة الإهانة. قد يكون من الضروري أحياناً أن تعطي لطفلك فرصة اكتشاف وفهم طبيعة الألم العاطفي الذي يعاني منه .
الخطوات الخمس لإعادة فتح الذات المغلقة للطفل.
١ - تمتع بالليونة ورقة القلب:
أول خطوة احتجتها لإعادة فتح الذات المغلقة لغريغ هي إظهار الليونة ورقة القلب والحنان. هذا اللطف ذو قدرة سحرية على إذابة الغضب.
عندما نبدأ بمحاولة إعادة فتح الذات المغلقة لشخص ما، يجب أن نوظف كلا من حركات أجسامنا ، و تعابير وجوهنا ، وطبقة أصواتنا كلها بحيث نظهر في كل ذلك رقة ولطفاً وحناناً ومحبة للشخص الذي نحاول إرجاعه إلينا . هذا المستوى من التواصل شديد الضرورة لتهدئة الشخص المتضرّر وإشعاره بأهميته. يمكننا أن نقول مثلاً :
أ - كم أنت غال علينا ، ووجودك شديد الأهمية لنا، ونحاول أن نعبر عن ذلك بصدق ودون خطابية مكشوفة. ويجب أن تكون حركتنا باتجاه الشخص بطيئة. ويستحسن أن تكون رؤوسنا منخفضة قليلاً لإشعاره كم نحن حزينون لأذيته، وأننا نشاركه مشاعره بمحبة.
ب - لا نريدك أن تنغلق على ذاتك، ولا نود أن نخسرك، إننا نحبك دون شك.
ج - نحن نعرف بأن هناك خطأ جسيماً قد وقع، ونحن نعترف بأن الإهانة التي لحقت بك غير سهلة الاحتمال. وسوف نحاول تصحيح ما يمكن تصحيحه وإعادة الأمور إلى نصابها .
د - نحن متشوقون لسماعك من فضلك ارو لنا ما حدث، ونحن نعدك بأننا لن نغضب، ولن نستاء مما تقول، ونعدك بأننا لن نسمح لأحد بإيذائك في المرة القادمة.
كنت أعالج أحد اللاعبين الرياضيين المحترفين وزوجه. وقد أسرت لي الزوجة بأنها قد أهينت إهانة عميقة من قبل زوجها من خلال أقواله وأفعاله لها . وصرح الزوج بأنه لا يعرف لماذا تظل زوجته ممتعضة ومنزعجة من كل ما يفعله . وقد لاحظت بأن الزوجة متأذية، وبأنها بدأت تغلق ذاتها في وجه زوجها ، وبدأ الحوار ينعدم بينهما .
ولذا سألت الزوج فيما إذا كان يوافق على إجراء جلسات تصحيحية لوضعهما بهدف مساعدة الزوجة على إعادة فتح ذاتها لزوجها . فوافق على المحاولة. طلبت إلى الزوج قائلاً : أريدك أن تكون رقيقاً ليناً وعطوفاً معها، وحبذا لو تضع ذراعك حول كتفها)). وتابعت : ((تظاهر كما لو أنك تذوب عشقاً ومحبة بها، وحدثها بلطف ورقة بأنك تعرف أنك تسببت بإيذائها وإهانة مشاعرها ، وأنك تود تصحيح الأمور)).
وبدأ الزوج يفعل ما قلت له حيث وضع ذراعه حول كتف زوجته، وكرر الكلام الذي لقنته إياه.
قالت الزوجة إثر ذلك : (( أوه .. أنت لا تعني ما تقول)). وبدلاً من أن يتفهم الزوج مدى الإهانة التي تعاني منها الزوجة صاح في وجهها : ((أنا) أعرف ما أقول وأعنيه .. لا تعلميني ماذا أقول، ولا تتهميني بأنني لا أعنيه)) . لقد كان الرياضي يستمع إلى كلمات زوجته وليس إلى طبقة صوتها التي كانت تشير إلى درجة تأذيها وانغلاقها على ذاتها . وكان غضب الزوج وقسوته في الرد وسرعته في رد الفعل يزيدان الطين بلة على زوجته، ويعزّزان من درجة انغلاقها على ذاتها . واقترحت عليهما أن أمثل أنا دور الزوج، وأشرح لهما ما عنيته بقولي . فغيرت من طبقة صوتي بحيث أصبح رقيقاً عطوفاً، وبلطف زائد مددت يدي فوق الطاولة التي تجلس عليها وأمسكت بيدها قائلاً : أنت حقاً متأذية أليس كذلك؟ وأنا أعرف أن ما فعتلته بك سيئ، وقد آذاك وأثر عليك)). ولدى سماع هذه الطريقة اللينة اللبقة ، انفرجت أسارير المرأة، وارتاحت تعابير وجهها الغاضب. انحنى رأسها قليلاً ، وبدأت الدموع تطفر من عينيها لقد تعجبنا جميعاً من السهولة والسرعة التي أظهرت فيها المرأة استعدادها لأن تنفتح على ذاتها وعلى زوجها .
لقد وجدت أن هذه الطريقة فعّالة جداً في بيتي، ومع أطفالي ومع غيرهم من زبائني الرقة واللطف تذيبان النضب وتشرعان أبواب التفاهم والتسامح وتساهمان في انفتاح الذوات المغلقة باتجاه من أغلقت في وجوههم .
2 - تعمق في تفهم المشكلة :
الخطوة الثانية لمساعدة الشخص في الانعتاق من مشكلة الانغلاق على ذاته هي التعمق في فهم مقدار الألم الذي يعتمل داخل الشخص المتضرر وفهم شعوره الخاص واستنتاجاته للسلوك المهين الذي تلقاه. عندما سألت ابني غريغ عن سبب صراخه وبكائه شرح لي كيف وقع في بأنيو الحمام وأذى أذنه، ازداد فهي لطبيعة المشكلة ولدرجة الألم التي يعاني منها مباشرة . لا شك أنني كنت ليناً ومتعاطفاً مع غريغ عندما جلست إليه لأفهم المشكلة منه، ولكني تعاطفت معه أكثر ورغبتي في مساعدته زادت عندما فهمت حقيقة المشكلة أكثر، وتعمقت في فهم مدى الألم الذي يعاني منه فلو كنت مكانه وسقطت على رأسي في بانيو
الحمام لخرجت أصرخ، وفعلت تماماً كما فعل غريغ .
إن استعمال اللين ومحاولة الفهم العميق لجذور المشكلة الحاصلة ومدى الألم والأذى الذي تسببت به المشكلة غالباً ما يساعد الشخص المتضرر على تجاوز مشكلته والبدء بإعادة فتح ذاته على الآخرين .
غالباً ما يحلم الأطفال في ظروف بيوتهم المختلفة بأن يفهمهم أحد ما من أفراد أسرهم، ويشعر بشعورهم ويتألم لآلامهم . وحيث أن الكثير من البيوت تدار من قبل أحد الأبوين فقط ، وفي بيوت كثيرة يوجد زواج ثان وثالث، ويعيش بعض الأطفال في كنف أشخاص غير آبائهم أو أمهاتهم أو بوجود أشخاص يشاطرون أحد أبويهم الحياة تحت سقف واحد . في مثل هذه الظروف كلها يصبح حلم الأطفال بوجود أحد يفهمهم، ويشعر بشعورهم حلماً حقيقياً يراود خيال الأطفال ليل نهار . وفي بعض الأحيان قد يظن بعض الأطفال أنه السبب في طلاق أحد والديه من الآخر أو اختلافهما فيحجم عن التواصل والكلام مع أي منهما لتجنب جرح أي منهما، ثم لا يلبث أن ينطوي على نفسه ويطور حالة من الانغلاق على الذات، فيصبح مشاكساً كثير الشكوى متجنّباً الاقتراب من أبويه لدرجة منعهما من لمسه .
وفي هذه الحال من الممكن أن يشرع أحد الأبوين بالتعامل مع هذا الطفل بلين وعطف، وأن يتعمق في فهم جذور مشكلته والتوصل إلى إدراك مصادر ألمه وذلك للبدء بحل هذه المشكلة .
أحد أفضل الطرق لزيادة مستوى فهمنا المشكلة طفل متأذ يمكن أن تكون باستعمال الصور العاطفية المؤثرة وإشاعة الثقة في نفس الطفل وتطمينه والسماح له بالحديث بحرية عما يريد أن يفضي به من مكنونات روحه . وبمجرد بدأ الطفل بالحديث عن هذه المشكلة ، يمكن توقع حلها بسهولة.
أحد الأطفال كان يعاني من انتقاد أبيه الشديد له، وبشكل دائم. وصف هذا الطفل لأبيه ما يشعر به في أحد الأيام وصفاً دقيقاً قال : (( أشعر أحياناً وكأنني فرخ طير صغير في عشه، وعندما تطير عائداً إلى عشنا هذا أتشوق كثيراً لرؤيتك لأني أتوقع منك الطعام والحنان والتشجيع . ولكنك بدلاً من أن تقدم لي ذلك، تهز بعنف أحد الأغصان التي تحمل عشنا أو تعبث بقش العش نفسه، ثم تطير مبتعداً عني مرة ثانية)). ثم تابع الطفل مكملاً صورته المؤثرة هذه : بدأت أعتقد يا أبي بأنك تمزق عشنا هذا تمزيقاً، وأنا لست جاهزاً للطيران بعد. يستحوذني شعور بالضعف وعدم الأمان عندما أشاهدك قادماً نحوي لأنني لا أتوقع منك سوى السخرية مني وإهانتي وتمزيق مشاعري تماما كسحب خيوط الشبكة المكونة للعش من مكانها )). وعندما سمع الأب هذه الصورة الكلامية المؤثرة أدرك حجم الألم والأذى الذي لحق بابنه جراء تصرفاته.
هذه الصورة العاطفية المؤثرة ساعدت الأب كثيراً على فهم المشكلة وبالتالي بدأ الأب يتجنّب انتقاد ولده، وبدأ يحاول التقرب منه أكثر وكسبه كصديق. كآباء يمكننا أن نسأل أطفالنا ليساعدونا في فهم مشاعرهم وذلك بطرح أسئلة عليهم من نموذج: لو كنت أرنباً ما الذي تعاني منه الآن جراء ما حدث لك ؟ أو لو كنت قطعة من القماش كيف تبدو الآن بعد ما حدث لك ؟ أو ما هو اللون الذي يصف مشاعرك الآن؟ وإذا ما أعطينا أولادنا الوقت والتشجيع الكافي يمكنهم أن يعبروا خير تعبير عن مشاعرهم الحقيقية ، فإذا أجابتني ابنتي بأن شعورها أزرق الآن ، أستطيع أن أكمل السؤال : هل هو أزرق فاتح أم أزرق غامق وهل يتضمن هذا اللون الأزرق بقعاً مبهجة من ألوان أخرى؟
أحد الأطفال وصف حالته لأبيه الذي يسافر كثيراً خارج البيت قائلاً : بسبب الطريقة التي تحاول معها أن تتجنبني يا أبي ، أشعر كما لو أنني ممسحة تحت المغسلة تسقط فوقها قطرات من ماء المغسلة قطرة فقطرة لشهرين متواصلين، ولم يلاحظ أحد بأن هذه الممسحة قد تعفنت، ونمت عليها الفطور والجراثيم الكثيرة. يستطيع معظم الآباء وبسهولة فهم الألم الذي ينجم عن ترك كائن حي جميل يتعفن ببطء دون أن يلتفت إليه أحد .
نستطيع مساعدة أطفالنا للحديث عن مشاعرهم ووصفها بتذكيرهم بحوادث سابقة مرت معهم. يمكننا، على سبيل المثال، مبادرتهم بالقول أتذكر ذلك الوقت عندما رفض صديقك في البناء المقابل اللعب معك وخاصمك بعدها ؟ هل تصر في الآن يجعلك تشعر بالشعور نفسه؟ (( أو اتذكر عندما حصلت على علامة مرسبة في صفك بعد أن درست جيداً، وتعبت من أجل التفوّق، وبدأ زملاؤك يسخرون منك فشعرت بخجل شديد؟)). هل هذا ما تشعر به الآن بعد أن صححت لك ما قلته أمام زوارك من زملائك؟.
الصور الكلامية العاطفية أداة مهمة جداً في التواصل بين البشر، وقد تتاح لنا الفرصة للحديث عن هذا الموضوع أكثر في فصول الكتاب اللاحقة. ومن المهم جداً أن يعرف أطفالنا بأننا نفهم حقاً طبيعة مشاعرهم بعد تلقيهم إهانة ما أو شعورهم بالغين من تصرف ما من تصرفاتنا . فإذا رفض الطفل الحديث والتعبير عن مشاعره، فقد يحتاج الأمر إلى فترة من الزمن تبرد فيه المشاعر الحارة لكل من الطفل والأب على حد سواء.
بعد دقائق أو أكثر في بعض الأحيان، يستطيع الأب أن يبدأ عملية الاستقصاء بجدية ولطف وذلك للكشف عن مستوى الأذية ودرجة الإهانة. قد يكون من الضروري أحياناً أن تعطي لطفلك فرصة اكتشاف وفهم طبيعة الألم العاطفي الذي يعاني منه .
تعليق