سراج (محمد سري)
Ibn al-Sarraj (Mohammad ibn al-Sari-) - Ibn al-Sarraj (Mohammad ibn al-Sari-)
ابن السَّرَّاج (محمد بن السريّ ـ)
(…ـ 316هـ/… ـ 928م)
أبو بكر محمد بن السِّرِّي المعروف بابن السرَّاج، عاش في القرنين الهجريين الثالث والرابع، لم تعلم سنة ولادته.
يعَدُّ واحداً من العلماء المشاهير، المجمع على فضلهم ونبلهم وجلال قدرهم في النحو والأدب، ومن نحاة البصريين المبرّزين، نشأ في بغداد، وهو أحد أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد المبرِّد (ت285هـ) وتلاميذه المقرَّبين، وتلقَّى عليه النحو، وصحبه ولقي عنده ميلاً وترحيباً، وتولَّى الرئاسة في النحو بعد موته، والمبرد هو الأستاذ الأوحد لابن السراج، إذ لم تذكر كتب التراجم من شيوخه إلا المبرد، إلا أن ابن خَلِّكان (ت681هـ) ذكر أنه أخذ الأدب عن المبرد وغيره.
ومن أشهر تلاميذه الذين أخذوا عنه النحو وروَوا عنه أبو القاسم عبد الرحمن الزَّجَّاجي (ت339هـ) وأبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (ت368هـ)، وأبو علي الحسن بن أحمد الفارسي (ت377هـ) وأبو الحسن علي ابن عيسى الرُّمَّاني (ت384هـ).
ترك كتباً كثيرة في اللغة والنحو، وأشهرها كتاب «الأصول في النحو»، وهو من الكتب التي اتسعت شهرتها واكتسبت سمعة عالية، ويأتي في الفضل بعد «الكتاب» لسيبويه (ت182هـ) و«المقتضب» للمبرِّد، ونزل في نفوس أهل العربية منزلة إِعجاب وتقدير، وهو من أكبر مصنفات ابن السراج وأحسنها وأكثرها شمولاً استقى مادته من «الكتاب» لسيبويه، ورتَّبها ترتيباً جديداً حسناً، حتى صار مرجعاً يرجع إليه النحويون عند اضطراب النقل واختلافه، وامتدح العلماء هذا الكتاب وأثنوا عليه بعبارات من مثل قولهم: «هو غاية في الشرف والفائدة» وغير ذلك.
وهناك مصنفات أخرى لابن السراج في اللغة والقراءة والشعر من مثل كتاب «جمل الأصول» وكتاب «الموجز»، وهو صغير، وكتاب «الاشتقاق» وكتاب «شرح كتاب سيبويه» وكتاب «احتجاج القراء» وكتاب «الشعر والشعراء» وكتاب «الرياح والهواء والنار» وغير هذه ممَّا ذكر في مظانِّ ترجمته.
لم يقتصر على التعمُّق في العربية نحوها وصرفها، وإنما اطلع على العلوم الوافدة على الثقافة العربية في ذلك الوقت، ولاسيما علما المنطق والموسيقى، فقد اشتهر بهذين العلمين وشغل بهما عن النحو فترة من الزمن، إلا أنه عاد إلى النظر فيه، وتشير كتب التراجم إلى أنه هجر النحو وانكبَّ على علمي المنطق والموسيقى وأخذهما عن المعلم الثاني أبي نصر الفارابي (ت339هـ)، وأخذ الفارابي عنه النحو.
وهو من أوائل النحويين الذين ظهرت عندهم أمارات تأثر النحو بالمنطق، ويكاد يكون أول نحوي برز أثر المنطق في مصنفاته واضحاً على نحو ما يُرى في كتابه «الأصول في النحو إِلاَّ أَنَّ أثر المنطق لم يتَعَدَّ شكل الكتاب وتقسيماته، ولم يدخل إلى لبِّ المادة النحوية فيه.
وعرف عنه أنه كان شاعراً ينشئ شعراً لنفسه، ومن ذلك ما أنشده لمَّا رأى مغنِّياً يحبُّه أُصيب بمرض الجدريّ:
لي قمرٌ جُدِّر لمَّا استوى
فزاده حُسْناً فزادت همومي
أَظنُّه غَنَّى لشمس الضُّحى
فنقَّطَتْه طرباً بالنجوم
عَدَّ ابن السراج نفسه مع النحاة البصريين، وقال بآرائهم، وسارت على لسانه مصطلحاتهم النحوية، واعتمد على أصولهم النحوية، ووقف إلى جانبهم في المسائل الخلافية بينهم وبين الكوفيين.
وكان ذا خلق رفيع منصفاً يعرف لأهل الفضل فضلهم وقدرهم فقد فضَّل بعض تلاميذه كتابه «الأصول في النحو« على كتاب «المقتضب» الذي صنفه شيخه أبو العباس المبرد بحضرته، فما كان منه إلا أن أنكر على تلميذه فعله ونهاه عنه، واعترف بأنه استفاد من كتاب «المقتضب» وتمثَّل بالبيت التالي ليدلَّ على فضل شيخه وسبقه:
ولكنْ بكتْ قبلي فهاج لي البكا
بكاها فقلت الفضلُ للمتقدِّم
إبراهيم عبد الله
ـ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (مطبعة السعادة بمصر 1349هـ).
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (دار المأمون، القاهرة 1936م).
Ibn al-Sarraj (Mohammad ibn al-Sari-) - Ibn al-Sarraj (Mohammad ibn al-Sari-)
ابن السَّرَّاج (محمد بن السريّ ـ)
(…ـ 316هـ/… ـ 928م)
أبو بكر محمد بن السِّرِّي المعروف بابن السرَّاج، عاش في القرنين الهجريين الثالث والرابع، لم تعلم سنة ولادته.
يعَدُّ واحداً من العلماء المشاهير، المجمع على فضلهم ونبلهم وجلال قدرهم في النحو والأدب، ومن نحاة البصريين المبرّزين، نشأ في بغداد، وهو أحد أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد المبرِّد (ت285هـ) وتلاميذه المقرَّبين، وتلقَّى عليه النحو، وصحبه ولقي عنده ميلاً وترحيباً، وتولَّى الرئاسة في النحو بعد موته، والمبرد هو الأستاذ الأوحد لابن السراج، إذ لم تذكر كتب التراجم من شيوخه إلا المبرد، إلا أن ابن خَلِّكان (ت681هـ) ذكر أنه أخذ الأدب عن المبرد وغيره.
ومن أشهر تلاميذه الذين أخذوا عنه النحو وروَوا عنه أبو القاسم عبد الرحمن الزَّجَّاجي (ت339هـ) وأبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (ت368هـ)، وأبو علي الحسن بن أحمد الفارسي (ت377هـ) وأبو الحسن علي ابن عيسى الرُّمَّاني (ت384هـ).
ترك كتباً كثيرة في اللغة والنحو، وأشهرها كتاب «الأصول في النحو»، وهو من الكتب التي اتسعت شهرتها واكتسبت سمعة عالية، ويأتي في الفضل بعد «الكتاب» لسيبويه (ت182هـ) و«المقتضب» للمبرِّد، ونزل في نفوس أهل العربية منزلة إِعجاب وتقدير، وهو من أكبر مصنفات ابن السراج وأحسنها وأكثرها شمولاً استقى مادته من «الكتاب» لسيبويه، ورتَّبها ترتيباً جديداً حسناً، حتى صار مرجعاً يرجع إليه النحويون عند اضطراب النقل واختلافه، وامتدح العلماء هذا الكتاب وأثنوا عليه بعبارات من مثل قولهم: «هو غاية في الشرف والفائدة» وغير ذلك.
وهناك مصنفات أخرى لابن السراج في اللغة والقراءة والشعر من مثل كتاب «جمل الأصول» وكتاب «الموجز»، وهو صغير، وكتاب «الاشتقاق» وكتاب «شرح كتاب سيبويه» وكتاب «احتجاج القراء» وكتاب «الشعر والشعراء» وكتاب «الرياح والهواء والنار» وغير هذه ممَّا ذكر في مظانِّ ترجمته.
لم يقتصر على التعمُّق في العربية نحوها وصرفها، وإنما اطلع على العلوم الوافدة على الثقافة العربية في ذلك الوقت، ولاسيما علما المنطق والموسيقى، فقد اشتهر بهذين العلمين وشغل بهما عن النحو فترة من الزمن، إلا أنه عاد إلى النظر فيه، وتشير كتب التراجم إلى أنه هجر النحو وانكبَّ على علمي المنطق والموسيقى وأخذهما عن المعلم الثاني أبي نصر الفارابي (ت339هـ)، وأخذ الفارابي عنه النحو.
وهو من أوائل النحويين الذين ظهرت عندهم أمارات تأثر النحو بالمنطق، ويكاد يكون أول نحوي برز أثر المنطق في مصنفاته واضحاً على نحو ما يُرى في كتابه «الأصول في النحو إِلاَّ أَنَّ أثر المنطق لم يتَعَدَّ شكل الكتاب وتقسيماته، ولم يدخل إلى لبِّ المادة النحوية فيه.
وعرف عنه أنه كان شاعراً ينشئ شعراً لنفسه، ومن ذلك ما أنشده لمَّا رأى مغنِّياً يحبُّه أُصيب بمرض الجدريّ:
لي قمرٌ جُدِّر لمَّا استوى
فزاده حُسْناً فزادت همومي
أَظنُّه غَنَّى لشمس الضُّحى
فنقَّطَتْه طرباً بالنجوم
عَدَّ ابن السراج نفسه مع النحاة البصريين، وقال بآرائهم، وسارت على لسانه مصطلحاتهم النحوية، واعتمد على أصولهم النحوية، ووقف إلى جانبهم في المسائل الخلافية بينهم وبين الكوفيين.
وكان ذا خلق رفيع منصفاً يعرف لأهل الفضل فضلهم وقدرهم فقد فضَّل بعض تلاميذه كتابه «الأصول في النحو« على كتاب «المقتضب» الذي صنفه شيخه أبو العباس المبرد بحضرته، فما كان منه إلا أن أنكر على تلميذه فعله ونهاه عنه، واعترف بأنه استفاد من كتاب «المقتضب» وتمثَّل بالبيت التالي ليدلَّ على فضل شيخه وسبقه:
ولكنْ بكتْ قبلي فهاج لي البكا
بكاها فقلت الفضلُ للمتقدِّم
إبراهيم عبد الله
مراجع للاستزادة: |
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (دار المأمون، القاهرة 1936م).