نظريات معلقة في الفيزياء والكونيات .. الفيزياء
نظريات معلقة في الفيزياء والكونيات
يعطي هذا الكتاب فكرة لا بأس بها عن ماهية الفيزياء ، ويلقي بعض الضوء على قسم من نظرياتها الحديثة : لكن الفيزياء ، كأي علم من العلوم المعروفة ، ليست جامدة ، وانما على توسع مستمر . فكل ملاحظة جديدة فيها بحاجة الى تفسير جديد بشكل دوري ، ربما تطلب اسقاط نظريات لم يكن يشوبها في الماضي أي شيء على الإطلاق . ومن واجبات الفيزيائي ، الاحتفاظ بعقل متفتح ، يؤهله لرفض كافة النظريات القديمة اذا لم تعد تصلح لتفسير الامور الجديدة بشكل مرض وجيد .
ومن المهمات التي تقع على عاتق الفيزيائي ، بالاضافة الى تقبله لتغيير النظريات الموجودة ، مهمة البحث عن نظريات جديدة تفيد في حل المسائل المعلقة . وربما كانت مسألة العلاقة بين طبيعة القوى الاربع الموجودة في الكون من اكبر المسائل المحيرة التي ما زالت تجابه الانسان حتى يومنا هذا .
فأفعال الجذب المتبادلة يعبر عنها بنفس الصيغة التي يعبر فيها عن الافعال المتبادلة الكهرمغنطيسية . وقوة كولومب الالكتروستاتية
الموجودة بين الجسيمات المشحونة تتناسب مع ك١ ك٢ / ف٢ . أما القوة المغنطيسية الموجودة بين قطبين مغنطيسيين قوتاهما المغنطيسية غ١ و غ٢ , فانها تناسب مع غ١ غ٢ / ف٢ وتتناسب قوة الجذب بين كتلتين مع ك١ ك٢ / ف٢ . وبالرغم من اختلاف قوة الجذب عن مثيلاتها بسبب أنها دائما قوة جاذبة ، فان شكل هذه المعادلات يتطلب ايجاد وسيلة للتعبير عن جميع هذه القوى بمجموعة واحدة من المعادلات ومع ذلك ، لم يتوصل أحد حتى الان لايجاد نظرية المجال الموحدة . حتى أن اينشتين نفسه لم يتوصل الى ايجادها طيلة اعوام من الكد والتمحيص .
ويعود سبب ذلك الى أن النظرية الموحدة تقتضي التخلي عن مفهوم المجال ، وتدعو بالتالي الى تفسير كافة القوى الموجودة بأنها قوى تبادل بين جسيمات الاجسام الخاضعة لتأثيرها . وقد أشرنا سابقا الى وجود القوى المتبادلة بين نويات الميزونات السريعة . كذلك فان القوى الالكتروستاتية بين الاجسام المشحونة تفسر على انها تبادل للفوتونات فيما بينها . ومع ذلك ، سميت هذه الفوتونات وهمية نظرا لعدم بقائها الا لفترة وجيزة ليست كافية للكشف عنها . وعلى نحو مماثل ، يمكن تفسير قوى الجذب بين الاجسام الثقيلة على انها تبادل لجسيم مفترض اسمه الغرافيتون . ومن المعروف ان القوى النووية اكبر من القوى الكهرمغنطيسية بحوالي مئة مرة ، وانها تكبر القوى الضعيفة بحوالي ۱۲۱٠ مرة ، وانها تكبر قوى الجذب بحوالي ٣٦١٠ مرة .
وربما أتى اليوم الذي يصبح بمقدورنا فيه ضم مجموعة واحدة من المعادلات .
مثل هذه النظرية سوف تكون قادرة على الملاءمة بين مظهرين من مظاهر القوة هما الظاهرة التموجية والظاهرة الجسيمية .
تتميز النظرة السائدة اليوم الى البروتونات والنوترونات والالكترونات بأنها تشبه النظرة التي كان يرى الكيميائيون الذرة من خلالها في أواخر القرن الفائت ذلك ان قسما من هذه الجسيمات يملك بنيته الخاصة به واحدى النظريات الشائعة التي يعوزها البرهان المادي هي النظرية القائلة بأن جميع الباريونات والميزونات مركبة من مجموعة من الجسيمات الاساسية تسمى الكوارك .
وربما كان النجاح الباهر الذي لاقته الفيزياء الحديثة عائدا الى فهم العلاقة الموجودة بين الكتلة والطاقة . ومن المعروف حاليا ان الكتلة والطاقة مظهران مختلفان لشيء واحد : فالكتلة تتحول الى طاقة والعكس بالعكس . وأبرز مثال على خلق المادة انتاج الازواج الذي يفسر بوجود فوتونات والكترونات وهمية تساعد على انتقال الطاقة وكمية الحركة في تفاعل بروتون - فوتون ، وقيامها بتوليد زوج الکترون - بوزيترون حقيقي .
ولم تبلغ نظرية الجسيمات الدقيقة ، بحالتيها الحقيقية والوهمية حالة الوضوح الكامل حتى الان ، فهي بحاجة الى مفهوم مركزي موحد يجمع بين كافة الخيوط التي لا بد من معالجتها اليوم بشكل مستقل .
وهناك مظهر اخر لجهلنا هذا يتعلق بأصل كل من المادة والطاقة في الكون . وهناك نظريتان في هذا الصدد .
فالكون ، وفقا للنظرية الاولى المسماة نظرية حالة الاستقرار ، موجود منذ الازل . ورغم أن الاعتقاد بوجود بداية ونهاية لكل شيء أمر طبيعي جدا ، فليس من الضروري الاقرار دائما بذلك . وربما وجد الكون منذ الازل وهـو مستمر في وجوده الى الابد .
أما النظرية الثانية ، فانها تفترض أن بداية الكون حصلت عندما كانت الكتلة والطاقة المكونة منها مركزتين داخل كومة لا متناهية الكثافة .
ثم ، وفي لحظة معينة ( لاسباب مجهولة ، وبطريقة غير معروفة ) انفجرت هذه الكومة وقذفت في الفضاء بكتل من المادة شبيهة بشظايا قنبلة متفجرة . وقد سميت هذه النظرية نظرية الكثافة اللامتناهية او الانفجار الكبير .
فما هو الدليل الذي يثبت ويدعم احدى هاتين النظريتين ؟
تزودنا ظاهرة الانزياح نحو الاحمر الموجود في بعض المجرات ببعض من هذه البراهين . فالانزياح يكبر كلما ابتعدت المجرة عنا ، وتفسيره بواسطة اثر دوبلر يتيح لنا ان نستنتج ان المجرات تبتعد
( انتاج الازواج - بتفاعل فوتون سريع مع بروتون . ويتألف من جراء ذلك الكترون وبوزيترون )
عن بعضها البعض وأن سرعة الانحسار تزداد كلما ابتعدت المجرة عن الارض . ومن الممكن اعتماد هذا البرهان من اجل دعم نظرية الانفجار الكبير - وفي هذه الحالة ، يصبح بالامكان تقدير الزمن الذي مضى على حدوث هذا الانفجار ، وتعرف هذه الفترة بثابتة هابل وتتراوح بين ۱۰ مليارات و ٤٠ مليارا من السنين .
أما مؤيدو نظرية حالة الاستقرار ، فانهم يفسرون تمدد الكون مفترضين أن المادة ، على شكل هدروجين ، ما زالت تتكون ، وأن الكون يتسع من أجل المحافظة على كثافة منتظمة فيه . ويقدر معدل انتاج الهدروجين اللازم للمحافظة على تلك الكثافة بذرة واحدة لكل م٣ كل ٣٠٠٠٠٠ سنة . ومن الصعب الانتباه إلى مثل هذه الكمية الضئيلة ، وينبغي بالتالي البحث عن دليل آخر لهذه النظرية .
تشكل كثافة المادة الحالية في الكون احدى المعلومات الرئيسية الحيوية فيه ، وتعتبر برهانا على نظرية حالة الاستقرار فيما لو كانت منتظمة الى حد ما داخل الكون . اما اذا كان الكون كثيفا في اجزائه النائية ، فهذا يجعل الانفجار الكبير أمرا أكثر احتمالا من غيره . الى جانب ذلك ، يحتاج الضوء الى وقت هائل للانتقال داخل الكون بسبب ضخامة هذا الاخير . والوحدة المستعملة لقياس المسافات الفضائية هي السنة الضوئية : أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ( حوالي ١٦١٠ م ) . ويعطينا الضوء القادم الينا من النجوم التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية فكرة واضحة عن حالة
( اتحاد الكوارك المفترض لتأليف النوترونات والبروتونات )
الكون - کثافته مثلا - من مليون سنة . ويعطينا الضوء القادم الينا من نجوم اكثر بعدا معلومات عن احداث قريبة زمنيا من الانفجار الكبير نفسه .
ويبدو أن البرهان يدل على أن الكون كان أكثر كثافة مما هو عليه الان . لكن ذلك لا يشكل برهانا على نظرية الانفجار الكبير - وهو غير مقنع بشكل كاف - فضلا عن ذلك ، فقد ظهر مؤخرا اقتراح باعتبار الكون متأرجحا بين حالتي التمدد والتقلص والطور الحالي الذي نحن فيه هو طور التمدد ، وربما استطاع العلم ايجاد جواب عن تلك الاسئلة المشوقة في المستقبل القريب .
نظريات معلقة في الفيزياء والكونيات
يعطي هذا الكتاب فكرة لا بأس بها عن ماهية الفيزياء ، ويلقي بعض الضوء على قسم من نظرياتها الحديثة : لكن الفيزياء ، كأي علم من العلوم المعروفة ، ليست جامدة ، وانما على توسع مستمر . فكل ملاحظة جديدة فيها بحاجة الى تفسير جديد بشكل دوري ، ربما تطلب اسقاط نظريات لم يكن يشوبها في الماضي أي شيء على الإطلاق . ومن واجبات الفيزيائي ، الاحتفاظ بعقل متفتح ، يؤهله لرفض كافة النظريات القديمة اذا لم تعد تصلح لتفسير الامور الجديدة بشكل مرض وجيد .
ومن المهمات التي تقع على عاتق الفيزيائي ، بالاضافة الى تقبله لتغيير النظريات الموجودة ، مهمة البحث عن نظريات جديدة تفيد في حل المسائل المعلقة . وربما كانت مسألة العلاقة بين طبيعة القوى الاربع الموجودة في الكون من اكبر المسائل المحيرة التي ما زالت تجابه الانسان حتى يومنا هذا .
فأفعال الجذب المتبادلة يعبر عنها بنفس الصيغة التي يعبر فيها عن الافعال المتبادلة الكهرمغنطيسية . وقوة كولومب الالكتروستاتية
الموجودة بين الجسيمات المشحونة تتناسب مع ك١ ك٢ / ف٢ . أما القوة المغنطيسية الموجودة بين قطبين مغنطيسيين قوتاهما المغنطيسية غ١ و غ٢ , فانها تناسب مع غ١ غ٢ / ف٢ وتتناسب قوة الجذب بين كتلتين مع ك١ ك٢ / ف٢ . وبالرغم من اختلاف قوة الجذب عن مثيلاتها بسبب أنها دائما قوة جاذبة ، فان شكل هذه المعادلات يتطلب ايجاد وسيلة للتعبير عن جميع هذه القوى بمجموعة واحدة من المعادلات ومع ذلك ، لم يتوصل أحد حتى الان لايجاد نظرية المجال الموحدة . حتى أن اينشتين نفسه لم يتوصل الى ايجادها طيلة اعوام من الكد والتمحيص .
ويعود سبب ذلك الى أن النظرية الموحدة تقتضي التخلي عن مفهوم المجال ، وتدعو بالتالي الى تفسير كافة القوى الموجودة بأنها قوى تبادل بين جسيمات الاجسام الخاضعة لتأثيرها . وقد أشرنا سابقا الى وجود القوى المتبادلة بين نويات الميزونات السريعة . كذلك فان القوى الالكتروستاتية بين الاجسام المشحونة تفسر على انها تبادل للفوتونات فيما بينها . ومع ذلك ، سميت هذه الفوتونات وهمية نظرا لعدم بقائها الا لفترة وجيزة ليست كافية للكشف عنها . وعلى نحو مماثل ، يمكن تفسير قوى الجذب بين الاجسام الثقيلة على انها تبادل لجسيم مفترض اسمه الغرافيتون . ومن المعروف ان القوى النووية اكبر من القوى الكهرمغنطيسية بحوالي مئة مرة ، وانها تكبر القوى الضعيفة بحوالي ۱۲۱٠ مرة ، وانها تكبر قوى الجذب بحوالي ٣٦١٠ مرة .
وربما أتى اليوم الذي يصبح بمقدورنا فيه ضم مجموعة واحدة من المعادلات .
مثل هذه النظرية سوف تكون قادرة على الملاءمة بين مظهرين من مظاهر القوة هما الظاهرة التموجية والظاهرة الجسيمية .
تتميز النظرة السائدة اليوم الى البروتونات والنوترونات والالكترونات بأنها تشبه النظرة التي كان يرى الكيميائيون الذرة من خلالها في أواخر القرن الفائت ذلك ان قسما من هذه الجسيمات يملك بنيته الخاصة به واحدى النظريات الشائعة التي يعوزها البرهان المادي هي النظرية القائلة بأن جميع الباريونات والميزونات مركبة من مجموعة من الجسيمات الاساسية تسمى الكوارك .
وربما كان النجاح الباهر الذي لاقته الفيزياء الحديثة عائدا الى فهم العلاقة الموجودة بين الكتلة والطاقة . ومن المعروف حاليا ان الكتلة والطاقة مظهران مختلفان لشيء واحد : فالكتلة تتحول الى طاقة والعكس بالعكس . وأبرز مثال على خلق المادة انتاج الازواج الذي يفسر بوجود فوتونات والكترونات وهمية تساعد على انتقال الطاقة وكمية الحركة في تفاعل بروتون - فوتون ، وقيامها بتوليد زوج الکترون - بوزيترون حقيقي .
ولم تبلغ نظرية الجسيمات الدقيقة ، بحالتيها الحقيقية والوهمية حالة الوضوح الكامل حتى الان ، فهي بحاجة الى مفهوم مركزي موحد يجمع بين كافة الخيوط التي لا بد من معالجتها اليوم بشكل مستقل .
وهناك مظهر اخر لجهلنا هذا يتعلق بأصل كل من المادة والطاقة في الكون . وهناك نظريتان في هذا الصدد .
فالكون ، وفقا للنظرية الاولى المسماة نظرية حالة الاستقرار ، موجود منذ الازل . ورغم أن الاعتقاد بوجود بداية ونهاية لكل شيء أمر طبيعي جدا ، فليس من الضروري الاقرار دائما بذلك . وربما وجد الكون منذ الازل وهـو مستمر في وجوده الى الابد .
أما النظرية الثانية ، فانها تفترض أن بداية الكون حصلت عندما كانت الكتلة والطاقة المكونة منها مركزتين داخل كومة لا متناهية الكثافة .
ثم ، وفي لحظة معينة ( لاسباب مجهولة ، وبطريقة غير معروفة ) انفجرت هذه الكومة وقذفت في الفضاء بكتل من المادة شبيهة بشظايا قنبلة متفجرة . وقد سميت هذه النظرية نظرية الكثافة اللامتناهية او الانفجار الكبير .
فما هو الدليل الذي يثبت ويدعم احدى هاتين النظريتين ؟
تزودنا ظاهرة الانزياح نحو الاحمر الموجود في بعض المجرات ببعض من هذه البراهين . فالانزياح يكبر كلما ابتعدت المجرة عنا ، وتفسيره بواسطة اثر دوبلر يتيح لنا ان نستنتج ان المجرات تبتعد
( انتاج الازواج - بتفاعل فوتون سريع مع بروتون . ويتألف من جراء ذلك الكترون وبوزيترون )
عن بعضها البعض وأن سرعة الانحسار تزداد كلما ابتعدت المجرة عن الارض . ومن الممكن اعتماد هذا البرهان من اجل دعم نظرية الانفجار الكبير - وفي هذه الحالة ، يصبح بالامكان تقدير الزمن الذي مضى على حدوث هذا الانفجار ، وتعرف هذه الفترة بثابتة هابل وتتراوح بين ۱۰ مليارات و ٤٠ مليارا من السنين .
أما مؤيدو نظرية حالة الاستقرار ، فانهم يفسرون تمدد الكون مفترضين أن المادة ، على شكل هدروجين ، ما زالت تتكون ، وأن الكون يتسع من أجل المحافظة على كثافة منتظمة فيه . ويقدر معدل انتاج الهدروجين اللازم للمحافظة على تلك الكثافة بذرة واحدة لكل م٣ كل ٣٠٠٠٠٠ سنة . ومن الصعب الانتباه إلى مثل هذه الكمية الضئيلة ، وينبغي بالتالي البحث عن دليل آخر لهذه النظرية .
تشكل كثافة المادة الحالية في الكون احدى المعلومات الرئيسية الحيوية فيه ، وتعتبر برهانا على نظرية حالة الاستقرار فيما لو كانت منتظمة الى حد ما داخل الكون . اما اذا كان الكون كثيفا في اجزائه النائية ، فهذا يجعل الانفجار الكبير أمرا أكثر احتمالا من غيره . الى جانب ذلك ، يحتاج الضوء الى وقت هائل للانتقال داخل الكون بسبب ضخامة هذا الاخير . والوحدة المستعملة لقياس المسافات الفضائية هي السنة الضوئية : أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ( حوالي ١٦١٠ م ) . ويعطينا الضوء القادم الينا من النجوم التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية فكرة واضحة عن حالة
( اتحاد الكوارك المفترض لتأليف النوترونات والبروتونات )
الكون - کثافته مثلا - من مليون سنة . ويعطينا الضوء القادم الينا من نجوم اكثر بعدا معلومات عن احداث قريبة زمنيا من الانفجار الكبير نفسه .
ويبدو أن البرهان يدل على أن الكون كان أكثر كثافة مما هو عليه الان . لكن ذلك لا يشكل برهانا على نظرية الانفجار الكبير - وهو غير مقنع بشكل كاف - فضلا عن ذلك ، فقد ظهر مؤخرا اقتراح باعتبار الكون متأرجحا بين حالتي التمدد والتقلص والطور الحالي الذي نحن فيه هو طور التمدد ، وربما استطاع العلم ايجاد جواب عن تلك الاسئلة المشوقة في المستقبل القريب .
تعليق