رسائل ألبير كامو ضد الإعدام تناصر الكاتب بوعلام صنصال
ألبير كامو وقف ضد عقوبة الإعدام بحق الجزائريين مذكرا بوظيفة الكاتب الأولى وانتصاره للإنسانية وحرية الرأي والتعبير.
الجمعة 2024/11/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كاتب ناهض إعدام فرنسا للجزائريين
باريس - في مصادفة لافتة، وفيما يُلاحَق الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر بتهمة “المساس بأمن الدولة”، نُشرت الخميس رسائل ينادي فيها الكاتب الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر بالعفو عن جزائريين محكومين بالإعدام في فرنسا قبل حوالي سبعة عقود. وقد عُثر على هذه الرسائل في مجموعة نصوص سياسية للفيلسوف بعنوان “أكتويل 4” (Actuelles IV)، نشرتها دار “غاليمار” وشاركت في إعدادها ابنته كاترين كامو.
قبل وفاته العرضية في حادث سير مأساوي في الرابع من يناير 1960، كان كامو قد شرع في إعداد هذا العمل الذي لم يكن بالضرورة متمحورا حول الجزائر، بعد أن تطرق إلى هذا الموضوع ضمن “أكتويل 3” (Actuelles III)، وهي مجموعة “قصص جزائرية” نُشرت عام 1958.
في كتاب “أكتويل 4” الذي يُطرح بعد وفاة الكاتب، والواقع في حوالي 500 صفحة، تمكن قراءة فقرات بعنوان “ضد عقوبة الإعدام (تونس، الجزائر، إيران)” و”إضافات حول عقوبة الإعدام” تتعلق بمسقط رأس كامو حيث وُلد خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وتظهر هذه الكتابات تعلقا كبيرا لدى الكاتب الفرنسي الحائز على جائزة نوبل عام 1957، بالجزائر التي كانت تمزقها حرب الاستقلال منذ نهاية عام 1954.
ويقول المؤرخ فنسان دوكلير الذي شارك في إعداد هذا العمل "في نهاية حياته، لم يتخل كامو عن القيام بأعمال مرتبطة بالجزائر، ولم يثنه عن ذلك منعه من الكلام عنها، في هذا المعسكر أو ذاك." لطالما أظهر بوعلام صنصال البالغ 75 عاما، والمعروف بمواقفه النقدية للسلطة الجزائرية، إعجابا بألبير كامو.
وقال صنصال في تصريحات لصحيفة “لومانيتيه” الفرنسية سنة 2010 “أعشق هذا الكاتب، وأعتبره ممثلا عن الأدب الجزائري. ومن صدف الحياة أنني عندما كنت طفلا كنت أعيش في حيّه (…) حيث كنت أصادف والدته. كان كاتبي الأول، أول كاتب قرأت أعماله.”
◙ كاتب أثارت مواقفه بشأن عقوبة الإعدام جدلا
وأعلن محامي بوعلام صنصال الثلاثاء أن موكله الذي اعتُقل منتصف نوفمبر الجاري في مطار الجزائر العاصمة، يقبع حاليا “رهن الاحتجاز بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة.” وتنص هذه المادة على “عقوبة الإعدام” التي تصدرها المحاكم الجزائرية أحيانا لكنها لم تُطبق منذ عام 1993.
إلا أنّ مؤلف كتاب L’Etranger (الغريب) عاصر في زمنه إعدامات عدة. في يونيو 1956 كان الانفصاليان أحمد زبانة وعبدالقادر فراج باكورة من أُنزلت بحقهم عقوبة الإعدام بالمقصلة خلال حرب الجزائر. وتبعهما آخرون، بينهم الفرنسي فرنان إيفتون في فبراير 1957. ضمن “أكتويل 4” يناشد كامو في أكتوبر 1957 رئيس مجلس الوزراء آنذاك غي موليه اتخاذ “إجراءات سخيّة”، أي وقف أحكام الإعدام.
وفي ديسمبر من ذاك العام كتب كامو إلى رئيس محكمة الجنايات في باريس “أنا، بقناعتي المنطقية، أعارض عقوبة الإعدام بشكل عام.” وأضاف “أنا معارض لأطروحات وتصرفات جبهة التحرير الوطني،” وهي حركة كانت ناشطة من أجل استقلال الجزائر. لكنه رأى أن أحكام الإعدام “من شأنها أن تزيد من تقويض الأمل في التوصل إلى حل.”
في يناير 1959 قدّم التماسا إلى رئيس الجمهورية الفرنسية شارل ديغول بشأن “ثلاث حالات لأشخاص محكوم عليهم بالإعدام” كان لا يزال من الممكن العفو عنهم. واستند في هذه المناشدة إلى “الظروف التي، في رأيي، ربما تجعل العقوبة القصوى غير ملائمة سياسيا ووحشية بالتأكيد.”
وقد أثارت مواقف كامو بشأن عقوبة الإعدام جدلا. ففي سبتمبر 2023 قال الأكاديمي الفرنسي – الأميركي أوليفييه غلوغ، في مقال بعنوان “نسيان كامو”، إن الفيلسوف كان استنسابيا: ففي بعض الأحيان، قدّم نفسه على أنه مؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام، وفي أحيان أخرى ظل صامتا عندما طلب منه البعض التنديد ببعض أحكام الإعدام.
ويستمر التساؤل عمّا إذا تدخّل كامو لصالح الشيوعي فرنان إيفتون أم لا. بالنسبة إلى فنسان دوكلير، “كامو لم يتخلّ عن الدفاع عن الحرية في الجزائر، ما يعني احتمالا طوباويا للغاية بانتهاء الحرب والتصالح بين أفراد المجتمع الجزائري.”
ويعتبر الربط بين مواقف كامو الرافضة للإعدام والواقفة إلى جانب حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها، وما يحدث اليوم في الجزائر من اعتقال لصنصال بسبب مواقفه واتهامه بتهم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، بمثابة التذكير بالمواقف الإنسانية للأدباء.
وقد وقف إلى جانب صنصال الكثير من الأدباء العالميين من المتوجين بنوبل للآداب وغيرهم ممن طالبوا بإطلاق سراحه الفوري وبضرورة عدم الزج بالكتاب وبأي كان في السجون لأجل مواقف فكرية أو غيرها.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
ألبير كامو وقف ضد عقوبة الإعدام بحق الجزائريين مذكرا بوظيفة الكاتب الأولى وانتصاره للإنسانية وحرية الرأي والتعبير.
الجمعة 2024/11/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كاتب ناهض إعدام فرنسا للجزائريين
باريس - في مصادفة لافتة، وفيما يُلاحَق الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر بتهمة “المساس بأمن الدولة”، نُشرت الخميس رسائل ينادي فيها الكاتب الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر بالعفو عن جزائريين محكومين بالإعدام في فرنسا قبل حوالي سبعة عقود. وقد عُثر على هذه الرسائل في مجموعة نصوص سياسية للفيلسوف بعنوان “أكتويل 4” (Actuelles IV)، نشرتها دار “غاليمار” وشاركت في إعدادها ابنته كاترين كامو.
قبل وفاته العرضية في حادث سير مأساوي في الرابع من يناير 1960، كان كامو قد شرع في إعداد هذا العمل الذي لم يكن بالضرورة متمحورا حول الجزائر، بعد أن تطرق إلى هذا الموضوع ضمن “أكتويل 3” (Actuelles III)، وهي مجموعة “قصص جزائرية” نُشرت عام 1958.
في كتاب “أكتويل 4” الذي يُطرح بعد وفاة الكاتب، والواقع في حوالي 500 صفحة، تمكن قراءة فقرات بعنوان “ضد عقوبة الإعدام (تونس، الجزائر، إيران)” و”إضافات حول عقوبة الإعدام” تتعلق بمسقط رأس كامو حيث وُلد خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وتظهر هذه الكتابات تعلقا كبيرا لدى الكاتب الفرنسي الحائز على جائزة نوبل عام 1957، بالجزائر التي كانت تمزقها حرب الاستقلال منذ نهاية عام 1954.
ويقول المؤرخ فنسان دوكلير الذي شارك في إعداد هذا العمل "في نهاية حياته، لم يتخل كامو عن القيام بأعمال مرتبطة بالجزائر، ولم يثنه عن ذلك منعه من الكلام عنها، في هذا المعسكر أو ذاك." لطالما أظهر بوعلام صنصال البالغ 75 عاما، والمعروف بمواقفه النقدية للسلطة الجزائرية، إعجابا بألبير كامو.
وقال صنصال في تصريحات لصحيفة “لومانيتيه” الفرنسية سنة 2010 “أعشق هذا الكاتب، وأعتبره ممثلا عن الأدب الجزائري. ومن صدف الحياة أنني عندما كنت طفلا كنت أعيش في حيّه (…) حيث كنت أصادف والدته. كان كاتبي الأول، أول كاتب قرأت أعماله.”
◙ كاتب أثارت مواقفه بشأن عقوبة الإعدام جدلا
وأعلن محامي بوعلام صنصال الثلاثاء أن موكله الذي اعتُقل منتصف نوفمبر الجاري في مطار الجزائر العاصمة، يقبع حاليا “رهن الاحتجاز بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة.” وتنص هذه المادة على “عقوبة الإعدام” التي تصدرها المحاكم الجزائرية أحيانا لكنها لم تُطبق منذ عام 1993.
إلا أنّ مؤلف كتاب L’Etranger (الغريب) عاصر في زمنه إعدامات عدة. في يونيو 1956 كان الانفصاليان أحمد زبانة وعبدالقادر فراج باكورة من أُنزلت بحقهم عقوبة الإعدام بالمقصلة خلال حرب الجزائر. وتبعهما آخرون، بينهم الفرنسي فرنان إيفتون في فبراير 1957. ضمن “أكتويل 4” يناشد كامو في أكتوبر 1957 رئيس مجلس الوزراء آنذاك غي موليه اتخاذ “إجراءات سخيّة”، أي وقف أحكام الإعدام.
وفي ديسمبر من ذاك العام كتب كامو إلى رئيس محكمة الجنايات في باريس “أنا، بقناعتي المنطقية، أعارض عقوبة الإعدام بشكل عام.” وأضاف “أنا معارض لأطروحات وتصرفات جبهة التحرير الوطني،” وهي حركة كانت ناشطة من أجل استقلال الجزائر. لكنه رأى أن أحكام الإعدام “من شأنها أن تزيد من تقويض الأمل في التوصل إلى حل.”
في يناير 1959 قدّم التماسا إلى رئيس الجمهورية الفرنسية شارل ديغول بشأن “ثلاث حالات لأشخاص محكوم عليهم بالإعدام” كان لا يزال من الممكن العفو عنهم. واستند في هذه المناشدة إلى “الظروف التي، في رأيي، ربما تجعل العقوبة القصوى غير ملائمة سياسيا ووحشية بالتأكيد.”
وقد أثارت مواقف كامو بشأن عقوبة الإعدام جدلا. ففي سبتمبر 2023 قال الأكاديمي الفرنسي – الأميركي أوليفييه غلوغ، في مقال بعنوان “نسيان كامو”، إن الفيلسوف كان استنسابيا: ففي بعض الأحيان، قدّم نفسه على أنه مؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام، وفي أحيان أخرى ظل صامتا عندما طلب منه البعض التنديد ببعض أحكام الإعدام.
ويستمر التساؤل عمّا إذا تدخّل كامو لصالح الشيوعي فرنان إيفتون أم لا. بالنسبة إلى فنسان دوكلير، “كامو لم يتخلّ عن الدفاع عن الحرية في الجزائر، ما يعني احتمالا طوباويا للغاية بانتهاء الحرب والتصالح بين أفراد المجتمع الجزائري.”
ويعتبر الربط بين مواقف كامو الرافضة للإعدام والواقفة إلى جانب حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها، وما يحدث اليوم في الجزائر من اعتقال لصنصال بسبب مواقفه واتهامه بتهم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، بمثابة التذكير بالمواقف الإنسانية للأدباء.
وقد وقف إلى جانب صنصال الكثير من الأدباء العالميين من المتوجين بنوبل للآداب وغيرهم ممن طالبوا بإطلاق سراحه الفوري وبضرورة عدم الزج بالكتاب وبأي كان في السجون لأجل مواقف فكرية أو غيرها.
ShareWhatsAppTwitterFacebook