بطل مسلسل "فريندز" يروي تفاصيل معاناته في مصحات العلاج
مواقف في الطفولة قادت ماثيو بيري إلى الإدمان والاكتئاب وفقدان الحب.
الجمعة 2024/11/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علاقة جيدة جمعت بيري بنجوم مسلسل "فريندز"
لماذا تغيب الصراحة الشديدة عن مذكرات المشاهير العرب؟ سؤال قد يدور في ذهن القارئ لكتب السيرة الذاتية لاسيما سيرة الممثل الأميركي الراحل ماثيو بيري الذي كشف جوانب مؤلمة وحرجة من حياته في مذكراته الصادرة بعد مرور عام على وفاته، مذكرات كشفت شخصية الفنان وتكوينها وأبرز عقدها وهواجسها النفسية.
"قاصر بلا مرافق"، عبارة قصيرة دُونت على شارة صغيرة تلتف حول رقبة طفل في الخامسة من عمره، أرسلته أمه وحده على متن طائرة متجهة من مونتريال في كندا إلى لوس أنجلس في الولايات المتحدة لزيارة والده، لتتحول معها مشاعر الرعب والوحدة وفقدان الأمان خلال الرحلة إلى طوق يحاصر عقل وقلب الطفل القاصر الذي يصير رجلا، نجما، لتخنقه طوال رحلة حياته، وتقوده إلى منعطفات خطيرة من الاكتئاب والإدمان وفقدان الأمل في أن يحبه أحد.
هكذا يروي النجم الكوميدي الأميركي الراحل ماثيو بيري، بطل مسلسل “فريندز” (أصدقاء) الشهير، تفاصيل معاناته الطويلة في مصحات العلاج النفسي والإدمان قبل تعافيه، في مذكراته التي صدرت الترجمة العربية لها بعنوان “أصدقاء وعشاق والشيء الرهيب”، عن دار لغة للنشر والتوزيع في مصر.
وأقيمت بمكتبة “ديوان – سينما راديو” وسط القاهرة ندوة بمناسبة مرور عام على رحيل الممثل الأميركي لمناقشة مذكراته، أدارتها غادة لبيب مديرة منتدى “بوك غاردن”، بحضور مريم عاشور مترجمة المذكرات، وإيزيس عاشور الناشرة، وجمع من الكُتاب والقراء.
عندما تكون قاصرا بلا مرافق على طائرة، وفق ما كانت تسمح به القوانين، فإنك تنعم بكل المزايا، مثل الصعود على متن الطائرة أولا والجلوس في أماكن مخصصة للأطفال فقط وتناول جميع أنواع المشهيات، يقول الممثل الأميركي الذي اشتهر بشخصية تشاندلر في مسلسل “فريندز” في مذكراته، لكنه في الوقت نفسه يكاد يصرخ من بين السطور: “أيقنت بعدها أنني كنت صغيرا جدا لأكون وحدي، وأن هذا الأمر مرعب تماما، وهراء.”
هل جننتم جميعا؟
غادة لبيب: بيري خلع عباءة النجم المشهور وتحدث بشفافية شديدة
“أريد من أحدكم أن يصطحبني. لقد كنت في الخامسة من عمري فقط. هل جننتم جميعا؟” تلخص هذه العبارات موقفه الرئيسي؛ وتعتبر المترجمة مريم عاشور أن هذا الموقف كان بمنزلة نقطة التحول التي غيرت حياته حتى يوم وفاته، فضلا عن تأثير الانفصال المبكر بين والدته الكندية ووالده الأميركي، وانشغال الأم بتحمل مسؤوليات الإنفاق والعمل كمساعدة لرئيس الوزراء الكندي، والأب المشغول بالبحث عن الشهرة كممثل في هوليوود والإعلانات إذ كان هو “رجل أولد سبايس” بطل الإعلان عن العطر الشهير ذلك الوقت.
يكشف بيري أن أحد العناوين المقترحة للمذكرات كان “قاصر بلا مرافق”، ما يبين حجم تأثير هذه الواقعة في حياته وكيف كانت أحد الأسباب التي قادته فيما بعد إلى المرض، إذ يقول “من فضلكم، هل يمكنني إرجاع مئات الآلاف من الدولارات التي أنفقتها على علاجي نفسيا من هذا الأمر تحديدا؟”
تمر سنوات قليلة على هذه الواقعة، ويكبر ماثيو بيري، وتصبح له أخت من أمه التي تزوجت، اسمها كايتلين، أحبها، وتصير لديه عائلة تكبر من حوله، لكنه لا يشعر بأنه جزء منها. وفي هذه المرحلة أصبح قادرا على أن يقول “اللعنة.. كل شخص مسؤول عن نفسه،” فصار يدخن ويحصل على درجات سيئة في المدرسة، تغير، وقرر أن يعيش بعقله وليس بقلبه، مبررا لنفسه: “أن أعيش بعقلي أفضل، على الأقل لن ينكسر مثل قلبي، لا مزيد من الانكسار.”
من المفارقات أن طريق ماثيو إلى إدمان الخمر ثم المخدرات وتناول أعداد كبيرة من الأقراص المخدرة كل يوم كانت بدايته أيضا منذ الطفولة، وبالتحديد منذ عمر ثلاثين يوما. ليس في الأمر مزحة، فقد جرى ذلك رغما عنه، إذ كان طفلا بكاءً دوما، ولم يجد والداه سوى عقار “فينوباربيتال” كي يمنحاه إياه، وفق ما كان مسموحا به آنذاك في الستينات. وبالرغم من أنه عقار مخدر منوم يعطى لطفل رضيع كي يستطيع النوم، ظل بيري حتى بلوغ سن الخمسين لا يستطيع النوم بسلام.
رحلة طويلة قطعها الممثل الأميركي داخل مصحات علاج الإدمان في الولايات المتحدة وأوروبا، رحلة طويلة مع الآلام، وقف خلالها كثيرا على أعتاب الموت. يصفها في مذكراته قائلا “الديتوكس هو الجحيم. الديتوكس هو الاستلقاء على سرير ومشاهدة الثواني تمر الواحدة تلو الأخرى، وأنت تعلم أنك لست بخير. عندما أتخلص من سمومي بالديتوكس أشعر وكأنني أموت. أشعر أن ذلك العذاب لن ينتهي. وكأن أحشائي تحاول الزحف والخروج من جسدي.”
الأمور ليست دائما كما تبدو في الظاهر، فهذا النجم الكبير الذي تزين صورته غلاف مجلة “بيبول” (الناس) ويحقق المسلسل الذي يلعب بطولته، “فريندز”، نجاحا ساحقا وشهرة عالمية، يقبع وحيدا في مصحة ولا يستطيع أن يسعد بالنجاح، ويتعرض لإجراء سلسلة من العمليات الجراحية الصعبة في الجهاز الهضمي والأمعاء بعد أن امتلأ جسده بالسموم، بينما يرفض أحد الأطباء علاجه لأن حالته ميؤوس منها، وحتى لا يكون المستشفى الذي يعمل به مكان وفاة النجم الشهير الذي يحبه الناس، فالشهرة نقمة في بعض الأحيان.
“الشيء الرهيب” كما في عنوان المذكرات هو الإدمان بالطبع، لكن كان هناك أيضا “أصدقاء وعشاق” في حياة ماثيو بيري، إذ جمعته علاقات صداقة طيبة مع أبطال مسلسله الشهير، وعندما قرر المنتجون زيادة أجره في المسلسل لأنه حاز في استطلاعات الرأي النسبة الأعلى في القدرة على الإضحاك اجتمع بزملائه الخمسة وأعلن لهم رفضه أن يزيد أجره بمفرده، فإما أن تزيد أجورهم جميعا أو لا، وبالفعل تقرر رفع أجور كل الأبطال، فصار كل منهم يحصل على مبلغ مليون دولار في الحلقة الواحدة من حلقات مسلسل “فريندز”.
غير جدير بالحب
"شخص غير جدير بأن يحبه أحد"، هكذا كان يرى نفسه؛ لذا حرص على أن يبادر بإنهاء علاقاته مع من يحبهم
يمكن الآن للقارئ أن يشهق ذاهلا: مليون دولار كاملة في حلقة واحدة من مسلسل، تلك هي السعادة الغامرة. لا ينكر ماثيو بيري نفسه أهمية المبلغ وقيمته، لكن الواقع يؤكد أن الممثل الأميركي لم يشهد السعادة في حياته إلا لفترة قصيرة، ربما لا تزيد عن عامين فقط قبل الرحيل، عندما نجح أخيرا في التعافي والتوقف عن تناول كل أنواع المخدرات، لكنه قبل ذلك لم يشعر بالسعادة في حياته إلا نادرا، لأنه افتقد الحب.
ظلت أحداث الطفولة تلاحقه، فقد كان يحلم دوما وهو صغير بأن تنظر إليه والدته عندما يكونان معا في تجمع أو حشد، كان يتمنى نظرة أو حضنا، أن يهتم لأمره أحد، لكنه افتقد المحبة والاهتمام فشب موقنا بأنه غير جدير بالحب، ما أثر على علاقته بكل امرأة عرفها.
عندما التقى النجمة الأميركية جنيفر أنستون زميلته في بطولة المسلسل، ظل يحملق فيها معجبا، وتكرر ذلك في كل مرة يراها فيها خلال العمل حتى قرر ألا ينظر إليها أكثر من ثلاث ثوان، لكنه لم يصارحها بشيء لاسيما أنه لم يلحظ عليها أي اهتمام خاص به. ظل يحبها في داخله بمفرده، حتى ظهر في حياتها النجم براد بيت فشعر عندئذ بأن المنافسة مع براد ستكون صعبة، فتوقف عن الحب.
اللافت أن جنيفر نعت بيري بعد وفاته بكلمات مؤثرة، إذ كانت تعتز للغاية بعلاقة الصداقة التي جمعتهما.
والأمر الأغرب حدث مع النجمة الأميركية جوليا روبرتس التي ظهرت في إحدى حلقات مسلسل “فريندز” وطلبت أن يكون المشهد الذي تؤديه مع ماثيو بيري بالتحديد، لتنشأ بينهما بعد ذلك علاقة بالفعل، سرعان ما ظهرت إلى العلن وتناقلت الصحافة صورهما معا، أحبها وأحبته، لكن عقدة الصغر لاحقته.
“شخص غير جدير بأن يحبه أحد،” هكذا كان يرى نفسه، لذا فقد حرص دوما على أن يبادر بإنهاء علاقاته بمن يحبهم قبل أن ينهوها هم. وقد فعل، وأنهى علاقته بجوليا روبرتس بالرغم من أنه يحبها، ما أصابها بالصدمة.
ويروي في مذكراته أنه بعد أن تركها قاد سيارته بأقصى سرعة في طريق جبلي مرتفع، ووقف في مكان منعزل، وظل يبكي ويصرخ وحده لمدة أربعين دقيقة.
خلع عباءة النجم
بكت مريم عاشور مترجمة مذكرات ماثيو بيري عندما علمت بنبأ وفاته، كما تقول، لأنها عاشت وسط كلماته بشغف حتى شعرت كأنما اقتربت منه، وحرصت على أن تنقل إلى القارئ العربي ما قاله عن نفسه بدقة مهما يكن بعض الوقائع غريبا أو بعيدا عن تقاليدنا، اتساقا مع الأمانة والمسؤولية، لاسيما في ظل كون الترجمة الصادرة عن دار لغة للنشر هي الترجمة الحصرية لمذكراته في الشرق الأوسط.
وكان آخر ما كتبه فيها بعد التعافي أنه يتمنى فعل أشياء كثيرة في الحياة، ومنها تكوين أسرة وإنجاب أطفال، لكن العمر لم يمهله فرحل، في سن الرابعة والخمسين.
وتقول غادة لبيب مديرة منتدى “بوك غاردن” التي ناقشت المذكرات، في تصريح لـ”العرب”، إن بيري خلع عباءة النجم المشهور في مذكراته، وروى أشياء قد تكون مشينة أو محرجة، بخلاف نوعية المذكرات التي يصدرها الكثير من المشاهير عندنا فلا يُظهرون فيها إلا الجوانب الإيجابية في حيواتهم وشخصياتهم، أما النجم الأميركي فقد تحدث بشفافية شديدة، ما يدل على أنه كان قد بلغ مرحلة التصالح مع النفس، بل إنه تصالح في مذكراته مع الكل حتى مع أبيه وأمه، معلنا تفهمه أن كلا منهما قد وجد شريكا آخر مناسبا له في الحياة.
وتلفت لبيب النظر إلى أن ماثيو بيري كما يظهر من كلماته كان لديه إيمان دائم بالله، وكثيرا ما يناجيه، ويشعر أحيانا بإشارات تأتيه من الله فتحمل إلى نفسه الطمأنينة والسرور، كأن يتسلل شعاع الشمس فيضيء المكان الذي يجلس فيه بعد مناجاته، لكنه أيضا كان قد دعا في الماضي دعوة تحققت بشقيها معا، إذ طلب من الله أن يمنحه الشهرة حتى لو أخذ منه أي شيء آخر، وقد كان.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري
مواقف في الطفولة قادت ماثيو بيري إلى الإدمان والاكتئاب وفقدان الحب.
الجمعة 2024/11/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علاقة جيدة جمعت بيري بنجوم مسلسل "فريندز"
لماذا تغيب الصراحة الشديدة عن مذكرات المشاهير العرب؟ سؤال قد يدور في ذهن القارئ لكتب السيرة الذاتية لاسيما سيرة الممثل الأميركي الراحل ماثيو بيري الذي كشف جوانب مؤلمة وحرجة من حياته في مذكراته الصادرة بعد مرور عام على وفاته، مذكرات كشفت شخصية الفنان وتكوينها وأبرز عقدها وهواجسها النفسية.
"قاصر بلا مرافق"، عبارة قصيرة دُونت على شارة صغيرة تلتف حول رقبة طفل في الخامسة من عمره، أرسلته أمه وحده على متن طائرة متجهة من مونتريال في كندا إلى لوس أنجلس في الولايات المتحدة لزيارة والده، لتتحول معها مشاعر الرعب والوحدة وفقدان الأمان خلال الرحلة إلى طوق يحاصر عقل وقلب الطفل القاصر الذي يصير رجلا، نجما، لتخنقه طوال رحلة حياته، وتقوده إلى منعطفات خطيرة من الاكتئاب والإدمان وفقدان الأمل في أن يحبه أحد.
هكذا يروي النجم الكوميدي الأميركي الراحل ماثيو بيري، بطل مسلسل “فريندز” (أصدقاء) الشهير، تفاصيل معاناته الطويلة في مصحات العلاج النفسي والإدمان قبل تعافيه، في مذكراته التي صدرت الترجمة العربية لها بعنوان “أصدقاء وعشاق والشيء الرهيب”، عن دار لغة للنشر والتوزيع في مصر.
وأقيمت بمكتبة “ديوان – سينما راديو” وسط القاهرة ندوة بمناسبة مرور عام على رحيل الممثل الأميركي لمناقشة مذكراته، أدارتها غادة لبيب مديرة منتدى “بوك غاردن”، بحضور مريم عاشور مترجمة المذكرات، وإيزيس عاشور الناشرة، وجمع من الكُتاب والقراء.
عندما تكون قاصرا بلا مرافق على طائرة، وفق ما كانت تسمح به القوانين، فإنك تنعم بكل المزايا، مثل الصعود على متن الطائرة أولا والجلوس في أماكن مخصصة للأطفال فقط وتناول جميع أنواع المشهيات، يقول الممثل الأميركي الذي اشتهر بشخصية تشاندلر في مسلسل “فريندز” في مذكراته، لكنه في الوقت نفسه يكاد يصرخ من بين السطور: “أيقنت بعدها أنني كنت صغيرا جدا لأكون وحدي، وأن هذا الأمر مرعب تماما، وهراء.”
هل جننتم جميعا؟
غادة لبيب: بيري خلع عباءة النجم المشهور وتحدث بشفافية شديدة
“أريد من أحدكم أن يصطحبني. لقد كنت في الخامسة من عمري فقط. هل جننتم جميعا؟” تلخص هذه العبارات موقفه الرئيسي؛ وتعتبر المترجمة مريم عاشور أن هذا الموقف كان بمنزلة نقطة التحول التي غيرت حياته حتى يوم وفاته، فضلا عن تأثير الانفصال المبكر بين والدته الكندية ووالده الأميركي، وانشغال الأم بتحمل مسؤوليات الإنفاق والعمل كمساعدة لرئيس الوزراء الكندي، والأب المشغول بالبحث عن الشهرة كممثل في هوليوود والإعلانات إذ كان هو “رجل أولد سبايس” بطل الإعلان عن العطر الشهير ذلك الوقت.
يكشف بيري أن أحد العناوين المقترحة للمذكرات كان “قاصر بلا مرافق”، ما يبين حجم تأثير هذه الواقعة في حياته وكيف كانت أحد الأسباب التي قادته فيما بعد إلى المرض، إذ يقول “من فضلكم، هل يمكنني إرجاع مئات الآلاف من الدولارات التي أنفقتها على علاجي نفسيا من هذا الأمر تحديدا؟”
تمر سنوات قليلة على هذه الواقعة، ويكبر ماثيو بيري، وتصبح له أخت من أمه التي تزوجت، اسمها كايتلين، أحبها، وتصير لديه عائلة تكبر من حوله، لكنه لا يشعر بأنه جزء منها. وفي هذه المرحلة أصبح قادرا على أن يقول “اللعنة.. كل شخص مسؤول عن نفسه،” فصار يدخن ويحصل على درجات سيئة في المدرسة، تغير، وقرر أن يعيش بعقله وليس بقلبه، مبررا لنفسه: “أن أعيش بعقلي أفضل، على الأقل لن ينكسر مثل قلبي، لا مزيد من الانكسار.”
من المفارقات أن طريق ماثيو إلى إدمان الخمر ثم المخدرات وتناول أعداد كبيرة من الأقراص المخدرة كل يوم كانت بدايته أيضا منذ الطفولة، وبالتحديد منذ عمر ثلاثين يوما. ليس في الأمر مزحة، فقد جرى ذلك رغما عنه، إذ كان طفلا بكاءً دوما، ولم يجد والداه سوى عقار “فينوباربيتال” كي يمنحاه إياه، وفق ما كان مسموحا به آنذاك في الستينات. وبالرغم من أنه عقار مخدر منوم يعطى لطفل رضيع كي يستطيع النوم، ظل بيري حتى بلوغ سن الخمسين لا يستطيع النوم بسلام.
"الشيء الرهيب" كما في عنوان المذكرات هو الإدمان، لكن كان هناك أيضا "أصدقاء وعشاق" في حياة ماثيو بيري
رحلة طويلة قطعها الممثل الأميركي داخل مصحات علاج الإدمان في الولايات المتحدة وأوروبا، رحلة طويلة مع الآلام، وقف خلالها كثيرا على أعتاب الموت. يصفها في مذكراته قائلا “الديتوكس هو الجحيم. الديتوكس هو الاستلقاء على سرير ومشاهدة الثواني تمر الواحدة تلو الأخرى، وأنت تعلم أنك لست بخير. عندما أتخلص من سمومي بالديتوكس أشعر وكأنني أموت. أشعر أن ذلك العذاب لن ينتهي. وكأن أحشائي تحاول الزحف والخروج من جسدي.”
الأمور ليست دائما كما تبدو في الظاهر، فهذا النجم الكبير الذي تزين صورته غلاف مجلة “بيبول” (الناس) ويحقق المسلسل الذي يلعب بطولته، “فريندز”، نجاحا ساحقا وشهرة عالمية، يقبع وحيدا في مصحة ولا يستطيع أن يسعد بالنجاح، ويتعرض لإجراء سلسلة من العمليات الجراحية الصعبة في الجهاز الهضمي والأمعاء بعد أن امتلأ جسده بالسموم، بينما يرفض أحد الأطباء علاجه لأن حالته ميؤوس منها، وحتى لا يكون المستشفى الذي يعمل به مكان وفاة النجم الشهير الذي يحبه الناس، فالشهرة نقمة في بعض الأحيان.
“الشيء الرهيب” كما في عنوان المذكرات هو الإدمان بالطبع، لكن كان هناك أيضا “أصدقاء وعشاق” في حياة ماثيو بيري، إذ جمعته علاقات صداقة طيبة مع أبطال مسلسله الشهير، وعندما قرر المنتجون زيادة أجره في المسلسل لأنه حاز في استطلاعات الرأي النسبة الأعلى في القدرة على الإضحاك اجتمع بزملائه الخمسة وأعلن لهم رفضه أن يزيد أجره بمفرده، فإما أن تزيد أجورهم جميعا أو لا، وبالفعل تقرر رفع أجور كل الأبطال، فصار كل منهم يحصل على مبلغ مليون دولار في الحلقة الواحدة من حلقات مسلسل “فريندز”.
غير جدير بالحب
"شخص غير جدير بأن يحبه أحد"، هكذا كان يرى نفسه؛ لذا حرص على أن يبادر بإنهاء علاقاته مع من يحبهم
يمكن الآن للقارئ أن يشهق ذاهلا: مليون دولار كاملة في حلقة واحدة من مسلسل، تلك هي السعادة الغامرة. لا ينكر ماثيو بيري نفسه أهمية المبلغ وقيمته، لكن الواقع يؤكد أن الممثل الأميركي لم يشهد السعادة في حياته إلا لفترة قصيرة، ربما لا تزيد عن عامين فقط قبل الرحيل، عندما نجح أخيرا في التعافي والتوقف عن تناول كل أنواع المخدرات، لكنه قبل ذلك لم يشعر بالسعادة في حياته إلا نادرا، لأنه افتقد الحب.
ظلت أحداث الطفولة تلاحقه، فقد كان يحلم دوما وهو صغير بأن تنظر إليه والدته عندما يكونان معا في تجمع أو حشد، كان يتمنى نظرة أو حضنا، أن يهتم لأمره أحد، لكنه افتقد المحبة والاهتمام فشب موقنا بأنه غير جدير بالحب، ما أثر على علاقته بكل امرأة عرفها.
عندما التقى النجمة الأميركية جنيفر أنستون زميلته في بطولة المسلسل، ظل يحملق فيها معجبا، وتكرر ذلك في كل مرة يراها فيها خلال العمل حتى قرر ألا ينظر إليها أكثر من ثلاث ثوان، لكنه لم يصارحها بشيء لاسيما أنه لم يلحظ عليها أي اهتمام خاص به. ظل يحبها في داخله بمفرده، حتى ظهر في حياتها النجم براد بيت فشعر عندئذ بأن المنافسة مع براد ستكون صعبة، فتوقف عن الحب.
اللافت أن جنيفر نعت بيري بعد وفاته بكلمات مؤثرة، إذ كانت تعتز للغاية بعلاقة الصداقة التي جمعتهما.
والأمر الأغرب حدث مع النجمة الأميركية جوليا روبرتس التي ظهرت في إحدى حلقات مسلسل “فريندز” وطلبت أن يكون المشهد الذي تؤديه مع ماثيو بيري بالتحديد، لتنشأ بينهما بعد ذلك علاقة بالفعل، سرعان ما ظهرت إلى العلن وتناقلت الصحافة صورهما معا، أحبها وأحبته، لكن عقدة الصغر لاحقته.
“شخص غير جدير بأن يحبه أحد،” هكذا كان يرى نفسه، لذا فقد حرص دوما على أن يبادر بإنهاء علاقاته بمن يحبهم قبل أن ينهوها هم. وقد فعل، وأنهى علاقته بجوليا روبرتس بالرغم من أنه يحبها، ما أصابها بالصدمة.
ويروي في مذكراته أنه بعد أن تركها قاد سيارته بأقصى سرعة في طريق جبلي مرتفع، ووقف في مكان منعزل، وظل يبكي ويصرخ وحده لمدة أربعين دقيقة.
خلع عباءة النجم
بكت مريم عاشور مترجمة مذكرات ماثيو بيري عندما علمت بنبأ وفاته، كما تقول، لأنها عاشت وسط كلماته بشغف حتى شعرت كأنما اقتربت منه، وحرصت على أن تنقل إلى القارئ العربي ما قاله عن نفسه بدقة مهما يكن بعض الوقائع غريبا أو بعيدا عن تقاليدنا، اتساقا مع الأمانة والمسؤولية، لاسيما في ظل كون الترجمة الصادرة عن دار لغة للنشر هي الترجمة الحصرية لمذكراته في الشرق الأوسط.
وكان آخر ما كتبه فيها بعد التعافي أنه يتمنى فعل أشياء كثيرة في الحياة، ومنها تكوين أسرة وإنجاب أطفال، لكن العمر لم يمهله فرحل، في سن الرابعة والخمسين.
وتقول غادة لبيب مديرة منتدى “بوك غاردن” التي ناقشت المذكرات، في تصريح لـ”العرب”، إن بيري خلع عباءة النجم المشهور في مذكراته، وروى أشياء قد تكون مشينة أو محرجة، بخلاف نوعية المذكرات التي يصدرها الكثير من المشاهير عندنا فلا يُظهرون فيها إلا الجوانب الإيجابية في حيواتهم وشخصياتهم، أما النجم الأميركي فقد تحدث بشفافية شديدة، ما يدل على أنه كان قد بلغ مرحلة التصالح مع النفس، بل إنه تصالح في مذكراته مع الكل حتى مع أبيه وأمه، معلنا تفهمه أن كلا منهما قد وجد شريكا آخر مناسبا له في الحياة.
وتلفت لبيب النظر إلى أن ماثيو بيري كما يظهر من كلماته كان لديه إيمان دائم بالله، وكثيرا ما يناجيه، ويشعر أحيانا بإشارات تأتيه من الله فتحمل إلى نفسه الطمأنينة والسرور، كأن يتسلل شعاع الشمس فيضيء المكان الذي يجلس فيه بعد مناجاته، لكنه أيضا كان قد دعا في الماضي دعوة تحققت بشقيها معا، إذ طلب من الله أن يمنحه الشهرة حتى لو أخذ منه أي شيء آخر، وقد كان.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري