"السيد أزنافور".. سيرة محايدة للوحش المقدس للأغنية الفرنسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "السيد أزنافور".. سيرة محايدة للوحش المقدس للأغنية الفرنسية

    "السيد أزنافور".. سيرة محايدة للوحش المقدس للأغنية الفرنسية


    الفيلم يسافر بنا من خمسينات القرن الماضي إلى آخر وقوف مسرحي لأزنافور.
    الأربعاء 2024/11/27
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الفيلم ينقر في فراغ ذاكرتك بحثا عن شجن ما

    كانت شخصية الفنان الفرنسي الأرمني شارل أزنافور مثيرة في حركيتها التي امتدت حتى وفاته مطلع أكتوبر من عام 2018، فنان أثار العديد من الأقلام للكتابة عنه، وعن مسيرته إلى قمة الأغنية الفرنسية علاوة على مسيرة حياته التي لا تخلو من التقلبات، ولكن أغلب الأعمال تسقط أحيانا في أسطرة الفنان، وهذا ما تجنبه فيلم “السيد أزنافور”.

    أن تُبصر بأكثر من عين يعني أن تُحلق أبعد وبلا أجنحة، لأنك حر في التلون وحقيقي في الاستيعاب، وتلك الصدفة هي التي تجمع اللون باللقطة واللوحة بالفيلم والرواية بالمعنى الخيالي في الشغف المحيط بالصورة، كأن ترى لوحات الواقعية والانطباعية والرومانسية والتعبيرية والتجريد في علاقة الدراما السينمائية بالتوثيق على مهل سينماتوغرافي وبعمق سيناريو وحوار مليء بالمعاني، فالوثيقة السينمائية علامة المرحلة والتكوين التي لا تسعى لأن تكون مباشرة في السرد الكرونولوجي حتى لا تفقد بريقها القوي عند الغوص في المراحل والتمشي الساحر بين الفنون والفنانين وبين الباقي في الرمز الأيقوني.

    كل ذلك ابتكار استطاع مهدي إيدير و”Grand cœur malade”أن يتجاوزا به الحركة في ترتيب جمالي لكرونولوجيا التوثيق في الفيلم الحدث “السيد أزنافور” (Monsieur Aznavour) وهو ربما المحفز للتعثر بالفيلم والرغبة الحقيقية للتعمق في تفاصيله، كما أنه الدافع الذي بدأ منذ قراءة كتاب “حياة وأساطير شارل أزنافور” (Vie et légendes de Charles Aznavour) الذي صدر سنة 2018 للكاتب والصحافي الفرنسي روبرت بيوري (Robert Belleret).
    من التاسعة إلى التسعين



    ◙ الفليم رغم هالاته الحسية بين البداية والنهاية لا يضع نقطة عبور مشخصنة لأزنافور وأنت تتابعه دون موقف حاسم


    وصف بيروري أزنافور بالوحش المقدس للأغنية الفرنسية، لم يكن الوصف إلا منفذا لسيرة غير مُعلنة وتواصلا مبنيا على التماس بين المسرح والكواليس وتلك التناقضات المرضية التي تذهب به بعيدا ليكون مثالي الحضور دون أي زلة حتى يثبت لفرنسا والفرنسيين والعالم أنه تجاوز تفصيل النبذ وقسوة الاندماج وعنصرية التميز، واستطاع أن يكون الأشهر باعتباره كاتبا موسيقيا ملحنا ممثلا مسرحيا استعراضيا فنانا عاشقا ومعشوقا بكل اللغات التي كان يتقنها رغم اسمه وجذوره، إنه أزنافور من عمق أزنافوريان.

    رغم كل ما كُتب عنه وكل ما أصدره أزنافور نفسه هو من كتب، كان لبيوري تفصيل مجهري على شخص وشخصية أزنافور، استطاع الفيلم أن يلامسها أيضا، خاصة وأنه لم يكن يبحث عن صورة مثالية تجسده في عين محبيه ولا تسقطه أيضا من عيونهم بل كان ينبش بكل هدوء في تلك العوالم المتناقضة التي جعلت منه السيد.

    يحمل الحرف نحو الكتاب رؤية سينما سفر إلى آخر زوايا الأرض، وارتحال في عوالم السحر تلك التي طالما رددها أزنافور وتمكن طاهر رحيم أن يستفز فيها التقمص إلى درجة لا تحيد فيها عن التفريق بين الشخصيتين وأن تدرك تماما كيف يعيش الممثل حالة شجن مضطربة الطموح وبالغة الحنين، وأنت تحضر فيلم الكادر العام فيه لا يُخرجك عن تقمص دورك كمشاهد، ولكنه يأسرك في تكوين المشاهد واللقطات حتى تُعيد ترميم ذاكرتك الخاصة مع الأغنيات التي تظل ترافق يومك كنقر في فراغ ذاكرتك بحثا عن شجن ما.

    حضور حاضر وغياب مكتمل لا فرق بين الصورة والتصور الرؤى والرؤية لكل إيقاعه في فهم الخطى الأولى ومواقف البدء، هكذا بدا الفيلم منذ تحولات أزمنته بين مرحلتين لكل منها عمق تفصيلها وهكذا أنقذ رحيم نفسه من الوقوع في التقليد، تقليد السيد أزنافور، أراد أن يقول للمشاهد لا فرق بين الصورتين ولكنني هنا أجسد وأتجسد أتعايش مع الحالة وأستعيد ذاكرتي أتعلم من المرحلتين، أيضا مثلكم أشاهدني بعين أزنافور، سرد باطني أرادنا بحركاته أن نفهمه وسرد بصري نفسي أرادنا به أن نفهم أن الفن وحده أصل حسي مهما كانت جذورنا.
    الحقيقة والأساطير



    ◙ رؤية محبوكة الحوار والإمتاع في الأطر والملابس والأزمنة


    رؤية محبوكة الحوار والإمتاع في الأطر والملابس والأزمنة، سفر من خمسينات القرن الماضي إلى آخر وقوف مسرحي للسيد أزنافور بين الأمكنة واختلاف الثقافات، تفاصيل حوار ممتع ناضج وحسي بين الفنانين تلون ثري لمراحل عميقة أدبا فنا تشكيلا ومسرحا.

    شخصية إيديت بياف (الممثلة ماري جولي بوب) ودهشة التربص بالمجد المبهج والحزن المحير والشهرة والعزلة حوار غناء مواعيد تفلت من لحظات الزمن، على بعد خيط رفيع يمشيه رحيم حذرا مستعينا بالكلمات في موسيقى الأغنيات، وهنا لم ينقذ رحيم نفسه كممثل، ولكنه أنقذ الفيلم أيضا لأن حركاته وتقمصه ألغت التركيز في الإخراج في الوقت في الحركة البطيئة الروتينية للكاميرا الوقع والتوقع أيضا في جرأة الكاميرا التي لا تقف على حد الطموح مندفع السيل الجارف لحلم أزنافور، نحو الابتكار الذي صاغه طاهر رحيم وبقية الممثلين، في كاستينغ له بعد نظر في جمع الفن قبل الممثلين.

    ◙ قد نختلف حول أزنافور وقد نتفق، قد ننقد وقد ننفر عصبيته حساسيته المفرطة ولكننا نتفق أن الفن حياة والموسيقى عشق

    قد نختلف حول أزنافور وقد نتفق، قد ننقد وقد ننفر عصبيته حساسيته المفرطة أنانيته ومركزيته واستحواذه وحسمه، وربما احتمالاته الخفية وهي تكتمل في الفيلم مكشوفة موقعة على إيقاع العناق الحالم لكل الحالات التي غناها وصاغها به، بشخصيته وعبرها وعبر عنها، ولكننا رغم ذلك نتفق أن الفن حياة والموسيقى عشق، هي تفاني الروح في الإبداع وهو أيضا ما قاله رحيم وهو يتقمص الذات الفنية ويُعيد الاعتبار لتلك الحالات بين القسوة والحنين وبوهيميا البحث والتمرد وتشرد الأمنيات.

    الفليم رغم هالاته الحسية بين البداية والنهاية لا يضع نقطة عبور مشخصنة للسيد أزنافور، وأنت تتابعه أنت لا تحبه ولا تكرهه، لا يهمك في اللقطات إلا حسيات متعة متابعة القصة وانتظار الشخصيات بفضول كيف سيكون سيناترا وكيف سيبدو جوني هوليداي وكيف ستكون صدفة الترحال بين فرنسا والولايات المتحدة، كيف سيصعد أزنافور على مسرح الأولمبيا، الحوار الممتع بين فناني مرحلة معتقة في تاريخ الموسيقى الفرنسية والعالم.

    المشهد بديع في زخم الأغنيات والموسيقى غوص في الأزمنة ومناداة بصرية للمشاهد كي يحمل نفسه ويصنع قصصه وهو يفصل الحقيقة عن الأساطير عما يخفيه الواقع خلف الشخصية الفنية الاستثنائية من كل تلك الأغنيات التي نقتفي أثرها بحنين وعاطفة بتفكير وتمهل.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    بشرى بن فاطمة
    كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
يعمل...
X