"امرأتان".. رواية تواجه تعقيد التجربة الإنسانية وازدواجية الطبيعة البشرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "امرأتان".. رواية تواجه تعقيد التجربة الإنسانية وازدواجية الطبيعة البشرية

    "امرأتان".. رواية تواجه تعقيد التجربة الإنسانية وازدواجية الطبيعة البشرية


    ريما سعد لـ"العرب": الرواية أكثر من مجرد أرشيف قصص شخصية وتأملات فردية.
    الجمعة 2024/11/22
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    أسلط الضوء على الصراع الأزلي بين الجسد والروح

    النبرة التي تحدد مواصفات النص الروائي وخصوصيته تكمن في التوافق بين الشكل الذي يكشف عن الوعي الإبداعي والثيمات التي تستشف منها الطبقات الأثيرة بالنسبة إلى المؤلف. وهذا ما أرادت الكاتبة اللبنانية ريما سعد تحقيقه في روايتها الأولى "امرأتان". "العرب" كان لها هذا الحوار معها حول روايتها الأولى ومشروعها القادم والكتابة في أجواء الحرب.

    اللافت في انطلاقة ريما سعد الإبداعية هو اللعب على صيغة التوازي الزمني، كما تتجاور في إطار الرواية الرموز الصوفية والقيم الروحية مع الاستعارات الإيروتيكية المحيلة إلى جغرافية الجسد الأنثوي بطاقته الإغرائية وأبعاده الجمالية. تمكّنت سعد من إدارة الشخصيات ملمحة إلى بذور العقدة في شخصية كارا، فالأخيرة فشلت منذ الطفولة في كسب الدور الأول في البيئة الأسرية فكانت الأخت هي التي أخذت الصدارة لدى الأب.

    يداهمها شبح هذا الواقع في قصة حبها مع “عاصي” إذ يريدها أن تكونَ بديلا لغياب هناء، الأمر الذي يعمّق من أزمتها النفسية ويقودها نحو اختبار علاقات متعددة وما يلح على ذهنها خلال مغامرات عاطفية محمومة هو عدم مخالفة القواعد الدينية لا يهمها على أيّ مذهب تجد مسوغا لتهورات الجسد، كل ما تريده يتمثل في الغطاء الشرعي، أكثر من ذلك تستمتع كارا برؤية عشاقها وهم في حالة تتالوسية نسبة إلى الأسطورة اليونانية “تتالوس” الذي يرمز للعذاب والمعاناة من الحب.
    التناغم بين العناصر



    رواية "امرأتان" تسعى إلى تسليط الضوء على الصراع الأزلي بين الروح والجسد، بين السمو الروحي والرغبات الحسية


    تدور أحداث “امرأتان” بين زمنين متباعدين، كما أن الخلفية المكانية تتبدل تبعا لحركة السرد المتناوبة بين البندقية وبيروت، حول إذا ما كانت الغاية من كل ذلك هي الكشف عن هوية الشخصيات الرئيسة، تقول ريما سعد في حديثها لـ”العرب”، “حاولت عبر السرد المتناوب بين الزمنين والمكانين أن أخلق إيقاعا زمنيا ومكانيا، ووظفته كمرآة تعكس التداخل بين القصتين والمناخين والمدينتين، بيروت والبندقية. هذه التقنية ليست مجرد أداة سردية، بل هي محاولة لإبراز الأبعاد النفسية للشخصيات الرئيسة، حيث تترابط الأحداث والمواقف في هذين الإطارين بطريقة تعزز من فهم القارئ لعمق الشخصيات وصراعاتها الداخلية والخارجية.”

    وتضيف “المرآة هنا تعكس التباين بين فيرونيكا وكارا، بين البندقية وبيروت، وبين الطاعون الذي اجتاح أوروبا في زمن بعيد وجائحة كورونا التي عصفت بالعالم حديثا. إنها مواجهة رمزية تجمع الخذلان ووجع الفقد من جهة، مع الرغبة في الثأر للنفس من جهة أخرى. المرآة تصور أيضا التناقض بين بيع النفس للهوى في لحظة ضعف، ومنع النفس عن الهوى كفعل مقاومة. وبينما تسعى إحدى الشخصيات للثأر من رجل، تنشغل الأخرى ربما بالثأر من الحياة ذاتها. هذه المقارنات المتقاطعة تصوغ عالما سرديا غنيا بالرموز والمعاني، يعكس صراع الشخصيات وأبعادها النفسية سواء على المستوى الفردي أو الإنساني بمعنى أشمل.”

    تعاني البطلة “كارا” عقدة الدور الثاني منذ الطفولة، وهي تتفاقم أكثر بعد صدمة الحب وتقلباتها الحسية والروحية، نسأل سعد لماذا يسحب البعد العاطفي الأضواء عن أبعادها الفكرية والاجتماعية؟ فتجيبنا “لا أوافقكَ أن البعد العاطفي سحب الأضواء عن أبعاد كارا الفكرية والاجتماعية، بل كان العكس تماما. فقد شكل بعدها العاطفي والسيكولوجي أساسا قويا لنزعتها الفكرية، إذ دفعها للتخصص في مادة التصوف والمقارنة بين الأديان. هذا البعد العاطفي لم يكن عائقا، بل بوابة للتعمق في العلوم الدينية والإنسانية، وهو ما تجلى بوضوح في التزامها بحضور دروس الدين وحلقات الذكر.”

    وتتابع “في الوقت نفسه، كانت كارا منفتحة على الحياة، تشارك أصدقاءها في سهرات بيروت، مما أضاف مرحا لشخصيتها جعلها تبدو أكثر غموضا وتعقيدا. هذا التناقض بين انغماسها في الحياة الروحية وتحررها جعل منها شخصية عصية على الفهم، تجمع بين عالمين يبدوان للوهلة الأولى متناقضين، لكنهما في الحقيقة يعكسان صراعا داخليا غنيا وملونا.”

    تتوارد في سياق الرواية الإشارات إلى الرموز والقيم الدينية بالتوازي مع وجود الاستعارات الإيروتيكية الكاشفة عن تكوين الأنثى الجسدي، تتطرق الكاتبة اللبنانية إلى الرسائل التي يضمرها هذا التجاور، تقول “عمدت من خلال هذا التجاور بين الرموز والقيم الدينية والاستعارات الإيروتيكية أن أرسم تعقيد التجربة الإنسانية وازدواجية الطبيعة البشرية. من خلال هذا المزج، تسعى رواية ‘امرأتان‘ إلى تسليط الضوء على الصراع الأزلي بين الروح والجسد، بين السمو الروحي والرغبات الحسية. الرسائل التي يضمرها هذا التجاور متعددة، أبرزها التأكيد على أن الإنسان كائن مركّب يعيش في منطقة وسطى بين القداسة والدنيوية، وأن التكوين الأنثوي، بما يحمله من أبعاد جسدية وروحية، يمكن أن يكون مجالا لفهم أعمق للوجود الإنساني. وكما يقول ابن عربي: كل شيء لا يؤنث لا يعوّل عليه.”

    وتذكر سعد أنها حاولت أيضا في سياق الرواية أن تشير إلى أن التعاطي مع هذه التناقضات ليس نوعا من التناقض الأخلاقي، بل هو احتفاء بالتكامل بين الجوانب المختلفة للإنسان، حيث يمكن للرموز الدينية أن تتجاور مع الرموز الجسدية لتفتح أفقا جديدا لفهم الذات والآخر، بعيدا عن القوالب التقليدية التي تفصل الروح عن الجسد أو تفضل أحدهما على حساب الآخر.

    الكاتبة تصوغ عالما سرديا غنيا بالرموز والمعاني يعكس صراع الشخصيات وأبعادها النفسية على المستوى الفردي والإنساني

    يقوم بناء الرواية على توظيف التقنيات المتعددة إضافة إلى السرد الموضوعي فهناك الحوار بشقيه الخارجي والداخلي، كذلك الحلم يلعب دورا لافتا في المناورات الزمنية، تسأل “العرب” الكاتبة إلى أيّ مدى يكون لتشكيلة النص الإبداعي دور في تماسكه الدلالي؟ لتجيبنا “أعتقد أن تشكيلة النص الإبداعي في الرواية، بما تتضمنه من تقنيات متعددة، لها دور كبير في تماسكه الدلالي. فالسرد الموضوعي، الذي يبني الأحداث بطريقة متسلسلة، يتناغم بشكل رائع مع الحوار الخارجي والداخلي الذي يعمق فهم القارئ لشخصيات الرواية وصراعاتها الداخلية. أما الحلم، فيحتل مكانة لافتة في هذه التشكيلة، فهو لا يقتصر على كونه أداة سردية فقط، بل يمثل عنصرا أساسيا في المناورات الزمنية التي تجعل الرواية أكثر تعقيدا وأبعادا.”

    وتضيف “أردت من خلال هذه التقنيات أن أخلق تماسكا دلاليا بين مختلف الأبعاد الزمنية والنفسية في الرواية، بحيث ‘أسلّي‘ القارئ وهو يفك شفرات الشخصيات عبر تنقلاتها بين الواقع والحلم، وبين التفكير الداخلي والمحادثات الخارجية. هذا التناغم بين العناصر المختلفة يساهم في تعزيز الدلالات ويجعل الرواية أكثر تنوعا وثراء في معانيها.”

    توجد في الرواية شخصيات لها مرجعية تاريخية، لعل فرونيكا فرانكو هي من أبرزها، نسأل سعد عن الغرض من استعادة هذه الشخصية؟ وهل تعتقد بأن حياتها الحافلة بالدراما تنزع الغطاء عن الازدواجية الاجتماعية؟ فتقول “لا أعتقد أن استعادة شخصية فرونيكا فرانكو في الرواية تأتي من باب إظهار حياة تاريخية فقط، بل هي وسيلة لفتح نقاش أعمق حول الأبعاد الاجتماعية والنفسية التي تتقاطع مع قضايا الحاضر. أردت من خلال هذه الشخصية أن أستعرض معالم الازدواجية الاجتماعية التي قد تكون مخفية خلف الواجهات التقليدية، وذلك عبر حياة حافلة بالدراما والمفارقات.”

    وتتابع “فرونيكا، كما أراها، تمثل الازدواجية في أبهى صورها، إذ كانت امرأة مثقفة، ولكنها عاشت في مجتمع يفرض قيودا على النساء، مما جعل حياتها مزيجا من التمرد والخضوع. من خلال هذه الشخصية، أردت أن أكشف كيف أن المجتمع في فترات معينة كان يتعامل مع المرأة ككائن مزدوج؛ من جهة يحتفي بها كرمز ثقافي وفكري، ومن جهة أخرى يحاصرها بمعايير أخلاقية واجتماعية تتناقض مع ما كان يسمح به للرجل. بالتالي، أعتقد أن حياة فرونيكا هي مرآة لعدد من الصراعات الاجتماعية التي ما زالت قائمة حتى اليوم، وأنها تكشف عن تناقضات الواقع التي لا تزال تكتنف التفاعل بين الأفراد والمجتمع.”
    التجربة الأولى




    “امرأتان” هي تجربة سعد الأولى في الإبداع الروائي. حول تعليقها على الرأي السائد بأنه لا يصعب على المرء كتابة العمل الأول لأن الأمر لا يتطلب أكثر من سحب المواد من رصيد الخبرات الحياتية والقراءات المبكرة، تقول “أعتقد أن الرأي السائد بأن الكتابة الأولى لا تكون صعبة لأنها تعتمد فقط على سحب المواد من رصيد الخبرات الحياتية والقراءات هو رأي غير دقيق. فالكتابة الروائية تتطلب أكثر من مجرد جمع أرشيف القصص الشخصية والتأملات الفردية وتدوينها.”

    وتتابع “امرأتان كانت بالنسبة إليّ تجربة صعبة وغنية، حيث كان عليّ أن أوازن بين الواقع والخيال، وأن أخلق عوالم وشخصيات تتنفس داخل النص، وأن أحسّن ترتيب التفاصيل في سياق روائي يتسم بالعمق والتعقيد. الكتابة لا تتوقف عند مجرد استخراج ما في الذهن من أفكار، بل تتطلب قدرة على البناء، والتحويل، والتنقيب في أعماق الذات.”

    وتشير إلى أنه في تجربتها الأولى، كانت الكتابة أشبه بالبحث عن صوتها الخاص، وأن تتعلم كيف تترجم أحاسيس وتجارب إنسانية إلى كلمات يمكن أن تلمس القارئ. أما تجربتها الثانية، فتراها أكثر صعوبة من الأولى لسببين: السبب الأول أن الرواية الأولى حصدت نجاحا، والسبب الثاني أن وعيها بمسؤولية العمل الأدبي أصبح أكبر.

    وتضيف “في الرواية الأولى، كانت لديّ مساحة من الحرية والاندفاع، أما الآن فالأمر اختلف. أصبحت أبحث عن أفق أوسع للموضوعات التي أريد تناولها، وأحتاج إلى المزيد من التحدي لتقديم شيء جديد وفريد.”

    وترى أنه “بالطبع تزداد التوقعات مع كل تجربة جديدة، سواء من نفسي أو من القارئ، مما يفرض ضغوطا إضافية. الرواية الثانية تتطلب منّي أن أتجاوز ما قدمته في الأولى وأن أبحث عن طرق إبداعية جديدة لإثراء الأسلوب وتوسيع الأبعاد الفكرية والنفسية في العمل. هذا التحدي هو ما يجعل الكتابة الثانية أكثر صعوبة، وثراء، وأفخاخا، ولولا هذا التحدي لما كتب أيّ كاتب روايته الثانية.. والثالثة، والرابعة.”

    تسأل “العرب” ريما سعد متى ترى روايتها الثانية النور؟ لتجيبنا “كنت أنوي إصدارها هذا العام ولكن الحرب في لبنان أثقلت الروح ورسمت في القلب ثقوبا. نزف الوطن وجف القلم. إن خرجت من هذه التجربة الدموية حية، قد أكتب رواية عن شر الإنسان وقبح العالم، وقد لا أكتب إلا عن الفراشات. ما عدت أستطيع أن أجزم بشيء. ما عدت قادرة في هذه الحرب أن أفكر بوضوح ولا أن أكتب بوضوح. ربما يعود للقلم صوته ريثما يصمت الرصاص.”

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    كه يلان محمد
    كاتب عراقي
يعمل...
X