اصفهاني (فرج)
Al-Isfahani (Abu Al-Faraj-) - Al-Isfahani (Abou Al-Faraj-)
الأصفهانيّ (أبو الفرج ـ)
(284ـ356هـ/897ـ967م)
عليّ بن الحسين من أحفاد مروان بن محمّد الخليفة الأمويّ، وأُمّه شيعية من آل ثوابة، علامةٌ نسّابةٌ إخباريٌّ حُفَظَةٌ، يجمع بين سعة الرواية وإتقان الدراسة، وله معارف أُخر في علم الجوارح والبيطرة والنجوم والأشربة.
وُلد بأصفهان، ونشأ ببغداد التي كانت قرارة العلم والعلماء في عصره، وأخذ نفسه بالجدّ في طلب العلم، فنبغ وتفوّق، وثقف معارفه وعلومه الجمّة عن طائفة من الأعلام، منهم يحيى بن علي المنجم (ت300هـ)، والفضل بن الحُباب الجُمحي (ت305هـ)، ومحمد بن جرير الطبري (ت310هـ) الذي قرأ عليه كتابه «تاريخ الأمم والملوك»، والأخفش الأصغر (ت315هـ)، وابن دريد (ت321هـ)، ونفطويه (ت323هـ)، وابن الأنباري (ت328هـ)، وغيرهم.
وكذلك أخذ أبو الفرج عن الأسفار القديمة، فقد حُكي أنه كان يدخل سوق الورّاقين وهي عامرة بالتصانيف، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها، والناظر في كتبه تهوله تلك الأسانيد المطوّلة، وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن النديم أقدم مترجميه من أنّ أبا الفرج كانت له راوية يسيرة، وأكثر تعويله في تصنيفه كان على الكتب المنسوبة الخطوط أو غيرها من الأصول الجياد. اتهمه ابن الجوزي وغيره بأنه صرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، والظاهر أنه ثقة صدوق كما يقول ابن حجر العسقلاني.
وُصف أبو الفرج بأنه كان وَسِخاً زَريّاً، لا ينضو عنه ثوبه إلا إذا أبلتْه الأيام، ومع ذلك كان يجالس أعيان السياسة في عصره كسيف الدولة الحمداني، والصاحب بن عبّاد، وركن الدولة بن بُويه الذي أدنى مجلسه، والحسن بن محمد المهلبي الذي أصفاه وُدَّه، وأغدق عليه إنعامه سنين عدّة. وكان أبو الفرج في مجالسهم يقصّ ويروي، وينتقد، ويتندّر، وينثر من أدبه ما يُتحف ويطرب.
ولأبي الفرج شعر قليل، جيّدُه في الهجاء، فقد كان هجّاءً خبيث اللسان، يتقيه الناس. وكان، على تشيّعه الظاهر، يراسل الأمويين في الأندلس، وحصل له فيها مصنفات لم تنته إلينا، فأجزلوا له العطايا سرّاً.
روى عن أبي الفرج: الدارقُطْني (ت385هـ)، وأبو إسحاق الطبري (ت393هـ)، وعبد الله بن الحسين الفارسي، وأبو الحسن علي بـن محمد بن دينار (ت409هـ)، وابن بشران النحوي (ت462هـ)، وطائفة.
أُصيب أبو الفرج بالفالج آخر حياته، وكان قد خلّط قبل وفاته في بغداد.
ترك أبو الفرج مصنفات جليلة، منها: الأغاني، ومقاتل الطالبيين، وهما من أجلِّ آثاره، وأخبار القيان، وأيام العرب: ألف وسبعمئة يوم، والإماء الشواعر، وأدب الغرباء، وأدب السماع، ونسب بني عبد شمس، ونسب بني شيبان وغيرها.
كما جمع بعض دواوين الشعراء ورتبها. إلا أن العوادي عدت على أكثر تلك المصنفات. على أن شهرة أبي الفرج قامت على كتاب «الأغاني»، وهو دائرة معارف حافلة بأخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وأودعه من الشعر والتاريخ والغناء وسائر أحوال العرب ما يشهد بعبقرية فذّة.
والباعث على تصنيفه كما يقول أبو الفرج أن رئيساً من رؤسائه كلّفه جَمْعَه له، وعرّفه أنه بلغه أن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي (ت235هـ) مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة. فتصدى أبو الفرج لهذه المهمة يجمع ويروي وينتقد حتى كان ذلك الكتاب. ويُحكى أن أبا الفرج جمع كتاب «الأغاني» في خمسين سنة، وكتبه مرة واحدة في عمره، ثم أهدى النسخة إلى سيف الدولة الحمداني، فأعطاه ألف دينار.
يُعدُّ كتاب «الأغاني» في جملة المصادر المهمة للحضارة العربية، فهو سجل حافل للحياة الأدبية والاجتماعية والتاريخية من العصر الجاهلي حتى القرن الثالث الهجري. وأسلوب صاحبه موجز متين، لغته سهلة دقيقة، يخلع على كل شخص من شخوصه لغته التي تجري في زمنه. وقد احتفى العلماء القدماء والمحدثون بهذا السِّفر العظيم احتفاءً بالغا ً، فأثنوا عليه، ونهلوا منه في دراساتهم، واختصروه، وممن اختصره: محمد بن عبد الله الحرّاني (ت420هـ)، وابن باقيا (ت485هـ)، وابن واصل الحموي (ت697هـ) وسماه «تجريد الأغاني من المثالث والمثاني»، وابن منظور (ت711هـ) وسماه «مختار الأغاني في الأخبار والتهاني» مرتباً على الحروف الهجائية وغيرهم. وقد صدر للأغاني غير طبعة، يختلف عدد أجزاء كل منها، من أجودها طبعة دار الكتب المصرية.
وأما كتابه «مقاتل الطالبيين» فهو أيضاً دائرة معارف لتاريخ ذُريّة أبي طالب وأدبهم في القرون الثلاثة الأولى. فقد ترجم فيه نيفاً ومئتين من شهداء الطالبيين، وصوّر بطولاتهم، وذكر خطبهم ورسائلهم وأشعارهم وما قيل فيهم، وقد رتب مصارعهم على السياق الزمني، ويلاحظ أنه عُني بتفصيل أخبار الأوائل منهم أكثر مما عُني بالمتأخرين، وقد عوّل على هذا الكتاب كثير من الكتب التي صنفت في موضوعه.
لقد كان أبو الفرج من عصره السمع والبصر، روى وصوّر وألّف، وترك تراثاً جمّاً رزقه الخلود.
ج.ت
الموسيقى العربية.
ـ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 11 (دار الكتاب العربي، بيروت).
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء تحقيق الرافعي، الجزء 13.
ـ شفيق جبري، أبو الفرج الأصفهاني (دار المعارف، القاهرة).
Al-Isfahani (Abu Al-Faraj-) - Al-Isfahani (Abou Al-Faraj-)
الأصفهانيّ (أبو الفرج ـ)
(284ـ356هـ/897ـ967م)
عليّ بن الحسين من أحفاد مروان بن محمّد الخليفة الأمويّ، وأُمّه شيعية من آل ثوابة، علامةٌ نسّابةٌ إخباريٌّ حُفَظَةٌ، يجمع بين سعة الرواية وإتقان الدراسة، وله معارف أُخر في علم الجوارح والبيطرة والنجوم والأشربة.
وُلد بأصفهان، ونشأ ببغداد التي كانت قرارة العلم والعلماء في عصره، وأخذ نفسه بالجدّ في طلب العلم، فنبغ وتفوّق، وثقف معارفه وعلومه الجمّة عن طائفة من الأعلام، منهم يحيى بن علي المنجم (ت300هـ)، والفضل بن الحُباب الجُمحي (ت305هـ)، ومحمد بن جرير الطبري (ت310هـ) الذي قرأ عليه كتابه «تاريخ الأمم والملوك»، والأخفش الأصغر (ت315هـ)، وابن دريد (ت321هـ)، ونفطويه (ت323هـ)، وابن الأنباري (ت328هـ)، وغيرهم.
وكذلك أخذ أبو الفرج عن الأسفار القديمة، فقد حُكي أنه كان يدخل سوق الورّاقين وهي عامرة بالتصانيف، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها، والناظر في كتبه تهوله تلك الأسانيد المطوّلة، وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن النديم أقدم مترجميه من أنّ أبا الفرج كانت له راوية يسيرة، وأكثر تعويله في تصنيفه كان على الكتب المنسوبة الخطوط أو غيرها من الأصول الجياد. اتهمه ابن الجوزي وغيره بأنه صرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، والظاهر أنه ثقة صدوق كما يقول ابن حجر العسقلاني.
وُصف أبو الفرج بأنه كان وَسِخاً زَريّاً، لا ينضو عنه ثوبه إلا إذا أبلتْه الأيام، ومع ذلك كان يجالس أعيان السياسة في عصره كسيف الدولة الحمداني، والصاحب بن عبّاد، وركن الدولة بن بُويه الذي أدنى مجلسه، والحسن بن محمد المهلبي الذي أصفاه وُدَّه، وأغدق عليه إنعامه سنين عدّة. وكان أبو الفرج في مجالسهم يقصّ ويروي، وينتقد، ويتندّر، وينثر من أدبه ما يُتحف ويطرب.
ولأبي الفرج شعر قليل، جيّدُه في الهجاء، فقد كان هجّاءً خبيث اللسان، يتقيه الناس. وكان، على تشيّعه الظاهر، يراسل الأمويين في الأندلس، وحصل له فيها مصنفات لم تنته إلينا، فأجزلوا له العطايا سرّاً.
روى عن أبي الفرج: الدارقُطْني (ت385هـ)، وأبو إسحاق الطبري (ت393هـ)، وعبد الله بن الحسين الفارسي، وأبو الحسن علي بـن محمد بن دينار (ت409هـ)، وابن بشران النحوي (ت462هـ)، وطائفة.
أُصيب أبو الفرج بالفالج آخر حياته، وكان قد خلّط قبل وفاته في بغداد.
ترك أبو الفرج مصنفات جليلة، منها: الأغاني، ومقاتل الطالبيين، وهما من أجلِّ آثاره، وأخبار القيان، وأيام العرب: ألف وسبعمئة يوم، والإماء الشواعر، وأدب الغرباء، وأدب السماع، ونسب بني عبد شمس، ونسب بني شيبان وغيرها.
كما جمع بعض دواوين الشعراء ورتبها. إلا أن العوادي عدت على أكثر تلك المصنفات. على أن شهرة أبي الفرج قامت على كتاب «الأغاني»، وهو دائرة معارف حافلة بأخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وأودعه من الشعر والتاريخ والغناء وسائر أحوال العرب ما يشهد بعبقرية فذّة.
والباعث على تصنيفه كما يقول أبو الفرج أن رئيساً من رؤسائه كلّفه جَمْعَه له، وعرّفه أنه بلغه أن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي (ت235هـ) مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة. فتصدى أبو الفرج لهذه المهمة يجمع ويروي وينتقد حتى كان ذلك الكتاب. ويُحكى أن أبا الفرج جمع كتاب «الأغاني» في خمسين سنة، وكتبه مرة واحدة في عمره، ثم أهدى النسخة إلى سيف الدولة الحمداني، فأعطاه ألف دينار.
يُعدُّ كتاب «الأغاني» في جملة المصادر المهمة للحضارة العربية، فهو سجل حافل للحياة الأدبية والاجتماعية والتاريخية من العصر الجاهلي حتى القرن الثالث الهجري. وأسلوب صاحبه موجز متين، لغته سهلة دقيقة، يخلع على كل شخص من شخوصه لغته التي تجري في زمنه. وقد احتفى العلماء القدماء والمحدثون بهذا السِّفر العظيم احتفاءً بالغا ً، فأثنوا عليه، ونهلوا منه في دراساتهم، واختصروه، وممن اختصره: محمد بن عبد الله الحرّاني (ت420هـ)، وابن باقيا (ت485هـ)، وابن واصل الحموي (ت697هـ) وسماه «تجريد الأغاني من المثالث والمثاني»، وابن منظور (ت711هـ) وسماه «مختار الأغاني في الأخبار والتهاني» مرتباً على الحروف الهجائية وغيرهم. وقد صدر للأغاني غير طبعة، يختلف عدد أجزاء كل منها، من أجودها طبعة دار الكتب المصرية.
وأما كتابه «مقاتل الطالبيين» فهو أيضاً دائرة معارف لتاريخ ذُريّة أبي طالب وأدبهم في القرون الثلاثة الأولى. فقد ترجم فيه نيفاً ومئتين من شهداء الطالبيين، وصوّر بطولاتهم، وذكر خطبهم ورسائلهم وأشعارهم وما قيل فيهم، وقد رتب مصارعهم على السياق الزمني، ويلاحظ أنه عُني بتفصيل أخبار الأوائل منهم أكثر مما عُني بالمتأخرين، وقد عوّل على هذا الكتاب كثير من الكتب التي صنفت في موضوعه.
لقد كان أبو الفرج من عصره السمع والبصر، روى وصوّر وألّف، وترك تراثاً جمّاً رزقه الخلود.
ج.ت
الموضوعات ذات الصلة |
مراجع للاستزادة |
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء تحقيق الرافعي، الجزء 13.
ـ شفيق جبري، أبو الفرج الأصفهاني (دار المعارف، القاهرة).