الأمراض المهنية تشهد تزايدا في تونس
الاعتلالات العضلية العظمية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر تحتل نسبة 90 في المئة من جملة الأمراض.
السبت 2024/11/09
انشرWhatsAppTwitterFacebook
النسيج قطاع تنتشر فيه الأمراض المهنية
يؤكد أطباء الشغل في تونس أن الاعتلالات العضلية العظمية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر والكسور، تحتل المرتبة الأولى في قائمة الأمراض المهنية المصرح بها، مشيرين إلى تطورها العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه. وترتفع نسبة الأمراض المهنية في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي، وتتطلب صناعة النسيج والإلكترونيك والجلد وكوابل السيارات، حركية كبيرة لليد ووضع عمل في بعض الأحيان شاقا.
تونس ـ يشخّص خبراء الصحة، الاعتلالات العضلية العظمية، كأوّل مرض مهني على مستوى العالم، ويتوقّعون أن يرتفع معدل حدوث اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي وأن يزداد تأثيرها مع شيخوخة سكان العالم وارتفاع معدل انتشار عوامل خطورة الأمراض غير السارية.
وفي تونس، تحتل الاعتلالات العظمية العضلية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر والكسور وغيرها المرتبة الأولى بنسبة 90 في المئة من جملة الأمراض المهنية المصرح بها، تليها مباشرة الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي والصمم المهني والأمراض الجلدية. وشهدت الأمراض المهنية المصرح بها خلال سنة 2023 ارتفاعا بنسبة 25 في المئة مقارنة بسنة 2022، حسب الإحصائيات العامة لحوادث الشغل والأمراض المهنية لسنة 2023.
وبلغ عدد التصاريح المتعلقة بالأمراض المهنية العام الماضي 3524 تصريحا، 43 في المئة منها في قطاع صناعة الملابس، حسب ما ورد من تصاريح على مراكز الصندوق الوطني للتأمين على المرض (حكومي). وقال الدكتور نزار العذاري، رئيس طبّ الشغل والأمراض المهنية بمستشفى شارل نيكول إن الاعتلالات العضلية العظمية هي أكثر الأمراض المهنية انتشار في تونس.
وأضاف لـ”العرب” أن النسبة ترتفع في القطاع الخاص نظرا لطبيعة العمل بينما تنخفض في القطاع الحكومي. وأشار العذاري إلى أن فقدان السمع الناتج عن الضجيج مرض مهني أيضا يشتكي منه التونسيون. ويعرّف الاعتلال العظمي بأنّه أيّ مرض أو اضطراب يؤثر على عظام الجسم ويسبب اضطراباً في بنيتها ووظيفتها. ويعتبر مرضا مهنيا كل ظاهرة اعتلال وكل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط المهني للمتضرر.
وتضبط قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني وكذلك أهم الأعمال التي قد تكون سببا فيها بقرار مشترك بين وزيري الصحة العمومية والشؤون الاجتماعية. وتحدد القائمة كذلك المدة التي يظل فيها العامل مستحقا للتعويض عن الأمراض التي قد تظهر عليه بعد أن يصبح غير معرض لمسببات المرض. وتقع مراجعة هذه القائمة بصفة دورية وعلى الأقل مرة كل ثلاث سنوات.
نزار العذاري: النسبة ترتفع في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي
وفي مداخلة هاتفيّة على إذاعة خاصة، تحدث العذاري عن الأمراض المهنيّة المنتشرة في تونس، سوءا في القطاع الحكومي أو الخاصّ. وأوضح نزار العذاري أنّ أكثرها انتشارا، هي الأمراض الاعتلالات العظمية العضلية.
والاعتلالات العظمية والعضلية، متأتيّة أساسا من إجهاد العضلات والمفاصل والأوتار، في الأعمال التي تتطلب حركات متكرّرة، والوضعيات غير السليمة وغير الطبيعية، والمجهود القوي الذي يقوم به العامل أثناء عمله، مما يتسبب في تمزق العضلات وتهرئها بمرور الزمن.
وتشكّل العظام البنية والدعامة الأساسية لجسم الإنسان، حيث تعطي البنية الصلبة والمنتصبة للجسم، وتقوم العظام من خلال المفاصل التي تربط بينها وبين العضلات التي ترتكز وتستند عليها بتوفير القدرة على الحركة وتأدية الوظائف الحركية المتنوعة للجسم، كالمشي والركض وغيرها.
وتتكوّن العظام، باعتبارها نسيجا حيّا، كغيره من أنسجة الجسم، من مجموعة من الخلايا، تقسم هذه الخلايا بشكل رئيسي إلى مجموعتين، الأولى تدعى بالخلايا البانية للعظم تتركز وظيفتها على بناء نسيج عظمي جديد في العظام، والمجموعة الثانية تدعى بهادمات العظم تقوم بإزالة النسيج العظمي القديم والتخلص منه.
وتعمل بانيات وهادمات العظم بشكل دائم ومتوازن في النسيج العظمي الطبيعي ومن خلال عملها المتوازن تحافظ على بنية العظام الصلبة والصحية وقيام العظام بعملها الطبيعي دون مشاكل.
ويشكّل الكالسيوم وفيتامين “د” من المكوّنات الأساسية لبنية العظم ولعمل بانيات وهادمات العظم. وفي المؤتمر الفرانكفوني الرابع للإصابة بالاعتلالات العضلية العظمية وسبل الوقاية منها، الذي احتضنته تونس في عام 2022، كشف المشاركون أن الاعتلالات العضلية العظمية أصبحت المرض المهني الأول على مستوى العالم.
وسعى منظمو الملتقى لحث أصحاب القرار على إيلاء الأهمية للاعتلالات العظمية العضلية التي تسير نحو المزيد من الاستفحال لدى عدد كبير من العمال والعاملات في كل القطاعات، وذلك بوضع نصوص قانونية تضمن حقوقهم وتوفر لهم الظروف الصحية الدنيا لأداء مهامهم بما يجنبهم الإصابة بهذه الأمراض بعد سنوات من المباشرة ويخفف العبء على الصناديق الاجتماعية.
واعتبروا أنه في ظل غياب الظروف المهنية الملائمة صحيا للعمال في كل القطاعات لأداء وظائفهم، أصبح من الضروري لفت نظر جميع المتدخلين في هذا المجال من مجامع طب الشغل وأصحاب الشركات المشغلة إلى ضرورة التفكير في وضع آليات للوقاية من هذه الأمراض والسعي لتحسين ظروف العمل بها انطلاقا من الهندسة المعمارية للمؤسسة المشغلة وصولا إلى لباس العمال وظروف ممارسة عملهم طيلة اليوم إلى جانب التكفل بالمرضى.
وأكد الدكتور توفيق خلف الله مدير مخبر طب الشغل بكلية الطب بالمنستير ورئيس الجمعية التونسية والجمعية الأفريقية للأرغونوميا (علم تنظيم الشغل) وأستاذ استشفائي جامعي ورئيس الملتقى، أنه منذ الستينات ولاسيما السبعينات، كان انفتاح الاقتصاد العالمي وتطوير سياسات التجارة الحرة السبب في تسريع العولمة، حيث شاهدنا نقل العديد من الشركات من الدول الأوروبية إلى تونس، خاصة الشركات ذات الطاقة التشغيلية الكبيرة والتي تستوجب الحركات العضلية العظمية المتكررة. وتتمثل هذه القطاعات على سبيل الذكر في النسيج والإلكترونيات والسيارات والجلود والأسلاك.
وأضاف أنه بسبب توافد المؤسسات الاقتصادية إلى البلاد التونسية وجلها في صناعة النسيج والإلكترونيك والجلد وكوابل السيارات، وهي أعمال تتطلب حركية كبيرة لليد ووضع عمل في بعض الأحيان شاق، زادت الأمراض ذات العلاقة بالاعتلالات العضلية.
وتابع “بعد ثلاثين سنة من تأسيس شركات جديدة بتقنيات جديدة، أصبحت الاضطرابات العضلية العظمية تحتل المراكز الأولى في الأمراض المهنية في تونس ومن هنا جاءت النتيجة من نقل التكنولوجيا إلى نقل المرض”، مبينا أن “الاعتلالات العضلية العظمية المهنية متعددة الأسباب، منها ما هو مهني ومنها ما هو فردي وأخرى ترجع إلى تنظيم العمل والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية”.
◙ الاعتلالات العضلية العظمية، متأتيّة أساسا من إجهاد العضلات والمفاصل والأوتار، في الأعمال التي تتطلب حركات متكرّرة، والوضعيات غير السليمة
وأضاف أن العديد من الشركات أصبحت تتعرض إلى هذه الأمراض المهنية، داعيا جميع المتدخلين في مجال الوقاية من المخاطر المهنية إلى وضع كل الوسائل لمكافحة هذه الآفة الصحية في العمل. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي هي العنصر الرئيسي الذي يسهم في الإعاقة على نطاق العالم، حيث تمثل آلام أسفل الظهر السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً.
وتحد اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي بدرجة كبيرة من قابلية التحرُّك والمهارات الحركية، مما يؤدي إلى التقاعد المبكّر عن العمل وقلة أسباب العيش وضعف القدرة على المشاركة في الأدوار الاجتماعية. وتُعزى أعلى نسبة من الاعتلالات الأليمة الثابتة لأسباب غير السرطان إلى اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي.
وتشمل اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي أكثر من 150 تشخيصاً تؤثر على الجهاز العضلي الهيكلي، أي العضلات والعظام والمفاصل والأنسجة ذات الصلة مثل الأوتار والأربطة. وتتراوح بين الاعتلالات التي تظهر فجأة وتكون قصيرة العمر، مثل الكسور والتواءات المفاصل وحالات الشدّ، وحتى الاعتلالات طويلة الأمد المرتبطة بألم مستمر وبالإعاقة.
من جهة أخرى، كشفت بيانات رسمية عن ارتفاع حوادث الشغل القاتلة في تونس، المصرح بها في سنة 2023 إلى 120 حادثا قاتلا بزيادة بنسبة 17 في المئة مقارنة بحوادث الشغل القاتلة المصرح بها في 2022، وفق الإحصائيات العامة لحوادث الشغل والأمراض المهنية لسنة 2023.
وبحسب الإحصاءات، التي نشرها الصندوق الوطني للتأمين على المرض يحتل قطاع البناء والأشغال العامة المركز الأول من عدد حوادث الشغل القاتلة بتسجيل 31 حادثا أي بنسبة 25 في المئة من إجمالي حوادث الشغل القاتلة في 2023. وتعد حوادث السقوط من الأماكن المرتفعة أو سقوط أشياء صلبة أو التعرض للصعق الكهربائي أو الانحشار بين الآلات أو الحروق، أبرز أسباب الحوادث القاتلة في أماكن العمل المصرح بها، وفق ذات الإحصائيات.
من جهة أخرى، سجلت حوادث الشغل المصرح بها لدى مراكز الصندوق الوطني للتأمين على المرض في 2023 انخفاضا بنسبة 1.3 في المئة مقارنة بعام 2022. وبلغ إجمالي حوادث الشغل العام الماضي 26.251 حادثا مقابل 26.594 حادثا سنة 2022. ومثلت حوادث الشغل المسجلة في أماكن العمل حوالي 95 في المئة من إجمالي حوادث الشغل المصرح بها في سنة 2023، في المقابل شكلت حوادث السير ذات الصبغة المهنية 5 في المئة من المجموع العام لحوادث الشغل العام الماضي.
وقد تم التصريح بأكثر من 80 في المئة من حوادث الشغل في 8 ولايات (محافظات) من أصل 24 ولاية، وهي ولايات صفاقس (جنوب)، بن عروس، سوسة (شرق)، المنستير (شرق)، نابل، تونس، بنزرت، وقابس (جنوب). وتحتل قطاعات البناء والأشغال العامة، وصناعة الملابس، والصناعات الغذائية، والصناعات الميكانيكية، والصناعات الكهربائية، المراتب الخمس الأولى من حيث توزيع عدد حوادث الشغل حسب القطاعات الاقتصادية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
راضية القيزاني
صحافية تونسية
الاعتلالات العضلية العظمية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر تحتل نسبة 90 في المئة من جملة الأمراض.
السبت 2024/11/09
انشرWhatsAppTwitterFacebook
النسيج قطاع تنتشر فيه الأمراض المهنية
يؤكد أطباء الشغل في تونس أن الاعتلالات العضلية العظمية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر والكسور، تحتل المرتبة الأولى في قائمة الأمراض المهنية المصرح بها، مشيرين إلى تطورها العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه. وترتفع نسبة الأمراض المهنية في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي، وتتطلب صناعة النسيج والإلكترونيك والجلد وكوابل السيارات، حركية كبيرة لليد ووضع عمل في بعض الأحيان شاقا.
تونس ـ يشخّص خبراء الصحة، الاعتلالات العضلية العظمية، كأوّل مرض مهني على مستوى العالم، ويتوقّعون أن يرتفع معدل حدوث اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي وأن يزداد تأثيرها مع شيخوخة سكان العالم وارتفاع معدل انتشار عوامل خطورة الأمراض غير السارية.
وفي تونس، تحتل الاعتلالات العظمية العضلية كالتهاب المفاصل وآلام الظهر والكسور وغيرها المرتبة الأولى بنسبة 90 في المئة من جملة الأمراض المهنية المصرح بها، تليها مباشرة الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي والصمم المهني والأمراض الجلدية. وشهدت الأمراض المهنية المصرح بها خلال سنة 2023 ارتفاعا بنسبة 25 في المئة مقارنة بسنة 2022، حسب الإحصائيات العامة لحوادث الشغل والأمراض المهنية لسنة 2023.
وبلغ عدد التصاريح المتعلقة بالأمراض المهنية العام الماضي 3524 تصريحا، 43 في المئة منها في قطاع صناعة الملابس، حسب ما ورد من تصاريح على مراكز الصندوق الوطني للتأمين على المرض (حكومي). وقال الدكتور نزار العذاري، رئيس طبّ الشغل والأمراض المهنية بمستشفى شارل نيكول إن الاعتلالات العضلية العظمية هي أكثر الأمراض المهنية انتشار في تونس.
وأضاف لـ”العرب” أن النسبة ترتفع في القطاع الخاص نظرا لطبيعة العمل بينما تنخفض في القطاع الحكومي. وأشار العذاري إلى أن فقدان السمع الناتج عن الضجيج مرض مهني أيضا يشتكي منه التونسيون. ويعرّف الاعتلال العظمي بأنّه أيّ مرض أو اضطراب يؤثر على عظام الجسم ويسبب اضطراباً في بنيتها ووظيفتها. ويعتبر مرضا مهنيا كل ظاهرة اعتلال وكل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط المهني للمتضرر.
وتضبط قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني وكذلك أهم الأعمال التي قد تكون سببا فيها بقرار مشترك بين وزيري الصحة العمومية والشؤون الاجتماعية. وتحدد القائمة كذلك المدة التي يظل فيها العامل مستحقا للتعويض عن الأمراض التي قد تظهر عليه بعد أن يصبح غير معرض لمسببات المرض. وتقع مراجعة هذه القائمة بصفة دورية وعلى الأقل مرة كل ثلاث سنوات.
نزار العذاري: النسبة ترتفع في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي
وفي مداخلة هاتفيّة على إذاعة خاصة، تحدث العذاري عن الأمراض المهنيّة المنتشرة في تونس، سوءا في القطاع الحكومي أو الخاصّ. وأوضح نزار العذاري أنّ أكثرها انتشارا، هي الأمراض الاعتلالات العظمية العضلية.
والاعتلالات العظمية والعضلية، متأتيّة أساسا من إجهاد العضلات والمفاصل والأوتار، في الأعمال التي تتطلب حركات متكرّرة، والوضعيات غير السليمة وغير الطبيعية، والمجهود القوي الذي يقوم به العامل أثناء عمله، مما يتسبب في تمزق العضلات وتهرئها بمرور الزمن.
وتشكّل العظام البنية والدعامة الأساسية لجسم الإنسان، حيث تعطي البنية الصلبة والمنتصبة للجسم، وتقوم العظام من خلال المفاصل التي تربط بينها وبين العضلات التي ترتكز وتستند عليها بتوفير القدرة على الحركة وتأدية الوظائف الحركية المتنوعة للجسم، كالمشي والركض وغيرها.
وتتكوّن العظام، باعتبارها نسيجا حيّا، كغيره من أنسجة الجسم، من مجموعة من الخلايا، تقسم هذه الخلايا بشكل رئيسي إلى مجموعتين، الأولى تدعى بالخلايا البانية للعظم تتركز وظيفتها على بناء نسيج عظمي جديد في العظام، والمجموعة الثانية تدعى بهادمات العظم تقوم بإزالة النسيج العظمي القديم والتخلص منه.
وتعمل بانيات وهادمات العظم بشكل دائم ومتوازن في النسيج العظمي الطبيعي ومن خلال عملها المتوازن تحافظ على بنية العظام الصلبة والصحية وقيام العظام بعملها الطبيعي دون مشاكل.
ويشكّل الكالسيوم وفيتامين “د” من المكوّنات الأساسية لبنية العظم ولعمل بانيات وهادمات العظم. وفي المؤتمر الفرانكفوني الرابع للإصابة بالاعتلالات العضلية العظمية وسبل الوقاية منها، الذي احتضنته تونس في عام 2022، كشف المشاركون أن الاعتلالات العضلية العظمية أصبحت المرض المهني الأول على مستوى العالم.
وسعى منظمو الملتقى لحث أصحاب القرار على إيلاء الأهمية للاعتلالات العظمية العضلية التي تسير نحو المزيد من الاستفحال لدى عدد كبير من العمال والعاملات في كل القطاعات، وذلك بوضع نصوص قانونية تضمن حقوقهم وتوفر لهم الظروف الصحية الدنيا لأداء مهامهم بما يجنبهم الإصابة بهذه الأمراض بعد سنوات من المباشرة ويخفف العبء على الصناديق الاجتماعية.
واعتبروا أنه في ظل غياب الظروف المهنية الملائمة صحيا للعمال في كل القطاعات لأداء وظائفهم، أصبح من الضروري لفت نظر جميع المتدخلين في هذا المجال من مجامع طب الشغل وأصحاب الشركات المشغلة إلى ضرورة التفكير في وضع آليات للوقاية من هذه الأمراض والسعي لتحسين ظروف العمل بها انطلاقا من الهندسة المعمارية للمؤسسة المشغلة وصولا إلى لباس العمال وظروف ممارسة عملهم طيلة اليوم إلى جانب التكفل بالمرضى.
وأكد الدكتور توفيق خلف الله مدير مخبر طب الشغل بكلية الطب بالمنستير ورئيس الجمعية التونسية والجمعية الأفريقية للأرغونوميا (علم تنظيم الشغل) وأستاذ استشفائي جامعي ورئيس الملتقى، أنه منذ الستينات ولاسيما السبعينات، كان انفتاح الاقتصاد العالمي وتطوير سياسات التجارة الحرة السبب في تسريع العولمة، حيث شاهدنا نقل العديد من الشركات من الدول الأوروبية إلى تونس، خاصة الشركات ذات الطاقة التشغيلية الكبيرة والتي تستوجب الحركات العضلية العظمية المتكررة. وتتمثل هذه القطاعات على سبيل الذكر في النسيج والإلكترونيات والسيارات والجلود والأسلاك.
وأضاف أنه بسبب توافد المؤسسات الاقتصادية إلى البلاد التونسية وجلها في صناعة النسيج والإلكترونيك والجلد وكوابل السيارات، وهي أعمال تتطلب حركية كبيرة لليد ووضع عمل في بعض الأحيان شاق، زادت الأمراض ذات العلاقة بالاعتلالات العضلية.
وتابع “بعد ثلاثين سنة من تأسيس شركات جديدة بتقنيات جديدة، أصبحت الاضطرابات العضلية العظمية تحتل المراكز الأولى في الأمراض المهنية في تونس ومن هنا جاءت النتيجة من نقل التكنولوجيا إلى نقل المرض”، مبينا أن “الاعتلالات العضلية العظمية المهنية متعددة الأسباب، منها ما هو مهني ومنها ما هو فردي وأخرى ترجع إلى تنظيم العمل والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية”.
◙ الاعتلالات العضلية العظمية، متأتيّة أساسا من إجهاد العضلات والمفاصل والأوتار، في الأعمال التي تتطلب حركات متكرّرة، والوضعيات غير السليمة
وأضاف أن العديد من الشركات أصبحت تتعرض إلى هذه الأمراض المهنية، داعيا جميع المتدخلين في مجال الوقاية من المخاطر المهنية إلى وضع كل الوسائل لمكافحة هذه الآفة الصحية في العمل. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي هي العنصر الرئيسي الذي يسهم في الإعاقة على نطاق العالم، حيث تمثل آلام أسفل الظهر السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً.
وتحد اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي بدرجة كبيرة من قابلية التحرُّك والمهارات الحركية، مما يؤدي إلى التقاعد المبكّر عن العمل وقلة أسباب العيش وضعف القدرة على المشاركة في الأدوار الاجتماعية. وتُعزى أعلى نسبة من الاعتلالات الأليمة الثابتة لأسباب غير السرطان إلى اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي.
وتشمل اعتلالات النسيج العضلي الهيكلي أكثر من 150 تشخيصاً تؤثر على الجهاز العضلي الهيكلي، أي العضلات والعظام والمفاصل والأنسجة ذات الصلة مثل الأوتار والأربطة. وتتراوح بين الاعتلالات التي تظهر فجأة وتكون قصيرة العمر، مثل الكسور والتواءات المفاصل وحالات الشدّ، وحتى الاعتلالات طويلة الأمد المرتبطة بألم مستمر وبالإعاقة.
من جهة أخرى، كشفت بيانات رسمية عن ارتفاع حوادث الشغل القاتلة في تونس، المصرح بها في سنة 2023 إلى 120 حادثا قاتلا بزيادة بنسبة 17 في المئة مقارنة بحوادث الشغل القاتلة المصرح بها في 2022، وفق الإحصائيات العامة لحوادث الشغل والأمراض المهنية لسنة 2023.
وبحسب الإحصاءات، التي نشرها الصندوق الوطني للتأمين على المرض يحتل قطاع البناء والأشغال العامة المركز الأول من عدد حوادث الشغل القاتلة بتسجيل 31 حادثا أي بنسبة 25 في المئة من إجمالي حوادث الشغل القاتلة في 2023. وتعد حوادث السقوط من الأماكن المرتفعة أو سقوط أشياء صلبة أو التعرض للصعق الكهربائي أو الانحشار بين الآلات أو الحروق، أبرز أسباب الحوادث القاتلة في أماكن العمل المصرح بها، وفق ذات الإحصائيات.
من جهة أخرى، سجلت حوادث الشغل المصرح بها لدى مراكز الصندوق الوطني للتأمين على المرض في 2023 انخفاضا بنسبة 1.3 في المئة مقارنة بعام 2022. وبلغ إجمالي حوادث الشغل العام الماضي 26.251 حادثا مقابل 26.594 حادثا سنة 2022. ومثلت حوادث الشغل المسجلة في أماكن العمل حوالي 95 في المئة من إجمالي حوادث الشغل المصرح بها في سنة 2023، في المقابل شكلت حوادث السير ذات الصبغة المهنية 5 في المئة من المجموع العام لحوادث الشغل العام الماضي.
وقد تم التصريح بأكثر من 80 في المئة من حوادث الشغل في 8 ولايات (محافظات) من أصل 24 ولاية، وهي ولايات صفاقس (جنوب)، بن عروس، سوسة (شرق)، المنستير (شرق)، نابل، تونس، بنزرت، وقابس (جنوب). وتحتل قطاعات البناء والأشغال العامة، وصناعة الملابس، والصناعات الغذائية، والصناعات الميكانيكية، والصناعات الكهربائية، المراتب الخمس الأولى من حيث توزيع عدد حوادث الشغل حسب القطاعات الاقتصادية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
راضية القيزاني
صحافية تونسية