تل اسود...قرية أثرية نموذجية قرب دمشق عمرها 10 آلاف سنة .
-------------------------------------------------------
يقع تل اسود في آخر غوطة دمشق الى الشرق، في منطقة تكثر فيها المستنقعات الواقعة بين بحيرتي "العتيبة" و"الهيجانة"،
وتبلغ أبعاد هذا التل (270/ 225 متراً) وارتفاعه عن سطح الأرض نحو (خمسة أمتار)، وذلك جنوب شرقي مدينة دمشق، على أحد روافد نهر بردى في الطرف الشرقي من بلدة "جديدة الخاص"، ويمتد على مساحة (5 هكتارات)..
.
يتبع التل إدارياً لناحية "النشابية" التابعة لمنطقة "دوما" بريف "دمشق"..وسمي بهذا الاسم نظراً للون تربته السوداء.
.
دلت آثاره على تقدم كبير لسكان التل مقارنة بالحضارات المجاورة، خصوصاً في مجال الزراعة وتربية الحيوان..
.
وقد ثبت أن عمر الاستقرار البشري في هذا الموقع، يعود الى الفترة الواقعة بين 7790 و6690 سنة قبل الميلاد، أي مايعرف (بالعصر الحجري الحديث الأول) الذي لم يشهد بعد صناعة الفخار.
.
ويحتل "تل أسود" موقعاً خاصاً في بلاد الشام الوسطى كمنطقة تربط بين التوسعات الشمالية والجنوبية للمجتمعات الزراعية، ولكن علاقة سكان التل التجارية كانت أقوى مع المجتمعات الجنوبية في بلاد الشام، مع أنهم كانوا متقاربين ثقافياً مع المجتمعات الشمالية.
.
كان "تل اسود" عبارة عن قرية مؤلفة من أكواخ صغيرة الحجم، ومستديرة الشكل غير منتظمة وكبيرة عموماً (يصل قطرها إلى 13م).
تتلاصق بكثافة بعضها مع بعض، ومملوءة بالتراب حتى منتصفها، وبعضها نصف محفور بالأرض على عمق 50سم تقريباً، وبعضها الآخر مبني فوق سطح الأرض مباشرة..
وقد احتوت هذه البيوت على مقاعد ومصاطب وأفران وحفر لتثبيت العواميد. ولم يُستَخدم الحجر في البناء ؛ وإنما كان الطين مع القش هو المهيمن، ويعد هذا النمط من العمارة جديداً في هذه المنطقة.
وقد استخدم الطين في صنع اللبن الذي كانت تُفرَشْ فيه أرضية المسكن، أو لبناء مصطبات منخفضة..
واللْبنة مسطَّحة من الأسفل، ومحدَبة من الأعلى، وتظهر على وجهها العلوي طبقة أصابع آدمية، وكانت قطع اللبن تلك حطاماً محترقة بين الأنقاض، أو مرصوفة جنباً الى جنب، وتفرش الأرض مكونة “مصطبة”..
أما البنيان العلوي للكوخ، فلابد أن معظم عناصره مؤلفة من مواد نباتية خفيفة وسريعة الاشتعال، حيث تشير دلائل الحريق أن الأكواخ قد تعرضت مراراً للحريق، مع الاشارة إلى طبيعة البيئة المحيطة بالموقع التي أوجبت اللجوء إلى استخدام المواد الخفيفة وهي النباتات الناشئة من وجود المستنقعات.
.
وعلى الرغم من أن مخطط هذه البيوت غير منتظم؛ لكن توزعها في الموقع - في المرحلة الوسطى من الاستيطان - منتظم كثيراً؛ تتجه جميعها نحو الشرق، وبالتالي فهي محمية من الرياح القادمة من الغرب.
.
يعد "تل أسود" من أولى القرى التي مارست الزراعة والتدجين، ويدل على ذلك بقايا النباتات والحبوب المدجنة والحيوانات التي تم العثور عليها، مما يدل على وجود زراعة في المنطقة في هذه المرحلة. ويرجح أن الزراعة كانت مروية وذلك لعدم وجود أمطار كافية لزراعة بعلية، وهو ما أدى إلى الاستعانة بمياه البحيرات والمياه المتوافرة في المنطقة، وهذا ما يدل عليه وجود بذور بعض الأشجار والنباتات التي تحتاج إلى مناخ رطب كالكتان والتين والقصب.
.
وكانت بحيرتا "العتيبة" و"الهيجانة" غنيتان بالأسماك التي قام السكان باصطيادها ليتغذوا بها…
.
كما كان سكان التل يملكون أعداداً كبيرة من الماعز، وهذا يدل على أنهم كانوا إما صيادين أو رعاة، وبالإضافة إلى ذلك فقد مارس سكان التل الصيد، سواءً صيد الخيول أو الغزلان او الثعالب والارانب أوحتى الطيور، وهذا ما دلت عليه الاكتشافات، وأيضاً وجود القصب المائي، يدل على وجود بحيرة قريبة كان سكان التل يستغلونها جيداً.
.
تم العثور على أدوات حجرية مختلفة ولا سيما رؤوس السهام من النوع المفرَّض والمخارز والأزاميل والمناجل والبلطات وأحجار الجرش البازلتية والفؤوس المصقولة والأواني الحجرية، إضافةً إلى أدوات مختلفة من حجر الأوبسيديان (السبج) والأدوات العظمية كالإبر والمخارز والمقابض، فضلاً على الكرات والأقراص والأكواب والحوامل..
.
ومن المكتشفات دمى طينية (بشرية وحيوانية)،
والأهم من ذلك الدمى الإنسانية التي تُظهر نساء ً في وضعيات مختلفة؛ على نحو يبرز منهن الصدور والأرداف وهي تجسد عقيدة «الإلهة الأم» التي سادت لدى المجتمعات الزراعية الباكرة في الشرق القديم. وهناك أدوات الزينة كالخرز والأقراط من الأحجار النادرة كالعقيق والستياتيت steatite، والأوبسيديان والصدف.
وتشكل هذه المكتشفات بدايات للتصوير الفني لدى الانسان.
.
ويبدو أن لهذه النماذج من التماثيل، التي تسمى بالربات الجالسات، علاقة بطقوس العبادة العائلية. ويوجد شبيهاً لهذه الأشياء في منطقة "زاغروس" وموقع "المريبط" وهذا يؤكد وجود صلات قائمة وعلاقة وثيقة بين موقع "تل اسود" الثاني وهذه المواقع.
وهناك أدوات للزينة وأدوات عظمية ومقابض مصقولة للأدوات والفؤوس. إضافة إلى ذلك نجد المدافن الجماعية (الجنائزية) والجماجم المدفونة بشكل منعزل.
.
يعد تل أسود من أقدم المواقع الزراعية، حيث أن سكان التل قاموا بزراعة القمح الذي جلبوه من مرتفعات الجولان او من سهل حوران في الجنوب في فترة تتراوح بين 9000-8500 ق.م،
واعتمدت الزراعة على استخدام المياه السطحية المتوفرة من بحيرة "العتيبة" التي يبدو أن مياهها امتدت لتحاذي "تل أسود".
وكانت الحقول المزروعة على ضفاف البحيرة تفيد من الرطوبة الإضافية لعدة أسابيع في فصل الجفاف لتصل المحاصيل إلى مرحلة النضج الكامل.
كما تم العثور على بذور الكتان، وبذور التين والفستق، والتي كانت شعبية لديهم نظراً لأنها وجدت بكميات كبيرة جداً،وقد تم العثور على حاويات ثابتة من الطين والحجر مع حبوب متفحمة، وجدت في المناطق الداخلية ما يشير لاستخدامها كصوامع، كما أن القصب قد استخدم على نطاق واسع، خصوصا في الهندسة المعمارية، وأيضا للحصير والسلال وربما استخدم للفرش أو العلف.
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
الموسوعة العربية