إبراهيم النمر: الشعر ليس رحلة عادية أو ابتسامة موناليزية محيرة
الصداقات أمر بالغ الأهمية في عالم الأدب.
الجمعة 2024/11/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لا أهتم بالشهرة ولم تكن الأمسيات حلمي يوما
لكل شاعر مساره ومسيرته التي يشقها في اتجاه تجربته الخاصة، ولكن رغم التباين بين شاعر وآخر فإن المنطلقات تبدو متشابهة، فجل الشعراء بدأوا متأثرين بمن سبقهم، ومن ثم تقع القطيعة أو التمرد في اتجاه إيجاد الصوت الخاص. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر السوري إبراهيم النمر الذي بدأ متأثرا بنزار قباني قبل أن يخط تجربته المختلفة.
إبراهيم النمر شاعر سوري ابن مدينة الرقة التاريخية الواقعة على ضفاف نهر الفرات، التي ألهمت الكثير من الأدباء والفنانين، وتأثر الشاعر بيبئتها الطبيعية والتراثية وكانت حاضرة بوضوح في شعره، وتجلى ذلك من خلال صور الصحراء والنهر وجماليات الحياة البسيطة في قصائده.
النمر من الشعراء الذين أعطوا للشعر العربي صوتا جديدا يعكس هموم وتطلعات الإنسان السوري، وعبّر بصدق عن معاناة الناس وآمالهم في هذه المدينة العريقة، وبتراثه المحلي، ومع ذلك كانت نظرته إلى الشعر والحياة تتجاوز حدود المكان، حيث تناول موضوعات تتعلق بالحرية والوطن والإنسانية، معبرا عن رؤى إنسانية عميقة تلامس قلوب القراء في مختلف الأماكن، وتعد أعماله إضافة قيمة للشعر العربي الحديث، وقد تركت بصمة واضحة في الأدب السوري والعربي، محققا بذلك مكانة رفيعة بين شعراء جيله.
التأثر بنزار قباني
يعد النمر من الشعراء الذين ساهموا بشكل كبير في إثراء الأدب العربي في القرن الواحد والعشرين. يتميز شعره بأسلوب فريد يجمع بين الواقعية والأسلوب الرومانسي، مما جعل أعماله تحظى بشعبية وتقدير واسعين، وتغنى في أشعاره بالوطن والإنسان والحب، وعبّر بصدق عن تجارب الإنسان السوري ومعاناته وآماله، متناولا قضايا المجتمع وأحلامه في إطار شعري عذب.
درس الشاعر الأدب، وتعمق في قراءة التراث العربي الكلاسيكي، ما أثر في أسلوبه، وأضفى على شعره مسحة من الأصالة والتجديد. جمع في قصائده بين التأمل الفلسفي والإحساس المرهف، مما جعلها تنبض بحيوية خاصة، وجعلت من صوته الشعري رمزا للتجربة الإنسانية العميقة، كما عرف عن اهتمامه الشديد بقضايا الأمة العربية.
تأثر النمر، المقيم حاليا في تركيا، بالشاعر السوري الكبير نزار قباني، الذي يعد من أبرز الشعراء العرب الذين قدموا شعر الحب بأسلوب جديد، وحرروا القصيدة من قيودها التقليدية، فكان قباني مصدر إلهام للنمر وللكثير من الشعراء العرب الذين جاؤوا بعده، مستلهما من قصائده أسلوبا رومانسيا مليئا بالعواطف والحس الوطني. يشير النمر إلى أن الشعر لم يكن مجرد مهنة بالنسبة إليه، بل كان حياة كاملة ومصيرا اختاره دون تردد، حيث يرى أن الشعر هو “قنديله وماؤه وأشجاره وضفافه وفراته ومدينته الرقة”.
وبأسلوبه الرومانسي الشفاف، تناول النمر موضوعات الحب بأسلوب يحمل بصمته الخاصة، ورغم تأثير قباني الواضح عليه، إلا أنه استطاع أن يصوغ رؤيته للحب بعمق وجمال، حيث عبّر عن مشاعره بتعبيرات تشبه واقعه، وتلامس تجاربه الشخصية. حافظ في أشعاره على روح قباني التمردية والتحررية، ولكنه أضاف لمسة من البيئة السورية التقليدية التي ولد ونشأ فيها.
إن تركيز إبراهيم النمر على شعر الحب لم يكن محصورا في الغزل والرومانسية البحتة، بل وظف الحب كقيمة إنسانية سامية تتخطى العلاقات الشخصية لتشمل حب الوطن، وإيصال رسائل تتعلق بالحياة والإنسان، راسما بذلك صورة متكاملة للإنسان العاشق والمفكر في آن واحد.
إبراهيم النمر يمزج في شعره بين مشاعر الحب العميقة وقضايا الوطن، ورؤيته الفريدة للعلاقة بين الفرد والمجتمع
عن بداياته يقول الشاعر إبراهيم النمر لـ”العرب”، “بدأت رحلتي مع الشعر منذ الصغر، حين شجعني أساتذتي على الكتابة، وأدركت موهبتي الشعرية المبكرة”.
ويشرح “كنت في أولى قصائدي في الحب متأثرا بأسلوب نزار قباني، وبدأت بنشر أعمالي في الصحف السورية مثل صحيفة ‘المسيرة’ بفضل دعم وتشجيع الصحافيين والشعراء من حولي. وتطور اهتمامي بالنشر والمشاركة في الأمسيات الشعرية، حيث شاركت في العديد من المهرجانات والمناسبات الأدبية في سوريا وخارجها، وبدأت شهرتي بالانتشار بين الأوساط الأدبية”.
ويضيف “منذ مجموعتي الشعرية الأولى ‘بلاغات شعرية’ التي نشرت عام 1988، أصدرت بعدها عدة مجموعات شعرية تحمل طابعا فنيا مميزا، منها ‘الزمن الوحشي’، و’خيل الحنان’، و’مناديل الليل’. وقد زينت أغلفة دواويني أعمال فنية لفنانين مرموقين”.
ويرى النمر أن نشر أعماله كان خطوة مهمة في مسيرته الأدبية، إذ يسعى دائما إلى أن يكون صوته الشعري مزيجا من الحنين إلى الوطن والإحساس العميق بالحياة والإنسانية.
فالشاعر يمزج في شعره بين مشاعر الحب العميقة وقضايا الوطن، ورؤيته الفريدة للعلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين العاطفة والسياسة، مقدما شعرا يجمع بين الجمال والتأمل، ومتأثرا بأسلوبه الأول الملهم، نزار قباني، ليكون صوته الشعري نافذة تعبر عن الإنسان وهمومه وأحلامه.
وعن اختياره لهذا النوع من الجنس الأدبي، يقول “هو قراري الصائب.. ومصيري الذي اخترته دون تردد.. وحياتي الثانية. الشعر قنديلي ومائي وأشجاري وضفافي وفراتي ومدينتي الرقة، لذا فإن الحديث عني وعنه سيكون سلسا عذبا رقيقا.. وربما يكون غريبا بعيدا نائيا حزينا كئيبا”.
يقول الشاعر السوري “الشعر ليس مهنة لأتحدث عن مواصفاتها، وليس رحلة عادية لأسجل مشاهداتي وانطباعاتي، هو ليس أنثى عادية بوجه ملائكي وابتسامة موناليزية محيرة. الشعر، هو كل هذه الأشياء معا. وأنا كل الشعر. وهنا تبدأ الحكاية”.
عن الطفولة وما مدى تعلقه بالشعر يضيف “مع بداياتي كنت مشغولا بطفولتي وبأبناء حارتي وبأسرتي، حين طرق الشعر بابي، وبشرني بأني سأكون يوما شاعرا. تلمست الطريق بيدين صغيرتين مرتجفتين، قلم الرصاص كان بيدي والممحاة والورق النظيف الأبيض. تلمست طريقي، وكان الأساتذة الأجلاء يبشرون بشاعر قادم على جناح وردة مزروعة في زاوية أنيقة بشارع المنصور حيث كانت ولادتي وطفولتي هناك. وكانت الشهرة وقتها لا تعني لي شيئا؛ لأنني لم أجربها.. ولم تكن الأمسيات حلمي؛ لأنني لم أذق حلاوتها بعد”.
ويتابع “كانت فرحتي أن أقرأ على معلمي مدرستي عبارات ظننتها شعرا قبل الأوان. وشاءت الأقدار أن أحاط بعدد غير قليل من المعلمين والأقارب المهتمين بالأدب، والذين رسموا لي النجاح المبكر بتشجيعهم الكبير، وهنا يمر ذكر الأستاذ الراحل محمد عبدالسلام الحياني وابن عمي المرحوم طه النمر، أبي عماد، فكانت أول قصيدة خليلية عن الحب الذي كنا نردد نغماته الحلوة متأثرين بالشاعر الكبير نزار قباني. وأذكر أنني قرأت ديوان ‘قالت لي السمراء’ وأنا في الصف الثامن. وبدأت تتبلور فكرة أن أكون شاعرا بحجم نزار قباني وبدأت محاكاة قصائده البديعة وأذكر منها: أيها الثغر ترفقْ/ حين تقبيل الشفاهْ/ ربما ذابتْ فنادتْ/ زهرة الرمان آهْ”.
ومن قصائده، فلا تسأليني الرحيلا، يقول فيها “سآتي/ لأنعش روحي/ فقد عذبتني الهموم/ طويلا/ سآتي لألقي على خصرك الحلو/ عمري/ وأهدي لعينيك دمعي/ وأغسل في نهرك الطاهر العذب/ كل خطاياي/ حتى أعود نبيلا./ سآتي/ لأحظى بجناتك اليوم/ أعبث بالناهدين قليلا/ سآتي لأسجد في حضرة الحسن/ كل زماني/ فقبلك كان زماني هزيلا/ أحبك/ أهوى صباحاتك البيض/ وهي تعانق وجه الحنان/ فتسبي العقولا/ أحبك/ أهوى لذيذ المنام إذا كان/ يكفي المكان/ لضم شتاتي/ فإني المبعثر/ جيلا فجيلا”.
صداقات مثمرة
الشاعر حافظ في قصائده على روح قباني والتحررية ولكنه أضاف لمسة من البيئة السورية التقليدية الخاصة به
يلفت النمر إلى أهمية الصداقات في عالم الأدب، وهي التي لها تأثير كبير في تجربة كل شاعر، لما تقدمه لكل صاحب تجربة من مجالات مختلفة. ولا ينكر دور صداقاته في إقناعه بنشر قصائده ومن ثم الانخراط في عالم النشر والكتابة.
ويشير إلى أول مشاركة له بقوله “في إطار الأمسيات لا أزال أذكر الكثير الكثير، وأول ما أذكره هو مشاركتي الأولى في المهرجان الشعري الأول الذي أقامه المركز الثقافي العربي بالرقة، وعلى يومين متتالين، والذي شاركت فيه مع عدد من الشعراء الرقيين أذكر منهم: عبدالرحمن مطر، عنايت العطار، محمد البيطار، عايد سعيد السراج وغيرهم”.
أما عن مشاركاته في الأمسيات خارج مدينته فيقول “كانت لي مشاركات خارج المحافظة، وأذكر أني شاركت بأول أمسية خارج المحافظة في المركز الثقافي العربي بمصياف مع الأديبة الراحلة فوزية المرعي، والشاعر عايد سعيد السراج. وكان مدير المركز وقتها الأديب المتميز الراحل رفعت عطفة. كان ذلك في 1992، وبعدها شاركت بأمسية في المركز الثقافي العربي بسلمية، بلدة الشعر، وكانت مشاركتي مع الصديقين الشاعرين نجم الدرويش وعايد سعيد السراج. وبعدها في المركز الثقافي بأبي رمانة بدمشق مع القاص المبدع نجم الدين السمان. وكررتها مرة أخرى مع الشاعرة العراقية المبدعة ساجدة الموسوي”.
عن تأثره بديوان الأديب الراحل عبدالسلام العجيلي والاستئناس إلى رأيه، يقول “وأنا في سن الثامنة عشرة كانت تراودني فكرة طباعة ديوان شعري، وقد أنجزت مجموعة عنونتها بـ’نحن النجوم’، متأثرا بالديوان اليتيم للدكتور الراحل عبدالسلام العجيلي ‘الليالي والنجوم’. حملت قصائدي إلى الدكتور العجيلي منتظرا رأيه بقصائدي فكتب لي ‘السيد إبراهيم النمر: قرأت قصائدك، وأحسب أنك تعدها لتكون ديوانا مطبوعا. لا شك في أن لديك موهبة شعرية قادرة على أن تحلك محلا لائقا بين شعراء جيلك. فاللغة سليمة، والأفكار مبتكرة، والموسيقى الشعرية تنبئ بإحساس شعري مبشر بعطاء ذي قيمة. ولكني أصارحك، بأن طابع النتاج المبكر ظاهر فيما تكتبه'”.
وعن نصيحة العجيلي ودواوين الشعر التي أصدرها يقول النمر “فرحت برسالة الأديب العجيلي الذي نصحني بنشر قصائدي في الصحف والمجلات قبل الطباعة، فعزفت عن الطباعة، وانتظرت عامين آخرين، وبعدها ظهرت مجموعتي الأولى ‘بلاغات شعرية’ في عام 1988. وتتالت المجموعات التي صدرت لي بعدها منها أذكر ‘الزمن الوحشي’ و’مناديل الليل’ و’صباحات ملونة’ وغيرها.
وكانت لوحات الأغلفة لفنانين مبدعين مرموقين، من بينهم طلال معلا، أيمن ناصر، جورج شمعون، عايد الجمعة وآخرون”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالكريم البليخ
صحافي سوري
الصداقات أمر بالغ الأهمية في عالم الأدب.
الجمعة 2024/11/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لا أهتم بالشهرة ولم تكن الأمسيات حلمي يوما
لكل شاعر مساره ومسيرته التي يشقها في اتجاه تجربته الخاصة، ولكن رغم التباين بين شاعر وآخر فإن المنطلقات تبدو متشابهة، فجل الشعراء بدأوا متأثرين بمن سبقهم، ومن ثم تقع القطيعة أو التمرد في اتجاه إيجاد الصوت الخاص. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر السوري إبراهيم النمر الذي بدأ متأثرا بنزار قباني قبل أن يخط تجربته المختلفة.
إبراهيم النمر شاعر سوري ابن مدينة الرقة التاريخية الواقعة على ضفاف نهر الفرات، التي ألهمت الكثير من الأدباء والفنانين، وتأثر الشاعر بيبئتها الطبيعية والتراثية وكانت حاضرة بوضوح في شعره، وتجلى ذلك من خلال صور الصحراء والنهر وجماليات الحياة البسيطة في قصائده.
النمر من الشعراء الذين أعطوا للشعر العربي صوتا جديدا يعكس هموم وتطلعات الإنسان السوري، وعبّر بصدق عن معاناة الناس وآمالهم في هذه المدينة العريقة، وبتراثه المحلي، ومع ذلك كانت نظرته إلى الشعر والحياة تتجاوز حدود المكان، حيث تناول موضوعات تتعلق بالحرية والوطن والإنسانية، معبرا عن رؤى إنسانية عميقة تلامس قلوب القراء في مختلف الأماكن، وتعد أعماله إضافة قيمة للشعر العربي الحديث، وقد تركت بصمة واضحة في الأدب السوري والعربي، محققا بذلك مكانة رفيعة بين شعراء جيله.
التأثر بنزار قباني
يعد النمر من الشعراء الذين ساهموا بشكل كبير في إثراء الأدب العربي في القرن الواحد والعشرين. يتميز شعره بأسلوب فريد يجمع بين الواقعية والأسلوب الرومانسي، مما جعل أعماله تحظى بشعبية وتقدير واسعين، وتغنى في أشعاره بالوطن والإنسان والحب، وعبّر بصدق عن تجارب الإنسان السوري ومعاناته وآماله، متناولا قضايا المجتمع وأحلامه في إطار شعري عذب.
درس الشاعر الأدب، وتعمق في قراءة التراث العربي الكلاسيكي، ما أثر في أسلوبه، وأضفى على شعره مسحة من الأصالة والتجديد. جمع في قصائده بين التأمل الفلسفي والإحساس المرهف، مما جعلها تنبض بحيوية خاصة، وجعلت من صوته الشعري رمزا للتجربة الإنسانية العميقة، كما عرف عن اهتمامه الشديد بقضايا الأمة العربية.
تأثر النمر، المقيم حاليا في تركيا، بالشاعر السوري الكبير نزار قباني، الذي يعد من أبرز الشعراء العرب الذين قدموا شعر الحب بأسلوب جديد، وحرروا القصيدة من قيودها التقليدية، فكان قباني مصدر إلهام للنمر وللكثير من الشعراء العرب الذين جاؤوا بعده، مستلهما من قصائده أسلوبا رومانسيا مليئا بالعواطف والحس الوطني. يشير النمر إلى أن الشعر لم يكن مجرد مهنة بالنسبة إليه، بل كان حياة كاملة ومصيرا اختاره دون تردد، حيث يرى أن الشعر هو “قنديله وماؤه وأشجاره وضفافه وفراته ومدينته الرقة”.
وبأسلوبه الرومانسي الشفاف، تناول النمر موضوعات الحب بأسلوب يحمل بصمته الخاصة، ورغم تأثير قباني الواضح عليه، إلا أنه استطاع أن يصوغ رؤيته للحب بعمق وجمال، حيث عبّر عن مشاعره بتعبيرات تشبه واقعه، وتلامس تجاربه الشخصية. حافظ في أشعاره على روح قباني التمردية والتحررية، ولكنه أضاف لمسة من البيئة السورية التقليدية التي ولد ونشأ فيها.
إن تركيز إبراهيم النمر على شعر الحب لم يكن محصورا في الغزل والرومانسية البحتة، بل وظف الحب كقيمة إنسانية سامية تتخطى العلاقات الشخصية لتشمل حب الوطن، وإيصال رسائل تتعلق بالحياة والإنسان، راسما بذلك صورة متكاملة للإنسان العاشق والمفكر في آن واحد.
إبراهيم النمر يمزج في شعره بين مشاعر الحب العميقة وقضايا الوطن، ورؤيته الفريدة للعلاقة بين الفرد والمجتمع
عن بداياته يقول الشاعر إبراهيم النمر لـ”العرب”، “بدأت رحلتي مع الشعر منذ الصغر، حين شجعني أساتذتي على الكتابة، وأدركت موهبتي الشعرية المبكرة”.
ويشرح “كنت في أولى قصائدي في الحب متأثرا بأسلوب نزار قباني، وبدأت بنشر أعمالي في الصحف السورية مثل صحيفة ‘المسيرة’ بفضل دعم وتشجيع الصحافيين والشعراء من حولي. وتطور اهتمامي بالنشر والمشاركة في الأمسيات الشعرية، حيث شاركت في العديد من المهرجانات والمناسبات الأدبية في سوريا وخارجها، وبدأت شهرتي بالانتشار بين الأوساط الأدبية”.
ويضيف “منذ مجموعتي الشعرية الأولى ‘بلاغات شعرية’ التي نشرت عام 1988، أصدرت بعدها عدة مجموعات شعرية تحمل طابعا فنيا مميزا، منها ‘الزمن الوحشي’، و’خيل الحنان’، و’مناديل الليل’. وقد زينت أغلفة دواويني أعمال فنية لفنانين مرموقين”.
ويرى النمر أن نشر أعماله كان خطوة مهمة في مسيرته الأدبية، إذ يسعى دائما إلى أن يكون صوته الشعري مزيجا من الحنين إلى الوطن والإحساس العميق بالحياة والإنسانية.
فالشاعر يمزج في شعره بين مشاعر الحب العميقة وقضايا الوطن، ورؤيته الفريدة للعلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين العاطفة والسياسة، مقدما شعرا يجمع بين الجمال والتأمل، ومتأثرا بأسلوبه الأول الملهم، نزار قباني، ليكون صوته الشعري نافذة تعبر عن الإنسان وهمومه وأحلامه.
وعن اختياره لهذا النوع من الجنس الأدبي، يقول “هو قراري الصائب.. ومصيري الذي اخترته دون تردد.. وحياتي الثانية. الشعر قنديلي ومائي وأشجاري وضفافي وفراتي ومدينتي الرقة، لذا فإن الحديث عني وعنه سيكون سلسا عذبا رقيقا.. وربما يكون غريبا بعيدا نائيا حزينا كئيبا”.
يقول الشاعر السوري “الشعر ليس مهنة لأتحدث عن مواصفاتها، وليس رحلة عادية لأسجل مشاهداتي وانطباعاتي، هو ليس أنثى عادية بوجه ملائكي وابتسامة موناليزية محيرة. الشعر، هو كل هذه الأشياء معا. وأنا كل الشعر. وهنا تبدأ الحكاية”.
عن الطفولة وما مدى تعلقه بالشعر يضيف “مع بداياتي كنت مشغولا بطفولتي وبأبناء حارتي وبأسرتي، حين طرق الشعر بابي، وبشرني بأني سأكون يوما شاعرا. تلمست الطريق بيدين صغيرتين مرتجفتين، قلم الرصاص كان بيدي والممحاة والورق النظيف الأبيض. تلمست طريقي، وكان الأساتذة الأجلاء يبشرون بشاعر قادم على جناح وردة مزروعة في زاوية أنيقة بشارع المنصور حيث كانت ولادتي وطفولتي هناك. وكانت الشهرة وقتها لا تعني لي شيئا؛ لأنني لم أجربها.. ولم تكن الأمسيات حلمي؛ لأنني لم أذق حلاوتها بعد”.
ويتابع “كانت فرحتي أن أقرأ على معلمي مدرستي عبارات ظننتها شعرا قبل الأوان. وشاءت الأقدار أن أحاط بعدد غير قليل من المعلمين والأقارب المهتمين بالأدب، والذين رسموا لي النجاح المبكر بتشجيعهم الكبير، وهنا يمر ذكر الأستاذ الراحل محمد عبدالسلام الحياني وابن عمي المرحوم طه النمر، أبي عماد، فكانت أول قصيدة خليلية عن الحب الذي كنا نردد نغماته الحلوة متأثرين بالشاعر الكبير نزار قباني. وأذكر أنني قرأت ديوان ‘قالت لي السمراء’ وأنا في الصف الثامن. وبدأت تتبلور فكرة أن أكون شاعرا بحجم نزار قباني وبدأت محاكاة قصائده البديعة وأذكر منها: أيها الثغر ترفقْ/ حين تقبيل الشفاهْ/ ربما ذابتْ فنادتْ/ زهرة الرمان آهْ”.
ومن قصائده، فلا تسأليني الرحيلا، يقول فيها “سآتي/ لأنعش روحي/ فقد عذبتني الهموم/ طويلا/ سآتي لألقي على خصرك الحلو/ عمري/ وأهدي لعينيك دمعي/ وأغسل في نهرك الطاهر العذب/ كل خطاياي/ حتى أعود نبيلا./ سآتي/ لأحظى بجناتك اليوم/ أعبث بالناهدين قليلا/ سآتي لأسجد في حضرة الحسن/ كل زماني/ فقبلك كان زماني هزيلا/ أحبك/ أهوى صباحاتك البيض/ وهي تعانق وجه الحنان/ فتسبي العقولا/ أحبك/ أهوى لذيذ المنام إذا كان/ يكفي المكان/ لضم شتاتي/ فإني المبعثر/ جيلا فجيلا”.
صداقات مثمرة
الشاعر حافظ في قصائده على روح قباني والتحررية ولكنه أضاف لمسة من البيئة السورية التقليدية الخاصة به
يلفت النمر إلى أهمية الصداقات في عالم الأدب، وهي التي لها تأثير كبير في تجربة كل شاعر، لما تقدمه لكل صاحب تجربة من مجالات مختلفة. ولا ينكر دور صداقاته في إقناعه بنشر قصائده ومن ثم الانخراط في عالم النشر والكتابة.
ويشير إلى أول مشاركة له بقوله “في إطار الأمسيات لا أزال أذكر الكثير الكثير، وأول ما أذكره هو مشاركتي الأولى في المهرجان الشعري الأول الذي أقامه المركز الثقافي العربي بالرقة، وعلى يومين متتالين، والذي شاركت فيه مع عدد من الشعراء الرقيين أذكر منهم: عبدالرحمن مطر، عنايت العطار، محمد البيطار، عايد سعيد السراج وغيرهم”.
أما عن مشاركاته في الأمسيات خارج مدينته فيقول “كانت لي مشاركات خارج المحافظة، وأذكر أني شاركت بأول أمسية خارج المحافظة في المركز الثقافي العربي بمصياف مع الأديبة الراحلة فوزية المرعي، والشاعر عايد سعيد السراج. وكان مدير المركز وقتها الأديب المتميز الراحل رفعت عطفة. كان ذلك في 1992، وبعدها شاركت بأمسية في المركز الثقافي العربي بسلمية، بلدة الشعر، وكانت مشاركتي مع الصديقين الشاعرين نجم الدرويش وعايد سعيد السراج. وبعدها في المركز الثقافي بأبي رمانة بدمشق مع القاص المبدع نجم الدين السمان. وكررتها مرة أخرى مع الشاعرة العراقية المبدعة ساجدة الموسوي”.
عن تأثره بديوان الأديب الراحل عبدالسلام العجيلي والاستئناس إلى رأيه، يقول “وأنا في سن الثامنة عشرة كانت تراودني فكرة طباعة ديوان شعري، وقد أنجزت مجموعة عنونتها بـ’نحن النجوم’، متأثرا بالديوان اليتيم للدكتور الراحل عبدالسلام العجيلي ‘الليالي والنجوم’. حملت قصائدي إلى الدكتور العجيلي منتظرا رأيه بقصائدي فكتب لي ‘السيد إبراهيم النمر: قرأت قصائدك، وأحسب أنك تعدها لتكون ديوانا مطبوعا. لا شك في أن لديك موهبة شعرية قادرة على أن تحلك محلا لائقا بين شعراء جيلك. فاللغة سليمة، والأفكار مبتكرة، والموسيقى الشعرية تنبئ بإحساس شعري مبشر بعطاء ذي قيمة. ولكني أصارحك، بأن طابع النتاج المبكر ظاهر فيما تكتبه'”.
وعن نصيحة العجيلي ودواوين الشعر التي أصدرها يقول النمر “فرحت برسالة الأديب العجيلي الذي نصحني بنشر قصائدي في الصحف والمجلات قبل الطباعة، فعزفت عن الطباعة، وانتظرت عامين آخرين، وبعدها ظهرت مجموعتي الأولى ‘بلاغات شعرية’ في عام 1988. وتتالت المجموعات التي صدرت لي بعدها منها أذكر ‘الزمن الوحشي’ و’مناديل الليل’ و’صباحات ملونة’ وغيرها.
وكانت لوحات الأغلفة لفنانين مبدعين مرموقين، من بينهم طلال معلا، أيمن ناصر، جورج شمعون، عايد الجمعة وآخرون”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالكريم البليخ
صحافي سوري