منع فيلم افتتاح "الجونة" السينمائي يقدم صورة سلبية عن المهرجانات المصرية
نقاد يرون أن الرقابة تجاوزت مرحلة التضييق على الأفكار، وتكرار الأمر مع المهرجانات يعبر عن تشدد في آراء متخذي القرار داخل جهاز الرقابة.
القرار صدر قبل يوم من افتتاحه
القاهرة – وضعت الرقابة على المصنفات الفنية في مصر مهرجان الجونة السينمائي، الذي انطلقت دورته السابعة الخميس، في مأزق بعد أن قررت قبل يوم واحد من افتتاحه منع عرض فيلم “آخر المعجزات” (وهو من فئة الأفلام القصيرة) من دون إبداء أسباب، ما ينعكس على مصداقية المهرجان أمام ضيوفه الدوليين وقد يشوه صورة الفعاليات الفنية المصرية التي تخضع لرقابة مسبقة.
يتناول الفيلم العلاقة بين العالمين المادي والروحي عبر رحلة يحيى، وهو شخص في الأربعين من عمره يعمل محررا في صفحة الوفيات في إحدى الصحف، ودخل في خلاف مع مديره بسبب كتابة اسم شيخ صوفي بالخطأ بعد وفاته، ويفاجأ يحيى بمكالمة هاتفية من الشيخ الصوفي المتوفى ويطلب لقاءه، ما يدفعه نحو رحلة روحية تنتهي بمصير غير متوقع، وهو مقتبس من القصة القصيرة “معجزة” من المجموعة القصصية “خمارة القط الأسود” للأديب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ.
وتصل مدة الفيلم إلى 20 دقيقة، وشارك في كتابة السيناريو الخاص به مارك لطفي. وهو من بطولة خالد كمال وأحمد صيام وعابد عناني، مع ظهور خاص للنجمة غادة عادل، وتم تصوير أغلب مشاهده في منطقة وسط القاهرة.
فايزة هنداوي: المفاجأة كانت بمنع عرض الفيلم قبل حفل الافتتاح بساعات
ووضعت المصنفات الفنية مهرجان الجونة وغيره من المهرجانات المصرية في خانة الهيمنة الحكومية على الإبداع في مواجهة مهرجانات عربية تجاوزت هذا الأمر مبكرا، ويخشى العديد من المهتمين بالثقافة والفنون في مصر أن يخصم ذلك من رصيد الفعاليات الفنية التي تشهد تراجعا ملموسا على مستوى الدعم اللوجستي والتمويل، وتحاول إدارات المهرجانات أن تعوضه من خلال الاعتماد على الخبرات المصرية في تدشين فعاليات فنية خاصة منذ عقود طويلة.
ويتعارض هذا التوجه مع تصريحات سابقة أطلقها وزير الثقافة المصري أحمد هنو تحدث فيها عن التراجع الذي تعيشه السينما وحاجة الدولة إلى التدخل من أجل الارتقاء بتلك الصناعة، ما يشير إلى أن الاستمرار في الدوران بالمكان نفسه سيكون سائدا بلا تغيير واضح، خاصة وأن المهرجانات دائما تجذب جمهورا متخصصا.
كما يتعارض مع المساعي التي تتحدث عنها دوائر حكومية بشأن أهمية الحفاظ على القوة الناعمة واستعادة مصطلح “الريادة”، ويشي ذلك بأن المحاذير تظل طاغية على محاولات من شأنها إصلاح الوضع القائم، لاسيما أن مهرجان الجونة ينظر إليه على أنه الأكثر قدرة على تقديم صورة إيجابية عن السينما المصرية، ويتوافر له تمويل ونجاح في جذب نجوم العالم من الفنانين.
ويتم توظيف المنتجع الذي يقام فيه ويحمل اسم الجونة على ساحل البحر الأحمر لإقامة فعالية يمتزج فيها الترويج السياحي مع الرغبة في إحداث حركة تطور سينمائية.
وتقام الدورة السابعة من المهرجان خلال الفترة من 24 أكتوبر الحالي حتى 1 نوفمبر المقبل، بمشاركة 55 فيلما روائيا طويلا ووثائقيا، إضافة إلى 16 فيلما قصيرا، من 40 دولة، ومن بين هذه الأفلام ستشهد 6 أفلام عرضها العالمي الأول، فيما تُقدم 12 تجربة سينمائية لمخرجين جدد، ولتمكين المرأة في صناعة السينما تصل نسبة الأفلام التي صنعتها مُخرجات إلى 44 في المئة، ويكرم الفنان محمود حميدة بمنحه جائزة الإنجاز الإبداعي، احتفاء بأدواره المتعددة في السينما والتلفزيون.
وقالت الناقدة الفنية فايزة هنداوي إن الرقابة وافقت على الفيلم أثناء تصويره، ومع عرض أفلام المهرجان على الرقابة لم يحظ باعتراض أيضا، غير أن المفاجأة كانت بمنع عرضه قبل حفل الافتتاح بساعات، في خطوة غير متوقعة وتقف ضد معايير التطور الحاصل في السينما العربية والعالمية، وضربت الجهات الرقابية سمعة المهرجانات المصرية في مقتل، لأن الكثير من النجوم الأجانب جاءوا إلى حفل الافتتاح ولديهم برنامج حول ما سيتم عرضه.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة تجاوزت مرحلة التضييق على الأفكار والمطالبة بإدخال تعديلات على السيناريو، وهي قرارات دائما ترتبط بالأفلام المعروضة في السينما، وأن تكرار الأمر مع المهرجانات يعبر عن تشدد في آراء متخذي القرار داخل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
وأكدت أن المبدعين في مصر لديهم مشكلات مستمرة مع الرقابة منذ عقود طويلة، لكن ما حدث مع وقف عرض فيلم “الملحد” قبل إتاحته للجمهور بوقت قصير، ثم الحديث عن منع عرض فيلم “التاروت” يشيران إلى أن سقف الحرية الفنية يتراجع، وهناك عدد كبير من السيناريوهات التي يتم تقديمها وتواجه الرفض لأسباب لم تكن موجودة في السابق، مثل الاعتراض على تجسيد شخصيات بعينها في المجتمع، لافتة إلى أن السماح بإتاحة الأعمال الاجتماعية ومشكلات الأسرة لا يصنع فنا جيدا.
قرار يؤثر على سمعة المهرجان
وواجه مهرجان الجونة أزمة شبيهة قبل ثلاثة أعوام، مع عرض فيلم “ريش” للمخرج عمر الزهيري، بعد أن غادر ثلاثة ممثلين قاعة العرض متهمين الفيلم بالإساءة إلى مصر، وبعد الأزمة قررت إدارة المهرجان تأجيل فعاليات الدورة السادسة التي كان من المقرر عقدها في أكتوبر 2022. وبرر رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو أحد القائمين على المهرجان، التأجيل بأن الفعالية واجهت نقدا إعلاميا غير مبرر، قبل أن يعود المهرجان مرة أخرى العام الماضي، وجرت إقامته في نهاية العام.
وأكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن الرقابة تتحكم في كافة المهرجانات التي تقام في مصر، وجميع الأفلام لا بد أن تمر من خلالها، والقائمون عليها تأقلموا مع هذا الوضع، وبالتالي من غير المقبول حظر عرض أحد الأعمال قبل حفل الافتتاح بساعات فقط، لأن الفيلم مأخوذ من رواية موجودة في المكتبات منذ 55 عاما، وليس هناك مبرر للحظر.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة تبعث رسالة إلى القائمين على الفن مفادها أنها المتحكم الوحيد في الإبداع الذي يرى النور، وحال لم يكن ذلك مناسبا بالنسبة إلى المبدعين فإن آراءهم لن تكون مهمة، وأن السياسة القائمة لا تخدم الفن المصري بوجه عام وبحاجة إلى إعادة نظر في آليات عمل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
وأوضح أن القرار الأخير يؤثر سلبا على شكل المهرجانات المصرية أمام العالم، لكن ذلك لن يؤدي إلى التراجع عن إقامتها أو إلى تحديد مستويات الأفلام فيها التي ترجع إلى مدى قدرة القائمين عليها في جذب أفلام العرض الأول ذات القيمة الفنية العالية، مشيرا إلى أن إدارات المهرجانات المصرية في السابق كانت تعترض على قرارات المصنفات وتصمم على بث أفلامها، إلا أن ذلك يصعب تحقيقه في الوقت الحالي.
ونفى أن يكون مهرجان الجونة مقصودا بالقرار الأخير، لأن هناك مهرجانات أخرى تتعرض فيها الأفلام التي تقدمها للرفض مثلما حدث في مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الإسكندرية لأفلام البحر المتوسط، غير أن الجديد هذه المرة أن المنع جاء بحق فيلم الافتتاح وقبل بثه بوقت قصير.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد جمال
صحافي مصري
نقاد يرون أن الرقابة تجاوزت مرحلة التضييق على الأفكار، وتكرار الأمر مع المهرجانات يعبر عن تشدد في آراء متخذي القرار داخل جهاز الرقابة.
القرار صدر قبل يوم من افتتاحه
القاهرة – وضعت الرقابة على المصنفات الفنية في مصر مهرجان الجونة السينمائي، الذي انطلقت دورته السابعة الخميس، في مأزق بعد أن قررت قبل يوم واحد من افتتاحه منع عرض فيلم “آخر المعجزات” (وهو من فئة الأفلام القصيرة) من دون إبداء أسباب، ما ينعكس على مصداقية المهرجان أمام ضيوفه الدوليين وقد يشوه صورة الفعاليات الفنية المصرية التي تخضع لرقابة مسبقة.
يتناول الفيلم العلاقة بين العالمين المادي والروحي عبر رحلة يحيى، وهو شخص في الأربعين من عمره يعمل محررا في صفحة الوفيات في إحدى الصحف، ودخل في خلاف مع مديره بسبب كتابة اسم شيخ صوفي بالخطأ بعد وفاته، ويفاجأ يحيى بمكالمة هاتفية من الشيخ الصوفي المتوفى ويطلب لقاءه، ما يدفعه نحو رحلة روحية تنتهي بمصير غير متوقع، وهو مقتبس من القصة القصيرة “معجزة” من المجموعة القصصية “خمارة القط الأسود” للأديب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ.
وتصل مدة الفيلم إلى 20 دقيقة، وشارك في كتابة السيناريو الخاص به مارك لطفي. وهو من بطولة خالد كمال وأحمد صيام وعابد عناني، مع ظهور خاص للنجمة غادة عادل، وتم تصوير أغلب مشاهده في منطقة وسط القاهرة.
فايزة هنداوي: المفاجأة كانت بمنع عرض الفيلم قبل حفل الافتتاح بساعات
ووضعت المصنفات الفنية مهرجان الجونة وغيره من المهرجانات المصرية في خانة الهيمنة الحكومية على الإبداع في مواجهة مهرجانات عربية تجاوزت هذا الأمر مبكرا، ويخشى العديد من المهتمين بالثقافة والفنون في مصر أن يخصم ذلك من رصيد الفعاليات الفنية التي تشهد تراجعا ملموسا على مستوى الدعم اللوجستي والتمويل، وتحاول إدارات المهرجانات أن تعوضه من خلال الاعتماد على الخبرات المصرية في تدشين فعاليات فنية خاصة منذ عقود طويلة.
ويتعارض هذا التوجه مع تصريحات سابقة أطلقها وزير الثقافة المصري أحمد هنو تحدث فيها عن التراجع الذي تعيشه السينما وحاجة الدولة إلى التدخل من أجل الارتقاء بتلك الصناعة، ما يشير إلى أن الاستمرار في الدوران بالمكان نفسه سيكون سائدا بلا تغيير واضح، خاصة وأن المهرجانات دائما تجذب جمهورا متخصصا.
كما يتعارض مع المساعي التي تتحدث عنها دوائر حكومية بشأن أهمية الحفاظ على القوة الناعمة واستعادة مصطلح “الريادة”، ويشي ذلك بأن المحاذير تظل طاغية على محاولات من شأنها إصلاح الوضع القائم، لاسيما أن مهرجان الجونة ينظر إليه على أنه الأكثر قدرة على تقديم صورة إيجابية عن السينما المصرية، ويتوافر له تمويل ونجاح في جذب نجوم العالم من الفنانين.
ويتم توظيف المنتجع الذي يقام فيه ويحمل اسم الجونة على ساحل البحر الأحمر لإقامة فعالية يمتزج فيها الترويج السياحي مع الرغبة في إحداث حركة تطور سينمائية.
وتقام الدورة السابعة من المهرجان خلال الفترة من 24 أكتوبر الحالي حتى 1 نوفمبر المقبل، بمشاركة 55 فيلما روائيا طويلا ووثائقيا، إضافة إلى 16 فيلما قصيرا، من 40 دولة، ومن بين هذه الأفلام ستشهد 6 أفلام عرضها العالمي الأول، فيما تُقدم 12 تجربة سينمائية لمخرجين جدد، ولتمكين المرأة في صناعة السينما تصل نسبة الأفلام التي صنعتها مُخرجات إلى 44 في المئة، ويكرم الفنان محمود حميدة بمنحه جائزة الإنجاز الإبداعي، احتفاء بأدواره المتعددة في السينما والتلفزيون.
وقالت الناقدة الفنية فايزة هنداوي إن الرقابة وافقت على الفيلم أثناء تصويره، ومع عرض أفلام المهرجان على الرقابة لم يحظ باعتراض أيضا، غير أن المفاجأة كانت بمنع عرضه قبل حفل الافتتاح بساعات، في خطوة غير متوقعة وتقف ضد معايير التطور الحاصل في السينما العربية والعالمية، وضربت الجهات الرقابية سمعة المهرجانات المصرية في مقتل، لأن الكثير من النجوم الأجانب جاءوا إلى حفل الافتتاح ولديهم برنامج حول ما سيتم عرضه.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة تجاوزت مرحلة التضييق على الأفكار والمطالبة بإدخال تعديلات على السيناريو، وهي قرارات دائما ترتبط بالأفلام المعروضة في السينما، وأن تكرار الأمر مع المهرجانات يعبر عن تشدد في آراء متخذي القرار داخل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
وأكدت أن المبدعين في مصر لديهم مشكلات مستمرة مع الرقابة منذ عقود طويلة، لكن ما حدث مع وقف عرض فيلم “الملحد” قبل إتاحته للجمهور بوقت قصير، ثم الحديث عن منع عرض فيلم “التاروت” يشيران إلى أن سقف الحرية الفنية يتراجع، وهناك عدد كبير من السيناريوهات التي يتم تقديمها وتواجه الرفض لأسباب لم تكن موجودة في السابق، مثل الاعتراض على تجسيد شخصيات بعينها في المجتمع، لافتة إلى أن السماح بإتاحة الأعمال الاجتماعية ومشكلات الأسرة لا يصنع فنا جيدا.
قرار يؤثر على سمعة المهرجان
وواجه مهرجان الجونة أزمة شبيهة قبل ثلاثة أعوام، مع عرض فيلم “ريش” للمخرج عمر الزهيري، بعد أن غادر ثلاثة ممثلين قاعة العرض متهمين الفيلم بالإساءة إلى مصر، وبعد الأزمة قررت إدارة المهرجان تأجيل فعاليات الدورة السادسة التي كان من المقرر عقدها في أكتوبر 2022. وبرر رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو أحد القائمين على المهرجان، التأجيل بأن الفعالية واجهت نقدا إعلاميا غير مبرر، قبل أن يعود المهرجان مرة أخرى العام الماضي، وجرت إقامته في نهاية العام.
وأكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن الرقابة تتحكم في كافة المهرجانات التي تقام في مصر، وجميع الأفلام لا بد أن تمر من خلالها، والقائمون عليها تأقلموا مع هذا الوضع، وبالتالي من غير المقبول حظر عرض أحد الأعمال قبل حفل الافتتاح بساعات فقط، لأن الفيلم مأخوذ من رواية موجودة في المكتبات منذ 55 عاما، وليس هناك مبرر للحظر.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة تبعث رسالة إلى القائمين على الفن مفادها أنها المتحكم الوحيد في الإبداع الذي يرى النور، وحال لم يكن ذلك مناسبا بالنسبة إلى المبدعين فإن آراءهم لن تكون مهمة، وأن السياسة القائمة لا تخدم الفن المصري بوجه عام وبحاجة إلى إعادة نظر في آليات عمل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
وأوضح أن القرار الأخير يؤثر سلبا على شكل المهرجانات المصرية أمام العالم، لكن ذلك لن يؤدي إلى التراجع عن إقامتها أو إلى تحديد مستويات الأفلام فيها التي ترجع إلى مدى قدرة القائمين عليها في جذب أفلام العرض الأول ذات القيمة الفنية العالية، مشيرا إلى أن إدارات المهرجانات المصرية في السابق كانت تعترض على قرارات المصنفات وتصمم على بث أفلامها، إلا أن ذلك يصعب تحقيقه في الوقت الحالي.
ونفى أن يكون مهرجان الجونة مقصودا بالقرار الأخير، لأن هناك مهرجانات أخرى تتعرض فيها الأفلام التي تقدمها للرفض مثلما حدث في مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الإسكندرية لأفلام البحر المتوسط، غير أن الجديد هذه المرة أن المنع جاء بحق فيلم الافتتاح وقبل بثه بوقت قصير.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد جمال
صحافي مصري