بلوي (خالد عيسي)
Al-BalwiI (Khaled ibn Isa-) - Al-BalwiI (Khaled ibn Isa-)
البلوي (خالد بن عيسى ـ)
(713 ـ 768هـ/1311 ـ 1365م)
أبو البقاء، خالد بن عيسى بن أحمد البلوي القنتوري نسبة إلى مسقط رأسه قنتورية Cantoria، وهي بليدة من أعمال ألمريّة Almeria في مملكة غرناطة، قاض من علماء الأندلس وأدبائها، ويُعرف بالبلوي نسبة إلى بليّ وهي فرع من قضاعة.
تلقى أبو البقاء علومه الدينية واللغوية والأدبية على أبيه وعلى شيوخ أندلسيين ومغاربة منهم أبو جعفر بن صفوان (ت 749هـ) من علماء غرناطة، وعبد الرحمن الجزولي (ت741هـ) من علماء فاس.
وولي القضاء بقنتورية وبُرشانة Purchena فصار واحداً من قضاة الأندلس المعروفين في القرن الثامن الهجري.
ترجم له معاصره لسان الدين ابن الخطيب (ت 776هـ) في مواضع مختلفة. فقال في كتابه «الكتيبة الكامنة في أدباء المئة الثامنة» إنه ارتسم في حزب القضاء وفريقه، وأن أدبه يشتمل على نظم ونثر، وذكر في كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة» أنه لقي خالداً بعد عودته من المشرق، وكان البلوي قد زار الديار المقدّسة، وأدى فريضة الحج، وتجوّل في عدد من البلاد المشرقية، وكان ابن الخطيب يكنيه بأبي يزيد، وداعبه مداعبة الأديب، وأخذ عليه انتحاله أسلوب العماد الأصبهاني (ت 597هـ) في «البرق الشامي» لما في رحلته من الأسجاع التي أتى بها العماد.
سجّل له المؤرخون ثلاث رحلات، كانت الأولى إلى فاس للتزوّد بالعلم، والثانية إلى المشرق للحج، وطلب السند العالي في الحديث النبوي، ولقاء العلماء للسماع عليهم، وطلب الإجازة منهم، وأما الثالثة فتنقلات في شرقي الأندلس وغرناطة وألمرية وبَلّشِ Velez.
وتعد رحلته المشرقية التي استمرت أربع سنوات من سنة 736هـ إلى سنة 740هـ أهم رحلاته، سافر في بعضها براً، وفي بعضها الآخر بحراً، ووصف الأقطار التي زارها وهي: بلاد المغرب ومصر والديار الحجازية وفلسطين، وذكر بعض العلماء الذين التقاهم ومنهم الشاعر واللغوي والمحدث والمفسّر أبو حيان الأندلسي (ت 745هـ) نزيل مصر، وقد أخذ عنه في القاهرة علماً جماً، وفي طريق عودته انتدبه صاحب إفريقية (تونس) أبو يحيى أبو بكر الثاني المتوكل على الله (ت 747هـ) للكتابة في ديوان الإنشاء.
وحين وصل إلى الأندلس صنّف ما دوّن ونقّحه، وفي عام تسعة عشر وثمانمئة من الهجرة أخرج حفيد المؤلف، خالد بن أحمد بن خالد، الرحلة مكتوبة بعنوان «تاج المفرق في تحلية علماء المشرق»، فجاءت بأسلوبها المحكم وعباراتها المنتقاة أثراً أدبياً وتاريخياً وجغرافياً هاماً تضم تراجم الأعلام والقصائد والأراجيز، إضافة إلى تجربة المؤلف الشخصية ووقوفه بنفسه على المشاهد والآثار.
هذا التدوين يكتسي صفة فهرسية، لأنه يطنب في الحديث عن العلماء الذين اتصل بهم المؤلف في البلدات التي زارها، وعن الدروس التي حضرها، والشيوخ الذين استجازهم، والكتب التي وصل سند بعضها إلى مؤلفيها، وما سمع من أحاديث وروى من أشعار، وقد أشاد المقّري بالرحلة فقال في «نفح الطيب» إنها مشحونة بالفوائد والفرائد. وقرّظها برسائل وبقصائد تلامذة البلوي ومنهم أبو جعفر أحمد بن زَرْقالُه (الوزير الشاعر) الذي قرّظها شعراً ونثراً بعد أن قرأها على المؤلف واستمع إليها، وقد أثبت البلوي القراءة والسماع في ألمرية وسجّلهما حفيده في نسخته من كتاب رحلة جده، ونقل قصائد التقريظ في آخرها.
تتجلى في الرحلة براعة المؤلف الإنشائية، وقد عرف بحسن خطه الذي وصفه ابن نباتة (ت 768هـ) بقوله: «يتنافس فيه السمع والبصر».
أظهر أبو البقاء ميلاً إلى الشعر، فأولع بنظمه وروايته، وتنوع نتاجه الشعري، وتعددت مذاهبه فيه فكان شعره صورة لشخصيته، وكان صورة لعصره.
قال حين زار أم القرى، وتبّدت له الكعبة الغرّاء في أستارها:
وضعنا جباهاً في الثرى قد تهللت
أساريرهـا فيهـا وزاد سرورها
وطفنا بها سبعـاً ورفّت ظلالـها
على خائف مثلي أتى يستجيرهـا
وقال حين شدّ الرحال إلى المدينة المنورة حيث المسجد النبوي الشريف، ومقام الرسول الأعظم:
الله أكبــر حبـذا إكبـاره
هـذا الشفيع لنا وهذي داره
لاحت معالم يثرب وربوعها
مثوى الرسول وداره وقراره
فالأبيات تدل على تأثر البلوي بالثقافة المشرقية التي اعتمدها في الشكل والأداء، مما جعل ابن الخطيب يأخذ عليه تشبهه بالمشارقة شكلاً ولساناً، ولكنه في الوقت نفسه يقرّ بشاعريته فيقول في ترجمته في «الكتيبة الكامنة» مُقَدِّماً لأبياته التي تحصي خطرات ذهنه وخلجات فؤاده مع خيال الطيف: ومما نسب لي إلى نفسه وأربى يومه في الإجادة لديها على أمسه قوله:
بعثتْ خيـالاً والعـواذل هُجَّـعُ
فَسَرى ينمّ بها شذى يتضوّعُ
ودنا يعاطيني الحديث على دجـى
كأس الثريا في يديه تشعشع
والقصيدة طويلة وهي تصوير للحظة، أو ومضة من ومضات خياله تتجلى فيها عذوبة الألفاظ، ووصفاء المعاني، ورقة الإحساسات.
هناء دويدرى
ـ لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق محمد عبد الله عنان (القاهرة 1955).
ـ أسامة أحمد بن محمد المقّري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، القاهرة 1968).
Al-BalwiI (Khaled ibn Isa-) - Al-BalwiI (Khaled ibn Isa-)
البلوي (خالد بن عيسى ـ)
(713 ـ 768هـ/1311 ـ 1365م)
أبو البقاء، خالد بن عيسى بن أحمد البلوي القنتوري نسبة إلى مسقط رأسه قنتورية Cantoria، وهي بليدة من أعمال ألمريّة Almeria في مملكة غرناطة، قاض من علماء الأندلس وأدبائها، ويُعرف بالبلوي نسبة إلى بليّ وهي فرع من قضاعة.
تلقى أبو البقاء علومه الدينية واللغوية والأدبية على أبيه وعلى شيوخ أندلسيين ومغاربة منهم أبو جعفر بن صفوان (ت 749هـ) من علماء غرناطة، وعبد الرحمن الجزولي (ت741هـ) من علماء فاس.
وولي القضاء بقنتورية وبُرشانة Purchena فصار واحداً من قضاة الأندلس المعروفين في القرن الثامن الهجري.
ترجم له معاصره لسان الدين ابن الخطيب (ت 776هـ) في مواضع مختلفة. فقال في كتابه «الكتيبة الكامنة في أدباء المئة الثامنة» إنه ارتسم في حزب القضاء وفريقه، وأن أدبه يشتمل على نظم ونثر، وذكر في كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة» أنه لقي خالداً بعد عودته من المشرق، وكان البلوي قد زار الديار المقدّسة، وأدى فريضة الحج، وتجوّل في عدد من البلاد المشرقية، وكان ابن الخطيب يكنيه بأبي يزيد، وداعبه مداعبة الأديب، وأخذ عليه انتحاله أسلوب العماد الأصبهاني (ت 597هـ) في «البرق الشامي» لما في رحلته من الأسجاع التي أتى بها العماد.
سجّل له المؤرخون ثلاث رحلات، كانت الأولى إلى فاس للتزوّد بالعلم، والثانية إلى المشرق للحج، وطلب السند العالي في الحديث النبوي، ولقاء العلماء للسماع عليهم، وطلب الإجازة منهم، وأما الثالثة فتنقلات في شرقي الأندلس وغرناطة وألمرية وبَلّشِ Velez.
وتعد رحلته المشرقية التي استمرت أربع سنوات من سنة 736هـ إلى سنة 740هـ أهم رحلاته، سافر في بعضها براً، وفي بعضها الآخر بحراً، ووصف الأقطار التي زارها وهي: بلاد المغرب ومصر والديار الحجازية وفلسطين، وذكر بعض العلماء الذين التقاهم ومنهم الشاعر واللغوي والمحدث والمفسّر أبو حيان الأندلسي (ت 745هـ) نزيل مصر، وقد أخذ عنه في القاهرة علماً جماً، وفي طريق عودته انتدبه صاحب إفريقية (تونس) أبو يحيى أبو بكر الثاني المتوكل على الله (ت 747هـ) للكتابة في ديوان الإنشاء.
وحين وصل إلى الأندلس صنّف ما دوّن ونقّحه، وفي عام تسعة عشر وثمانمئة من الهجرة أخرج حفيد المؤلف، خالد بن أحمد بن خالد، الرحلة مكتوبة بعنوان «تاج المفرق في تحلية علماء المشرق»، فجاءت بأسلوبها المحكم وعباراتها المنتقاة أثراً أدبياً وتاريخياً وجغرافياً هاماً تضم تراجم الأعلام والقصائد والأراجيز، إضافة إلى تجربة المؤلف الشخصية ووقوفه بنفسه على المشاهد والآثار.
هذا التدوين يكتسي صفة فهرسية، لأنه يطنب في الحديث عن العلماء الذين اتصل بهم المؤلف في البلدات التي زارها، وعن الدروس التي حضرها، والشيوخ الذين استجازهم، والكتب التي وصل سند بعضها إلى مؤلفيها، وما سمع من أحاديث وروى من أشعار، وقد أشاد المقّري بالرحلة فقال في «نفح الطيب» إنها مشحونة بالفوائد والفرائد. وقرّظها برسائل وبقصائد تلامذة البلوي ومنهم أبو جعفر أحمد بن زَرْقالُه (الوزير الشاعر) الذي قرّظها شعراً ونثراً بعد أن قرأها على المؤلف واستمع إليها، وقد أثبت البلوي القراءة والسماع في ألمرية وسجّلهما حفيده في نسخته من كتاب رحلة جده، ونقل قصائد التقريظ في آخرها.
تتجلى في الرحلة براعة المؤلف الإنشائية، وقد عرف بحسن خطه الذي وصفه ابن نباتة (ت 768هـ) بقوله: «يتنافس فيه السمع والبصر».
أظهر أبو البقاء ميلاً إلى الشعر، فأولع بنظمه وروايته، وتنوع نتاجه الشعري، وتعددت مذاهبه فيه فكان شعره صورة لشخصيته، وكان صورة لعصره.
قال حين زار أم القرى، وتبّدت له الكعبة الغرّاء في أستارها:
وضعنا جباهاً في الثرى قد تهللت
أساريرهـا فيهـا وزاد سرورها
وطفنا بها سبعـاً ورفّت ظلالـها
على خائف مثلي أتى يستجيرهـا
وقال حين شدّ الرحال إلى المدينة المنورة حيث المسجد النبوي الشريف، ومقام الرسول الأعظم:
الله أكبــر حبـذا إكبـاره
هـذا الشفيع لنا وهذي داره
لاحت معالم يثرب وربوعها
مثوى الرسول وداره وقراره
فالأبيات تدل على تأثر البلوي بالثقافة المشرقية التي اعتمدها في الشكل والأداء، مما جعل ابن الخطيب يأخذ عليه تشبهه بالمشارقة شكلاً ولساناً، ولكنه في الوقت نفسه يقرّ بشاعريته فيقول في ترجمته في «الكتيبة الكامنة» مُقَدِّماً لأبياته التي تحصي خطرات ذهنه وخلجات فؤاده مع خيال الطيف: ومما نسب لي إلى نفسه وأربى يومه في الإجادة لديها على أمسه قوله:
بعثتْ خيـالاً والعـواذل هُجَّـعُ
فَسَرى ينمّ بها شذى يتضوّعُ
ودنا يعاطيني الحديث على دجـى
كأس الثريا في يديه تشعشع
والقصيدة طويلة وهي تصوير للحظة، أو ومضة من ومضات خياله تتجلى فيها عذوبة الألفاظ، ووصفاء المعاني، ورقة الإحساسات.
هناء دويدرى
مراجع للاستزادة: |
ـ أسامة أحمد بن محمد المقّري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، القاهرة 1968).