"اليوم الأخير لبائع الحمام" رواية أجيال تؤرخ لمدينة الرياض
عبدالعزيز الصقعبي يكثف خمسين عاما متقلبة في فصول قصيرة.
الأحد 2024/10/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تأريخ لأجيال وبلد (لوحة للفنانة عواطف المالكي)
نجحت رواية الأجيال في ترسيخ أسماء روائيين كبار برعوا في كتابة هذا النمط، الذي يتابع سير أجيال متلاحقة من العائلات، ويرصد مع تقلبات العائلة الوضع السياسي والاجتماعي للمكان الذي تدور فيه الأحداث. رواية الأجيال من الأعمال التي تشد قراءها بتفرعاتها وتفاصيلها التي تجمع الخاص بالعام، لكن الروائي السعودي عبدالعزيز الصقعبي يؤسس لمسار جديد في كتابتها.
يفجِّر الروائي السعودي عبدالعزيز الصقعبي في رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” قضايا وأزمات واقعية في عائلة دخيل الله الضبادي، التي تمتد لأجيال بتقاليدها وتراثها المرتبط بمدينة الرياض بتغييراتها المرتبطة أيضا بالتحولات الثقافية والسياسية التي تحدث في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام.
تُعتبر “اليوم الأخير لبائع الحمام”، الصادرة عن دار أثر للنشر والتوزيع، رواية أجيال إذ تسرد حكاية عائلة تبدأ مع الأب وتمتد للأبناء والأحفاد وتمتد لنصف قرن تقريبا، يبين فيها عبدالعزيز الصقعبي التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والحضارية الناجمة عن اختلاف الأجيال، بخطاب روائي مغاير، مستعينا بأسلوبه السردي السلس الذي واجه التحدي الأكبر، وهو سرد رواية أجيال من خلال فصول قصيرة وحجم صغير بالنسبة إلى المتوقع من رواية الأجيال، وهو الإسهاب والوصف الطويل، لكنه قام بتفكيك الأحداث واختزلها مما مكّنه من صياغة كيان سردي متماسك ذي بنية شديدة الخصوبة.
رواية أجيال
خرجت رواية الأجيال من عباءة رواية الأدب الأوروبي في القرن التاسع عشر، وتطوَّرت في الربع الثاني من القرن العشرين وأصبحت تيارا عالميا وفق الروائي الفرنسي رومان رولان، كما يؤكد الدكتور زهير عبيدات في كتابه “رواية الأجيال في السرد العربي الحديث”، وبيَّنت هذه الرواية أثر الزمن التاريخي أو الحضاري في التغيير الثقافي على مستوى الأجيال المتعاقبة وقيمته في التطور الزمني في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية للأجيال.
من أبرز نماذج رواية الأجيال التي تعتبر فتحا للأدب العربي ثلاثية “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية” ورواية “الحرافيش” لنجيب محفوظ، وجاءت رواية “تغريبة بني حتحوت” لمجيد طوبيا لتثبِّت مكانتها، وهناك رواية “أوراق العائلة” لمحمد البساطي، وكذلك رواية “الطنطورية” لرضوى عاشور.
"اليوم الأخير لبائع الحمام" تعتبر رواية أجيال تسرد حكاية عائلة تبدأ مع الأب وتمتد للأبناء والأحفاد وتمتد لنصف قرن
استطاع الصقعبي في روايته أن يجيب على سؤال أمبرتو إيكو: هل يمكن أن تكون هناك رواية لا تنزع إلى الهروب إلى الخيال ورغم ذلك تحتفظ بقدرتها على الإمتاع؟ فجاءت “اليوم الأخير لبائع الحمام” من عمق الواقعية بشخصياتها وأمكنتها وزمنها برغم استخدام الخيال لتخفيف سطوة الواقعية وفي نفس الوقت أظهرت قدرة هائلة في الامتاع نظرا إلى الأسلوب المتميز للصقعبي بلغته ومفرداته، لكننا نرى في بعض الأحيان مزج الخيال بالواقعي وهي ضرورة تبرز الارتباكات النفسية للشخصيات ومعاناتها في عالم يقف في وجه صراعات أيديولوجية.
يشيد الصقعبي بناءه السردي مستخدما التطوّر الزمني للأحداث والشخصيات دون أن تكون هناك فجوات بين الأجيال، فساهم في نمو الأحداث بيسر. كان الجد دخيل الله الضبادي المنبع الذي تفرعت منه القنوات وسارت في عدة اتجاهات، برغم أنه كان مثل المغناطيس الذي يشدّ الجميع نحوه سواء في عنفوانه أو في غيابه عن الوعي بوصفه الرمز الذي ينتمي إليه الآخرون؛ سواء كانوا أبناء أو أحفادا. تتميز الفصول القصيرة بأنها تختصر الزمن وتمر الأحداث من خلالها سريعا مما ساهم في وجود فصول قصيرة تقتصد في السرد وتشد المتلقي ليكمل القراءة دون ملل.
تستمد رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” وجودها من مدينة الرياض كونها البيت الكبير الذي يضم عائلات أخرى ربما يحدث في نسيجها ما حدث مع عائلة الضبادي التي لم تكن بمنأى عن التحولات السياسية في العالم، بدءا من حادث تفجير برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر لتشهد مدينة الرياض انعكاسا شديد الخطورة في نسيج المجتمع السعودي بشكل عام. وربما كان موت الأم فطيمة، بوصفها العضد الذي تستند عليه العائلة، “يمّه” له انعكاس أيضا على التحولات التي شهدتها عائلة الضبادي من انكسار للأب واتخاذه منحنى تنازليا في صحته ومن ثم تفكيك أواصر العائلة لتنمو الأحداث وتتفرع في عدة اتجاهات.
استعان الصقعبي بالمعادل الموضوعي في سقوط الرمز “برجي مركز التجارة” ليؤكد أن سقوطا آخر ستشهده العائلة، وكان أبناء دخيل الله الضبادي؛ مانع وعاشق ونوح يدورون في فلك العائلة حتى موت الأم فبدأ كل منهم يبحث عن اتجاه مختلف عن الآخر، لكن الحفيد دخيل ابن مانع هو الذي التصق بالجد لتنمو من خلاله الأحداث وترتبط بشكل ما بالمركز وهو دخيل الله الضبادي.
الدلالات والمعاني
“مدينة الرياض لا تعرف الرتابة، تتكاثر فيها الأشياء والبيوت والسيارات والبشر”.
برغم أن الصقعبي قد اعتمد الاقتصاد في السرد، فلم يُسهب في الوصف أو يُطل الأحداث إلا أنه تميّز بالتجديد والابتكار في البناء الذي اعتمد على فصول قصيرة نسبيا اختصرت الزمن إلى درجة تماهيه تماما مع السرد، إذ إن الخمسين عاما التي مرت بعائلة الضبادي لم تكن لتُسرد تفاصيلها في مئتين واثنين وعشرين صفحة، فكان التحدي الذي تصدى له الكاتب، كما أسلفنا، ووضعه في قائمة الروائيين الذين تعاملوا مع رواية الأجيال بشكل جديد ومبتكر ولم ينجرف للعبة التحليل والوصف الطويل.
تغلب النزعة الإنسانية على بعض الشخصيات، فضلا عن التركيز على البيئة وتبايناتها والواقع النفسي للشخصيات؛ سواء الضبادي أو دخيل الله الحفيد أو حمده، أو ارتباكات سوير زوجة عاشق ونهايتها المأسوية التي هُدم مشروعها الاجتماعي بانسلاخها هي وزوجها وأبناؤها عن عائلة الضبادي لينتموا إلى عائلتها، بدأ تهدم المشروع لحظة افتضاح أمر ابنها طارق وانتهى بسقوطها من أعلى مبنى في أوروبا.
“هذه الرياض الشاهد الصامت لأناس يمارسون حياة خاصة في أحيائها، بعضهم لم يغادر أعماق المدينة، والآخر قذفته السنوات إلى الجهات الأربع شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فاختار كل اتجاه طبقة خاصة”.
جاءت أحداث الرواية مواكبة للأحداث السياسية التي يشهدها العالم بدءا من تفجير برجيّ مركز التجارة العالمي ومن ثم اجتياح صدام حسين الكويت ومن بعده غزو القوات الأميركية للعراق وبدء موجات الإرهاب التي شهدتها المنطقة، وكان لها تأثير على بعض شخصيات الرواية “الأحفاد”.
كان للسرد حضوره القوي والأساسي في التعاطي مع الأحداث السياسية، ولم يعتمد على اللحظة الراهنة والمستقبل طالما هناك فترات تاريخية يمكن الكتابة عنها والاشتباك معها، في إطار حقيقة أن إعادة قراءة التاريخ تتم باستمرار بما يلائم الراهن من الأحداث، فكل جيل لديه أسئلته التي يقدمها للتاريخ، فضلا عن محاولات إعادة فهم الذات والهوية وقراءة مفهوم العائلة ودورها في تكوين وعي المواطنين الذين هم عماد مدينة الرياض التي تشهد النمو الأنثروبولوجي، وبرغم وجود أحداث تاريخية إلا أن الصقعبي لم يكتب روايته ليؤرخ بل استنطق التاريخ ليضخ في شخصياته الدماء لتتكاثر الأنماط البشرية فتتباين اجتماعيا وفكريا ومن ثم تنمو توجهاتها وينمو السرد ويتفرع.
اختل توازن الضبادي حينما ماتت زوجته عمود البيت فارتبكت العائلة ونشأت حالات من التقوقع أو الانسلاخ أو الاحتماء بالأصل أو الانصهار في شخصية دخيل الله. ظل الضبادي المركز برغم غيابه عن الوعي لتدور في فلكه بقية الشخصيات برغم ابتعادها عنه. فاضت روحه حينما اكتملت أحداث الرواية. يمثل موت دخيل الله الضبادي اكتمال الوعي عند دخيل الحفيد ومن ثم يرتفع لديه الإحساس بالحرية وأهميتها له وللجميع فيطلق الحمام ليصل إلى عنان السماء.
“قلبه الذي ينبض وعين تحاول استيعاب زمن يتغير كل يوم”.
الكاتب استخدم تكنيكا موسعا ومكثف الدلالة قائما على واقع تعيشه عائلة سعودية ربطه بالواقع السياسي والاجتماعي
دخيل حفيد بن مانع الضبادي يمثل الميزان الذي توزن به بقية الشخصيات إذ استطاع أن يحفر لنفسه مكانا في خضم الحالات التي ذكرت آنفا، واستغل تقوقع جده بعد إصابته بجلطة وتداعياتها عليه وقام بالتزوير ليحصل على المنزل، بينما تمثل شخصيتا ابني راشد اللذين تأثرا بعمهما سعد العائد من أفغانستان، نقطة التحول في عائلة الضبادي مما كان له أثر في شخصية أبيهما والتحولات الثقافية بدأت تحدث في منزله.
لم يكمل دخيل بن مانع دراسته وتزوج سعاد ابنة عمته سبيكة. هو مربي ومطيّر وبائع حمام، بنى حظيرة على سطح المنزل، وضع داخلها مجموعة من الصناديق الخشبية التي تصلح كأعشاش الحمام. برغم أن تلك الشخصية كانت باهتة إلى حد ما في البداية إلا أنها استطاعت أن تبرز وتحرك الأحداث وصولا إلى الذروة. كانت سوير النسيجان التي تتسم بالمكر والكيد والتخطيط للانسلاخ من عائلة الضبادي ذات شخصية قوية ومحركة للأحداث مناقضة تماما لشخصية سعاد التي تتسم بالنقاء والبراءة والتي تتصرف بعفوية وطيبة وإخلاص إلا أن القدر وضعها في مأزق اليوم الأخير في حياة زوجها بائع الحمام.
جاءت العتبة اللغوية وهي العنوان “اليوم الأخير لبائع الحمام” لتدل على وجود شخصية ما سوف تواجه حدثا كبيرا في اليوم الأخير، لكننا لا نعرف متى سوف يأتي، إلا أنه يشير بشكل مباشر إلى المتن فتقوم بينهما علاقة قوية، ونجد المفارقة في العنوان الذي جاء في أربع كلمات لتوحي بوجود شخصية تثري الأحداث.
من حيث الجانب التركيبي: تعرب كلمة “اليوم” خبرا مرفوعا لمبتدأ محذوف تقديره هو، والأخير نعت مرفوع ولبائع الحمام حرف جر واسم مجرور ومضاف إليه. يقول بارت “إن العناوين عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية تحمل في طياتها قيما أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية”، يحمل العنوان دلالة متشعبة إذ إن اليوم الأخير يحمل في ذاته أهمية غامضة، ويشير أيضا إلى دلالة أن ذلك اليوم يبرز علاقة ما سوف يتولى المتن الكشف عنها. يُعتبر العنوان بالإضافة إلى الغلاف العتبتين الأوليين؛ البوابة الشرعية للمتن بعد أن قامتا بوضع الدلالة التقابلية والتي تمثل شفرات النص وبرغم ذلك فإن هناك دلالات كثيرة غامضة سوف يتولى المتن أيضا الكشف عنها؛ أهمها الشفرات الموجودة في بداية كل فصل والتي سوف يأتي تناولها.
إن العنوان يوحي بالعديد من الدلالات والمعاني، فربما يكون اليوم الأخير وهو مقتل بائع الحمام، لكن المؤلف أو السرد كان لهما رأي آخر، إذ كان اليوم الأخير هو يوم الفصل في المهنة والتخلي عنها بسبب وقوع زوجته في براثن ذئب بشري كان يربيه مع الحمام، وبرغم أن دخيل قد ارتفع لديه الوعي قبيل النهاية بضرورة انزياح أبوعطا من المنزل خوفا منه إلا أن القدر كان له حسابات أخرى، إذ ظل موجودا حتى النهاية ليهجم على زوجة دخيل محاولا اغتصابها لكن وصول زوجها أنقذها منه، كانت عملية الإنقاذ بمثابة الضرورة الكبرى للوصول إلى فهم معنى البيت الذي لا يكون مجرد جدران أو ملكية لمنزل بل هو الحماية التي يجب أن تتوفر في رجل يعيش في مدينة كبرى كالرياض.
“أنت الأول، أنت الأعمق، كل العالم يقبع في الأخير”، “مثلث بثلاثة أضلاع، مثلث مختل الزوايا، ثمة زوايا حادة وبعض الزوايا منفرجة”. هذان نموذجان يسبقان الفصل الأول والثاني؛ تلك العتبات الجانبية التي تسبق كل فصل هي عبارة عن شفرات ربما تفك غموض الفصل وربما تزيد من غموضه، وربما تقوم بتفسيره بشكل ما، تلك العتبات مكتوبة بلغة شعرية، ولو قمنا بتحليل العتبة التي تتصدر الفصل الأول لقلنا إنه يقصد أن الفصل الأول هو الأعمق لأن عالم دخيل الله الضبادي سوف يتشّكل فيه والذي من خلاله سوف تُنسج خيوط السرد وتتفرع، بينما توحي عبارة “كل العالم يقبع في الأخير؛ أي أن المفاجأة الكبرى والتي تحل بها كل الألغاز توجد في الفصل الأخير إذ سوف يقوم دخيل الحفيد، المطيّر، بإطلاق سراح الحمام من أعشاشه لينعم بالحرية كما أن دخيل نفسه سوف ينعم بالحرية لموت الرجل (صديقه) الذي كان يقف كشوكة في حلقه لأنه ساهم معه في التزوير.
بصمة خاصة
اللغة في الرواية جاءت متسقة مع المنهج الذي وضعه الصقعبي منذ البداية والتي اعتمدت الاختزال والتكثيف ومرونة الزمن
استخدم عبدالعزيز الصقعبي تكنيكا موسعا ومكثف الدلالة، قائما على الواقع الذي تعيشه عائلة الضبادي من خلال ربطه بالواقع السياسي والاجتماعي لكل من مدينة الرياض بوصفها الحاضن لكل العائلات وكذلك البلاد التي تأثرت بشكل مباشر بالأحداث العالمية والإقليمية. يسعى الصقعبي من خلاله إلى بلورة التأصيل والتجويد في النسيج السردي فيتصف بأنه ذو عناصر جمالية وخطاب روائي مغاير، يعالج الموضوعات الاجتماعية التي تشتبك مع الواقع فيلقي الضوء على قضاياه، يدرك أن السرد تكنيك متكامل يتحقق من خلال اتحاد مجموعة من العناصر فيمثل النص اللغوي السردي، العامل الأساسي في البناء الروائي والذي يتوهج من خلاله الحدث فينمو ويتصاعد. يقوم السرد في الرواية بدور الفاعل والمؤثر الثقافي في المتلقي الذي يعيش الواقع وينفعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به.
كان عالم الحمام عند الصقعبي ذا طبيعة رمزية، معادلا موضوعيا، راصدا مراحل تشكله وتحولاته والتعرف على دلالاته وأبعاده النفسية والجمالية، على شخصية دخيل وعلاقته بالتجار المتعاملين معه أو مع صديقه أبوعطا والمظاهر الإنسانية وانعكاس رمزية الحمام على الأحداث العالمية أو الأحداث التي تمر بعائلة الضبادي، وربما كان الحمام هو المعادل الموضوعي لكل الشخصيات، ودخيل هو دخيل الله؛ كل منهما كان يسجن ما يمتلكه، منح دخيل الله الحرية لنسله حينما مات، ومنح دخيل الحرية للحمام حينما ارتفع لديه الوعي. ربما كانت رمزية الحمام بوصفه مرادفا للسلام ضرورة تحتاجها شخصيات الرواية في خضم عالم متصارع والعائلة جزء من الكل فلو تحقق السلام في العائلة فسوف يتحقق في العالم.
“من المؤكد إن ملايين الحمام لن تبث السلام سواء في العالم أو في أسرة الضبادي”.
“ماذا تبقى من كلام/ ماذا تحقق من سلام/ هل تجيب الحمامة؟”.
جاءت اللغة في رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” متسقة تماما مع المنهج الذي وضعه الصقعبي منذ البداية والتي اعتمدت الاختزال والتكثيف مع مرونة الزمن فكانت إيقاعية وقد أدخل عليها بعض الألفاظ العامية مثل “المطيرجية” و”التطعيس في الثمامة”، و”الخكاري”، كما أدهشنا بأنواع الحمام مثل “البلجيكي السوداني والقلابي والشماسي والسوالوا والعراقي والجعافر ولونق فيس”.. إلخ.
في “اليوم الأخير لبائع الحمام” نحن أمام رواية أجيال برع في سردها الصقعبي، متفوقا على نفسه، استخدم تكنيكا يُعرف به ولغة تمثل بصمته في عالم الرواية، كما تمثل لَبِنة في مشروعه الروائي الذي بدأ برواية “طائف الأنس”، دار بيسان، 2011، “مقامات النساء” (رواية)، دار جداول، 2013، “غفوة ذات ظهيرة” (رواية)، دار الساقي، 2018، “قطرة كحول” (رواية)، دار كلمات، 2021، فضلا عن قصصه القصيرة ومسرحياته التي تحتاج إلى قراءات أخرى.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالسلام إبراهيم
روائي ومترجم مصري
عبدالعزيز الصقعبي يكثف خمسين عاما متقلبة في فصول قصيرة.
الأحد 2024/10/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تأريخ لأجيال وبلد (لوحة للفنانة عواطف المالكي)
نجحت رواية الأجيال في ترسيخ أسماء روائيين كبار برعوا في كتابة هذا النمط، الذي يتابع سير أجيال متلاحقة من العائلات، ويرصد مع تقلبات العائلة الوضع السياسي والاجتماعي للمكان الذي تدور فيه الأحداث. رواية الأجيال من الأعمال التي تشد قراءها بتفرعاتها وتفاصيلها التي تجمع الخاص بالعام، لكن الروائي السعودي عبدالعزيز الصقعبي يؤسس لمسار جديد في كتابتها.
يفجِّر الروائي السعودي عبدالعزيز الصقعبي في رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” قضايا وأزمات واقعية في عائلة دخيل الله الضبادي، التي تمتد لأجيال بتقاليدها وتراثها المرتبط بمدينة الرياض بتغييراتها المرتبطة أيضا بالتحولات الثقافية والسياسية التي تحدث في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام.
تُعتبر “اليوم الأخير لبائع الحمام”، الصادرة عن دار أثر للنشر والتوزيع، رواية أجيال إذ تسرد حكاية عائلة تبدأ مع الأب وتمتد للأبناء والأحفاد وتمتد لنصف قرن تقريبا، يبين فيها عبدالعزيز الصقعبي التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والحضارية الناجمة عن اختلاف الأجيال، بخطاب روائي مغاير، مستعينا بأسلوبه السردي السلس الذي واجه التحدي الأكبر، وهو سرد رواية أجيال من خلال فصول قصيرة وحجم صغير بالنسبة إلى المتوقع من رواية الأجيال، وهو الإسهاب والوصف الطويل، لكنه قام بتفكيك الأحداث واختزلها مما مكّنه من صياغة كيان سردي متماسك ذي بنية شديدة الخصوبة.
رواية أجيال
خرجت رواية الأجيال من عباءة رواية الأدب الأوروبي في القرن التاسع عشر، وتطوَّرت في الربع الثاني من القرن العشرين وأصبحت تيارا عالميا وفق الروائي الفرنسي رومان رولان، كما يؤكد الدكتور زهير عبيدات في كتابه “رواية الأجيال في السرد العربي الحديث”، وبيَّنت هذه الرواية أثر الزمن التاريخي أو الحضاري في التغيير الثقافي على مستوى الأجيال المتعاقبة وقيمته في التطور الزمني في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية للأجيال.
من أبرز نماذج رواية الأجيال التي تعتبر فتحا للأدب العربي ثلاثية “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية” ورواية “الحرافيش” لنجيب محفوظ، وجاءت رواية “تغريبة بني حتحوت” لمجيد طوبيا لتثبِّت مكانتها، وهناك رواية “أوراق العائلة” لمحمد البساطي، وكذلك رواية “الطنطورية” لرضوى عاشور.
"اليوم الأخير لبائع الحمام" تعتبر رواية أجيال تسرد حكاية عائلة تبدأ مع الأب وتمتد للأبناء والأحفاد وتمتد لنصف قرن
استطاع الصقعبي في روايته أن يجيب على سؤال أمبرتو إيكو: هل يمكن أن تكون هناك رواية لا تنزع إلى الهروب إلى الخيال ورغم ذلك تحتفظ بقدرتها على الإمتاع؟ فجاءت “اليوم الأخير لبائع الحمام” من عمق الواقعية بشخصياتها وأمكنتها وزمنها برغم استخدام الخيال لتخفيف سطوة الواقعية وفي نفس الوقت أظهرت قدرة هائلة في الامتاع نظرا إلى الأسلوب المتميز للصقعبي بلغته ومفرداته، لكننا نرى في بعض الأحيان مزج الخيال بالواقعي وهي ضرورة تبرز الارتباكات النفسية للشخصيات ومعاناتها في عالم يقف في وجه صراعات أيديولوجية.
يشيد الصقعبي بناءه السردي مستخدما التطوّر الزمني للأحداث والشخصيات دون أن تكون هناك فجوات بين الأجيال، فساهم في نمو الأحداث بيسر. كان الجد دخيل الله الضبادي المنبع الذي تفرعت منه القنوات وسارت في عدة اتجاهات، برغم أنه كان مثل المغناطيس الذي يشدّ الجميع نحوه سواء في عنفوانه أو في غيابه عن الوعي بوصفه الرمز الذي ينتمي إليه الآخرون؛ سواء كانوا أبناء أو أحفادا. تتميز الفصول القصيرة بأنها تختصر الزمن وتمر الأحداث من خلالها سريعا مما ساهم في وجود فصول قصيرة تقتصد في السرد وتشد المتلقي ليكمل القراءة دون ملل.
تستمد رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” وجودها من مدينة الرياض كونها البيت الكبير الذي يضم عائلات أخرى ربما يحدث في نسيجها ما حدث مع عائلة الضبادي التي لم تكن بمنأى عن التحولات السياسية في العالم، بدءا من حادث تفجير برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر لتشهد مدينة الرياض انعكاسا شديد الخطورة في نسيج المجتمع السعودي بشكل عام. وربما كان موت الأم فطيمة، بوصفها العضد الذي تستند عليه العائلة، “يمّه” له انعكاس أيضا على التحولات التي شهدتها عائلة الضبادي من انكسار للأب واتخاذه منحنى تنازليا في صحته ومن ثم تفكيك أواصر العائلة لتنمو الأحداث وتتفرع في عدة اتجاهات.
استعان الصقعبي بالمعادل الموضوعي في سقوط الرمز “برجي مركز التجارة” ليؤكد أن سقوطا آخر ستشهده العائلة، وكان أبناء دخيل الله الضبادي؛ مانع وعاشق ونوح يدورون في فلك العائلة حتى موت الأم فبدأ كل منهم يبحث عن اتجاه مختلف عن الآخر، لكن الحفيد دخيل ابن مانع هو الذي التصق بالجد لتنمو من خلاله الأحداث وترتبط بشكل ما بالمركز وهو دخيل الله الضبادي.
الدلالات والمعاني
“مدينة الرياض لا تعرف الرتابة، تتكاثر فيها الأشياء والبيوت والسيارات والبشر”.
برغم أن الصقعبي قد اعتمد الاقتصاد في السرد، فلم يُسهب في الوصف أو يُطل الأحداث إلا أنه تميّز بالتجديد والابتكار في البناء الذي اعتمد على فصول قصيرة نسبيا اختصرت الزمن إلى درجة تماهيه تماما مع السرد، إذ إن الخمسين عاما التي مرت بعائلة الضبادي لم تكن لتُسرد تفاصيلها في مئتين واثنين وعشرين صفحة، فكان التحدي الذي تصدى له الكاتب، كما أسلفنا، ووضعه في قائمة الروائيين الذين تعاملوا مع رواية الأجيال بشكل جديد ومبتكر ولم ينجرف للعبة التحليل والوصف الطويل.
تغلب النزعة الإنسانية على بعض الشخصيات، فضلا عن التركيز على البيئة وتبايناتها والواقع النفسي للشخصيات؛ سواء الضبادي أو دخيل الله الحفيد أو حمده، أو ارتباكات سوير زوجة عاشق ونهايتها المأسوية التي هُدم مشروعها الاجتماعي بانسلاخها هي وزوجها وأبناؤها عن عائلة الضبادي لينتموا إلى عائلتها، بدأ تهدم المشروع لحظة افتضاح أمر ابنها طارق وانتهى بسقوطها من أعلى مبنى في أوروبا.
“هذه الرياض الشاهد الصامت لأناس يمارسون حياة خاصة في أحيائها، بعضهم لم يغادر أعماق المدينة، والآخر قذفته السنوات إلى الجهات الأربع شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فاختار كل اتجاه طبقة خاصة”.
جاءت أحداث الرواية مواكبة للأحداث السياسية التي يشهدها العالم بدءا من تفجير برجيّ مركز التجارة العالمي ومن ثم اجتياح صدام حسين الكويت ومن بعده غزو القوات الأميركية للعراق وبدء موجات الإرهاب التي شهدتها المنطقة، وكان لها تأثير على بعض شخصيات الرواية “الأحفاد”.
كان للسرد حضوره القوي والأساسي في التعاطي مع الأحداث السياسية، ولم يعتمد على اللحظة الراهنة والمستقبل طالما هناك فترات تاريخية يمكن الكتابة عنها والاشتباك معها، في إطار حقيقة أن إعادة قراءة التاريخ تتم باستمرار بما يلائم الراهن من الأحداث، فكل جيل لديه أسئلته التي يقدمها للتاريخ، فضلا عن محاولات إعادة فهم الذات والهوية وقراءة مفهوم العائلة ودورها في تكوين وعي المواطنين الذين هم عماد مدينة الرياض التي تشهد النمو الأنثروبولوجي، وبرغم وجود أحداث تاريخية إلا أن الصقعبي لم يكتب روايته ليؤرخ بل استنطق التاريخ ليضخ في شخصياته الدماء لتتكاثر الأنماط البشرية فتتباين اجتماعيا وفكريا ومن ثم تنمو توجهاتها وينمو السرد ويتفرع.
اختل توازن الضبادي حينما ماتت زوجته عمود البيت فارتبكت العائلة ونشأت حالات من التقوقع أو الانسلاخ أو الاحتماء بالأصل أو الانصهار في شخصية دخيل الله. ظل الضبادي المركز برغم غيابه عن الوعي لتدور في فلكه بقية الشخصيات برغم ابتعادها عنه. فاضت روحه حينما اكتملت أحداث الرواية. يمثل موت دخيل الله الضبادي اكتمال الوعي عند دخيل الحفيد ومن ثم يرتفع لديه الإحساس بالحرية وأهميتها له وللجميع فيطلق الحمام ليصل إلى عنان السماء.
“قلبه الذي ينبض وعين تحاول استيعاب زمن يتغير كل يوم”.
الكاتب استخدم تكنيكا موسعا ومكثف الدلالة قائما على واقع تعيشه عائلة سعودية ربطه بالواقع السياسي والاجتماعي
دخيل حفيد بن مانع الضبادي يمثل الميزان الذي توزن به بقية الشخصيات إذ استطاع أن يحفر لنفسه مكانا في خضم الحالات التي ذكرت آنفا، واستغل تقوقع جده بعد إصابته بجلطة وتداعياتها عليه وقام بالتزوير ليحصل على المنزل، بينما تمثل شخصيتا ابني راشد اللذين تأثرا بعمهما سعد العائد من أفغانستان، نقطة التحول في عائلة الضبادي مما كان له أثر في شخصية أبيهما والتحولات الثقافية بدأت تحدث في منزله.
لم يكمل دخيل بن مانع دراسته وتزوج سعاد ابنة عمته سبيكة. هو مربي ومطيّر وبائع حمام، بنى حظيرة على سطح المنزل، وضع داخلها مجموعة من الصناديق الخشبية التي تصلح كأعشاش الحمام. برغم أن تلك الشخصية كانت باهتة إلى حد ما في البداية إلا أنها استطاعت أن تبرز وتحرك الأحداث وصولا إلى الذروة. كانت سوير النسيجان التي تتسم بالمكر والكيد والتخطيط للانسلاخ من عائلة الضبادي ذات شخصية قوية ومحركة للأحداث مناقضة تماما لشخصية سعاد التي تتسم بالنقاء والبراءة والتي تتصرف بعفوية وطيبة وإخلاص إلا أن القدر وضعها في مأزق اليوم الأخير في حياة زوجها بائع الحمام.
جاءت العتبة اللغوية وهي العنوان “اليوم الأخير لبائع الحمام” لتدل على وجود شخصية ما سوف تواجه حدثا كبيرا في اليوم الأخير، لكننا لا نعرف متى سوف يأتي، إلا أنه يشير بشكل مباشر إلى المتن فتقوم بينهما علاقة قوية، ونجد المفارقة في العنوان الذي جاء في أربع كلمات لتوحي بوجود شخصية تثري الأحداث.
من حيث الجانب التركيبي: تعرب كلمة “اليوم” خبرا مرفوعا لمبتدأ محذوف تقديره هو، والأخير نعت مرفوع ولبائع الحمام حرف جر واسم مجرور ومضاف إليه. يقول بارت “إن العناوين عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية تحمل في طياتها قيما أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية”، يحمل العنوان دلالة متشعبة إذ إن اليوم الأخير يحمل في ذاته أهمية غامضة، ويشير أيضا إلى دلالة أن ذلك اليوم يبرز علاقة ما سوف يتولى المتن الكشف عنها. يُعتبر العنوان بالإضافة إلى الغلاف العتبتين الأوليين؛ البوابة الشرعية للمتن بعد أن قامتا بوضع الدلالة التقابلية والتي تمثل شفرات النص وبرغم ذلك فإن هناك دلالات كثيرة غامضة سوف يتولى المتن أيضا الكشف عنها؛ أهمها الشفرات الموجودة في بداية كل فصل والتي سوف يأتي تناولها.
إن العنوان يوحي بالعديد من الدلالات والمعاني، فربما يكون اليوم الأخير وهو مقتل بائع الحمام، لكن المؤلف أو السرد كان لهما رأي آخر، إذ كان اليوم الأخير هو يوم الفصل في المهنة والتخلي عنها بسبب وقوع زوجته في براثن ذئب بشري كان يربيه مع الحمام، وبرغم أن دخيل قد ارتفع لديه الوعي قبيل النهاية بضرورة انزياح أبوعطا من المنزل خوفا منه إلا أن القدر كان له حسابات أخرى، إذ ظل موجودا حتى النهاية ليهجم على زوجة دخيل محاولا اغتصابها لكن وصول زوجها أنقذها منه، كانت عملية الإنقاذ بمثابة الضرورة الكبرى للوصول إلى فهم معنى البيت الذي لا يكون مجرد جدران أو ملكية لمنزل بل هو الحماية التي يجب أن تتوفر في رجل يعيش في مدينة كبرى كالرياض.
“أنت الأول، أنت الأعمق، كل العالم يقبع في الأخير”، “مثلث بثلاثة أضلاع، مثلث مختل الزوايا، ثمة زوايا حادة وبعض الزوايا منفرجة”. هذان نموذجان يسبقان الفصل الأول والثاني؛ تلك العتبات الجانبية التي تسبق كل فصل هي عبارة عن شفرات ربما تفك غموض الفصل وربما تزيد من غموضه، وربما تقوم بتفسيره بشكل ما، تلك العتبات مكتوبة بلغة شعرية، ولو قمنا بتحليل العتبة التي تتصدر الفصل الأول لقلنا إنه يقصد أن الفصل الأول هو الأعمق لأن عالم دخيل الله الضبادي سوف يتشّكل فيه والذي من خلاله سوف تُنسج خيوط السرد وتتفرع، بينما توحي عبارة “كل العالم يقبع في الأخير؛ أي أن المفاجأة الكبرى والتي تحل بها كل الألغاز توجد في الفصل الأخير إذ سوف يقوم دخيل الحفيد، المطيّر، بإطلاق سراح الحمام من أعشاشه لينعم بالحرية كما أن دخيل نفسه سوف ينعم بالحرية لموت الرجل (صديقه) الذي كان يقف كشوكة في حلقه لأنه ساهم معه في التزوير.
بصمة خاصة
اللغة في الرواية جاءت متسقة مع المنهج الذي وضعه الصقعبي منذ البداية والتي اعتمدت الاختزال والتكثيف ومرونة الزمن
استخدم عبدالعزيز الصقعبي تكنيكا موسعا ومكثف الدلالة، قائما على الواقع الذي تعيشه عائلة الضبادي من خلال ربطه بالواقع السياسي والاجتماعي لكل من مدينة الرياض بوصفها الحاضن لكل العائلات وكذلك البلاد التي تأثرت بشكل مباشر بالأحداث العالمية والإقليمية. يسعى الصقعبي من خلاله إلى بلورة التأصيل والتجويد في النسيج السردي فيتصف بأنه ذو عناصر جمالية وخطاب روائي مغاير، يعالج الموضوعات الاجتماعية التي تشتبك مع الواقع فيلقي الضوء على قضاياه، يدرك أن السرد تكنيك متكامل يتحقق من خلال اتحاد مجموعة من العناصر فيمثل النص اللغوي السردي، العامل الأساسي في البناء الروائي والذي يتوهج من خلاله الحدث فينمو ويتصاعد. يقوم السرد في الرواية بدور الفاعل والمؤثر الثقافي في المتلقي الذي يعيش الواقع وينفعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به.
كان عالم الحمام عند الصقعبي ذا طبيعة رمزية، معادلا موضوعيا، راصدا مراحل تشكله وتحولاته والتعرف على دلالاته وأبعاده النفسية والجمالية، على شخصية دخيل وعلاقته بالتجار المتعاملين معه أو مع صديقه أبوعطا والمظاهر الإنسانية وانعكاس رمزية الحمام على الأحداث العالمية أو الأحداث التي تمر بعائلة الضبادي، وربما كان الحمام هو المعادل الموضوعي لكل الشخصيات، ودخيل هو دخيل الله؛ كل منهما كان يسجن ما يمتلكه، منح دخيل الله الحرية لنسله حينما مات، ومنح دخيل الحرية للحمام حينما ارتفع لديه الوعي. ربما كانت رمزية الحمام بوصفه مرادفا للسلام ضرورة تحتاجها شخصيات الرواية في خضم عالم متصارع والعائلة جزء من الكل فلو تحقق السلام في العائلة فسوف يتحقق في العالم.
“من المؤكد إن ملايين الحمام لن تبث السلام سواء في العالم أو في أسرة الضبادي”.
“ماذا تبقى من كلام/ ماذا تحقق من سلام/ هل تجيب الحمامة؟”.
جاءت اللغة في رواية “اليوم الأخير لبائع الحمام” متسقة تماما مع المنهج الذي وضعه الصقعبي منذ البداية والتي اعتمدت الاختزال والتكثيف مع مرونة الزمن فكانت إيقاعية وقد أدخل عليها بعض الألفاظ العامية مثل “المطيرجية” و”التطعيس في الثمامة”، و”الخكاري”، كما أدهشنا بأنواع الحمام مثل “البلجيكي السوداني والقلابي والشماسي والسوالوا والعراقي والجعافر ولونق فيس”.. إلخ.
في “اليوم الأخير لبائع الحمام” نحن أمام رواية أجيال برع في سردها الصقعبي، متفوقا على نفسه، استخدم تكنيكا يُعرف به ولغة تمثل بصمته في عالم الرواية، كما تمثل لَبِنة في مشروعه الروائي الذي بدأ برواية “طائف الأنس”، دار بيسان، 2011، “مقامات النساء” (رواية)، دار جداول، 2013، “غفوة ذات ظهيرة” (رواية)، دار الساقي، 2018، “قطرة كحول” (رواية)، دار كلمات، 2021، فضلا عن قصصه القصيرة ومسرحياته التي تحتاج إلى قراءات أخرى.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالسلام إبراهيم
روائي ومترجم مصري