بيرم تونسي (محمود)
Bairam Al-Tunisi (Mahmoud-) - Bairam Al-Tunisi (Mahmoud-)
بيرم التونسي (محمود ـ)
(1893 ـ 1961)
محمود بيرم التونسي كاتب وشاعر ومناضل قومي، ولد بالاسكندرية، ينحدرمن أسرة تركية كانت قد استوطنت تونس، هاجر جده مصطفى إلى الاسكندرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر واستقرّ فيها، وتزوج سيدةً مصرية فأنجب منها ولدين أحدهما محمد بيرم، واحتفظت الأسرة بجنسيتها التونسية. وكان الحاج محمد بيرم يدير مع أخيه مصنعاً لنسج الحرير ورثه عن والده، وتزوج مرتين، أنجب محموداً من زوجته الثانية.
ولما بلغ محمود بيرم الثانية عشرة توفي والده، فتنكر له أولاد عمه، وتزوجت أمه رجلاً آخر، وماتت وهو في السابعة عشرة من عمره، فلجأ إلى أخته من أبيه، ولكنه لم يستطع العيش معها، فعاد إلى مصنع أبيه الذي كان قد تركه، ولكن أولاد عمه لم يعلّموه الصنعة فباع حصته في المصنع، وفتح محلاً للبقالة، وتزوج وأنجب ولداً وبنتاً، ثم ترك البقالة وشارك أحد الصيادين في بيع السمك ولكنه لم يفلح، فاتجه إلى الصحافة.
وكان بيرم قد تلقى في أول حياته تعليماً أولياً متواضعاً في القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وبعد موت أبيه ترك الدراسة المنتظمة، ولكنه ظل يتردد على المعاهد بالاسكندرية طالباً مستمعاً، وكانت مكتبات هذه المعاهد مصدر ثقافته، فقد كان يقرأ بنهم كلّ ما تصل إليه يده من كتب التصوف والأدب. وكانت قراءاته من العوامل الأساسية في تكوين شخصيته، كما كان يرتاد الأندية الثقافية، ويلتقي فيها شيوخ الأدب والفن.
تأثر محمود بيرم بالأحداث الخاصة والعامة المحيطة به، ونقم على الإنكليز والأسرة المالكة، فحاول إثارة الجماهير عليهم وتعبئة وجدانهم بالثورة. كان ينشر قصائده في جريدة الأهالي ويشارك في إصدار جريدة النجاح، وتعد قصيدة «المجلس البلدي» في بواكير أعماله التي اجتذبت القرّاء، وكانت من أسباب ذيوع اسمه. وفي سنة 1919 أصدر نشرة سماها «المسلة» وانتقل بها إلى القاهرة. وفي السنة ذاتها أصدر عدداً من مجلة سمّاها «الخازوق»، فيها ما دفع السلطات إلى إصدار أمر بترحيله إلى فرنسة.
عاش محمود بيرم ثلاث عشرة سنة في المنفى، من سنة 1919 حتى سنة 1932 تخللها تسلل واحد إلى مصر سنة 1922 دام ستة أشهر، ولما علمت السلطات بأمره رحّلته إلى فرنسة ثانية.
كانت حياة بيرم في فرنسة كثيرة المصاعب واشتغل في عدة مهن، وعانى الفقر وغدر الأصدقاء وتنكر المتنفذين والزعماء الذين طالما أشاد بهم، ولكنه ظلّ مؤمناً بمبادئه في مناهضة الاستعمار والنقمة على الظلم، وكان يكتب المقالات ويرسلها إلى مصر فتنشر في الصحف. وقد أفاد من سنوات النفي، فاطّلع على مختلف جوانب المجتمع الفرنسي، وتشرّب الثقافة الفرنسية، ممّا انعكس على إنتاجه الأدبي.
وفي سنة 1932 رحل إلى تونس، فوجد فيها مناخاً فكرياً وأدبياً واجتماعياً تتصارع فيه الشبيبة مع الرجعية والاستعمار، فأسهم مع الجماعات الأدبية والسياسية في إنعاش الحركة الفكرية، وأصدر جريدة «الشباب»، ورأس تحرير جريدة «الزمان»، وكانت جرأته سبباً في تأليب كثير من الخصوم عليه. ولما ضاقت السلطات الفرنسية في تونس بوجوده صدر قرار بترحيله إلى بلاد الشام. وفي سنة 1937 رحل إلى بيروت، ثم أخذ يتنقل بين دمشق ولبنان، فعمل في الصحافة، وكتب بعض الأزجال لأم كلثوم، ولكن السلطة في مصر لم يعجبها ذلك، فسعت مع حكومة الانتداب الفرنسية لطرده، وتقرر إبعاده إلى السنغال، ولما توقفت الباخرة التي تقله في ميناء بور سعيد تمكن محمود بيرم من التسلل إلى البر واختفى عن العيون. وفي القاهرة تدخل أصدقاؤه والمعجبون بأدبه لحمايته والتمهيد للعفو عنه، واضطرّ إلى نظم قصيدة يمدح فيها الملك فاروقاً فعفا عنه. ولما قامت ثورة 23 أكتوبر في مصر سنة 1952 وقف بيرم شعره على الإشادة بالثورة وزعمائها، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر الجنسية المصرية سنة 1954، وردّ إليه اعتباره، وأنعم عليه بوسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، وظل بعد هذا معززاً يسهم بقلمه في جميع الصحف والمجلات إلى أن وافته المنية.
ما يزال معظم إنتاج بيرم أشتاتاً متناثرة في الصحف والمجلات التي كتب فيها، وقد نشر له كتب منها: «مذكراتي والديوان الأول» و«مذكراتي» و«صفحات ضائعة». وآثار بيرم متعددة، فقد كتب المقالة، والشعر الفصيح المقفى والأزجال بالعامية، وطائفة من القصص والمقامات. وقد تأثر في كتاباته بمصدرين أساسيين: ثقافته الدينية والتراث العربي الأصيل، وكان للقرآن الكريم والأحاديث النبوية مكانة بارزة في نفسه،أما المصدر الثاني فقد كانت الحياة وما فيها من أحداث مرّت به. وكان بيرم يؤمن بالتحام الفن بالحياة، وبأن الكتابة نوع من النضال وعمل متصل بشجون المجتمع وشؤونه. وكان يرى أن الأديب الحق هو الذي يجعل من الحياة مدرسته الكبرى.
ومع أنه لم ينتسب إلى حزب فقد كانت حياته سلسلة من المواقف السياسية المناوئة للزعماء المتقاعسين، وقف فيها مناهضاً جميع أنواع التسلط والانحراف والظلم، ومناصراً الطبقات الكادحة، وكان مثالاً للمصلح التقدمي، فقد شدد على التربية والأخلاق والثقافة، وكان يحاول تبصير الناس بأحوالهم بنشر المثالب السلوكية، وقد وجه همه إلى محاربة تعاطي المخدرات، واتخذ منها قضية وطنية مصيرية، ووقف موقفاً إيجابياً من المرأة وكان من أنصار قاسم أمين، ومتفائلاً بمستقبل الإسلام والمسلمين.
تميز أسلوب بيرم بالطرافة والتهكم وكان شجاعاً في عرض أفكاره، فأعاد بذلك إلى مدرسة الفكاهة والأدب الساخر مجدهما. كما كان معجباً بالموسيقى الشرقية وأعلام الغناء العربي الأصيل.
نهلة الحمصي
أم كلثوم.
ـ محمد صالح الجابري، محمود بيرم التونسي في المنفى حياته وآثاره (دار الغرب الإسلامي 1407هـ/ 1987م).
ـ محمد كامل البنا، بيرم التونسي كما عرفته (مطابع جريدة الصباح، القاهرة).
Bairam Al-Tunisi (Mahmoud-) - Bairam Al-Tunisi (Mahmoud-)
بيرم التونسي (محمود ـ)
(1893 ـ 1961)
محمود بيرم التونسي كاتب وشاعر ومناضل قومي، ولد بالاسكندرية، ينحدرمن أسرة تركية كانت قد استوطنت تونس، هاجر جده مصطفى إلى الاسكندرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر واستقرّ فيها، وتزوج سيدةً مصرية فأنجب منها ولدين أحدهما محمد بيرم، واحتفظت الأسرة بجنسيتها التونسية. وكان الحاج محمد بيرم يدير مع أخيه مصنعاً لنسج الحرير ورثه عن والده، وتزوج مرتين، أنجب محموداً من زوجته الثانية.
ولما بلغ محمود بيرم الثانية عشرة توفي والده، فتنكر له أولاد عمه، وتزوجت أمه رجلاً آخر، وماتت وهو في السابعة عشرة من عمره، فلجأ إلى أخته من أبيه، ولكنه لم يستطع العيش معها، فعاد إلى مصنع أبيه الذي كان قد تركه، ولكن أولاد عمه لم يعلّموه الصنعة فباع حصته في المصنع، وفتح محلاً للبقالة، وتزوج وأنجب ولداً وبنتاً، ثم ترك البقالة وشارك أحد الصيادين في بيع السمك ولكنه لم يفلح، فاتجه إلى الصحافة.
وكان بيرم قد تلقى في أول حياته تعليماً أولياً متواضعاً في القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وبعد موت أبيه ترك الدراسة المنتظمة، ولكنه ظل يتردد على المعاهد بالاسكندرية طالباً مستمعاً، وكانت مكتبات هذه المعاهد مصدر ثقافته، فقد كان يقرأ بنهم كلّ ما تصل إليه يده من كتب التصوف والأدب. وكانت قراءاته من العوامل الأساسية في تكوين شخصيته، كما كان يرتاد الأندية الثقافية، ويلتقي فيها شيوخ الأدب والفن.
تأثر محمود بيرم بالأحداث الخاصة والعامة المحيطة به، ونقم على الإنكليز والأسرة المالكة، فحاول إثارة الجماهير عليهم وتعبئة وجدانهم بالثورة. كان ينشر قصائده في جريدة الأهالي ويشارك في إصدار جريدة النجاح، وتعد قصيدة «المجلس البلدي» في بواكير أعماله التي اجتذبت القرّاء، وكانت من أسباب ذيوع اسمه. وفي سنة 1919 أصدر نشرة سماها «المسلة» وانتقل بها إلى القاهرة. وفي السنة ذاتها أصدر عدداً من مجلة سمّاها «الخازوق»، فيها ما دفع السلطات إلى إصدار أمر بترحيله إلى فرنسة.
عاش محمود بيرم ثلاث عشرة سنة في المنفى، من سنة 1919 حتى سنة 1932 تخللها تسلل واحد إلى مصر سنة 1922 دام ستة أشهر، ولما علمت السلطات بأمره رحّلته إلى فرنسة ثانية.
كانت حياة بيرم في فرنسة كثيرة المصاعب واشتغل في عدة مهن، وعانى الفقر وغدر الأصدقاء وتنكر المتنفذين والزعماء الذين طالما أشاد بهم، ولكنه ظلّ مؤمناً بمبادئه في مناهضة الاستعمار والنقمة على الظلم، وكان يكتب المقالات ويرسلها إلى مصر فتنشر في الصحف. وقد أفاد من سنوات النفي، فاطّلع على مختلف جوانب المجتمع الفرنسي، وتشرّب الثقافة الفرنسية، ممّا انعكس على إنتاجه الأدبي.
وفي سنة 1932 رحل إلى تونس، فوجد فيها مناخاً فكرياً وأدبياً واجتماعياً تتصارع فيه الشبيبة مع الرجعية والاستعمار، فأسهم مع الجماعات الأدبية والسياسية في إنعاش الحركة الفكرية، وأصدر جريدة «الشباب»، ورأس تحرير جريدة «الزمان»، وكانت جرأته سبباً في تأليب كثير من الخصوم عليه. ولما ضاقت السلطات الفرنسية في تونس بوجوده صدر قرار بترحيله إلى بلاد الشام. وفي سنة 1937 رحل إلى بيروت، ثم أخذ يتنقل بين دمشق ولبنان، فعمل في الصحافة، وكتب بعض الأزجال لأم كلثوم، ولكن السلطة في مصر لم يعجبها ذلك، فسعت مع حكومة الانتداب الفرنسية لطرده، وتقرر إبعاده إلى السنغال، ولما توقفت الباخرة التي تقله في ميناء بور سعيد تمكن محمود بيرم من التسلل إلى البر واختفى عن العيون. وفي القاهرة تدخل أصدقاؤه والمعجبون بأدبه لحمايته والتمهيد للعفو عنه، واضطرّ إلى نظم قصيدة يمدح فيها الملك فاروقاً فعفا عنه. ولما قامت ثورة 23 أكتوبر في مصر سنة 1952 وقف بيرم شعره على الإشادة بالثورة وزعمائها، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر الجنسية المصرية سنة 1954، وردّ إليه اعتباره، وأنعم عليه بوسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، وظل بعد هذا معززاً يسهم بقلمه في جميع الصحف والمجلات إلى أن وافته المنية.
ما يزال معظم إنتاج بيرم أشتاتاً متناثرة في الصحف والمجلات التي كتب فيها، وقد نشر له كتب منها: «مذكراتي والديوان الأول» و«مذكراتي» و«صفحات ضائعة». وآثار بيرم متعددة، فقد كتب المقالة، والشعر الفصيح المقفى والأزجال بالعامية، وطائفة من القصص والمقامات. وقد تأثر في كتاباته بمصدرين أساسيين: ثقافته الدينية والتراث العربي الأصيل، وكان للقرآن الكريم والأحاديث النبوية مكانة بارزة في نفسه،أما المصدر الثاني فقد كانت الحياة وما فيها من أحداث مرّت به. وكان بيرم يؤمن بالتحام الفن بالحياة، وبأن الكتابة نوع من النضال وعمل متصل بشجون المجتمع وشؤونه. وكان يرى أن الأديب الحق هو الذي يجعل من الحياة مدرسته الكبرى.
ومع أنه لم ينتسب إلى حزب فقد كانت حياته سلسلة من المواقف السياسية المناوئة للزعماء المتقاعسين، وقف فيها مناهضاً جميع أنواع التسلط والانحراف والظلم، ومناصراً الطبقات الكادحة، وكان مثالاً للمصلح التقدمي، فقد شدد على التربية والأخلاق والثقافة، وكان يحاول تبصير الناس بأحوالهم بنشر المثالب السلوكية، وقد وجه همه إلى محاربة تعاطي المخدرات، واتخذ منها قضية وطنية مصيرية، ووقف موقفاً إيجابياً من المرأة وكان من أنصار قاسم أمين، ومتفائلاً بمستقبل الإسلام والمسلمين.
تميز أسلوب بيرم بالطرافة والتهكم وكان شجاعاً في عرض أفكاره، فأعاد بذلك إلى مدرسة الفكاهة والأدب الساخر مجدهما. كما كان معجباً بالموسيقى الشرقية وأعلام الغناء العربي الأصيل.
نهلة الحمصي
الموضوعات ذات الصلة: |
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد كامل البنا، بيرم التونسي كما عرفته (مطابع جريدة الصباح، القاهرة).