بطليوسي (ابن سيد)
Al-Batlyawsi (ibn l-Said-) - Al-Batlyawsi (ibn l-Said-)
البَطَلْيَوْسي (ابن السِّيْد ـ)
(444 ـ 521هـ/1052 ـ 1127)
أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيْد البَطَلْيَوْسي النحوي، من كبار أئمة اللغة والأدب في الأندلس، أصله من مدينة شِلْب، ومولده في بطليوس Badajoz غربي قرطبة. أحد من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية. كان عالماً بالآداب واللغات متبحّراً فيهما، مقدَّماً في معرفتهما وإتقانهما. ووصف بأنه كان حسن التعليم جيد التلقين والتفهيم، ثقة حافظاً ضابطاً.
نشأ البطليوسي في بيت علم وفضل، وتلقّى العلم في بطليوس على أبيه، ثم على أخيه أبي الحسن علي بن محمد بن السيد (ت480هـ)، ومعظم ما روي عنه كان كتباً في اللغة. ودرس القراءات على علي بن أحمد بن حمدون المعروف بابن اللطينية (ت466هـ)، كما درس اللغة على أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي (ت494هـ). وفي نحو سنة 464هـ ارتحل ابن السيد إلى المَرِيَّة ومكث فيها عاماً واحداً سمع في أثنائه من عبد الله بن جبير القيرواني، ثم غادرها إلى قرطبة لإكمال تعليمه فدرس فيها الحديث على أبي علي الحسين بن أحمد الغسّاني الجيّاني (ت498هـ) شيخ المحدّثين بقرطبة، وكان من أساتذته كذلك أبو الفضل البغدادي، وعبد الدايم بن مرزوق بن جبر القيرواني، وهما من رواة الأدب والأشعار الوافدين من خارج الأندلس، وغيرهم.
بعدئذٍ أخذ البطليوسي يتنقّل بين بلاطات ملوك الطوائف،فاتصل بالقادر بالله يحيى بن إسماعيل بن ذي النون (467-478هـ) بطُلَيْطِلة، وكان على علاقة طيبة بأبي الحسن راشد بن العريف كاتب ذي النون. وأقام ابن السيد في شَنْتَمَرِيّة إبّان حكم أبي مروان عبد الملك بن رزين لها آخر ملوك بني رزين (خلفه المرابطون سنة 503). ولما تنكّر عبد الملك بن رزين للبطليوسي استعطفه هذا بقصيدة رقيقة مؤثرة لم تلق عند ابن رزين الاهتمام المأمول، ففرّ البطليوسي إلى سَرَقُسْطة واتصل بأحمد المستعين التجيبي (478-503هـ) حاكم سرقسطة الذي استمرّ عليها إبّان حكم المرابطين[ر]. ثم رجع إلى إقليم السهلة في شنتمرية، ولما ساءت أحوالها ارتحل هذا إلى قرطبة وجلس في مسجدها الجامع يُقرِىء علوم الدين واللغة والنحو والأدب، غير أنه لم يلبث أن غادرها إلى بلنسية (كان فيها سنة 511هـ) وكانت تحت حكم المرابطين وهناك استقر، وكان الناس يجتمعون إليه ويقرؤون عليه ويقتبسون منه، وقد اشتغل بالإقراء والإملاء والتدريس والتأليف، وترك الاتصال بالملوك والأمراء، وبقي على هذه الحال إلى أن لقي ربه.
كان البطليوسي واسع المعرفة بفنون العلم؛ محدِّثاً وفقيهاً ولغوياً ونحوياً وأديباً وناقداً وشاعراً ومؤرخاً عارفاً بأيام العرب وأشعارها، وكان أيضاً فيلسوفاً، ولقب بنحوي زمانه، وبشيخ النحاة.
وللبطليوسي تصانيف نافعة ممتعة منها:
«إصلاح الخلل الواقع في الجمل» و«الحُلل في شرح أبيات الجمل» والمراد بالجمل هنا كتاب أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت337هـ) المسمى «الجمل». ومنها «المسائل المنثورة في النحو».
أما في مجال الشروح الأدبية واللغوية فقد صنف مجموعة شروح منها:
«شرح سَقْط الزَّنْد» لأبي العلاء المعرّي، وشرح بعض اللزوميات للمعرّي نفسه. و«شرح أدب الكاتب» لابن قتيبة، وسمّاه «الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب» وبهذه التسمية حُقِّق ونشر. و«شرح الكامل» لأبي العباس المبرد، و«شرح إصلاح المنطق» ليعقوب بن السكّيت، و«شرح ديوان المتنبي» و«المثلَّث» في اللغة وهو شرح لكتاب «مثلّثات قطرب» محمد بن المستنير (ت206هـ)، وقد زاد ابن السيد على مثلثات قطرب موادّ كثيرة، واستدرك عليه في مواد أخرى. ومن كتبه: «شرح أبيات المعاني»، و«شرح فصيح ثعلب».
ومن ثمار اشتغاله بالفلسفة تأليفه كتاب «الحدائق» في المطالب العلية العويصة، أو في أصول الدين. وكان له علم بالحديث وصنف في هذا العلم «شرح موطأ الإمام مالك». وصنف في أصول الفقه وعلم الكلام كتاب «التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم». وكتاب «الانتصار ممّن عدل عن الاستبصار»، وله غير ذلك مصنفات أخرى.
ولهذه المصنفات قيمة علمية عظيمة بما انطوت عليه من علم غزير تنوّعت فوائده وشعابه، وكان أبرزها الدراسات اللغوية التي أقيمت على الشروح والتأصيل اللغوي etymology وعلم الدلالة اللغوية semantics.
أما شعره فقليل، على بعضه نفحة دينية صوفية، وفي بعضه الآخر شيء من مجون. وله مدح ورثاء ووصف وغزل وحكمة، ومن شعره في الحكمة هذان البيتان المشهوران:
أخـو العلـم حيٌّ خالـد بعـد موتـه
وأوصـالُـه تحـت التـراب رَمِـيْمُ
وذو الجهل مَيْتٌ وهو ماشٍ على الثرى
يُظَـنّ مـن الأحيـاء وهـو عـديـم
وقد تلمذ للبطليوسي طائفة من العلماء الأعلام منهم: الفتح بن خاقان (ت528هـ)، والفقيه المحدِّث عبد الملك بن محمد بن هشام المعروف بابن الطلا (ت551هـ)، والفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد العبدري المعروف بابن موجوال (ت566هـ)، وأبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري (ت571هـ)، وابن بشكوال (ت578هـ).وعبد الله بن محمد بن خلف الداني المقرىء (ت نحو 575هـ) وثمة من أحصى تلاميذ ابن السيد فبلغ عددهم عنده نحو ثمانية وسبعين علماً.
مسعود بوبو
ـ ابن السِّيد البطليوسي، المثلث، تحقيق ودراسة صلاح مهدي علي الفرطوسي (بغداد 1981).
ـ ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عبّاس (دار صادر، بيروت 1978).
ـ جلال الدين السيوطي، بغية الوعاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1965).
ـ علي بن موسى بن سعيد، المُغرب في حلل المغرب، تحقيق شوقي ضيف (دار المعارف، القاهرة 1964).
ـ أحمد المقري التلمساني، نفح الطيب (دار صادر، بيروت 1968).
Al-Batlyawsi (ibn l-Said-) - Al-Batlyawsi (ibn l-Said-)
البَطَلْيَوْسي (ابن السِّيْد ـ)
(444 ـ 521هـ/1052 ـ 1127)
أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيْد البَطَلْيَوْسي النحوي، من كبار أئمة اللغة والأدب في الأندلس، أصله من مدينة شِلْب، ومولده في بطليوس Badajoz غربي قرطبة. أحد من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية. كان عالماً بالآداب واللغات متبحّراً فيهما، مقدَّماً في معرفتهما وإتقانهما. ووصف بأنه كان حسن التعليم جيد التلقين والتفهيم، ثقة حافظاً ضابطاً.
نشأ البطليوسي في بيت علم وفضل، وتلقّى العلم في بطليوس على أبيه، ثم على أخيه أبي الحسن علي بن محمد بن السيد (ت480هـ)، ومعظم ما روي عنه كان كتباً في اللغة. ودرس القراءات على علي بن أحمد بن حمدون المعروف بابن اللطينية (ت466هـ)، كما درس اللغة على أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي (ت494هـ). وفي نحو سنة 464هـ ارتحل ابن السيد إلى المَرِيَّة ومكث فيها عاماً واحداً سمع في أثنائه من عبد الله بن جبير القيرواني، ثم غادرها إلى قرطبة لإكمال تعليمه فدرس فيها الحديث على أبي علي الحسين بن أحمد الغسّاني الجيّاني (ت498هـ) شيخ المحدّثين بقرطبة، وكان من أساتذته كذلك أبو الفضل البغدادي، وعبد الدايم بن مرزوق بن جبر القيرواني، وهما من رواة الأدب والأشعار الوافدين من خارج الأندلس، وغيرهم.
بعدئذٍ أخذ البطليوسي يتنقّل بين بلاطات ملوك الطوائف،فاتصل بالقادر بالله يحيى بن إسماعيل بن ذي النون (467-478هـ) بطُلَيْطِلة، وكان على علاقة طيبة بأبي الحسن راشد بن العريف كاتب ذي النون. وأقام ابن السيد في شَنْتَمَرِيّة إبّان حكم أبي مروان عبد الملك بن رزين لها آخر ملوك بني رزين (خلفه المرابطون سنة 503). ولما تنكّر عبد الملك بن رزين للبطليوسي استعطفه هذا بقصيدة رقيقة مؤثرة لم تلق عند ابن رزين الاهتمام المأمول، ففرّ البطليوسي إلى سَرَقُسْطة واتصل بأحمد المستعين التجيبي (478-503هـ) حاكم سرقسطة الذي استمرّ عليها إبّان حكم المرابطين[ر]. ثم رجع إلى إقليم السهلة في شنتمرية، ولما ساءت أحوالها ارتحل هذا إلى قرطبة وجلس في مسجدها الجامع يُقرِىء علوم الدين واللغة والنحو والأدب، غير أنه لم يلبث أن غادرها إلى بلنسية (كان فيها سنة 511هـ) وكانت تحت حكم المرابطين وهناك استقر، وكان الناس يجتمعون إليه ويقرؤون عليه ويقتبسون منه، وقد اشتغل بالإقراء والإملاء والتدريس والتأليف، وترك الاتصال بالملوك والأمراء، وبقي على هذه الحال إلى أن لقي ربه.
كان البطليوسي واسع المعرفة بفنون العلم؛ محدِّثاً وفقيهاً ولغوياً ونحوياً وأديباً وناقداً وشاعراً ومؤرخاً عارفاً بأيام العرب وأشعارها، وكان أيضاً فيلسوفاً، ولقب بنحوي زمانه، وبشيخ النحاة.
وللبطليوسي تصانيف نافعة ممتعة منها:
«إصلاح الخلل الواقع في الجمل» و«الحُلل في شرح أبيات الجمل» والمراد بالجمل هنا كتاب أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت337هـ) المسمى «الجمل». ومنها «المسائل المنثورة في النحو».
أما في مجال الشروح الأدبية واللغوية فقد صنف مجموعة شروح منها:
«شرح سَقْط الزَّنْد» لأبي العلاء المعرّي، وشرح بعض اللزوميات للمعرّي نفسه. و«شرح أدب الكاتب» لابن قتيبة، وسمّاه «الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب» وبهذه التسمية حُقِّق ونشر. و«شرح الكامل» لأبي العباس المبرد، و«شرح إصلاح المنطق» ليعقوب بن السكّيت، و«شرح ديوان المتنبي» و«المثلَّث» في اللغة وهو شرح لكتاب «مثلّثات قطرب» محمد بن المستنير (ت206هـ)، وقد زاد ابن السيد على مثلثات قطرب موادّ كثيرة، واستدرك عليه في مواد أخرى. ومن كتبه: «شرح أبيات المعاني»، و«شرح فصيح ثعلب».
ومن ثمار اشتغاله بالفلسفة تأليفه كتاب «الحدائق» في المطالب العلية العويصة، أو في أصول الدين. وكان له علم بالحديث وصنف في هذا العلم «شرح موطأ الإمام مالك». وصنف في أصول الفقه وعلم الكلام كتاب «التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم». وكتاب «الانتصار ممّن عدل عن الاستبصار»، وله غير ذلك مصنفات أخرى.
ولهذه المصنفات قيمة علمية عظيمة بما انطوت عليه من علم غزير تنوّعت فوائده وشعابه، وكان أبرزها الدراسات اللغوية التي أقيمت على الشروح والتأصيل اللغوي etymology وعلم الدلالة اللغوية semantics.
أما شعره فقليل، على بعضه نفحة دينية صوفية، وفي بعضه الآخر شيء من مجون. وله مدح ورثاء ووصف وغزل وحكمة، ومن شعره في الحكمة هذان البيتان المشهوران:
أخـو العلـم حيٌّ خالـد بعـد موتـه
وأوصـالُـه تحـت التـراب رَمِـيْمُ
وذو الجهل مَيْتٌ وهو ماشٍ على الثرى
يُظَـنّ مـن الأحيـاء وهـو عـديـم
وقد تلمذ للبطليوسي طائفة من العلماء الأعلام منهم: الفتح بن خاقان (ت528هـ)، والفقيه المحدِّث عبد الملك بن محمد بن هشام المعروف بابن الطلا (ت551هـ)، والفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد العبدري المعروف بابن موجوال (ت566هـ)، وأبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري (ت571هـ)، وابن بشكوال (ت578هـ).وعبد الله بن محمد بن خلف الداني المقرىء (ت نحو 575هـ) وثمة من أحصى تلاميذ ابن السيد فبلغ عددهم عنده نحو ثمانية وسبعين علماً.
مسعود بوبو
مراجع الاستزادة: |
ـ ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عبّاس (دار صادر، بيروت 1978).
ـ جلال الدين السيوطي، بغية الوعاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1965).
ـ علي بن موسى بن سعيد، المُغرب في حلل المغرب، تحقيق شوقي ضيف (دار المعارف، القاهرة 1964).
ـ أحمد المقري التلمساني، نفح الطيب (دار صادر، بيروت 1968).