إنعام بيوض: الألفاظ التي تسمعها المرأة الجزائرية في الشارع أسوأ بكثير مما ورد في "هوارية"
الطبقة المثقفة تعيش في عالمها البعيد عن قسوة الواقع المنعكس في الرواية.
الثلاثاء 2024/10/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كاتبة جريئة في نقل الواقع
لا تزال رواية "هوارية" لإنعام بيوض تحدث ضجة في الأوساط الثقافية الجزائرية والعربية، لما اتهمت به من اعتماد لمعجم لغوي فض وشديد القسوة تجاه المرأة، وهو ما نفته بيوض التي شددت في لقاء تلفزيوني لها على أن المرأة تتعرض لألفاظ أكثر بشاعة وسوءا في الشارع الجزائري.
حلت الكاتبة الجزائرية إنعام بيوض التي فازت مؤخرا روايتها “هوارية” بجائزة آسيا جبار للرواية، ضيفة منذ فترة قصيرة على برنامج مطالعات الذي يعرض على التلفزيون العربي 2 وتقدمه الروائية اللبنانية نجوى بركات، وتعرض حلقاته أيضا على موقع يوتيوب. كان الحديث عن الجدل الذي سببه فوز رواية “هوارية” في المجتمع الجزائري والهجوم الحاد الذي تعرضت له كاتبتها بيوض من الجزائريين الذين اعتبروا الرواية إهانة للمرأة الجزائرية وانتقاصا من شرفها وإهانة لسكان مدينة وهران تحديدا المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية.
أكدت بيوض التي غادرت البلاد إلى فرنسا بعد فوز روايتها بالجائزة بيوم أن الواقع أقسى وأقبح بكثير مما جاء في الرواية التي تدور أحداثها في أحد الأحياء الشعبية لمدينة وهران، وهو حي أكميل الذي يشبه أي حي شعبي ومهمش في باقي البلدان العربية، تنتشر فيه الجريمة وتجارة المخدرات.
الرواية تسلط الضوء على المسكوت عنه في هذه المجتمعات كما أنها تحتوي على شتائم باللهجة الجزائرية العامية
اتخذت الروائية الجزائرية من هذا الحي وسكانه فضاء لأحداثها لتروي قصة الفتاة هوارية التي تعيش مع أمها وأخيها وزوجته وهوارية هو الاسم المؤنث من كلمة هواري (اسم أخ البطلة) الذي يعني باللغة الأمازيغية الرجل الأزرق وفي العربية يعني الجندي في فوج عسكري غير منتظم. وللاسم رمزية كبيرة في الجزائر لأنه يذكر الناس بأحد أبرز قادة الثورة الجزائرية هواري بومدين.
وبطلة الرواية هوارية هي رمز للفتاة النقية البريئة ذات البصيرة الكبيرة أو التي كشف عنها الحجاب كما يقولون في العامية، يزورها الناس كي تقرأ لهم الكف وتكشف لهم عن أسرار مستقبلهم، لكن براءتها لم تنقذها من معاملة أخيها هواري السيئة لها، هذا الرجل الذي يحمل في داخله عقدا نفسية كثيرة نتيجة قبح مظهره الذي جعله مرفوضا من قبل النساء، الأمر الذي يدفعه إلى كرههم بدوره أيضا فيلقب أخته بالمصيبة أما لقبها في الحي فهو المنحوسة هذا اللقب الذي أطلقته عليها أمها، لكن هوارية تصبح قارئة كف شهيرة وامرأة مبروكة ترى ما لا يراه غيرها وخصوصا بعد أن اعترف بقدراتها الشيخ هنان أشهر شخصيات الحي الذي تقصده النساء للتبرك وطرد المس الشيطاني.
وهوارية تحب هشام تاجر المخدرات الذي يلاقي مصيرا مشؤوما في النهاية. وتدور أحداث هذه الرواية في سنوات العشرية السوداء وما قبلها، وتتعدد الأصوات السردية داخل متنها، ففيها شخصيات كثيرة ومتنوعة الاهتمامات، فهذا الحي الصغير بتنوع شخصياته يرمز إلى المجتمع الجزائري بأكمله، فهناك المرأة الجاهلة والمرأة المثقفة والطبيب والرجل المثقف والقواد.
وتحمل الرواية من الجرأة الكثير حيث تسلط الضوء على المسكوت عنه في هذه المجتمعات. كما أنها تحتوي على شتائم باللهجة الجزائرية العامية الأمر الذي عرض كاتبتها لهجوم كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكدت لمضيفتها الكاتبة نجوى بركات أن هذه الشتائم التي وردت في الرواية لا شيء مقارنة بالألفاظ النابية التي تسمعها المرأة الجزائرية أثناء سيرها في الشارع عدا عن التحرش اللفظي الذي تتعرض له في شوارع وهران.
وذكرت الكاتبة أنها تعرف فتيات غادروا الجزائر نهائيا بسبب هذا الموضوع، كما قالت إن الطبقة المثقفة تعيش في عالمها الخاص البعيد عن قسوة الواقع الذي قدمته هي بكل واقعية في روايتها “هوارية”، والغريب في الأمر أن الرواية لم تهاجم إلا بعد فوزها بالجائزة الأدبية المرموقة مع العلم أنها صدرت قبل ذلك بأشهر.
وأكدت بيوض أن سبب الهجوم عليها من المثقفين والناس هو الغيرة منها ومن فوزها. وحول اتهامها بالفساد المالي بسبب إدارتها للمركز العربي للترجمة الذي واجهتها به مقدمة البرنامج، أكدت بيوض أنها مجرد افتراءات والمركز مفلس نهائيا وأن العاملين به لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من تسعة أشهر، كما أثنت على موقف الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج الذي دافع عنها بعد هذا الهجوم الذي تعرضت له مؤكدة أنه هو أيضا مر بمثل هذه التجربة في بداياته.
الرواية تدور في سنوات العشرية السوداء وما قبلها وتتعدد الأصوات السردية داخل متنها ففيها شخصيات متنوعة الاهتمامات
هذا اللقاء التلفزيوني لم يكن فقط مخصصا لإنعام بيوض وتجربتها الروائية وحديثها عن رواية “هوارية”، بل فيه عدة فواصل خصصت لفقرات البرنامج الثقافي حيث يقسم إلى ثلاث فقرات بالإضافة إلى ثلاث فقرات، والفقرات كالتالي فقرة نشروا حيث ظهرت فيها رنا حايك مديرة دار نوفل للنشر “هاشيت أنطوان” وتحدثت عن النوفيلا وكيف تخوفوا من عدم رواجها في بداية نشرهم لها واستخفاف الناس بها مقارنة بالروايات الطويلة وكيف وجدوا إقبالا كبيرا على هذا النوع من الروايات لاحقا.
وفي فقرة كتبوا ظهر كاتب رواية مبني للمجهول وتحدث عنها وتدور أحداثها أثناء الحرب العالمية الثانية عن شخصيتين كرديتين تتقاطع مصائرهما، وفي فقرة قرأوا ظهر أحد القراء وهو يتحدث عن رواية طنطورية للكاتبة المصرية رضوى عاشور وهي رواية تتحدث عن النزوح الفلسطيني وأجوائه وهذا التنوع في الفقرات أضفى تميزا على هذا البرنامج الحواري الثقافي القيم.
وإنعام بيوض هي أيضا شاعرة وفنانة تشكيلية ومترجمة، اشتغلت بتدريس الترجمة بشقيها التحريري والشفوي في الجامعات الجزائرية، وأنجزت عدة ترجمات لأبرز الكتاب الجزائريين، اختيرت عضوا في المجلس الاستشاري لتقرير المعرفة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة آل مكتوم (2009 – 2014)، وعضوا في المجلس الاستشاري لتقرير “آفاق التكامل الحضاري في الوطن العربي” التابع للجنة الأمم المتحدة “الإسكوا” (2009 – 2013)، تشغل منصب مدير عام المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر التابع لجامعة الدول العربية منذ إنشائه. لها عدة إصدارات، منها “الترجمة الأدبية: مشاكل وحلول”، وروايتها “السمك لا يبالي”، وديوانها “رسائل لم ترسل” (2003).
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إلياس حموي
كاتب سوري
الطبقة المثقفة تعيش في عالمها البعيد عن قسوة الواقع المنعكس في الرواية.
الثلاثاء 2024/10/08
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كاتبة جريئة في نقل الواقع
لا تزال رواية "هوارية" لإنعام بيوض تحدث ضجة في الأوساط الثقافية الجزائرية والعربية، لما اتهمت به من اعتماد لمعجم لغوي فض وشديد القسوة تجاه المرأة، وهو ما نفته بيوض التي شددت في لقاء تلفزيوني لها على أن المرأة تتعرض لألفاظ أكثر بشاعة وسوءا في الشارع الجزائري.
حلت الكاتبة الجزائرية إنعام بيوض التي فازت مؤخرا روايتها “هوارية” بجائزة آسيا جبار للرواية، ضيفة منذ فترة قصيرة على برنامج مطالعات الذي يعرض على التلفزيون العربي 2 وتقدمه الروائية اللبنانية نجوى بركات، وتعرض حلقاته أيضا على موقع يوتيوب. كان الحديث عن الجدل الذي سببه فوز رواية “هوارية” في المجتمع الجزائري والهجوم الحاد الذي تعرضت له كاتبتها بيوض من الجزائريين الذين اعتبروا الرواية إهانة للمرأة الجزائرية وانتقاصا من شرفها وإهانة لسكان مدينة وهران تحديدا المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية.
أكدت بيوض التي غادرت البلاد إلى فرنسا بعد فوز روايتها بالجائزة بيوم أن الواقع أقسى وأقبح بكثير مما جاء في الرواية التي تدور أحداثها في أحد الأحياء الشعبية لمدينة وهران، وهو حي أكميل الذي يشبه أي حي شعبي ومهمش في باقي البلدان العربية، تنتشر فيه الجريمة وتجارة المخدرات.
الرواية تسلط الضوء على المسكوت عنه في هذه المجتمعات كما أنها تحتوي على شتائم باللهجة الجزائرية العامية
اتخذت الروائية الجزائرية من هذا الحي وسكانه فضاء لأحداثها لتروي قصة الفتاة هوارية التي تعيش مع أمها وأخيها وزوجته وهوارية هو الاسم المؤنث من كلمة هواري (اسم أخ البطلة) الذي يعني باللغة الأمازيغية الرجل الأزرق وفي العربية يعني الجندي في فوج عسكري غير منتظم. وللاسم رمزية كبيرة في الجزائر لأنه يذكر الناس بأحد أبرز قادة الثورة الجزائرية هواري بومدين.
وبطلة الرواية هوارية هي رمز للفتاة النقية البريئة ذات البصيرة الكبيرة أو التي كشف عنها الحجاب كما يقولون في العامية، يزورها الناس كي تقرأ لهم الكف وتكشف لهم عن أسرار مستقبلهم، لكن براءتها لم تنقذها من معاملة أخيها هواري السيئة لها، هذا الرجل الذي يحمل في داخله عقدا نفسية كثيرة نتيجة قبح مظهره الذي جعله مرفوضا من قبل النساء، الأمر الذي يدفعه إلى كرههم بدوره أيضا فيلقب أخته بالمصيبة أما لقبها في الحي فهو المنحوسة هذا اللقب الذي أطلقته عليها أمها، لكن هوارية تصبح قارئة كف شهيرة وامرأة مبروكة ترى ما لا يراه غيرها وخصوصا بعد أن اعترف بقدراتها الشيخ هنان أشهر شخصيات الحي الذي تقصده النساء للتبرك وطرد المس الشيطاني.
وهوارية تحب هشام تاجر المخدرات الذي يلاقي مصيرا مشؤوما في النهاية. وتدور أحداث هذه الرواية في سنوات العشرية السوداء وما قبلها، وتتعدد الأصوات السردية داخل متنها، ففيها شخصيات كثيرة ومتنوعة الاهتمامات، فهذا الحي الصغير بتنوع شخصياته يرمز إلى المجتمع الجزائري بأكمله، فهناك المرأة الجاهلة والمرأة المثقفة والطبيب والرجل المثقف والقواد.
وتحمل الرواية من الجرأة الكثير حيث تسلط الضوء على المسكوت عنه في هذه المجتمعات. كما أنها تحتوي على شتائم باللهجة الجزائرية العامية الأمر الذي عرض كاتبتها لهجوم كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكدت لمضيفتها الكاتبة نجوى بركات أن هذه الشتائم التي وردت في الرواية لا شيء مقارنة بالألفاظ النابية التي تسمعها المرأة الجزائرية أثناء سيرها في الشارع عدا عن التحرش اللفظي الذي تتعرض له في شوارع وهران.
وذكرت الكاتبة أنها تعرف فتيات غادروا الجزائر نهائيا بسبب هذا الموضوع، كما قالت إن الطبقة المثقفة تعيش في عالمها الخاص البعيد عن قسوة الواقع الذي قدمته هي بكل واقعية في روايتها “هوارية”، والغريب في الأمر أن الرواية لم تهاجم إلا بعد فوزها بالجائزة الأدبية المرموقة مع العلم أنها صدرت قبل ذلك بأشهر.
وأكدت بيوض أن سبب الهجوم عليها من المثقفين والناس هو الغيرة منها ومن فوزها. وحول اتهامها بالفساد المالي بسبب إدارتها للمركز العربي للترجمة الذي واجهتها به مقدمة البرنامج، أكدت بيوض أنها مجرد افتراءات والمركز مفلس نهائيا وأن العاملين به لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من تسعة أشهر، كما أثنت على موقف الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج الذي دافع عنها بعد هذا الهجوم الذي تعرضت له مؤكدة أنه هو أيضا مر بمثل هذه التجربة في بداياته.
الرواية تدور في سنوات العشرية السوداء وما قبلها وتتعدد الأصوات السردية داخل متنها ففيها شخصيات متنوعة الاهتمامات
هذا اللقاء التلفزيوني لم يكن فقط مخصصا لإنعام بيوض وتجربتها الروائية وحديثها عن رواية “هوارية”، بل فيه عدة فواصل خصصت لفقرات البرنامج الثقافي حيث يقسم إلى ثلاث فقرات بالإضافة إلى ثلاث فقرات، والفقرات كالتالي فقرة نشروا حيث ظهرت فيها رنا حايك مديرة دار نوفل للنشر “هاشيت أنطوان” وتحدثت عن النوفيلا وكيف تخوفوا من عدم رواجها في بداية نشرهم لها واستخفاف الناس بها مقارنة بالروايات الطويلة وكيف وجدوا إقبالا كبيرا على هذا النوع من الروايات لاحقا.
وفي فقرة كتبوا ظهر كاتب رواية مبني للمجهول وتحدث عنها وتدور أحداثها أثناء الحرب العالمية الثانية عن شخصيتين كرديتين تتقاطع مصائرهما، وفي فقرة قرأوا ظهر أحد القراء وهو يتحدث عن رواية طنطورية للكاتبة المصرية رضوى عاشور وهي رواية تتحدث عن النزوح الفلسطيني وأجوائه وهذا التنوع في الفقرات أضفى تميزا على هذا البرنامج الحواري الثقافي القيم.
وإنعام بيوض هي أيضا شاعرة وفنانة تشكيلية ومترجمة، اشتغلت بتدريس الترجمة بشقيها التحريري والشفوي في الجامعات الجزائرية، وأنجزت عدة ترجمات لأبرز الكتاب الجزائريين، اختيرت عضوا في المجلس الاستشاري لتقرير المعرفة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة آل مكتوم (2009 – 2014)، وعضوا في المجلس الاستشاري لتقرير “آفاق التكامل الحضاري في الوطن العربي” التابع للجنة الأمم المتحدة “الإسكوا” (2009 – 2013)، تشغل منصب مدير عام المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر التابع لجامعة الدول العربية منذ إنشائه. لها عدة إصدارات، منها “الترجمة الأدبية: مشاكل وحلول”، وروايتها “السمك لا يبالي”، وديوانها “رسائل لم ترسل” (2003).
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إلياس حموي
كاتب سوري