الإضحاك ليس طرافة وظرفا إنما هو نقد يرتدي عباءة التسلية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإضحاك ليس طرافة وظرفا إنما هو نقد يرتدي عباءة التسلية

    الإضحاك ليس طرافة وظرفا إنما هو نقد يرتدي عباءة التسلية


    "أسرار كتابة الكوميديا".. كتاب يجعل منا كُتّاب كوميديا.
    السبت 2024/10/05
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الإضحاك يفعل ما هو أكثر من مجرد الابتسامة

    غالبا ما نرى في فن الكوميديا والإضحاك موهبة منفلتة، بينما هو في حقيقته ورغم أهمية الموهبة فيه ينطلق من ثوابت وأساسيات في الكتابة الكوميدية، من خلالها يمكن لكاتب النص أن يحقق الإضحاك بطرق شتى. وبإمكان أي شخص أن يتحول إلى كاتب كوميديا شريطة امتلاكه للخيال، هذا ما يثبته كتاب “أسرار كتابة الكوميديا”.

    منزلة الضحك من الروح هي منزلة الهرولة من الجسد. والإضحاك بوصفه شكلا من أشكال الفن يحقق، إذا كان مصحوبا بأداء حي، إشباعا أكثر مما تحققه أشكال الفن الأخرى. والكاتب الكوميدي يتعرف ذوق الجمهور عندما يسمع استجابته المفاجئة والفورية التي تشبه قرار هيئة المحلفين في المحاكم الأميركية.

    تشكل هذه الرؤية خلاصة الإعلامي والباحث ملفن هيلترز في كتابه “أسرار كتابة الكوميديا” الذي ترجمه صبري محمد حسن وصدر عن المركز القومي للترجمة، حيث يتناول مفهوم الإضحاك وعناصره ومحاور موضوعاته ويضرب أمثلة وأدلة على سلسلة التقنيات الكوميدية التي يمارسها كبار الكوميديين العالميين، ويخصص فصولا كاملة عن كتابة الإضحاك الكلامي والطرف الكوميدية والنصوص المطلوبة لكوميديا الموقف، وغير ذلك، ويختم بطرح أشهر الأسئلة المطروحة عن التركيبة الهزلية للإضحاك.
    تعلم الكوميديا



    ◙ الكتاب يتناول مفهوم الإضحاك وعناصره وموضوعاته ويقدم أمثلة على التقنيات الكوميدية التي يمارسها كتّاب


    بداية يشير هيلترز إلى أن الإضحاك أمر مهم في الترفيه بكل أشكاله، في الحياة الاجتماعية، وفي التربية والتعليم فضلا عن الصحة، يضاف إلى ذلك أن لدى الكثير من المرشحين السياسيين، بل، ولدى كل رئيس من رؤساء الولايات المتحدة بدءا من فرانكلين روزفلت، أناس ضمن الفرق التي تقوم بإعداد الخطب لهم، يجيدون فن الإضحاك. كما أن الموظفين التنفيذيين في كبريات مؤسسات المال والأعمال يزداد إقبالهم على استئجار أولئك الكتاب الذين يمكنون هؤلاء التنفيذيين الكبار من استخدام المزاح الخادع في كل سطر يقولونه.

    ويوضح هيلترز أن كل كتّاب الفكاهة الناجحين يشتركون في خاصيتين هما، الثبات على المبدأ والمادة الهادفة، وهذا يعني أولا أن القدرة على الكتابة الكوميدية ليست شيئا مرحليا أو موقوتا. وثانيا أن الكاتب الكوميدي لا يضيع وقته الثمين في تجهيز المادة غير المناسبة للمؤدي غير المناسب، ليلقيها أمام الجمهور غير المناسب أيضا. وهذا ينطبق على المادة الفكاهية المكتوبة والمذاعة والممثلة.

    وإذا كان الكتاب ليس سوى مقدمة لفن الإضحاك، فذلك يعني أن الكتاب سيحوّلنا إلى كُتّاب كوميديا محترفين، إذ يشير هيلترز إلى أنه إذا أردنا تعلم أساسيات فن الإضحاك فذلك أسهل إذا ما قارناه بالولاء والإخلاص الذي تتطلبه هذه العملية. فقد اندفعت امرأة ذات مرة إلى عازف الكمان فرتز كريزار بعد انتهاء إحدى الحفلات الموسيقية، وصاحت قائلة “أدفع عمري نظير أن أعزف بمثل هذا القدر من الجمال”، فرد عليها كريزار قائلا “حسنا، لقد فعلت ذلك أنا نفسي”. والإضحاك يمكن أن نتعلمه والسبب في ذلك هو بنيته، إذ أن لهذا الفن قائمة معروفة من التراكيب وتشكيلة واسعة من التقنيات. وما يقدمه الكاتب هنا هو آليات الإضحاك وهذا ليس بالأمر الهين.

    ويرى هيلترز أن الخيال هو أول الخطوات التي نخطوها في مفهوم الإضحاك، ونحن نطلق على هذا الخيال اسم “ماذا لو” إذ أن هاتين الكلمتين هما أهم ما تنطوي عليه القدرة الإبداعية، فضلا عن أنهما تشكلان أهم الحوافز التي يحتاجها كاتب الإضحاك كي يبدأ العمل، يقول جورج سكايلابا “إن الخيال هو الذكاء المشوب بالفكاهة والظرف”.

    ويضيف “انظر مثلا إلى طفاية السجائر الزجاجية؛ ماذا ترى فيها؟ إذا استطعت أن تتبين شيئا في ما وراء وظيفتها المعتادة، فذلك يعني أن لديك موهبة كتابة الإضحاك. والسبب في ذلك أن الكاتب الفكاهي يرى المنطقي غير منطقي. بمعنى أنه يرى شيئا من الأشياء على نحو لم يره أي واحد (من الجمهور على أقل تقدير) عليه من قبل. من ذلك مثلا أن الكاتب الكوميدي ماكورمك لا يرى طفاية السجائر مطلقا على ما هي عليه في الواقع وإنما يراها على أنها حجاب حاجز لتمثال الحرية في أميركا، أو يراها على أنها طشت استحمام لديدلي مور، أو يراها على أنها عدسة لاصقة لجولي جرين جانيت، أو يراها على أنها تلك القلنسوة التي يعتمر بها يهودي أصلع وهو يحاول الحصول على السّفع”.

    ◙ الإضحاك أمر مهم في الترفيه بكل أشكاله، في الحياة الاجتماعية وفي التربية والتعليم فضلا عن الصحة

    ويشدد على أن إعادة تخطيط العناصر المختلفة في إطار علاقات جديدة غير متوقعة هو الذي يفاجئ الجمهور، متابعا “خذ مثلا: ماذا لو أعلنوا أن حليب الأمهات أصبح خطرا صحيا أبديا، فأين سيضعون بطاقات التحذير؟ ماذا لو شاهدت فعلا ماك نجتس من دجاجة من الدجاج؟ ماذا لو أفلح حساء الأبجدية في تهجي الكلمات الفاحشة على نحو صحيح؟”.

    ويضع هيلترز تدريبا مبسطا من تدريبات الضحك، يقول “لو فرضنا أن لدينا قارورتين من قوارير الكوكاكولا، ماذا يمكن أن تكون هاتان القارورتان غير كونهما قارورتين وحسب؟ ولعلك تحاول أن ترسم لهاتين القارورتين، في عجالة وفي غير إتقان، أكبر قدر من المبالغات الممكنة، دون أن تحول العملية الإجرائية بينك وبين ما تريد”.

    ويضيف “هنا يجب أن تكون قادرا على الوصول، خلال خمس دقائق إلى قائمة من هذا القبيل: قارورتان خشبيتان متبقيتان بعد أن أطاحت الكرة الأولى ببقية الأهداف في لعبة البولينج، خابران من تلك الخوابير التي يستعملها الحواة والمشعوذون، نظارة ميدان مثل تلك التي يستعملها قائد السفينة والتي على شكل حرف U، مبولتان متنقلتان، كأسان من كؤوس الكوكتيل البولندية، سدادتان لآذان الفيلة، توأم سيامي من قبل متصلا عن طريق الفم، إحدى الوسائل الطبية التي تستعمل في إعادة تشكيل اللسان، أقماع غير صالحة للعمل، إناءان من أواني حفظ طلاء الأظافر”.

    ويرى أن هذا الاختبار، ليس مجرد اختبار وحسب، وإنما هو أكثر من ذلك، إنه لمفتاح إلى ماكينة الكوميديا التي لا يمكن أن تدور في غياب الخيال الحر الطليق. هذا يحتم عليك أن تدرب ذهنك دوما على السؤال الذي يقول: “ماذا لو؟” من ناحية الإتيان بالأفكار والاحتمالات المتقنة المفاجئة من ناحية ثانية. ولا تشغل بالك بما إذا كانت أفكارك سمجة أو سخيفة، إذ أن الهدف المرحلي من كل ذلك هو شحذ الخيال ودفعه إلى العمل.
    هدف الإضحاك



    ◙ كُتّاب الكوميديا يتبعون قاعدة واحدة أساسية هي: “إياك والإحباط”


    يلفت هيلترز إلى أن كُتّاب الكوميديا يتبعون قاعدة واحدة أساسية هي: “إياك والإحباط”، ومن الأفضل أن تتخذ موقفا عدميا من جميع الأشياء بدلا من التحفظ في التعبير عن رأيك في المحرمات، وإذا بدأت الكتابة فاكتب بحرية. قدم الفرضيات غير المكبوتة، بل إن فرانك أو. دونيل يقول “عليك أن تضع ذهنك في مشادة كلامية”، ودون كل ما يعن لك، إذ أن الصياغة والرقابة الشخصية تجيئان بمثابة الخطوتين الثانية والثالثة على الترتيب. وأعلم أنهما لن تكونا أبدا الخطوتين الأوليين.

    ويحلل ستة معايير يرى أنها هي التي تشكل أساسيات الإضحاك شأنها شأن العناصر المكونة للكعكة في الإناء، ويرى أنه بغض النظر عن بعض الاستثناءات التي تعد على أصابع اليد الواحدة، فإن غياب عنصر واحد من هذه العناصر يثير الاضطراب في التركيبة على نحو لا يصبح الإضحاك معه أقل طرافة وظرفا وحسب، ويتعرض أيضا لخطر الفشل الذريع، وسواء أكان الإضحاك من قبيل السطر الواحد، أم على شكل نكتة طويلة، أو حتى على شكل مسرحية مكونة من ثلاثة فصول، فإن هذه العناصر الستة نفسها تظهر متماسكة، وهي: الهدف، العداء، الواقعية، المبالغة، الانفعال، المفاجأة.

    في ما يتعلق بعنصر “الهدف “يقول هيلترز “نحن ندرك بالفطرة أن الإضحاك طرافة وظرف. إنه ليس كذلك، وإنما هو نقد، يرتدي عباءة التسلية، وموجه صوب هدف محدد. إن الإضحاك يفعل ما هو أكثر من مجرد الابتسامة العريضة للبؤس. فهو يشق طريقه في الهدف بمبضع تحول حدته بين المرء وبين رؤية الجراحة، وإنما يرى الدم وحسب. والخيط المكون من مضحكات وحيدة السطور يكون أقل شبها بعقد من المجوهرات عنه بتاج من الأشواك يهدف إلى خدش مشاعرنا.


    ◙ الإضحاك قد يكون علاجا جماعيا لكل من المؤدي والكاتب والجمهور


    غير أن الإضحاك قد يكون علاجا جماعيا لكل من المؤدي والكاتب والجمهور، زد على ذلك أن الإضحاك يقلل من قلقنا ومن العدوان والسبب في ذلك أننا نرتبط بالآخرين عن طريق الضحك، وبذلك يتأكد لنا أن شعورنا بالعداء نحو الهدف أصبح أمرا مقبولا ومسلّما به، وهذا بدوره يخلصنا من الذنب الذاتي. لقد اخترعنا اللغة لأننا كنا في حاجة إلى التواصل، ولكننا اخترعنا الإضحاك لأننا كنا في حاجة إلى الشكوى، ونحن نستعمل الإضحاك عندما نكون في حاجة إلى التركيز على الهدف، والهدف يمكن أن يكون من أي نوع كأن يكون شخصا، أو مكانا، أو شيئا، أو حتى مجرد فكرة.

    ويشير إلى أن الأسماء الذائعة هي غذاء الإضحاك ووقوده سواء أكانت تلك الأسماء وطنية أم محلية، ومما لا شك فيه أن هذا الهدف هو من قبيل الطلقات الرخيصة ولكن شهيتنا ـ بحكم الطبيعة البشرية السيكولوجية التي جبلنا عليها ـ في اندفاعها نحو القيل والقال المشاكس، عن أبطالنا وبطلاتنا، أو عن أوغادنا لا تقف عند حد. ولما كان الجمهور يفرط في حب المشاهير وغير المشاهير، على حد سواء تماما، فإن وسائل الاتصال بالجماهير الأميركية تعشق إبداع أسماء ذائعة جديدة في دنيا التسالي والرياضة والسياسة والآداب، ولكن ما إن تصل تلك الأسماء الذائعة إلى القمة في وسائل الاتصال بالجماهير، حتى نبدأ، على النقيض من ذلك، في قهرها عن طريق القيل والقال والملاحظات الساخرة المضحكة. ويستغل كتاب الإضحاك هذا الولع الشديد غير المنطقي.

    ويكشف هيلترز أن قائمة الأفكار المثيرة للجدل التي يمكن أن تكون أهدافا للإضحاك شأنها شأن قائمة الأِشياء، تعد قائمة طويلة أيضا. وتختلف هذه القائمة باختلاف اهتمام الجمهور؛ ومع ذلك، فهذه القائمة أخطر الأهداف والسبب في ذلك أن مشاعر الشخص لا يجري كشفها من الخارج مثل الملابس، من ذلك، مثلا، أن استهداف الشذوذ الجنسي، يعد أكثر صعوبة هذه الأيام من استهداف مادة اشتهاء المغاير؛ ومن هنا يصبح من السهل أن تكون إلى جانب شيء على أن تقف ضده.

    ويبيّن أن كبار كتاب الإضحاك المحترفين من أمثال بوب هوب، وجوني كارسون، وميلتون بيرلي، وجورج بيرنز، وريد سيكيلتون إنما يمارسون كتابة الإضحاك منذ ما يزيد على خمسين عاما. وعملهم هذا يستمر بمعدل سبعة أيام في الأسبوع والسبب في ذلك أن الذهن الكوميدي لا يتوقف عندما يتوقف الجسم طلبا للراحة. لقد قدم هؤلاء الكتاب آلاف النكات منها ما هو على شكل سطر واحد، ومنها ما هو أطول من ذلك وما هو على شكل صور قلمية موجزة وسريعة كما استمع هؤلاء الكتاب أيضا إلى مئات الآلاف من النكات.

    ◙ الإضحاك يمكن أن نتعلمه والسبب في ذلك هو بنيته إذ أن لهذا الفن قائمة معروفة من التراكيب والتقنيات

    وعلى حين تعد خبرة خمسين عاما أمرا كبيرا جدا، فكاتب الإضحاك المبتدئ لا يمكن أن يعتمد على قراءة ملفات النكت حتى وإن قرأ كل كتاب يصدر منها، وما أكثر هذه الكتب حيث يصدر منها كل عام حوالي خمسة وعشرين كتابا. وهذا يعني أننا يتحتم علينا أن نتعلم الطريقة الثانية، ألا وهي طريقة خلق نكتة من مجرد خدش صغير. ونحن في ذلك نبدأ بملاحظة مظاهر تصرفات الناس الغريبة على الملأ، وفي التلفزيون وفي الأفلام، كما يجب أن نقرأ عن هذه التصرفات في قصص الأخبار، ثم نتخيل مواقف نبنيها نحن على “ماذا لو” كما نتلاعب فيها بالكلمات.

    ويلفت إلى أن المسرح في بلاد الإغريق بممثل واحد في اليونان يرتدي تشكيلة مختلفة من الأقنعة ويلعب الأدوار كلها. والإضحاك يحتوي على ما يقرب من عشرين قناعا رئيسيا ومتميزا. ومع ذلك يختار كل كوميدي واحدا فقط من هذه الأقنعة. والتناقض الظاهري هنا يكمن في أن يكون هذا القناع تشخيصا كاملا لشخصية غير كاملة، وهذه الشخصية يمكن أن تكون أي شيء بدءا من الباحث واسع المعرفة، المغفل الساذج، الرقيع الحضري، مدمن المخدرات، المنحرف جنسيا، المتبجح، البخيل، السكير وانتهاء بالجبان.

    وكل خيار من الخيارات العشرين التالية يبلغ من الاتساع حدا يستطيع معه أن يستوعب بعض التباينات؛ وفيه قدر كبير من التداخل. وهذه الشخصيات العشرون الرئيسية يجري تصنيفها ضمن ثلاث مجموعات رئيسية: الفردي (المضحك، المهاجم، النهاب الحزين، المتمرد على المسكرات، الطالب، الهجاء السياسي والاجتماعي، راوي القصة، الريفي الأخرق، الميقاتي العجوز، الطابع العرقي، المهاجر)، الفريق (الشركاء، مؤدي الإسكتش، المتكلم من بطنه)، الممثل (المشخص، المهرج، الفنانون، الموسيقيون، وفنانو الرسوم المتحركة، ممثل الفودفيل، المرتجلون، المتلعثمون). وإذا كان القناع قد أوجد أولا، في بعض الحالات، ثم أصبح الحكي حقيقة، فإن القناع في أغلب الحالات، يناسب شخصية الممثل، مكملا بذلك كلا من المظهر الطبيعي والقدرة على الكلام فضلا عن الموهبة، وبذلك يكون الأساس قد ترسخ؛ ولكنه لم يصنع.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X