مخلد المختار مؤرخ التراث العراقي باللون والصورة
الحركة التشكيلية تستعيد ملامح تجربة الفنان الراحل.
الأربعاء 2024/10/02
فنان اهتم بالتفاصيل الدقيقة للأشكال
مخلد المختار كما هو اسمه كان مخلدا للتراث العراقي، مؤرخا للحضارة العراقية والملامح والمفردات البابلية بألوانه ورموزه ولوحاته التي تركها شاهدة على فرادة تجربته الفنية، تلك التجربة التي يحتفي بها التشكيليون العراقيون ويقفون على أهم ملامحها ومراحلها.
في مجلس باب لكش في مدينة الموصل حيث مسقط رأسه، استعادت الحركة التشكيلية العراقية، مساء الأحد 29 سبتمبر الماضي، الفنان الراحل مخلد المختار، الذي كان مغتربا في فيينا وتوفي هناك في التاسع والعشرين من سبتمبر 2017، وقد حضر الاحتفاء بذكراه وتجربته الفنية نخبة من الفنانين وزملائه وذويه.
بدأ الاستذكار بقراءة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة، ثم تحدث بعدها عدد من الحاضرين عن تجربته ومسيرته الفنية وقدموا شهادات حية، في جلسة أدارها الفنان موفق الطائي الذي قرأ السيرة الفنية والإدارية والإنجازات التي قدمها الراحل خلال مسيرته الفنية، فضلا عن تقديم شهادات حية تلاها كل من الفنانين: طلال صفاوي وعامر يونس وسعد العسلي والدكتور الفنان أحمد دخيل.
لوحات الفنان الراحل مخلد المختار، كما عرفناها منذ بدايته، تعتمد على التصميم الهندسي المتوازن في ما بين الرموز والأشكال والألوان، وجميعها مستمدة ومنطلقة من مشاهد تأريخية ومن صور التراث الفلكلوري العراقي الأصيل، الزاخرة بالمفردات والرموز العظيمة والمآثر الخالدة، والحنين إلى الماضي بمشاهده الزاهية واتساع مواضيعه والتلذذ بمعاني صوره المجيدة.
◙ المختار استخدم المقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة ووجدانية التعبير الأدبية، مختارا لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا
واستخدم المختار طوال تجربته بعض الاستعمالات والمقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة، ووجدانية التعبير الأدبية، مختارا من ذلك لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا في أسلوبه، من خلال تقنياته الفنية التي تدعو المتلقي إلى محاولة اكتشاف أبعاد ومضامين اللوحات التي تحمل في طياتها أسرارا ودلالات ورموزا وألوانا وإشارات لتمنحها عمقا تأريخيا عزيزا، وبريقا زاهيا لحاضرنا ومستقبلنا المشرق في توليف وتكوين رائع، فقد استقى من ذلك ملامحه المتممة من جغرافية العراق، أرضه، هوائه، تربته، مكانه وزمانه بشكل عام، مضيفا إليها مأساة أبناء العراق وصمودهم، من خلال سنين الحروب المتوالية والعدوان البغيض والدمار الشامل والحصار الظالم، لتنتهي بالطائفية وسخافتها.
لقد عرف عن تجربة المختار، بسطوحه الفنية ذات الطبقات اللونية المتعددة، بتقنية آلية “الرش” المتممة بالريشة في ما بعد، واستخدامه الصور الكثيفة التي تغني العمل الفني بالطرق الجمالية المتلاصقة والمتناسقة والمركبة والمتداخلة بين المفردات والألوان، قد تقترب من أسلوب النحت البارز، لتقريب نظر الأبعاد الفنية التي تحيط بالكتل، وذلك لأن المنحوتات البابلية والآكدية والسومرية لا تفارق بصره ومخيلته.
سطح اللوحة عند المختار، هو مكان للبحث والتجريب والتنقيب، وقد استطاع أن ينتج سطحا يخدم عناصر لوحاته التي تتخذ من المنمنمات والرموز الإسلامية فضاء لها، معتمدا على إبراز تفاصيل دقيقة في الأشكال، ضمن أسلوب زخرفي متوازن ومتوافق مع أرضية اللوحة (البكراونت)، حيث اشتغل على مفردات أخرى كالنباتات الزاهية والحشرات الجميلة واختزالات من بعض ملامح وأطراف الإنسان، والمزاوجة ما بين هذه العناصر مع أشكال وجمالية الحرف العربي بأنواعه، ومن ضمن منظومة بصرية معاصرة من أجل تكوين وتقديم لوحة مملوءة بالمفردات والدلالات المنسجمة مع بعضها البعض.
يقول المختار عن تجربته “بقدر ما بالإمكان، بحثت في الأفكار وتأملت الأشياء. وما بين العرض والطول، وجدت المساحات، وأن لكل مساحة موضوعا، أو أكثر من موضوع، يتضمن أشكالا متشابهة أو مختلفة، ومن خلال الرؤية الخاصة بي، وجدت الدافع الذي اقترنت به الأشياء، ولكل شيء لغته الخاصة، المتعلقة بحدث، أما تفسير الحدث، فقد لا يأتي متفقا مع الأشكال المباشرة للأشياء، فتحدث عملية التغيير، وإخراج الأشياء في ثوب آخر، سواء أكانت الأشياء مرئية أم ملموسة، أو قد تكون مجرد خيال".
◙ عرف عن تجربة المختار بسطوحه الفنية ذات الطبقات اللونية المتعددة بتقنية آلية "الرش"
ويضيف "حين الانشغال بالمحيط الذي نبحث فيه، نجد أن ليس هناك شيء اسمه الفراغ، وعالمنا غير محدود، ينطلق من مركزية الإنسان والأرض، وعندما نريد أن نعبر عن هذا العالم، وباستقلالية شخصية، بدأت بنقطة، وأخذت أتابع خطاها ومسارها، فجاءت هذه الولادات، التي تشاهدونها، لوحات وأعمالا فنية تجاوزت زمن الحالة التي كنت أعيش في نقشها على مساحة بيضاء، بعد أن استمتعت بجوهر الأشياء، بعيدا عن الحياة التقليدية والرتابة".
الفنان مخلد المختار من مواليد الموصل في العام 1948، وحصل على بكالوريس في الرسم عام 1973، وحاصل على شهادة دبلوم الكفاءة في الفن التشكيلي من المركز العالمي بإيطاليا، وحاصل على شهادة دبلوم الكفاءة للفنانين المعاصرين في العالم من إيطاليا.
شغل العديد من المناصب المهمة، كمدير عام دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقاة والإعلام العراقية، ونائب نقيب الفنانين العراقيين ونائب رئيس جمعية التشكيليين العراقيين، ثم رئيس للجمعية نفسها، وعميد معهد الفنون الجميلة في بغداد، كما شارك في تأسيس معاهد الفنون الجميلة في الموصل والبصرة والسليمانية.
مارس الرسم في المراسم المدرسية، متتلمذا على يد كل من الفنانين: عبدالحميد الحيالي وصبيح نعامة وثامر حامد العمر وفائق حسن وكاظم حيدر وحافظ الدروبي وخالد الجادر وفرج عبو وإسماعيل الشيخلي وإسماعيل فتاح الترك وسعد شاكر وغالب ناهي ووليد الجادر وبلقيس القزويني وغازي السعودي.
أما في أكاديمية روما للفنون الجميلة فقد تتلمذ على يد البروفيسور افينالي والبروفيسور جينيني. وكان أول معرض شخصي له عن نضال الحركة الطلابية في العراق، ثم توالت معارضه الفردية ومشاركاته في معارض جماعية داخل العراق وخارجه. كتب عشرات المقالات الفنية في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية، كما صمم عدة شعارات وأغلفة الكتب والبوسترات، وحصل على العديد من الجوائز المهمة منها الجائزة الأولى لفن روما بإيطاليا وجائزة بيكاسو الدولية الأولى في معرض "بيكاسو ميرو" بمدريد والمدالية البرونزية في بينالي القاهرة عام 1986، والجائزة الأولى للريشة الذهبية في ميلانو، والجائزة الأولى لتصميم شعار مجلس البحث العلمي بالعراق.
علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي
الحركة التشكيلية تستعيد ملامح تجربة الفنان الراحل.
الأربعاء 2024/10/02
فنان اهتم بالتفاصيل الدقيقة للأشكال
مخلد المختار كما هو اسمه كان مخلدا للتراث العراقي، مؤرخا للحضارة العراقية والملامح والمفردات البابلية بألوانه ورموزه ولوحاته التي تركها شاهدة على فرادة تجربته الفنية، تلك التجربة التي يحتفي بها التشكيليون العراقيون ويقفون على أهم ملامحها ومراحلها.
في مجلس باب لكش في مدينة الموصل حيث مسقط رأسه، استعادت الحركة التشكيلية العراقية، مساء الأحد 29 سبتمبر الماضي، الفنان الراحل مخلد المختار، الذي كان مغتربا في فيينا وتوفي هناك في التاسع والعشرين من سبتمبر 2017، وقد حضر الاحتفاء بذكراه وتجربته الفنية نخبة من الفنانين وزملائه وذويه.
بدأ الاستذكار بقراءة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة، ثم تحدث بعدها عدد من الحاضرين عن تجربته ومسيرته الفنية وقدموا شهادات حية، في جلسة أدارها الفنان موفق الطائي الذي قرأ السيرة الفنية والإدارية والإنجازات التي قدمها الراحل خلال مسيرته الفنية، فضلا عن تقديم شهادات حية تلاها كل من الفنانين: طلال صفاوي وعامر يونس وسعد العسلي والدكتور الفنان أحمد دخيل.
لوحات الفنان الراحل مخلد المختار، كما عرفناها منذ بدايته، تعتمد على التصميم الهندسي المتوازن في ما بين الرموز والأشكال والألوان، وجميعها مستمدة ومنطلقة من مشاهد تأريخية ومن صور التراث الفلكلوري العراقي الأصيل، الزاخرة بالمفردات والرموز العظيمة والمآثر الخالدة، والحنين إلى الماضي بمشاهده الزاهية واتساع مواضيعه والتلذذ بمعاني صوره المجيدة.
◙ المختار استخدم المقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة ووجدانية التعبير الأدبية، مختارا لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا
واستخدم المختار طوال تجربته بعض الاستعمالات والمقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة، ووجدانية التعبير الأدبية، مختارا من ذلك لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا في أسلوبه، من خلال تقنياته الفنية التي تدعو المتلقي إلى محاولة اكتشاف أبعاد ومضامين اللوحات التي تحمل في طياتها أسرارا ودلالات ورموزا وألوانا وإشارات لتمنحها عمقا تأريخيا عزيزا، وبريقا زاهيا لحاضرنا ومستقبلنا المشرق في توليف وتكوين رائع، فقد استقى من ذلك ملامحه المتممة من جغرافية العراق، أرضه، هوائه، تربته، مكانه وزمانه بشكل عام، مضيفا إليها مأساة أبناء العراق وصمودهم، من خلال سنين الحروب المتوالية والعدوان البغيض والدمار الشامل والحصار الظالم، لتنتهي بالطائفية وسخافتها.
لقد عرف عن تجربة المختار، بسطوحه الفنية ذات الطبقات اللونية المتعددة، بتقنية آلية “الرش” المتممة بالريشة في ما بعد، واستخدامه الصور الكثيفة التي تغني العمل الفني بالطرق الجمالية المتلاصقة والمتناسقة والمركبة والمتداخلة بين المفردات والألوان، قد تقترب من أسلوب النحت البارز، لتقريب نظر الأبعاد الفنية التي تحيط بالكتل، وذلك لأن المنحوتات البابلية والآكدية والسومرية لا تفارق بصره ومخيلته.
سطح اللوحة عند المختار، هو مكان للبحث والتجريب والتنقيب، وقد استطاع أن ينتج سطحا يخدم عناصر لوحاته التي تتخذ من المنمنمات والرموز الإسلامية فضاء لها، معتمدا على إبراز تفاصيل دقيقة في الأشكال، ضمن أسلوب زخرفي متوازن ومتوافق مع أرضية اللوحة (البكراونت)، حيث اشتغل على مفردات أخرى كالنباتات الزاهية والحشرات الجميلة واختزالات من بعض ملامح وأطراف الإنسان، والمزاوجة ما بين هذه العناصر مع أشكال وجمالية الحرف العربي بأنواعه، ومن ضمن منظومة بصرية معاصرة من أجل تكوين وتقديم لوحة مملوءة بالمفردات والدلالات المنسجمة مع بعضها البعض.
يقول المختار عن تجربته “بقدر ما بالإمكان، بحثت في الأفكار وتأملت الأشياء. وما بين العرض والطول، وجدت المساحات، وأن لكل مساحة موضوعا، أو أكثر من موضوع، يتضمن أشكالا متشابهة أو مختلفة، ومن خلال الرؤية الخاصة بي، وجدت الدافع الذي اقترنت به الأشياء، ولكل شيء لغته الخاصة، المتعلقة بحدث، أما تفسير الحدث، فقد لا يأتي متفقا مع الأشكال المباشرة للأشياء، فتحدث عملية التغيير، وإخراج الأشياء في ثوب آخر، سواء أكانت الأشياء مرئية أم ملموسة، أو قد تكون مجرد خيال".
◙ عرف عن تجربة المختار بسطوحه الفنية ذات الطبقات اللونية المتعددة بتقنية آلية "الرش"
ويضيف "حين الانشغال بالمحيط الذي نبحث فيه، نجد أن ليس هناك شيء اسمه الفراغ، وعالمنا غير محدود، ينطلق من مركزية الإنسان والأرض، وعندما نريد أن نعبر عن هذا العالم، وباستقلالية شخصية، بدأت بنقطة، وأخذت أتابع خطاها ومسارها، فجاءت هذه الولادات، التي تشاهدونها، لوحات وأعمالا فنية تجاوزت زمن الحالة التي كنت أعيش في نقشها على مساحة بيضاء، بعد أن استمتعت بجوهر الأشياء، بعيدا عن الحياة التقليدية والرتابة".
الفنان مخلد المختار من مواليد الموصل في العام 1948، وحصل على بكالوريس في الرسم عام 1973، وحاصل على شهادة دبلوم الكفاءة في الفن التشكيلي من المركز العالمي بإيطاليا، وحاصل على شهادة دبلوم الكفاءة للفنانين المعاصرين في العالم من إيطاليا.
شغل العديد من المناصب المهمة، كمدير عام دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقاة والإعلام العراقية، ونائب نقيب الفنانين العراقيين ونائب رئيس جمعية التشكيليين العراقيين، ثم رئيس للجمعية نفسها، وعميد معهد الفنون الجميلة في بغداد، كما شارك في تأسيس معاهد الفنون الجميلة في الموصل والبصرة والسليمانية.
مارس الرسم في المراسم المدرسية، متتلمذا على يد كل من الفنانين: عبدالحميد الحيالي وصبيح نعامة وثامر حامد العمر وفائق حسن وكاظم حيدر وحافظ الدروبي وخالد الجادر وفرج عبو وإسماعيل الشيخلي وإسماعيل فتاح الترك وسعد شاكر وغالب ناهي ووليد الجادر وبلقيس القزويني وغازي السعودي.
أما في أكاديمية روما للفنون الجميلة فقد تتلمذ على يد البروفيسور افينالي والبروفيسور جينيني. وكان أول معرض شخصي له عن نضال الحركة الطلابية في العراق، ثم توالت معارضه الفردية ومشاركاته في معارض جماعية داخل العراق وخارجه. كتب عشرات المقالات الفنية في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية، كما صمم عدة شعارات وأغلفة الكتب والبوسترات، وحصل على العديد من الجوائز المهمة منها الجائزة الأولى لفن روما بإيطاليا وجائزة بيكاسو الدولية الأولى في معرض "بيكاسو ميرو" بمدريد والمدالية البرونزية في بينالي القاهرة عام 1986، والجائزة الأولى للريشة الذهبية في ميلانو، والجائزة الأولى لتصميم شعار مجلس البحث العلمي بالعراق.
علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي