مخاوف من ضعف الانتماء وتعدد الثقافات المختلفة داخل مصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مخاوف من ضعف الانتماء وتعدد الثقافات المختلفة داخل مصر

    مخاوف من ضعف الانتماء وتعدد الثقافات المختلفة داخل مصر


    القاهرة تفرض قيودا على التعليم الأجنبي بدافع الحفاظ على الهوية.


    اللغات مفيدة.. الهوية أهم

    قررت الحكومة المصرية دعم المواد القومية، وهي العربية والدراسات الاجتماعية وجعلها أساسية لمختلف الصفوف الدراسية مما جعلها تتعرض لموجة من الانتقادات الحادة من شريحة مجتمعية تبحث لأولادها عن مدارس أجنبية تعمل في مصر، خاصة وأن الحكومة ما زالت توفد بعثات دراسية إلى الخارج.

    القاهرة- ضاعفت الحكومة المصرية من تحركاتها لتحجيم التعليم الأجنبي في البلاد، بحجة الحفاظ على الهوية الثقافية للأجيال الصاعدة، بتهميش اللغات في المدارس العمومية، وإلزام الملتحقين بمدارس دولية بتعلم المواد القومية، وهي العربية والدراسات الاجتماعية.

    وأمام الهجمة التي يتعرض لها التعليم الأجنبي، واجهت الحكومة انتقادات حادة من شريحة مجتمعية تبحث لأولادها عن مدارس عصرية، ليست عليها قيود أو ارتباط بقواعد محليّة.

    ظلت مواد الهوية المصرية في المدارس الدولية مهمشة على مدار سنوات مضت، ولا تضاف إلى مجموع الطالب الكلي، وتكاد تكون غير موجودة عمليا، لكن الحكومة قررت أخيرا إضافتها إلى المجموع، وجعلها أساسية لمختلف الصفوف الدراسية، وبدون النجاح فيها يصبح الطالب راسبا، مهما كان نوع الشهادة الدولية التي يدرسها، أميركية أو بريطانية أو كندية أو ألمانية.


    محب الرافعي: تدريس المواد القومية هو جزء من تكريس الهوية في التعليم الأجنبي


    وعلى مستوى التعليم الحكومي، جرى تهميش اللغات الأجنبية، وخروجها من مجموع الطالب، ولم يعد يتطلب الأمر سوى الحصول فيها على درجة النجاح الدنيا فقط، دون حاجة الطالب إلى اتقانها، ما فسرته وزارة التعليم بأن تكون الأولوية للغة الأم، مع الإنجليزية فقط، كأشهر لغة عالمية، ومن دون ذلك فلا حاجة له، بغرض تكريس الهوية وإتقان العربية.

    ومثّل توجه الحكومة راحة للأسر التي تلحق أبناءها بمدارس عمومية، باعتبار أنها رفعت عنهم ضغط الدروس الخصوصية في اللغات الأجنبية التي صارت خارج المجموع، وجاء القرار صادما لفئة يلتحق أبناؤها بمدارس دولية لها مناهج خاصة بها.

    وتبرر تلك الفئة غضبها بأن الطالب الملتحق بمدرسة دولية لم يعتد على اللغة العربية أو مواد الهوية القومية بالقدر الكافي، ومنذ التحاقه في الصفوف الأولى ينشأ على أن تلك المناهج ليست أساسية، وتعامل معها بلا اهتمام.

    ترد وزارة التعليم بأنها “ليست ضد المدارس الأجنبية، لكنها لن تسمح بتجريف الهوية أو تغريب الطلاب، طالما يدرسون في مدرسة تقع على أرض مصر”.

    ولا تتجاوز نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم الخاص والأجنبي بمصر 7 في المئة، من إجمالي المقيدين في المدارس، لكن في نظر الحكومة هذه فئة ليست قليلة، بالنظر إلى عدد السكان الذي وصل إلى نحو مئة وعشرة ملايين نسمة.

    يدعم فريق من الخبراء توجه الحكومة نحو تحجيم التعليم الأجنبي، باعتبار أن خطورته ترتبط بالهوية وتعدد الثقافات المختلفة داخل البلد الواحد، فلكل مدرسة دولية منهج مرتبط بالبلد صاحب الشهادة، ومن شأن ذلك جعل أبناء البلد طوائف ثقافية.

    وتظل مشكلة بعض المسؤولين عن المنظومة التعليمية في أنهم ينظرون إلى الملتحقين بمدارس أجنبية على أنهم جزء أساسي من أسباب انهيار العادات والتقاليد والهوية، وإعلاء ثقافة الانفتاح والتحرر الأعمى.

    ويرى مراقبون أن من الظلم تحميل التعليم الأجنبي مسؤولية غياب الوعي الثقافي والانتماء لدى الأجيال الجديدة، لأن هناك سياسات خاطئة كانت سببا مهما، ما أثر على الانتماء لبعض الشباب.

    وإذا كانت الحجة في الثقافة الغربية، فهناك بعثات تعليمية لا تزال مصر توفدها إلى دول أوروبية في تخصصات مختلفة، ولا فرق بين تعليم أجنبي في الخارج، وآخر تحت أعين الدولة.


    قرابة 25 مليون طالب مصري يلتحقون بمدارس حكومية ويدرسون المواد القومية التي تعج بدروس تتحدث عن الهوية


    ومهما كانت هناك مدارس أجنبية لها رؤية متعارضة مع الثقافة العربية، أو لها مآرب خاصة وأهداف تتناقض مع أي هوية فالحفاظ على الدين والثقافة والعادات والتقاليد للبلد العربي في النهاية مسؤولية الأسرة والدولة، عبر تبني إجراءات تكرس الانتماء.

    ويستمر الحديث عن خطورة المدارس الأجنبية على الهوية والثقافة المصريتين بحجة أن أغلب مناهج هذه المدارس تابعة للدولة الأم التي تتبعها المدرسة، ما ينتج عنه تخريج طلبة قد يكونون مشوهي الهويّة والتاريخ، ولا يعرفون الحد الأدنى من المعلومات عن وطنهم الأصلي.

    ويتفق بعض التربويين على أن شيطنة التعليم الأجنبي ليس في صالح أحد، واتهامه بتغييب الهوية والعبث بالقومية ليس في محله، وهذا لا يعني عدم أحقية الحكومة في إخضاع طرق التدريس والمناهج لرقابة صارمة، مع وضع مناهج أساسية تربي الأجيال الجديدة على احترام هويتها ولغتها والفهم بتاريخ وجغرافيا وحدود بلدها.

    وكانت خطة الدولة في الماضي القريب ترك الحرية للمدارس الأجنبية لنشر الثقافة المدنية في مواجهة محاولات أسلمة المجتمع، وتحقق ذلك بشكل نسبي، لكن المسألة بدأت تنحرف عن أهدافها التربوية، وتحولت إلى استثمار أجنبي في ملف حساس يشكل خطورة على الهوية.

    ولو كان التوسع في المدارس الأجنبية داخل مصر أو أي بلد عربي يحمل أهدافا سياسية نبيلة أو مشبوهة، سوف يظل من الضروري عدم التعامل مع ذلك برؤى ضيقة من جانب المسؤولين، لأنه يغذي شيطنتها من قبل شريحة منغلقة فكريا وثقافيا.

    قال محب الرافعي وزير التربية والتعليم المصري السابق لـ”العرب” إن تدريس المواد القومية هو جزء من تكريس الهوية في التعليم الأجنبي، لكن هذا لا يعني وجود هجمة ضده أو محاولة للخلاص منه، والأمر لا يستهدف المدارس بقدر ما يعني وجود توجه لدى الدولة للتعامل مع الانفتاح على ثقافات غربية بانضباط ووفق متطلبات العصر.

    وأضاف أن حرص بعض الأسر على تسليح أبنائها بروح العصر لا يجب أن يكون على حساب بلدهم الأم، وتحولهم إلى مهجّنين، بين العروبة والغرب، وما يحدث من احتساب مواد قومية ضمن المجموع الكلي للدرجات محاولة لتحقيق التوازن بين الطريقة التي يتعاملون بها داخل المدرسة الأجنبية، والواقع الحياتي داخل مصر.

    وبعيدا عن دوافع الحكومة من التدخل لتكريس الهوية في الوقت الراهن، يصعب فصل التحركات الأخيرة عن وجود مخاوف سياسية من تحول المجتمع المصري إلى فئات بثقافات وعادات وتقاليد وهويات متباينة، ما ينتج عنه استقطاب فكري حاد، بين من درسوا تعليما بثقافة متحررة ومن عاشوا في مدارس حكومية تقدس العادات والتقاليد.


    شيطنة التعليم الأجنبي بلا جدوى




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أحمد حافظ
    كاتب مصري
يعمل...
X