قدم هاندل موسيقى هرقل ضمن ظروف مهنية وعملية رافقت تواجده في بريطانيا (غيتي)
موسيقى هاندل تجابه بداوتها بين سماوية الأوراتورية ودنيوية الأساطير
نزع الطابع الشعبوي عن الأبطال الخارقين من خلال موسقة حياتهم في إبداع يطاول السمو
إبراهيم العريس باحث وكاتب
الأحد 22 سبتمبر 2024م
ملخص:
وضع هاندل موسيقى أوراتوريو "هرقل" في عام 1744، لتقدم في العام التالي في لندن للمرة الأولى، إذ كان يقيم، في ذلك الحين، في العاصمة البريطانية ويعمل فيها، بعدما ترك وطنه الألماني.
هل تصلح السينما والتلفزيون وغيرهما من الفنون الجماهيرية والشعبية في مجال تقديم صور تاريخية واقعية - أو في الأقل أقرب إلى الحقيقة إلى حد ما - للأبطال الذين تمتلئ بهم تواريخ الشعوب وحكاياتها؟ إنه سؤال لا ينفك يطرح من جديد كلما قدم عمل فني من هذا النوع وثمة مراحل في مسار الفنون يكثر فيها ولأسباب متنوعة تقديم تلك السير التي بدأ لقبها الأميركي يطغى وهو "بيو إيبيك". وكأنه طرح دائماً على السينما والتلفزة ولمناسبات مشابهة ولا سيما في الستينيات حين تكاثرت، على سبيل المثال أفلام عن أبطال أسطوريين مثل هرقل وماشيست بل حتى أوديب ومن يشبههم.
هرقل على سبيل المثال:
ومهما يكن من أمر ومهما كان الجواب، نعرف طبعاً أن الفارق كبير على سبيل المثال، بين هرقل الأسطورة الشعبية، كما عبرت عنه السينما الإيطالية - وغيرها - في الستينيات، وبين هرقل كما تصفه الأدبيات القديمة من إغريقية ورومانية، وكما تجلى بخاصة في واحد من أجمل فصول كتاب "مسخ الكائنات" لأوفيد. ولن ندخل هنا في المقارنة، فقط يمكننا أن نقول إن هرقل أوفيد وورثته، كما صورهم كتاب وفنانون تناولوا الحكاية على مر العصور وأحدثوا فيها تبديلاً وتنويعاً، كان أكثر جدية وأكثر "إنسانية" بكثير من هرقل الشعبي ذي العضلات والقوة التي لا تضاهى وتعرفنا إليه في السينما الشعبوية الإيطالية في ذلك الحين.
كان هرقل هذا، الأخير، من الجدية، إلى درجة أن فنوناً موسيقية ورسماً ونحتاً كثيراً ما دنت منه، مستوعبة دروس حكايته وعظمة شخصيته ودراميتها في أعمال بدت في نهاية الأمر أشبه بأمثولات مؤسسة، فنياً وفلسفياً وأخلاقياً. وحسبنا أن نذكر هنا أن الموسيقي هاندل، صاحب أوراتوريو "مسيا" ومقاطع "موسيقى الماء" بين أعمال أخرى، لم يتوان عن أن يجعل من ذلك البطل الأسطوري الإغريقي- الروماني المدهش، بطل عمل موسيقي كبير كتبه وهو في قمة نضجه تحت عنوان "هرقل". وهو العمل نفسه الذي يعد منذ ذلك الحين واحداً من أقوى أعمال هاندل وأجملها، من دون أن يكون العمل الوحيد الذي استقاه هذا الفنان من أساطير القدماء.
"موسقة" شعر أوفيد:
وضع هاندل موسيقى أوراتوريو "هرقل" في عام 1744، لتقدم في العام التالي في لندن للمرة الأولى. وكان هاندل يقيم، في ذلك الحين، في العاصمة البريطانية ويعمل فيها، بعدما ترك وطنه الألماني. واستند هذا الموسيقي، الذي كان من كبار المجددين في الموسيقى الغنائية في زمنه، إلى خطى هاينريش شولتز، وتزامناً مع يوهان سيباستيان باخ، في تلحين هذا الأوراتوريو، إلى النص الشعري الذي وضعه براوتون استناداً إلى الكتاب التاسع من "مسخ الكائنات" لأوفيد. وكانت النتيجة أن هاندل تمكن على الفور من أن يفرض هذا العمل بوصفه الأقوى بين الأوراتوريات "الدنيوية" الـ17 التي لحنها طوال حياته المديدة.