عمل الفلكيين
تحديد مكان جرم سماوي في السماء:
يتطلب نظامًا مثل الذي يستخدمه الجغرافيون لتحديد أمكنة على سطح الأرض. وفي نظام الجغرافيين تقاس دوائر خط العرض موازية لخط الاستواء، كما تمر خطوط الطول من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. والنظام الفلكي يقابل النظام الجغرافي. لكن الفلكيين يستعملون مصطلح الميل للتعبير عن درجة العرض والمطلع المستقيم للتعبير عن درجة خط الطول. ويقاس الميل بالدرجات شمال أو جنوب خط الاستواء السماوي الذي يمثل امتداد خط الاستواء الأرضي في الفضاء. وتقطع دوائر المطلع المستقيم خط الاستواء السماوي مارة خلال قطبي السماء الكائنين فوق قطبي الأرض. ويقاس المطلع المستقيم بالساعات ناحية الشرق، من نقطة عبور الشمس لخط الاستواء السماوي حوالي 21 مارس. ويقابل مقدار ساعة واحدة من المطلع المستقيم 15 درجة من خطوط الطول.
والنجوم أساسًا ثابتة في أماكنها في السماء. لكن الشمس تجوب كل ساعات المطلع المستقيم كل عام. ويطلق على مسار الشمس على صفحة السماء بالنسبة للنجوم الأخرى اسم دائرة البروج.
الرصد بالتلسكوب:
يستخدم الفلكيون تلسكوبات لرصد الإشعاع الذي يصل إلى الأرض من الأجرام الموجودة في الفضاء. ويتكون هذا الإشعاع من حزم مترابطة لقوى كهربائية ومغنطيسية متحركة بسرعة في الفضاء. وتسمى تلك الحزم الموجات الكهرومغنطيسية وتختلف كثيرًا في طول الموجة. وطول الموجة هو المسافة بين قمة موجة وقمة الموجة التي تليها. وأهم أنواع الإشعاع تصاعديًّا مع طول الموجة هو أشعة جاما ثم الأشعة السينية فالضوء فوق البنفسجي، ثم الضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء، وتليها موجات الراديو. ويستخدم الفلكيون العديد من التلسكوبات لرصد الموجات المختلفة.
التلسكوبات البصرية تستخدم لرصد الضوء المرئي. وتشمل التلسكوبات البصرية أساسًا نوعين، العاكس والكاسر. فالتلسكوب العاكس يستعين بمرآة لتكوين الصورة، بينما يستعين التلسكوب الكاسر بعدسة لتكوين الصورة. ويمكن تصنيع تلسكوبات عاكسة أكبر بكثير من التلسكوبات الكاسرة، وبالتالي تستطيع اكتشاف أجسام أكثر خفوتًا، ومعظم التلسكوبات الأساسية التي تُصنع حاليًا من النوع العاكس.
ويستخدم الفلكيون التلسكوبات البصرية لتكوين صور مكبرة للشمس والكواكب والأجسام الأخرى القريبة. أما النجوم فهي بعيدة جدًّا لدرجة أنها تظل نقطًا ضوئية بصرف النظر عن درجة تكبيرها. ولرصد النجوم والأجسام البعيدة الأخرى تستخدم التلسكوبات البصرية لتجمع ضوءًا كافيًا لاكتشاف هذه الأجسام. وكلما خفت الجسم اقتضى رصده تلسكوبًا تلسكوب أقوى.
وغالبًا ما يستخدم الفلكيون ألواحًا فوتوغرافية وأجهزة أخرى لتسجيل الصورة التي تكونت بالتلسكوب البصري. والصورة المتكونة بهذه الطريقة تمدنا بسجل دائم عن مظهر منطقة معينة في السماء عند لحظة ما. ويضاف إلى ذلك أن صور السماء تظهر تفاصيل أكثر عما يمكن رؤيته بالعين المجردة، حتى مع استعانتها بالتلسكوب. فالصورة التي تظهر خافتة بالنسبة للعين، تبقى خافتة مهما استدام النظر إليها. لكن بتعريض فيلم فوتوغرافي فترة طويلة إلى صورة خافتة تنتج صورة لامعة. ولقياس شدة ضوء النجم يستخدم الفلكيون تلسكوبًا مزودًا بنبيطة تسمى المضاعف الضوئي. وتوجد نبائط إلكترونية أخرى تحل محل الفيلم في تكوين الصورة. وتسمى إحدى هذه النبائط أداة القرن الشحني، وتستخدم إشارات إلكترونية لتكوين الصور، وتفوق الفيلم كثيرًا في حساسيتها للضوء.
التلسكوبات الراديوية تعمل على تجميع الموجات الراديوية في بؤرة. ومعظم التلسكوبات الراديوية ذات سطح فلزي يسمى الطبق. ويركز الطبق الإشارات الراديوية الضعيفة على هوائي. ويحول الهوائي الإشارات الراديوية إلى إشارات كهربائية. ويقوي مستقبل راديوي تلك الإشارات التي يتم تسجيلها بعد ذلك على الورق أو بوساطة حاسوب.
تلسكوبات أخرى. يستخدم الفلكيون أجهزة أخرى شبيهة بالتلسكوبات الراديوية في دراسة الضوء فوق البنفسجي وبعض موجات الضوء تحت الأحمر. ويتداخل بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي الأرضي مع رصد الضوء تحت الأحمر عند مستوى الأرض. ولهذا السبب يرسل الفلكيون أحيانًا بالونات وطائرات تحمل تلسكوبات تحت حمراء إلى أعلى الغلاف الجوي الأرضي. ويستطيع الفلكيون بوساطة الأرصاد في النطاق تحت الأحمر رصد ميلاد النجوم ودراسة الغبار بين النجوم.
وبتطوير الأقمار الصناعية تمكن الفلكيون من الحصول على معلومات عن طريق التلسكوبات الموجودة في الفضاء. فقد استعملت التلسكوبات الفضائية في دراسة عدة أنواع من الإشعاع. وهي في غاية الأهمية لدراسة أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية التي يمنع الغلاف الجوي وصولها إلى الأرض.
ولدراسة أشعة جاما والأشعة السينية يستخدم الفلكيون غالبًا أجهزة تُحْصِي عدد فوتونات (جسيمات) الإشعاع دون تكوين صورة. كما يكوِّن الفلكيون خيالات بوساطة الأشعة السينية باستعمال تقنية شبيهة برمي حجر على سطح بحيرة ساكنة. فهم يصوبون الأشعة السينية خارج التلسكوب بزاوية ضيقة جدًا تسمى زاوية السقوط السافة. يستخدم الفلكيون تلسكوبات السقوط السافة في دراسة الأشعة السينية الآتية من الشمس والأجسام السماوية الأخرى.
وقد طور الفلكيون أيضًا تقنيات لاكتشاف الجسيمات القادمة من الفضاء. فهم يستخدمون مثلاً خزانًا سعته 400,000 لتر من سائل التنظيف لاقتناص جسيمات تحت ذرية تدعى النيوترينوات تنشأ في أعماق الشمس. ويعد تلسكوب النيوترينو من بين الأجهزة الفلكية غير العادية.
استخدام المطيافية:
غالبًا ما يقوم الفلكيون بتحليل الضوء الذي تم تجميعه بالتلسكوب، وذلك لتعيين التركيب الكيميائي للنجوم والأجسام الأخرى. وأكثر التقنيات استخدامًا في تحليل الضوء المرئي هو المطيافية (التنظير الطيفي) الذي يشمل تحليل الضوء إلى ألوانه المختلفة. ويبدأ هذا الحيز من الألوان المسماة الطيف المرئي من الفوق البنفسجي والأزرق، ويستمر خلال الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر حتى نهايته. وتستخدم التقنية المطيافية أيضًا لتحليل أنواع أخرى من الأشعة إلى موجاتها المنفردة.
وتعطي كل الذرات ضوءًا عندما تسخن إلى درجة حرارة عالية. وتعطي ذرة عنصر ما كميات أكبر من الإشعاع بدرجة خاصة عند أطوال موجية معينة. ونتيجة لذلك فإن طيف هذا العنصر يشتمل على خطوط لامعة، تسمى خطوطًا طيفية، عند تلك الأطوال الموجية. ولكل عنصر مجموعة من الخطوط الطيفية تختلف عن خطوط أي عنصر آخر. كما تنشأ خطوط طيفية من نوع آخر عندما يمر الضوء خلال عنصر في حالة غازية. وتحت هذه الظروف تمتص الذرات الأطوال الموجية نفسها من الإشعاع الذي تطلقه بالتسخين. ولذلك تظهر مكان الخطوط اللامعة فراغات تبدو خطوطًا سوداء عند الأماكن نفسها من الطيف.
ومن تحليل طيف نجم يتمكن الفلكيون من تمييز نوعية الذرات المكونة لغازات الطبقات الخارجية من النجم. كما تتيح التحليلات الطيفية أيضًا للفلكيين التعرف على الجزيئات في غلاف كوكب ما. وبالإضافة إلى ذلك فإن طيف نجم أو كوكب يعكس ما فيه من شيوع نسبي من ذرات وجزيئات مختلفة. فإذا زاد شيوع عنصر أو مركب ما عن عناصر أو مركبات أخرى فإن خطوطه المميزة تظهر قوية بصورة خاصة.
ويستخدم الفلكيون أجهزة تسمى مقاييس الطيف لدراسة الطيف. ويقيس أحد أنواع تلك المقاييس طول الموجة في الطيف. وينتج نوع آخر يسمى المقياس الطيفي طيفًا يمكن رؤيته بالعين المجردة. وبوساطة مرسمة الطيف يتم تسجيل الطيف على لوح فوتوغرافي أو أي نبيطة أخرى.
قياس المسافات في الفضاء:
استنبط الفلكيون ثلاث طرق رئيسية لقياس المسافات في الفضاء هي: 1- قياس اختلاف المنظور 2- قياس التوهج، 3- قياس الإزاحة الحمراء.
قياس اختلاف المنظور. يستعان به في تعيين المسافات إلى نحو 10,000 من النجوم القريبة. فبرؤية نجم قريب من عند نقطتين بعيدتين بعضهما عن بعض يظهر النجم مزاحًا عن موضعه قليلاً بالنسبة للخلفية المكونة من النجوم الأبعد. اختلاف منظور النجم هو الزاوية التي يظهر عليها النجم مزاحًا على صفحة السماء إذا ما شاهدناه من عند نقطتين تفصل بينهما مسافة وحدة فلكية. ويعين الفلكيون اختلاف منظور النجم برصده لفترات من عدة شهور تكون الأرض قد تحركت فيها بين نقطتين بعيدتين في مسارها حول الشمس. ومن هذه الأرصاد يتمكن الفلكيون من حساب اختلاف المنظور، وبالتالي استخدام حساب المثلثات لتقدير مسافة النجم.
ويستخدم الفلكيون في قياس أبعاد النجوم وحدة لها علاقة مباشرة باختلاف المنظور، تعرف بالبارسك (الفرسخ النجمي). والبارسك الواحد هو المسافة إلى نجم اختلاف منظوره ثانية قوسية ( 1/3,600 من الدرجة). وعلى ذلك فإن البارسك الواحد يساوي 3,26 سنة ضوئية أو 30,9 تريليون كيلومتر. ويمكن استخدام اختلاف المنظور لقياس المسافات حتى حوالي 300 بارسك ؛ أي أقل من 5 % من المسافة إلى مركز درب اللبانة.
قياس التوهج. يستطيع الفلكيون تقدير المسافة إلى نجوم معينة بمقارنة سطوعها (توهجها الحقيقي) مع توهجها الظاهري، كما يبدو خلال التلسكوب. ويرتكز هذا النوع من القياسات على حقيقة أنه بزيادة المسافة إلى نجم ذي توهج معروف، يزداد خفوت النجم كما يرى من على سطح الأرض.
وعادة ما يستخدم الفلكيون قياس التوهج لحساب المسافات إلى بعض أنواع النجوم المتغيرة. ويمر كل من هذه النجوم بدورة من التغيير في التوهج خلال فترة محدودة من الزمن. وقد اكتشف الفلكيون أن طول هذه الفترة يدل على توهج النجم. مثال ذلك ما أوضحته الدراسات على نوع من النجوم المتغيرة، معروف باسم المتغيرات القيفاوية. فقد ثبت أن القيفاويات ذوات الدورات الطويلة أكثر توهجًا مِن القيفاويات ذوات الدورات القصيرة. لذلك فإن تقديرًا واحدًا لطول الدورة يعطي التوهج الذي يمكن استخدامه بالتالي لحساب المسافة إلى النجم. وقد اتضح من أرصاد القيفاويات في سحابتي ماجلان أن هذا الحيز المتوهج لا يدخل ضمن درب اللبانة، بل إنه بعيد لدرجة أنهما مجرتان منفصلتان. والمتغيرات القيفاوية الوسيلة الأساسية لتعيين المسافات إلى المجرات القريبة.
وينظر الفلكيون إلى أجسام معروفة التوهج حتى في المناطق التي لا يمكن فيها اكتشاف نجوم منفردة. فألمع مجرة في عنقود من المجرات مثلاً، لها التوهج نفسه تقريبًا مثل ألمع مجرة في عنقود آخر. ومقارنة هذا التوهج بالتوهج الظاهري يعتبر أفضل طريقة لقياس المسافة إلى عنقود المجرات.
قياس الإزاحة الحمراء يشمل دراسة الخطوط الطيفية في الضوء الذي نستقبله من جسم ما في الفضاء. ففي طيف جسم متحرك تنزاح الخطوط من مكانها الذي يجب أن تظهر فيه في حالة جسم غير متحرك. فإن كانت الإزاحة إلى الناحية الحمراء فإن الجسم يكون متحركًا بعيدًا عن الأرض، وإن كانت إلى الناحية الزرقاء فإن الجسم يكون مقتربًا من الأرض. وكلما زادت الإزاحة كانت الحركة أكثر سرعة.
وكل المجرات باستثناء القريبة من الأرض لها إزاحات حمراء كبيرة. وفي عام 1929م اكتشف فلكي أمريكي يدعى إدوين هبل أنه كلما زادت المسافة إلى المجرات زادت أيضًا سرعات ابتعادها، وبالتالي أصبحت إزاحتها الحمراء أكبر. ويعني قانون هبل أن سرعة ابتعاد المجرات تتناسب مع مسافاتها من الأرض. من هنا يستطيع الفلكيون تقدير المسافات إلى مجرات بعيدة بقياس إزاحتها الحمراء. وقانون هبل الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الفلكيون قياس المسافات إلى أبعد الأجسام في الكون. ويعتقد الفلكيون أن الكوازارات (أشباه النجوم) هي أبعد الأجسام لأن لها أكبر إزاحة حمراء.
استخدام الحاسوب:
يعد استخدام الحاسوب جزءًا مهمًا في علم الفلك الحديث. فأجهزة الحاسوب تساعد الفلكيين الراصدين بطرق عدة. فهي مثلاً توجه التلسكوبات وتتحكم في عمليات قياس الإشعاع الذي تجمعه بالتلسكوبات. كما يستخدم الفلكيون الحاسوب أيضًا لإنجاز تصميمات تلسكوبات جديدة وتحليل الأرصاد التي تجمعها التلسكوبات. كما للحاسوب، دور كبير في الدراسات النظرية، فالفلكي النظري يمكنه استخدام الحاسوب لعمل أنموذج رياضي لتاريخ نجم ما منذ نشأته وحتى فنائه.
تحديد مكان جرم سماوي في السماء:
يتطلب نظامًا مثل الذي يستخدمه الجغرافيون لتحديد أمكنة على سطح الأرض. وفي نظام الجغرافيين تقاس دوائر خط العرض موازية لخط الاستواء، كما تمر خطوط الطول من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. والنظام الفلكي يقابل النظام الجغرافي. لكن الفلكيين يستعملون مصطلح الميل للتعبير عن درجة العرض والمطلع المستقيم للتعبير عن درجة خط الطول. ويقاس الميل بالدرجات شمال أو جنوب خط الاستواء السماوي الذي يمثل امتداد خط الاستواء الأرضي في الفضاء. وتقطع دوائر المطلع المستقيم خط الاستواء السماوي مارة خلال قطبي السماء الكائنين فوق قطبي الأرض. ويقاس المطلع المستقيم بالساعات ناحية الشرق، من نقطة عبور الشمس لخط الاستواء السماوي حوالي 21 مارس. ويقابل مقدار ساعة واحدة من المطلع المستقيم 15 درجة من خطوط الطول.
والنجوم أساسًا ثابتة في أماكنها في السماء. لكن الشمس تجوب كل ساعات المطلع المستقيم كل عام. ويطلق على مسار الشمس على صفحة السماء بالنسبة للنجوم الأخرى اسم دائرة البروج.
التلسكوبات الضوئية تستخدم لرصد الضوء المرئي المنطلق من الأجسام في الفضاء. والصورة اليمنى توضح التلسكوب العاكس في مرصد سيرو تولولو الأمريكي المشترك بدولة تشيلي. ويبلغ قطر مرآة التلسكوب 400 سم. وإلى اليسار صورة التقطت بهذا التلسكوب لسديم إيتا كارينا. |
يستخدم الفلكيون تلسكوبات لرصد الإشعاع الذي يصل إلى الأرض من الأجرام الموجودة في الفضاء. ويتكون هذا الإشعاع من حزم مترابطة لقوى كهربائية ومغنطيسية متحركة بسرعة في الفضاء. وتسمى تلك الحزم الموجات الكهرومغنطيسية وتختلف كثيرًا في طول الموجة. وطول الموجة هو المسافة بين قمة موجة وقمة الموجة التي تليها. وأهم أنواع الإشعاع تصاعديًّا مع طول الموجة هو أشعة جاما ثم الأشعة السينية فالضوء فوق البنفسجي، ثم الضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء، وتليها موجات الراديو. ويستخدم الفلكيون العديد من التلسكوبات لرصد الموجات المختلفة.
التلسكوبات البصرية تستخدم لرصد الضوء المرئي. وتشمل التلسكوبات البصرية أساسًا نوعين، العاكس والكاسر. فالتلسكوب العاكس يستعين بمرآة لتكوين الصورة، بينما يستعين التلسكوب الكاسر بعدسة لتكوين الصورة. ويمكن تصنيع تلسكوبات عاكسة أكبر بكثير من التلسكوبات الكاسرة، وبالتالي تستطيع اكتشاف أجسام أكثر خفوتًا، ومعظم التلسكوبات الأساسية التي تُصنع حاليًا من النوع العاكس.
ويستخدم الفلكيون التلسكوبات البصرية لتكوين صور مكبرة للشمس والكواكب والأجسام الأخرى القريبة. أما النجوم فهي بعيدة جدًّا لدرجة أنها تظل نقطًا ضوئية بصرف النظر عن درجة تكبيرها. ولرصد النجوم والأجسام البعيدة الأخرى تستخدم التلسكوبات البصرية لتجمع ضوءًا كافيًا لاكتشاف هذه الأجسام. وكلما خفت الجسم اقتضى رصده تلسكوبًا تلسكوب أقوى.
وغالبًا ما يستخدم الفلكيون ألواحًا فوتوغرافية وأجهزة أخرى لتسجيل الصورة التي تكونت بالتلسكوب البصري. والصورة المتكونة بهذه الطريقة تمدنا بسجل دائم عن مظهر منطقة معينة في السماء عند لحظة ما. ويضاف إلى ذلك أن صور السماء تظهر تفاصيل أكثر عما يمكن رؤيته بالعين المجردة، حتى مع استعانتها بالتلسكوب. فالصورة التي تظهر خافتة بالنسبة للعين، تبقى خافتة مهما استدام النظر إليها. لكن بتعريض فيلم فوتوغرافي فترة طويلة إلى صورة خافتة تنتج صورة لامعة. ولقياس شدة ضوء النجم يستخدم الفلكيون تلسكوبًا مزودًا بنبيطة تسمى المضاعف الضوئي. وتوجد نبائط إلكترونية أخرى تحل محل الفيلم في تكوين الصورة. وتسمى إحدى هذه النبائط أداة القرن الشحني، وتستخدم إشارات إلكترونية لتكوين الصور، وتفوق الفيلم كثيرًا في حساسيتها للضوء.
التلسكوبات الراديوية تجمع موجات الراديو، وتركزها. والصورة على اليمين هي للتلسكوب الراديوي 100 م بمرصد إفلزبرج بالقرب من مدينة بون بألمانيا. ويوجه الفنيون والفلكيون ( الصورة إلى اليسار) التلسكوب للرصد ويتابعون جمع المعلومات . |
تلسكوبات أخرى. يستخدم الفلكيون أجهزة أخرى شبيهة بالتلسكوبات الراديوية في دراسة الضوء فوق البنفسجي وبعض موجات الضوء تحت الأحمر. ويتداخل بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي الأرضي مع رصد الضوء تحت الأحمر عند مستوى الأرض. ولهذا السبب يرسل الفلكيون أحيانًا بالونات وطائرات تحمل تلسكوبات تحت حمراء إلى أعلى الغلاف الجوي الأرضي. ويستطيع الفلكيون بوساطة الأرصاد في النطاق تحت الأحمر رصد ميلاد النجوم ودراسة الغبار بين النجوم.
وبتطوير الأقمار الصناعية تمكن الفلكيون من الحصول على معلومات عن طريق التلسكوبات الموجودة في الفضاء. فقد استعملت التلسكوبات الفضائية في دراسة عدة أنواع من الإشعاع. وهي في غاية الأهمية لدراسة أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية التي يمنع الغلاف الجوي وصولها إلى الأرض.
ولدراسة أشعة جاما والأشعة السينية يستخدم الفلكيون غالبًا أجهزة تُحْصِي عدد فوتونات (جسيمات) الإشعاع دون تكوين صورة. كما يكوِّن الفلكيون خيالات بوساطة الأشعة السينية باستعمال تقنية شبيهة برمي حجر على سطح بحيرة ساكنة. فهم يصوبون الأشعة السينية خارج التلسكوب بزاوية ضيقة جدًا تسمى زاوية السقوط السافة. يستخدم الفلكيون تلسكوبات السقوط السافة في دراسة الأشعة السينية الآتية من الشمس والأجسام السماوية الأخرى.
وقد طور الفلكيون أيضًا تقنيات لاكتشاف الجسيمات القادمة من الفضاء. فهم يستخدمون مثلاً خزانًا سعته 400,000 لتر من سائل التنظيف لاقتناص جسيمات تحت ذرية تدعى النيوترينوات تنشأ في أعماق الشمس. ويعد تلسكوب النيوترينو من بين الأجهزة الفلكية غير العادية.
استخدام المطيافية:
غالبًا ما يقوم الفلكيون بتحليل الضوء الذي تم تجميعه بالتلسكوب، وذلك لتعيين التركيب الكيميائي للنجوم والأجسام الأخرى. وأكثر التقنيات استخدامًا في تحليل الضوء المرئي هو المطيافية (التنظير الطيفي) الذي يشمل تحليل الضوء إلى ألوانه المختلفة. ويبدأ هذا الحيز من الألوان المسماة الطيف المرئي من الفوق البنفسجي والأزرق، ويستمر خلال الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر حتى نهايته. وتستخدم التقنية المطيافية أيضًا لتحليل أنواع أخرى من الأشعة إلى موجاتها المنفردة.
وتعطي كل الذرات ضوءًا عندما تسخن إلى درجة حرارة عالية. وتعطي ذرة عنصر ما كميات أكبر من الإشعاع بدرجة خاصة عند أطوال موجية معينة. ونتيجة لذلك فإن طيف هذا العنصر يشتمل على خطوط لامعة، تسمى خطوطًا طيفية، عند تلك الأطوال الموجية. ولكل عنصر مجموعة من الخطوط الطيفية تختلف عن خطوط أي عنصر آخر. كما تنشأ خطوط طيفية من نوع آخر عندما يمر الضوء خلال عنصر في حالة غازية. وتحت هذه الظروف تمتص الذرات الأطوال الموجية نفسها من الإشعاع الذي تطلقه بالتسخين. ولذلك تظهر مكان الخطوط اللامعة فراغات تبدو خطوطًا سوداء عند الأماكن نفسها من الطيف.
ومن تحليل طيف نجم يتمكن الفلكيون من تمييز نوعية الذرات المكونة لغازات الطبقات الخارجية من النجم. كما تتيح التحليلات الطيفية أيضًا للفلكيين التعرف على الجزيئات في غلاف كوكب ما. وبالإضافة إلى ذلك فإن طيف نجم أو كوكب يعكس ما فيه من شيوع نسبي من ذرات وجزيئات مختلفة. فإذا زاد شيوع عنصر أو مركب ما عن عناصر أو مركبات أخرى فإن خطوطه المميزة تظهر قوية بصورة خاصة.
ويستخدم الفلكيون أجهزة تسمى مقاييس الطيف لدراسة الطيف. ويقيس أحد أنواع تلك المقاييس طول الموجة في الطيف. وينتج نوع آخر يسمى المقياس الطيفي طيفًا يمكن رؤيته بالعين المجردة. وبوساطة مرسمة الطيف يتم تسجيل الطيف على لوح فوتوغرافي أو أي نبيطة أخرى.
اختلاف المنظور هو الزاوية التي يظهر أن النجم قد تحرك بها عبر السماء إذا رصد من نقطتين في مدار الأرض يبعد بعضهما عن بعض وحدة فلكية (و.ف). والوحدة الفلكية تساوي 150 مليون كيلو متر. وبعد تعيين اختلاف المنظور يستخدم الفلكيون حساب المثلثات لحساب المسافة إلى النجم. |
استنبط الفلكيون ثلاث طرق رئيسية لقياس المسافات في الفضاء هي: 1- قياس اختلاف المنظور 2- قياس التوهج، 3- قياس الإزاحة الحمراء.
قياس اختلاف المنظور. يستعان به في تعيين المسافات إلى نحو 10,000 من النجوم القريبة. فبرؤية نجم قريب من عند نقطتين بعيدتين بعضهما عن بعض يظهر النجم مزاحًا عن موضعه قليلاً بالنسبة للخلفية المكونة من النجوم الأبعد. اختلاف منظور النجم هو الزاوية التي يظهر عليها النجم مزاحًا على صفحة السماء إذا ما شاهدناه من عند نقطتين تفصل بينهما مسافة وحدة فلكية. ويعين الفلكيون اختلاف منظور النجم برصده لفترات من عدة شهور تكون الأرض قد تحركت فيها بين نقطتين بعيدتين في مسارها حول الشمس. ومن هذه الأرصاد يتمكن الفلكيون من حساب اختلاف المنظور، وبالتالي استخدام حساب المثلثات لتقدير مسافة النجم.
ويستخدم الفلكيون في قياس أبعاد النجوم وحدة لها علاقة مباشرة باختلاف المنظور، تعرف بالبارسك (الفرسخ النجمي). والبارسك الواحد هو المسافة إلى نجم اختلاف منظوره ثانية قوسية ( 1/3,600 من الدرجة). وعلى ذلك فإن البارسك الواحد يساوي 3,26 سنة ضوئية أو 30,9 تريليون كيلومتر. ويمكن استخدام اختلاف المنظور لقياس المسافات حتى حوالي 300 بارسك ؛ أي أقل من 5 % من المسافة إلى مركز درب اللبانة.
قياس التوهج. يستطيع الفلكيون تقدير المسافة إلى نجوم معينة بمقارنة سطوعها (توهجها الحقيقي) مع توهجها الظاهري، كما يبدو خلال التلسكوب. ويرتكز هذا النوع من القياسات على حقيقة أنه بزيادة المسافة إلى نجم ذي توهج معروف، يزداد خفوت النجم كما يرى من على سطح الأرض.
وعادة ما يستخدم الفلكيون قياس التوهج لحساب المسافات إلى بعض أنواع النجوم المتغيرة. ويمر كل من هذه النجوم بدورة من التغيير في التوهج خلال فترة محدودة من الزمن. وقد اكتشف الفلكيون أن طول هذه الفترة يدل على توهج النجم. مثال ذلك ما أوضحته الدراسات على نوع من النجوم المتغيرة، معروف باسم المتغيرات القيفاوية. فقد ثبت أن القيفاويات ذوات الدورات الطويلة أكثر توهجًا مِن القيفاويات ذوات الدورات القصيرة. لذلك فإن تقديرًا واحدًا لطول الدورة يعطي التوهج الذي يمكن استخدامه بالتالي لحساب المسافة إلى النجم. وقد اتضح من أرصاد القيفاويات في سحابتي ماجلان أن هذا الحيز المتوهج لا يدخل ضمن درب اللبانة، بل إنه بعيد لدرجة أنهما مجرتان منفصلتان. والمتغيرات القيفاوية الوسيلة الأساسية لتعيين المسافات إلى المجرات القريبة.
وينظر الفلكيون إلى أجسام معروفة التوهج حتى في المناطق التي لا يمكن فيها اكتشاف نجوم منفردة. فألمع مجرة في عنقود من المجرات مثلاً، لها التوهج نفسه تقريبًا مثل ألمع مجرة في عنقود آخر. ومقارنة هذا التوهج بالتوهج الظاهري يعتبر أفضل طريقة لقياس المسافة إلى عنقود المجرات.
اكتشاف الإزاحة الحمراء والإزاحة الزرقاء يميز الفلكيون حركة النجم بمقارنة خطوط طيفه بمثيلاتها في المعامل. فإذا ما ظهرت الخطوط في نفس مواقعها في كلا الطيفين كان النجم غير مبتعد وغير مقترب من الأرض (الشكل إلى اليمين). أما إذا بدت خطوط النجم منزاحة ناحية الأحمر من الطيف، فإن ذلك يدل على أن الجسم يبتعد عن الأرض (الشكل الأوسط) وإذا كانت الإزاحة ناحية الموجات الزرقاء يكون الجسم مقتربًا (الشكل إلى اليسار). |
وكل المجرات باستثناء القريبة من الأرض لها إزاحات حمراء كبيرة. وفي عام 1929م اكتشف فلكي أمريكي يدعى إدوين هبل أنه كلما زادت المسافة إلى المجرات زادت أيضًا سرعات ابتعادها، وبالتالي أصبحت إزاحتها الحمراء أكبر. ويعني قانون هبل أن سرعة ابتعاد المجرات تتناسب مع مسافاتها من الأرض. من هنا يستطيع الفلكيون تقدير المسافات إلى مجرات بعيدة بقياس إزاحتها الحمراء. وقانون هبل الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الفلكيون قياس المسافات إلى أبعد الأجسام في الكون. ويعتقد الفلكيون أن الكوازارات (أشباه النجوم) هي أبعد الأجسام لأن لها أكبر إزاحة حمراء.
استخدام الحاسوب:
يعد استخدام الحاسوب جزءًا مهمًا في علم الفلك الحديث. فأجهزة الحاسوب تساعد الفلكيين الراصدين بطرق عدة. فهي مثلاً توجه التلسكوبات وتتحكم في عمليات قياس الإشعاع الذي تجمعه بالتلسكوبات. كما يستخدم الفلكيون الحاسوب أيضًا لإنجاز تصميمات تلسكوبات جديدة وتحليل الأرصاد التي تجمعها التلسكوبات. كما للحاسوب، دور كبير في الدراسات النظرية، فالفلكي النظري يمكنه استخدام الحاسوب لعمل أنموذج رياضي لتاريخ نجم ما منذ نشأته وحتى فنائه.