الشاعر ابن لعبون ..
أشعاره
سلك ابن لعبون مسلك شعراء زمانه في الفصيح والعامي حيث انتشرت المدارس الشعرية المتنوعة والمتعددة منذ نهاية العصر الأول من العصر العباسي نهاية القرن الثاني هجري حيث ظهر مايسمى “البديع” ولزم الشعراء مالم يلزمهم في إظهار المحاسن الشعرية والصور البلاغية وسلكوا في ذلك طريقاً ساهم مع تقدم الزمن في التكلف في نظم القصائد فأصبح منهم من يكتب قصائد التورية وبعضهم أغرق في الرمز والبعض الآخر أسهب في المعجزات الشعرية كأن يكتب القصيدة دون نقط أو العكس أو يكتب أبياتاً تحمل نفس المعنى واللفظ في حال قراءتها بالمقلوب أو طرق ومسالك أخرى كالتشجير ولزوم مالايلزم وغيرها من الفنون والإبداعات التي تكلّف فيها الشعراء وبالغوا في نسجها حتى هبطت قيمة المعاني الشعرية والصور البلاغية إلى زمن أطلق عليه النقاد “عصر الانحطاط” والذي وافق أيضاً التخلف السياسي والعسكري والحضاري للأمة ولم يكن الشعر الشعبي بمعزل عن ما تعانية الساحة الأدبية في الشعر الفصيح لذا فقد سلك عدد من شعراء النبط مسلك أقرانهم في القصائد الفصحى فبدأوا بتزويق وتنويع الشعر ومنهم من أجاد ومنهم من تكلّف ذلك الشعر فلم يهتد إلى جادة الصواب، وكان محمد بن لعبون من الفريق الأول الذي خاض بحور التنوع الأدبي والشعري بتمكن وتمرس ومن ذلك قصيدته المشهورة (المهملة) وهي عبارة عن ثلاثين بيتاً شعرياً نظمها ابن لعبون دون نقط ومنها قوله:
أحمد المحمود مادمع همــل
أو عدد ماحال واد له وسـال
أو عدد ماورد وراد الدحل
أو رمى دلوه وماصدر ومــال
أو حدا حاد لسلمى أو رحل
سار هاك الدار أو داس المحال
أحمده دوم على حلو العمـل
سامع الدعوى ومعط للســؤال.
ومن أبياته ما سار بين الناس مضرباً للمثل كقوله:
الكل منا لو يصدق مقالـــــــه
القول واجد والحكي عند الأفعــال
الصدق يبقي والتصنف جهاله
والجد ما لانت مطاويـــه بتفـــــال
وقوله
رجالهم مايسفـه الاليا شاب
مثـــــل القرع يفسد ليــــا كثــر لبه
وقوله:
أمك وبوك وكل ذي القاربات
محـــد يســـد السيــل عنك بعباته
وكان لابن لعبون العديد من قصائد الشوق والحنين لدياره بلدتي حرمه وثادق وإقليم نجد على وجه العموم كما أنه له عدد من قصائد المدح لاسيما لوجهاء تلك الديار وها هو يثني على الأمير أحمد السديري ويشكو له غربته وشوقه وهو يقول:
جيت ناس عقب أهل مي نشاف
يطبخون الزاد بالماي النظيف
من عقب زل الزوالي واللحـاف
والمخده جوخ حطوا لي سفيف
إلى قوله:
ملتجين في ذرا ستر العفـاف
أحمـد لازال مزبـان المخيـف
ميمر تدعيـك ناره بالكثـاف
مرخص الكـوما إلى قل الرغيف
باجتوال وانحراف وانصـراف
كالسحـاب الجود مامده قصيـف
صيرف بالقول بل صراف قاف
مستجـار لدار غطـريف ظريـف
يا ثقيـل الروز بأيام الخفـاف
فيـه ثقـل الروز والطبع الخفيف
اشتكي لك من عيافي للعيـاف
من هوى طرد الجوازي انا معيـف
راميات من سهام بنصــراف
من غزال في فوادي له دنيـف
موريات يالسديري بالرضـاف
ورية الوقاد للقـدر الرهيـف
حالة تنعاف يا أحمد بالكسـاف
عن طريـق اللوم فيها وتعنيـف.
أما “أيقونته الشعرية” فكان الغزل الذي لا تكاد تصحي من ديوانه أجمل وأروع ما قاله في هذا الميدان ولعل منها قوله:
ألا يـا بـارق يوضــى جنــــاحــه
شمــال وأبعد الخـلان عنـي
علــى دار بشــرقـــي البراحــه
أقفـرت ما بها كـود الهبنــي
لكن ابها عقــب ذيــك الشراحه
إلـى مريـــت باسـم الله جني
يفـــــز القلب فيها للصبــاحـــه
إلـى قامــت حمامتــها تغنـي
تــوصينـي لأهلــــها بالنياحـــه
يعـود ان الحمامـة خير مني
وأنا وان كان لي بالنواح راحة
فأنا بانـوح دهري ما أوني.
وقوله في إحدى “غزلياته” في عشيقته مي:
حـي المنــــازل بديم خــــزام
اتحيـة الجار للجاره
تحيـــــة الـــــعاشــق الـروام
لمـورّد الخد في داره
من ولــف دار لابن عــــــوام
شبت بناد الحشى ناره
واذكر بـــها ما مضى بــولام
إن كان تنفع التذكاره
فوق الاميلح قطيـــن خيــــام
مضروبة دار ما داره
منـــــازل يــا علي مـــــا دام
تنزل بها مي مع ساره.
ومن ( فن اللعبونيات )قوله:
زل دهــــرك يا محمـد بالغــــزل
والغــزال الـــى تهـزأ بالغـزال
والخدود الي كما وصف السجل
ناكساتــك بالسقـــم نكس الهــلال
والجبين الي بروقـــــه تشتعـــل.
مـع زلوف كنهــن داجـي الليــــال
زنة الخلخال تحدث بك وجـــــل
مع كمالك ما استحيت من الرجال
عاطلات الريم وادمــي الرمـــل
مع نبـات ظلهــن عنـــدي ظـــلال.
أما غزلية التي طار بها الركبان وتناقلها الشيوخ والولدان فهي تلك التي شكا فيها سطوة الجمال الذي لم يستطع مقاومت سهامه الجارحة وهو يقول:
يا علي صحت بالصوت الرفيع
يا مرة لا تذبين القناع
يا علي عندكم صفرا صنيع
سنها يا علي وقم الرباع
نشتري يا علي كانك تبيع
بالعمر مير ما ظني تباع
شاقني يا علي قمرا وربيع
يوم أنا آمر وكل أمري مطاع.
مدرسة شعرية
توفي ابن لعبون بالكويت عام 1247هـ، وقد أرخ الأب وفاة ابنه وكتب عنه أنه في هذه السنة توفي ابننا محمد وذكر بعض صفاته -رحمهما الله-، ولا شك أن الابن استفاد أيما فائدة من ثقافة والده وعلمه ومكتبته، حيث عرف عن الشاعر محمد بن لعبون مقدرته على مجارات القصائد الفصحى ومحاكاتها، بل أنه تأثر بها واقتبس منها وأخذ من بعضها كما فعل في قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
سقى صوب الحيا مز(ن) تهامى
على قبر(ن) بتلعات الحجازي
وقد أخذها من قصيدة باللغة العربية الفصحى للشاعر المدني ابن معصوم في قوله:
سقى صوب الحيا أرض الحجازي
وجاد مراتع الغيد الجوازي
وقول ابن معصوم في ذات القصيدة:
ليالي مشربي في الحب صفو
وثوب اللهو منقوش الطراز
وقول ابن لعبون:
ليالي مشربي صافي المداما
وثوب الغي منقوش الطراز
وهذا لا يقلل من هامة وقامة أمير شعراء النبط محمد بن لعبون، بقدر ما يدل على سعة علمه واطلاعه وثقافته في الموروث الشعري العامي والفصيح وهذا نادر بين أبناء زمانه وجملة أقرانه من الشعراء، كما أنه يدلل على علو كعبه على من سبقه في العامية والفصحى، لاسيما وأنه أدخل أسلوب النظم “الزهيري” وكثيراً ما كان يستعرض مهاراته ومقدرته الشعرية ليثبت وبلا جدال مكانته كأمير لشعراء عصره، لاسيما وقد تنوع في أساليبه وقصائده، فتارة ينهج الطرق التقليدية في الشعر، وتارة يغرق في التعجيزات والبدائع الشعرية والتلاعب اللفظي ونظم “المهملات”، وهي القصائد الخالية من الحروف ذات النقط والتي غالباً ما تأتي على حساب المعنى وإيصال الفكرة، بيد أنها مع “ابن لعبون” لم تكن كذلك بل أعطى “ابن لعبون” الشكل والمعنى نفس القوة، حتى بلغت به قدرته وموهبته الشعرية أنه كان يملي كاتبين في وقت واحد كل واحد منهم يكتب قصيدة منفصلة فإذا جمعت أصبحتا قصيدة واحدة.
============================
عن جريدة الرياض – 01 ربيع الآخر 1438 هـ -اعداد منصورالعساف
الشاعر ابن لعبون ..
أشعاره
سلك ابن لعبون مسلك شعراء زمانه في الفصيح والعامي حيث انتشرت المدارس الشعرية المتنوعة والمتعددة منذ نهاية العصر الأول من العصر العباسي نهاية القرن الثاني هجري حيث ظهر مايسمى “البديع” ولزم الشعراء مالم يلزمهم في إظهار المحاسن الشعرية والصور البلاغية وسلكوا في ذلك طريقاً ساهم مع تقدم الزمن في التكلف في نظم القصائد فأصبح منهم من يكتب قصائد التورية وبعضهم أغرق في الرمز والبعض الآخر أسهب في المعجزات الشعرية كأن يكتب القصيدة دون نقط أو العكس أو يكتب أبياتاً تحمل نفس المعنى واللفظ في حال قراءتها بالمقلوب أو طرق ومسالك أخرى كالتشجير ولزوم مالايلزم وغيرها من الفنون والإبداعات التي تكلّف فيها الشعراء وبالغوا في نسجها حتى هبطت قيمة المعاني الشعرية والصور البلاغية إلى زمن أطلق عليه النقاد “عصر الانحطاط” والذي وافق أيضاً التخلف السياسي والعسكري والحضاري للأمة ولم يكن الشعر الشعبي بمعزل عن ما تعانية الساحة الأدبية في الشعر الفصيح لذا فقد سلك عدد من شعراء النبط مسلك أقرانهم في القصائد الفصحى فبدأوا بتزويق وتنويع الشعر ومنهم من أجاد ومنهم من تكلّف ذلك الشعر فلم يهتد إلى جادة الصواب، وكان محمد بن لعبون من الفريق الأول الذي خاض بحور التنوع الأدبي والشعري بتمكن وتمرس ومن ذلك قصيدته المشهورة (المهملة) وهي عبارة عن ثلاثين بيتاً شعرياً نظمها ابن لعبون دون نقط ومنها قوله:
أحمد المحمود مادمع همــل
أو عدد ماحال واد له وسـال
أو عدد ماورد وراد الدحل
أو رمى دلوه وماصدر ومــال
أو حدا حاد لسلمى أو رحل
سار هاك الدار أو داس المحال
أحمده دوم على حلو العمـل
سامع الدعوى ومعط للســؤال.
ومن أبياته ما سار بين الناس مضرباً للمثل كقوله:
الكل منا لو يصدق مقالـــــــه
القول واجد والحكي عند الأفعــال
الصدق يبقي والتصنف جهاله
والجد ما لانت مطاويـــه بتفـــــال
وقوله
رجالهم مايسفـه الاليا شاب
مثـــــل القرع يفسد ليــــا كثــر لبه
وقوله:
أمك وبوك وكل ذي القاربات
محـــد يســـد السيــل عنك بعباته
وكان لابن لعبون العديد من قصائد الشوق والحنين لدياره بلدتي حرمه وثادق وإقليم نجد على وجه العموم كما أنه له عدد من قصائد المدح لاسيما لوجهاء تلك الديار وها هو يثني على الأمير أحمد السديري ويشكو له غربته وشوقه وهو يقول:
جيت ناس عقب أهل مي نشاف
يطبخون الزاد بالماي النظيف
من عقب زل الزوالي واللحـاف
والمخده جوخ حطوا لي سفيف
إلى قوله:
ملتجين في ذرا ستر العفـاف
أحمـد لازال مزبـان المخيـف
ميمر تدعيـك ناره بالكثـاف
مرخص الكـوما إلى قل الرغيف
باجتوال وانحراف وانصـراف
كالسحـاب الجود مامده قصيـف
صيرف بالقول بل صراف قاف
مستجـار لدار غطـريف ظريـف
يا ثقيـل الروز بأيام الخفـاف
فيـه ثقـل الروز والطبع الخفيف
اشتكي لك من عيافي للعيـاف
من هوى طرد الجوازي انا معيـف
راميات من سهام بنصــراف
من غزال في فوادي له دنيـف
موريات يالسديري بالرضـاف
ورية الوقاد للقـدر الرهيـف
حالة تنعاف يا أحمد بالكسـاف
عن طريـق اللوم فيها وتعنيـف.
أما “أيقونته الشعرية” فكان الغزل الذي لا تكاد تصحي من ديوانه أجمل وأروع ما قاله في هذا الميدان ولعل منها قوله:
ألا يـا بـارق يوضــى جنــــاحــه
شمــال وأبعد الخـلان عنـي
علــى دار بشــرقـــي البراحــه
أقفـرت ما بها كـود الهبنــي
لكن ابها عقــب ذيــك الشراحه
إلـى مريـــت باسـم الله جني
يفـــــز القلب فيها للصبــاحـــه
إلـى قامــت حمامتــها تغنـي
تــوصينـي لأهلــــها بالنياحـــه
يعـود ان الحمامـة خير مني
وأنا وان كان لي بالنواح راحة
فأنا بانـوح دهري ما أوني.
وقوله في إحدى “غزلياته” في عشيقته مي:
حـي المنــــازل بديم خــــزام
اتحيـة الجار للجاره
تحيـــــة الـــــعاشــق الـروام
لمـورّد الخد في داره
من ولــف دار لابن عــــــوام
شبت بناد الحشى ناره
واذكر بـــها ما مضى بــولام
إن كان تنفع التذكاره
فوق الاميلح قطيـــن خيــــام
مضروبة دار ما داره
منـــــازل يــا علي مـــــا دام
تنزل بها مي مع ساره.
ومن ( فن اللعبونيات )قوله:
زل دهــــرك يا محمـد بالغــــزل
والغــزال الـــى تهـزأ بالغـزال
والخدود الي كما وصف السجل
ناكساتــك بالسقـــم نكس الهــلال
والجبين الي بروقـــــه تشتعـــل.
مـع زلوف كنهــن داجـي الليــــال
زنة الخلخال تحدث بك وجـــــل
مع كمالك ما استحيت من الرجال
عاطلات الريم وادمــي الرمـــل
مع نبـات ظلهــن عنـــدي ظـــلال.
أما غزلية التي طار بها الركبان وتناقلها الشيوخ والولدان فهي تلك التي شكا فيها سطوة الجمال الذي لم يستطع مقاومت سهامه الجارحة وهو يقول:
يا علي صحت بالصوت الرفيع
يا مرة لا تذبين القناع
يا علي عندكم صفرا صنيع
سنها يا علي وقم الرباع
نشتري يا علي كانك تبيع
بالعمر مير ما ظني تباع
شاقني يا علي قمرا وربيع
يوم أنا آمر وكل أمري مطاع.
مدرسة شعرية
توفي ابن لعبون بالكويت عام 1247هـ، وقد أرخ الأب وفاة ابنه وكتب عنه أنه في هذه السنة توفي ابننا محمد وذكر بعض صفاته -رحمهما الله-، ولا شك أن الابن استفاد أيما فائدة من ثقافة والده وعلمه ومكتبته، حيث عرف عن الشاعر محمد بن لعبون مقدرته على مجارات القصائد الفصحى ومحاكاتها، بل أنه تأثر بها واقتبس منها وأخذ من بعضها كما فعل في قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
سقى صوب الحيا مز(ن) تهامى
على قبر(ن) بتلعات الحجازي
وقد أخذها من قصيدة باللغة العربية الفصحى للشاعر المدني ابن معصوم في قوله:
سقى صوب الحيا أرض الحجازي
وجاد مراتع الغيد الجوازي
وقول ابن معصوم في ذات القصيدة:
ليالي مشربي في الحب صفو
وثوب اللهو منقوش الطراز
وقول ابن لعبون:
ليالي مشربي صافي المداما
وثوب الغي منقوش الطراز
وهذا لا يقلل من هامة وقامة أمير شعراء النبط محمد بن لعبون، بقدر ما يدل على سعة علمه واطلاعه وثقافته في الموروث الشعري العامي والفصيح وهذا نادر بين أبناء زمانه وجملة أقرانه من الشعراء، كما أنه يدلل على علو كعبه على من سبقه في العامية والفصحى، لاسيما وأنه أدخل أسلوب النظم “الزهيري” وكثيراً ما كان يستعرض مهاراته ومقدرته الشعرية ليثبت وبلا جدال مكانته كأمير لشعراء عصره، لاسيما وقد تنوع في أساليبه وقصائده، فتارة ينهج الطرق التقليدية في الشعر، وتارة يغرق في التعجيزات والبدائع الشعرية والتلاعب اللفظي ونظم “المهملات”، وهي القصائد الخالية من الحروف ذات النقط والتي غالباً ما تأتي على حساب المعنى وإيصال الفكرة، بيد أنها مع “ابن لعبون” لم تكن كذلك بل أعطى “ابن لعبون” الشكل والمعنى نفس القوة، حتى بلغت به قدرته وموهبته الشعرية أنه كان يملي كاتبين في وقت واحد كل واحد منهم يكتب قصيدة منفصلة فإذا جمعت أصبحتا قصيدة واحدة.
============================
عن جريدة الرياض – 01 ربيع الآخر 1438 هـ -اعداد منصورالعساف