قرية :تونا الجبل.تقع جنوب محافظة المنيا.وهي أرض البركة التي تحولت لعاصمة البعث الأبدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قرية :تونا الجبل.تقع جنوب محافظة المنيا.وهي أرض البركة التي تحولت لعاصمة البعث الأبدي


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٤٠٩١٠-٠٨٣٧٣٨_Chrome.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	109.2 كيلوبايت 
الهوية:	234967
    تونا الجبل أرض البركة التي تحولت لعاصمة البعث الأبدي وقصص الحب الحزينة
    7 - سبتمبر - 2024
    حسام عبد البصير
    القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما اختارها المصريون القدماء لتكون أرضاً للبعث وموعداً للحياة الآخرة، ظلت تمثل عبر القرون الغابرة محطة أخيرة للمتوفين، إذ يحتفظ الكثيرون بـ«جبانات» لدفن موتاهم، ويتدفق أفراد العائلات للقرية لزيارة أحبابهم الذين سبقوهم استعداداً ليوم يقوم فيه الناس لرب العالمين.

    نحن إذن في حضرة تونا الجبل، القرية ذات الشهرة الواسعة بين عشاق الآثار المصرية القديمة والتي تقع جنوب محافظة المنيا حيث مدينة ملوي، التي تتبعها القرية إدارياً وتضم تحفاً أثرية تشمل مقابر قردة البابون وطيور الإيبس وبيضها، وهي الحيوانات المقدسة للإله تحوت، إضافة إلى جبانة مدينة هيرموبوليس، ومقبرة بيتوزيرس الكاهن الأكبر للإله تحوت، والتي ترجع إلى عصر البطالمة. وتزخر منطقة آثار الأشمونين التي تتبع تونا الجبل على بمقاصد وبتاريخ أثري زاخر بالعديد من الأسرار التي تفك لغز مراحل عديدة من حياة مصر القديمة بملوكها الذين ملأوا الدنيا صخباً بما تركوا خلفهم من آثار خالدة تشهد بتفرد حضارتهم على الكثير من حضارات العالم القديم. واكتسبت تلك القرية التي تجمع بين دفتيها الكثير من الكنوز الأثرية بكون اسمها تونا الجبل له علاقة كذلك جنباً إلى جنب مع فكرة البعث والنماء والماء، وتضمن بقاء الإنسان القديم حتى يعود من رقاده الأبدي من جديد. وحسب شهادات المؤرخين فإن تونا الجبل انطلقت منها كلمة التوحيد وعبادة الإله الواحد، حيث ضمها اخناتون لعاصمة البلاد اخت آتون، واختارها ليضع على جبالها وصخورها إحدى لوحاته التاريخية لوحة الحدود. اسم تلك القرية الصغيرة يشكل مساحة عظيمة وأثراً من كلمة تا-ونت او تا-حنت، وتعني أرض البركة أو البحيرة المقدسة، وتا-ونس اشتق منها تونا وكلمة الجبل لوقوعها في أحضان الجبل.

    آدمي وحيد

    تقع تونا الجبل غرب مدينة ملوي التابعة لمحافظة المنيا بحوالي 18كم، وقد تم اختيارها في العصر المتأخر لتكون مقابر الإقليم الـ15 بدلا من الشرق هربا من فيضان النيل ونباشي القبور، اللصوص الذين تخصصوا في نهب الكنوز الأثرية. وتتفرد تونا الجبل بالكثير من الخصائص التي أهلتها لتكون هي الأرض التي تلازمها صفة الخلود والأبدية حسب الأساطير التي خطتها الحضارة الفرعونية. وحسب الأثريين، فإن منطقة تونا الجبل تضم سراديب الغموض والإثارة، والتي اكتشفها العالم الأثري سامي جبرة سنة 1937 وهي أحد المزارات الفاتنة شديدة الإلهام بالمنطقة الأثرية، وتعود لعهد البطالمة ومن بينها مقابر للطيور والحيوانات المقدسة، كما يوجد قسم في السراديب للتاريخ اليوناني الروماني وفيه حجرة تسمى حجرة الإله نوت ربة السماء. كما توجد مقبرة كبير الكهنة عنخ حور وهو الكاهن المشرف على السراديب وكانت تسند له مهمة تطهير وتحنيط وتكفين ودفن الطيور والقيام بطقوس معقدة كان يقوم بها الكهنة خلال مراحل الدفن، ويعد كبير الكهنة هو الآدمي الوحيد المدفون في السراديب بناء على طلبه.
    تشتهر تونا الجبل بالسراديب التي ما زالت مصدر اهتمام الباحثين في علم المصريات وكذلك الجماهير الغفيرة من السياح التي تزور مصر. وتعتبر منطقة آثار تونا الجبل، من أهم المناطق الأثرية، حيث تشتهر بأنها جبانة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا، وعاصمتها الأشمونين، وتحوي الكثير من آثار العصر اليوناني، الروماني، مثل مقبرة الكاهن بيتوزيرس وسراديب دفن الطيور والحيوانات المقدسة وكذلك الجبانة الرومانية المعروفة بالبيوت الجنائزية والساقية الرومانية ومقبرة إيزادورا.

    نهاية مأساوية

    تعد مقابر جبانة الإقليم الخامس عشر ذات طبيعة صخرية منقوشة تخص حكام الإقليم وكبار الموظفين، وخلال الدولة القديمة وعصر الانتقال الأول والدولة الوسطى كانت تقع شرق النيل في منطقة الشيخ سعيد ودير البرشا، التي تبعد عن مدينة ملوي بأقل من عشرة كيلو مترات، أما خلال عصر الدولة الحديثة فلم يكن معروفا موقعها حتى عهد قريب. من أهم المقابر بتونة الجبل مقبرة إيزادورا، وهي فتاة مصرية عمرها 18 سنة، فاتنة الجمال عاشت في مصر في القرن الثاني قبل الميلاد في عصر الإمبراطور هادريان، وتشغل المقبرة رقم1 بين مقابر منطقة تونا الجبل. وإيزادورا ابنة لعائلة إغريقية كانت تعيش في مصر في مدينة أنتنيوبولس التي تعرف بالشيخ عبادة، وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف حالياً بمحافظة المنيا، وكان قصره الضخم في مدينة أنتنيوبولس حيث يطل على النيل. وتشير النقوش على المقبرة لسيرة العاشقة التي دفعت حياتها لقاء النزوح لحبيبها ووقعت الفتاة الجميلة في حب الضابط المصري حابي الذي كان يعيش على الجانب الغربي من النيل في مدينة خمنو، الأشمونين حالياً، وكان من أفراد الحراسة الموجودة في المدينة، ولكونه من عامة الناس ولم يكن من علية القوم، فلا يوجد أي وجه للمقارنة بينهما من حيث المستوى، رغم ذلك قال الحب كلمته وساقها القدر لتقع أسيرة في هوى الضابط. لأجل ذلك تسللت إيزادورا من مدينتها عبر النهر لتحضر أحد الاحتفالات الخاصة بتحوتي رمز الحكمة والقلم في مصر القديمة، وهناك قابلت الضابط حابي فتعلقت به وهام بها وجداً وغراما وحرصا على أن يتقابلا كل ليلة، فكانت تذهب إليه عند البحيرة، وكان يأتى إليها بجوار قصر أبيها. بعد ثلاث سنوات من الحب الصادق علم أبوها بسر ابنته الدفين وغرامها، وقرر أن يمنع العاشق من لقاء ابنته مجدداً بسبب تقاليد العائلة، إذ لا يجب أن ترتبط ابنته ذات الأصول الإغريقية بشاب مصري، وأبلغ الحراس بمراقبتها، وأن يمنعوا ذلك الشاب من التسلل لها، حتى انتابها شعور مفاده استحالة الحياة من دون حبيبها فقررت الانتحار، لكن كان يجب أن تراه للمرة الأخيرة، وبالفعل تمكنت من مغافلة حراسها وذهبت إلى ذات المكان عند البحيرة ولم تخبره بما همت أن تفعله وهو الانتحار. ودعته وذهبت، حتى إذا بلغت منتصف النهر ألقت بنفسها في أحضان النيل. وندم أبوها على ما فعله بابنته، فشيد لها مقبرة جميلة وكتب بها مرثيتين، أما حبيبها فكان مخلصا ووفيا يذهب كل ليلة ليوقد شمعة بداخل مقبرتها حتى لا تبقى روحها سجينة الوحدة.

    أسرارها لا تنتهي

    تبلغ مساحة سراديب تونا الجبل المخفية تحت الأرض نحو حوالي 50 فدانًا، وتضم 4 شوارع رئيسية ينبثق منها مئات الشوارع الجانبية بأطوال تصل إلى 3 كيلو مترات تقريبًا، وتضم 4 سراديب الأول أعمقها ولم يتم العثور فيه على مومياوات، والثاني وله باب منفصل، وتتميز أرضيته بأنها مليئة بالمنحنيات وتشبه بيت الرعب، ويزدحم السرداب بالعديد من مومياوات لطيور الأيبس المقدس. أما السرداب الثالث فهو الوحيد المسموح فيه بالزيارات، وبه قاعة للإله جحوتي وتمثال لقرد البابون من الحجر الجيري ومومياء القرد المحنطة، ويتميز بالعديد من الأرفف التي تضم توابيت من الفخار والحجر الجيري والخشب، وتضم مومياوات لطيور الأيبس، ومكانا مخصصا لمومياء القرد البابون، في نهايته قبر لكبير الكهنة عنخ حور وتعني حورس الحي وكان المشرف على أعمال السراديب ويديرها قديمًا برفقة كهنة آخرين. أما السرداب الخامس والذي قام الدكتور سامي جبرة بفصله عن باقي السراديب، وسُمي بالمتحف السفلي، وكانت تعرض فيه آثار تونا الجبل المختلفة ومنها التماثيل والتمائم قبيل ثورة يوليو خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وتم نقلها لاحقاً إلى متحف ملوي بعد مغادرة البعثة، فقد تم تخصيص منطقة السراديب لدفن الحيوانات المقدسة خاصة القرد المقدس البابون وكذلك طائر الأيبس شديد الشبه بطائر أبو قردان. وحسب التعليمات التي كشفت عنها البرديات والنقوش كان يتم تحنيط أي طائر عقب موته ويجري وضعه في السراديب بشكل دقيق، سواء في توابيت مصنوعة من الفخار أو الحجر والخشب، فيما كان يتم إعدام أي شخص يقتل ذلك الطائر نظرًا لقدسيته، وكان معتقد القدماء قائما على تخصيص حدائق وآبار للطيور لتعيش حياة جيدة تعظيما لفكرة تقديسها.

    مطربات جحوتي

    سبق ان شكل المجلس الأعلى للآثار بعثة برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، للبحث عن موقع الجبانة خلال هذه الفترة الهامة من تاريخ مصر. وبدأت البعثة أعمالها قبل سبعة أعوام في المكان الذي ترشح الأبحاث وجود الجبانة به بمنطقة آثار الغريفة إلى الشمال من منطقة آثار تونا الجبل، وقد تمكنت البعثة من العثور على جبانة العصر المتأخر في أقصى شمال المنطقة وهي عبارة عن آبار دفن محفورة في الصخر تؤدي إلى حجرات دفن تحوي توابيت حجرية أو خشبية. وتمكنت البعثة المصرية من الكشف عن جبانة الإقليم خلال عصر الدولة الحديثة، حيث تم العثور على عدد من المقابر المنحوتة في الصخر تحت الجبل، وهذه المقابر تخص كبار الموظفين والكهنة والكاهنات ومغنيات المعبود جحوتي، كما تمكنت البعثة من العثور على مجموعة توابيت تخص إحدى مغنيات المعبود جحوتي، ومجموعة من اللقى والتمائم والحلي ومجموعة من تماثيل الأوشابتي التي ترجع إلى عصر الدولة الحديثة. بالنسبة لجبانة الدولة الحديثة، فقد تم العثور على تابوت من الغرانيت للمدعو جحوتي مس، المشرف على ماشية المعبود آمون، والذي عُثر عليه في مقبرة بمنطقة تونا الجبل سنة 1915 ونُقل هذا التابوت إلى المتحف المصري، ولكن الموقع لم يكن محددا لاتساع الجبانة، فلم يكن من السهل تحديد موقع العثور على المقبرة السابقة. وقد تم الكشف عن أكثر من مئة مقبرة ونتج عن ذلك الكثير من اللقى الأثرية، كما تم العثور على أكثر من 25 ألف تمثال أوشابتي مختلفة الأحجام ومن مواد متنوعة وكذلك العثور على الكثير من الأواني الكانوبية من الألبستر والحجر الجيري والفيانس، وآلاف التمائم والكثير من التوابيت الحجرية بأشكال آدمية البعض منها منقوش وملون، كما تم العثور على عدد من التوابيت الخشبية الملونة ومن المومياوات في حالة جيدة وبعض التماثيل الحجرية والخشبية، كما تم العثور على إحدى البرديات. وبتلك الاكتشافات تكون البعثة قد تمكنت من استكمال السرد وتجسيد الصورة التاريخية لهذه المنطقة خلال تلك الحقبة الهامة من تاريخ الإقليم وحققت هدفها من هذه الحفائر التي استمرت منذ 2017 حتى الآن من دون توقف.

    منطقة الأشمونين الأثرية تعتبر مكملة لمنطقة تونا الجبل لأجل ذلك ينصح خبراء الآثار بزيارتها قبل تونا الجبل، لأن المنطقتين مكملتين لحقبة زمنية محددة. ومدينة خيمنو أو شيمنو مدينة الثامون المقدس مذهب الثامون، والمركز الرئيسي لعبادة جحوتي هيرموبوليس الكبرى. وأكد أنها منطقة لا تقل أهمية عن أي موقع أثري آخر، وكانت المنطقتان تعرفان باسم هيرموبوليس الشرقية والغربية، ومن المقاصد الأثرية شديدة الأهمية على بعد كيلومترات لا تتجاوز أربعة كيلو مترات من تونا الجبل. ويوجد بالأشمونين معابد امنحوتب الثالث ورمسيس 2 وسيتي الأول والكثير من المواقع الأثرية الهامة مثل البازيلكا. وهي أرض معابد جحوتي التي كان مشرفا عليها الحكيم بيتوزيرس والسلطان وكبير الكهنة وعائلته والمدفون في معبده ومقبرته في تونا الجبل.
    المشكلة الأهم التي تؤرق بال المعنيين بالآثار تتمثل في تردي حالة بعض المتاحف والمقاصد، حيث يطالبون بضرورة بذل مزيد من الجهود للحفاظ عليها ويتم إجراء الترميمات بشكل دوري عند ظهور أي مشكلة في أي منطقه أثرية، إذ أن هناك فريقا متخصصا في ترميم القطع الأثرية، كما توجد بعثة ألمانية مختصة بترميم آثار منطقة تونة الجبل، وبعثة انكليزية مختصة بترميم المقابر وهذه تعمل منذ عشر سنوات بشكل دوري، حيث تتعامل مع مختلف التلفيات التي تتعرض لها القطع الأثرية، كما تولي وزارة السياحة والجهات المعنية اهتماما واسعاً بالآثار سواء القديمة أو المكتشفة حديثاً، بهدف زيادة عائدات البلاد من الدخل الأجنبي الذي تعاني خزانة الحكومة من ندرته ما يؤثر على الخطط المختلفة.
يعمل...
X