عبد اللطيف الملوحي سليل أسرة أدبية عريقة
الخميس, 05-09-2024
| أنس تللو
كثيرةٌ هي المواهبُ التي يتوارثها بعضُ أفراد العائلةِ الواحدة عبر الأجيال، فنجدُ عائلةً ملأى بالأطباء والطبيبات وعائلة أخرى تعجُّ بالفنانين والفنانات ؛ لكن يندر أن نرى موهبةَ الأدبِ والشعرِ يتوارثُها عن الآباءِ الأبناءُ والأحفاد.
من هذه العائلاتِ النادرةِ عائلةُ (الملوحي)، تلك العائلةُ الموهوبةُ التي ضمت العديد من الأدباء والشخصيات الهامة، ومنها الأستاذ سعيد الملوحي وهو عالِمٌ كبير وخطيب بليغ، والشاعران عبد المعين وعبد اللطيف الملوحي، وهما ابنا سعيد، وأنس الملوحي الشقيق الثالث، وهو قاض متميز ضليع في اللغة العربية وموهوب بالخطابة البلاغة، والشقيق الرابع هو الأستاذ عدنان الملوحي الكاتب القدير وصاحب جريدة الطليعة، وابن عمهم الأستاذ رشيد الملوحي الذي كان خطيباً بليغا ومحرراً في عدة صحف.
ولد عبد اللطيف الملوحي في مدينة حمص سنة 1920، ودرس في المدرسة الخيرية، ثم التحق بدار العلوم الشرعية.
ويبدو أن تعدد المواهب التي لديه وشغفه بممارستها شغلته عن الدراسة الرسمية فلم يكمل تعليمه، فقد كان يعشق تلاوة القرآن الكريم بصوته الجميل، وكانت نفسه تميل إلى فن التمثيل والغناء، فضلاً عن حبه للشعر والأدب.
كانت موهبته الشعرية موهبة طاغية إلى حد كبير، فقد ورثها عن أجداده، وقد تنوع شعره في عدة موضوعات، فله قصائد في الوصف والغزل والمديح والفخر والرثاء، ولا تمر مناسبة مهما صغرت إلا ويصوغ لها شعراً مناسباً.
عمل الملوحي في مهن حرة عديدة في بداية حياته، ثم توسط له أحد الأشخاص ليعمل موظفاً كاتباً بمكتب تفتيش الدولة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فتم تكليفه بدفاتر الصادر والوارد، ولا يخفى أن العمل مع الأرقام يحمل إرباكاً وإرهاقا، فلمَّا ضجر من هذا العمل تقدم بطلب رسمي إلى رئيسه يشكو أمره، فقال:
مرت بي الأرقام مرعبةً
تزهو بآلافٍ من الحرسِ
ما بين واردةٍ وصادرةٍ
أصبحتُ كالرقاصِ في الجرسِ
وقد عاب بعض النقاد على شعره أن فيه بعض الارتباك في الأوزان، ذلك لأن الملوحي قد نظم القوافي بالسليقة قبل أن يتمكن من دراسة الأدب والعروض.
على أن الجانب الأثرى من شعره هو ذاك الذي كان نتيجة المعاناة، فقد تأثر جداً بمصائبَ عائليةٍ مرت في حياته، ففاضت قريحتُهُ إزاء ذلكَ بقصائدَ وجدانيّةٍ مؤثّرة.
تزوج عام 1948، فأنجب ولده الأول محمد مازن، فماتت زوجته في أثناء ولادتها في دار التوليد بدمشق ؛ فرثاها بقطعة شعرية اسمها لوحة قبر، ومنها يقول:
ولدتِ فكنتِ في دنياكِ عيدا
ومتِّ وفي جنانِ الخلدِ عيدُ
بكيتُ عليكِ حتى جفَّ دمعي
ومزّق خافقي الألمُ الشديدُ
وطفلُكِ (مازنٌ) في كلِّ يوم
يسائلني متى أمي تعودُ
سؤالٌ ماله عندي جوابٌ
وطفلٌ كاد تقتلُهُ الوعودُ
ثم تزوج للمرة الثانية، وشاء له القدر أن يبقى عشر سنوات دون عمل، فأخذ يسير يومياً في شوارع حمص جيئة وذهاباً، ويتأمل الحجارة السوداء التي تذكِّره بحظه السيئ في الحياة.
وقد كان للغزل نصيبٌ كبيرٌ من شعر الملوحي، ومن ذلك قولُهُ البديع:
نظري طافَ واستقرَّ عليها
فرأيتُ الربيع في عينيها
تأملتها طويلاً فخافت
نظراتي وقطبت حاجبيها
لا تخافي فإن نفسي لا تحـ
ـمل إلا الإباءَ في جنبيها
توفي عبد اللطيف الملوحي في دمشق عام /1984/.
الخميس, 05-09-2024
| أنس تللو
كثيرةٌ هي المواهبُ التي يتوارثها بعضُ أفراد العائلةِ الواحدة عبر الأجيال، فنجدُ عائلةً ملأى بالأطباء والطبيبات وعائلة أخرى تعجُّ بالفنانين والفنانات ؛ لكن يندر أن نرى موهبةَ الأدبِ والشعرِ يتوارثُها عن الآباءِ الأبناءُ والأحفاد.
من هذه العائلاتِ النادرةِ عائلةُ (الملوحي)، تلك العائلةُ الموهوبةُ التي ضمت العديد من الأدباء والشخصيات الهامة، ومنها الأستاذ سعيد الملوحي وهو عالِمٌ كبير وخطيب بليغ، والشاعران عبد المعين وعبد اللطيف الملوحي، وهما ابنا سعيد، وأنس الملوحي الشقيق الثالث، وهو قاض متميز ضليع في اللغة العربية وموهوب بالخطابة البلاغة، والشقيق الرابع هو الأستاذ عدنان الملوحي الكاتب القدير وصاحب جريدة الطليعة، وابن عمهم الأستاذ رشيد الملوحي الذي كان خطيباً بليغا ومحرراً في عدة صحف.
ولد عبد اللطيف الملوحي في مدينة حمص سنة 1920، ودرس في المدرسة الخيرية، ثم التحق بدار العلوم الشرعية.
ويبدو أن تعدد المواهب التي لديه وشغفه بممارستها شغلته عن الدراسة الرسمية فلم يكمل تعليمه، فقد كان يعشق تلاوة القرآن الكريم بصوته الجميل، وكانت نفسه تميل إلى فن التمثيل والغناء، فضلاً عن حبه للشعر والأدب.
كانت موهبته الشعرية موهبة طاغية إلى حد كبير، فقد ورثها عن أجداده، وقد تنوع شعره في عدة موضوعات، فله قصائد في الوصف والغزل والمديح والفخر والرثاء، ولا تمر مناسبة مهما صغرت إلا ويصوغ لها شعراً مناسباً.
عمل الملوحي في مهن حرة عديدة في بداية حياته، ثم توسط له أحد الأشخاص ليعمل موظفاً كاتباً بمكتب تفتيش الدولة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فتم تكليفه بدفاتر الصادر والوارد، ولا يخفى أن العمل مع الأرقام يحمل إرباكاً وإرهاقا، فلمَّا ضجر من هذا العمل تقدم بطلب رسمي إلى رئيسه يشكو أمره، فقال:
مرت بي الأرقام مرعبةً
تزهو بآلافٍ من الحرسِ
ما بين واردةٍ وصادرةٍ
أصبحتُ كالرقاصِ في الجرسِ
وقد عاب بعض النقاد على شعره أن فيه بعض الارتباك في الأوزان، ذلك لأن الملوحي قد نظم القوافي بالسليقة قبل أن يتمكن من دراسة الأدب والعروض.
على أن الجانب الأثرى من شعره هو ذاك الذي كان نتيجة المعاناة، فقد تأثر جداً بمصائبَ عائليةٍ مرت في حياته، ففاضت قريحتُهُ إزاء ذلكَ بقصائدَ وجدانيّةٍ مؤثّرة.
تزوج عام 1948، فأنجب ولده الأول محمد مازن، فماتت زوجته في أثناء ولادتها في دار التوليد بدمشق ؛ فرثاها بقطعة شعرية اسمها لوحة قبر، ومنها يقول:
ولدتِ فكنتِ في دنياكِ عيدا
ومتِّ وفي جنانِ الخلدِ عيدُ
بكيتُ عليكِ حتى جفَّ دمعي
ومزّق خافقي الألمُ الشديدُ
وطفلُكِ (مازنٌ) في كلِّ يوم
يسائلني متى أمي تعودُ
سؤالٌ ماله عندي جوابٌ
وطفلٌ كاد تقتلُهُ الوعودُ
ثم تزوج للمرة الثانية، وشاء له القدر أن يبقى عشر سنوات دون عمل، فأخذ يسير يومياً في شوارع حمص جيئة وذهاباً، ويتأمل الحجارة السوداء التي تذكِّره بحظه السيئ في الحياة.
وقد كان للغزل نصيبٌ كبيرٌ من شعر الملوحي، ومن ذلك قولُهُ البديع:
نظري طافَ واستقرَّ عليها
فرأيتُ الربيع في عينيها
تأملتها طويلاً فخافت
نظراتي وقطبت حاجبيها
لا تخافي فإن نفسي لا تحـ
ـمل إلا الإباءَ في جنبيها
توفي عبد اللطيف الملوحي في دمشق عام /1984/.