نباته (عبد رحيم محمد)
Ibn Nubata (Abdul Rahim ibn Mohammad-) - Ibn Nubata (Abdul Rahim ibn Mohammad-)
ابن نُباتة (عبد الرحيم بن محمد ـ)
(335 ـ 374 هـ/946 ـ 984م)
في كتب الأدب ثلاثة أدباء يحملون اسم (ابن نُباتة): المصري، والفارقي، والسعدي، وأولهم الفارقي عبد الرحيم المشهور بالخطيب، وثانيهم محمد بن محمد بن محمد المصري صاحب «سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون» وهو من ذرية ابن نباتة الخطيب السابق، وثالثهم عبد العزيز بن نباتة السعدي، وهو شاعر مجيد معاصر لابن نباتة الخطيب، جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، التقى الخطيب في بلاط سيف الدولة في حلب، وله في سيف الدولة غرر القصائد ونخب المدائح.
أما ابن نباتة الخطيب فكُنيته أبو يحيى، وشهرته ابن نباتة الفارقي، واسمه عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الحُذاقي، نسبةً إلى حُذاق فرع من قضاعة، وشهرته المميزة الفارقي نسبة إلى ميّافارقين بديار بكر التي ولد فيها، وانتقل بعدها إلى حلب عاصمة الحمدانيين، فأقام فيها وهو في إبّان شبابه وذروة حماسته الخطابية، فأصبح خطيب حلب، فوجد سيف الدولة يواصل حربه مع الروم، فشرع ابن نباتة في كتابة خُطب الجهاد وإلقائها، والحث على غزو العدو. قال ابن خلكان: «ورُزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عُمل مثلها، وفيها دلالة على غزارة علمه» وجودة قريحته».
وفي بلاط سيف الدولة، اجتمع بالمتنبي في خدمة سيف الدولة، وقالوا: إنه سمع عليه بعض ديوانه، وكان رجلاً صالحاً. والذي أشهره الخطبة المسماة (الخطبة المنامية) التي يزعم أنه رأى الرسولr في الرؤيا (المنام)، فلما دنا منه قال له: مرحباً يا خطيب الخطباء، كيف تقول؟ وأومأ إلى القبور، فقلتُ: «لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا، فقد شربوا من الموت كأساً مرّة، ولم يفقدوا من أعمالهم ذرّة، وآلى عليهم الدهر أليّة برّة، ألاّ يجعل لهم إلى دار الدنيا كرّة، كأنهم لم يكونوا للعيون قرّة، ولم يُعَدّوا في الأحياء مَرّة، أسكتهم - والله - الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجدهم الذي أخلقهم، ويجمعهم الذي فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقاً جديداً، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوداً، يوم تكونون ]… شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…[ (البقرة 143)، وأومأت عند قولي (شهداء على الناس) إلى الصحابة وبقولي: (شهيداً) إلى الرسولr؛ ]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا…[ (آل عمران 30). فقال لي «أحسنتَ، ادنُ، فدنوتُ منه، فأخذ وجهي فقبله وسماني خطيب الخطباء». ولم يعش بعد ذلك إلا مدة يسيرة، فطول عمره لم يتعدّ تسعاً وثلاثين سنة، وقد أنشأ بعض الخطب ـ مبكرا ًـ وهو ابن ست عشرة سنة، وكلامه في خطبه رائق جزل، وذكر البهاء العاملي أن الشريف الرضي وأخاه المرتضى أخذا عنه في الصبا. وقد أقبل على شرح ديوان خطبه كثيرون، منهم أبو البقاء العكبري، وتاج الدين الكندي، وعبد اللطيف البغدادي صاحب المؤلفات المشهورة، وأجاب في شرحه الإشكالات التي أوردها الكندي، وكان بينهما تنافر. وشرحه عثمان القليوبي، وغيرهم، وقد أكثر أهل الأدب من ذكر هذه الخطب وشروحها في كتبهم للاستشهاد بها أو للانتقاد عليها، ومنهم ابن الأثير صاحب «المثل السائر»، ذكره في باب (ما يسوغ من الألفاظ استعماله للشاعر ولا يسوغ للناثر)، وفي باب (السجع) وفي باب (الترصيع) وفي باب (التضمين) وأراد به ما يشتمل على الاقتباس، وكان كثيراً ما يستعمله، وهو من محاسن ما يجيء في هذا النوع، وذكر خطبه ابن أبي الحديد في معرض شرح «نهج البلاغة»، ليوازن بين خطبه وخطب علي بن أبي طالبt.
وقد جمع خطبه وخُطب ابن أبي طاهر محمد المتوفى نحو سنة 390 الشيخ طاهر الجزائري، وشرحها شرحاً مفيداً، وبعض الأدباء أضاف إلى خطبهما خطب حفيده أبي الفرج طاهر المتوفى نحو سنة 420 هـ، وطبعت غير مرة، وما زالت هذه الخطب ينهل منها الخطباء حتى اليوم.
محمود الربداوي
Ibn Nubata (Abdul Rahim ibn Mohammad-) - Ibn Nubata (Abdul Rahim ibn Mohammad-)
ابن نُباتة (عبد الرحيم بن محمد ـ)
(335 ـ 374 هـ/946 ـ 984م)
في كتب الأدب ثلاثة أدباء يحملون اسم (ابن نُباتة): المصري، والفارقي، والسعدي، وأولهم الفارقي عبد الرحيم المشهور بالخطيب، وثانيهم محمد بن محمد بن محمد المصري صاحب «سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون» وهو من ذرية ابن نباتة الخطيب السابق، وثالثهم عبد العزيز بن نباتة السعدي، وهو شاعر مجيد معاصر لابن نباتة الخطيب، جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، التقى الخطيب في بلاط سيف الدولة في حلب، وله في سيف الدولة غرر القصائد ونخب المدائح.
أما ابن نباتة الخطيب فكُنيته أبو يحيى، وشهرته ابن نباتة الفارقي، واسمه عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الحُذاقي، نسبةً إلى حُذاق فرع من قضاعة، وشهرته المميزة الفارقي نسبة إلى ميّافارقين بديار بكر التي ولد فيها، وانتقل بعدها إلى حلب عاصمة الحمدانيين، فأقام فيها وهو في إبّان شبابه وذروة حماسته الخطابية، فأصبح خطيب حلب، فوجد سيف الدولة يواصل حربه مع الروم، فشرع ابن نباتة في كتابة خُطب الجهاد وإلقائها، والحث على غزو العدو. قال ابن خلكان: «ورُزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عُمل مثلها، وفيها دلالة على غزارة علمه» وجودة قريحته».
وفي بلاط سيف الدولة، اجتمع بالمتنبي في خدمة سيف الدولة، وقالوا: إنه سمع عليه بعض ديوانه، وكان رجلاً صالحاً. والذي أشهره الخطبة المسماة (الخطبة المنامية) التي يزعم أنه رأى الرسولr في الرؤيا (المنام)، فلما دنا منه قال له: مرحباً يا خطيب الخطباء، كيف تقول؟ وأومأ إلى القبور، فقلتُ: «لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا، فقد شربوا من الموت كأساً مرّة، ولم يفقدوا من أعمالهم ذرّة، وآلى عليهم الدهر أليّة برّة، ألاّ يجعل لهم إلى دار الدنيا كرّة، كأنهم لم يكونوا للعيون قرّة، ولم يُعَدّوا في الأحياء مَرّة، أسكتهم - والله - الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجدهم الذي أخلقهم، ويجمعهم الذي فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقاً جديداً، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوداً، يوم تكونون ]… شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…[ (البقرة 143)، وأومأت عند قولي (شهداء على الناس) إلى الصحابة وبقولي: (شهيداً) إلى الرسولr؛ ]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا…[ (آل عمران 30). فقال لي «أحسنتَ، ادنُ، فدنوتُ منه، فأخذ وجهي فقبله وسماني خطيب الخطباء». ولم يعش بعد ذلك إلا مدة يسيرة، فطول عمره لم يتعدّ تسعاً وثلاثين سنة، وقد أنشأ بعض الخطب ـ مبكرا ًـ وهو ابن ست عشرة سنة، وكلامه في خطبه رائق جزل، وذكر البهاء العاملي أن الشريف الرضي وأخاه المرتضى أخذا عنه في الصبا. وقد أقبل على شرح ديوان خطبه كثيرون، منهم أبو البقاء العكبري، وتاج الدين الكندي، وعبد اللطيف البغدادي صاحب المؤلفات المشهورة، وأجاب في شرحه الإشكالات التي أوردها الكندي، وكان بينهما تنافر. وشرحه عثمان القليوبي، وغيرهم، وقد أكثر أهل الأدب من ذكر هذه الخطب وشروحها في كتبهم للاستشهاد بها أو للانتقاد عليها، ومنهم ابن الأثير صاحب «المثل السائر»، ذكره في باب (ما يسوغ من الألفاظ استعماله للشاعر ولا يسوغ للناثر)، وفي باب (السجع) وفي باب (الترصيع) وفي باب (التضمين) وأراد به ما يشتمل على الاقتباس، وكان كثيراً ما يستعمله، وهو من محاسن ما يجيء في هذا النوع، وذكر خطبه ابن أبي الحديد في معرض شرح «نهج البلاغة»، ليوازن بين خطبه وخطب علي بن أبي طالبt.
وقد جمع خطبه وخُطب ابن أبي طاهر محمد المتوفى نحو سنة 390 الشيخ طاهر الجزائري، وشرحها شرحاً مفيداً، وبعض الأدباء أضاف إلى خطبهما خطب حفيده أبي الفرج طاهر المتوفى نحو سنة 420 هـ، وطبعت غير مرة، وما زالت هذه الخطب ينهل منها الخطباء حتى اليوم.
محمود الربداوي