المكوكات الفضائية
بداية عصر المكوك
أنواع البعثات المكوكية
كارثة تشالنجر
إلى الفضاء مرة أخرى
المكوك الفضائي السوفييتي
المكوكات الفضائية
عمل الباحثون في مجال الطيران، خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، على إنشاء طائرات صاروخية مجنحة. وكان المؤيدون لبناء الطائرات الفضائية المجنحة يرون أن مثل هذه المركبات يمكنها الهبوط على المهابط الجوية العادية. فإضافة الأجنحة إلى المركبة الفضائية يزيد وزنها، ولكن الأجنحة تجعل عملية الهبوط أسهل بكثير، وأقل تكلفة، من الهبوط على الماء، وذلك لأن الأخير يتطلب عددًا كبيرًا من السفن والطائرات، بالإضافة إلى أن الماء المالح يحطم المركبة الفضائية بدرجة تجعلها غير قابلة للإصلاح.
بدأت ناسا تصميم مكوك فضائي قابل لإعادة الاستخدام أثناء العمل على برنامج أبولو. وفي عام 1972م، وقع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون على أمر تنفيذي قضى بالبدء رسميًا في برنامج المكوك الفضائي. وقد صممت المكوكات الفضائية بحيث تقلع منفجرة مثل الصواريخ وتهبط مثل الطائرات، وبحيث يمكنها نقل ما لايقل عن 100 بعثة.
يتكون نظام المكوك الفضائي من ثلاثة أجزاء: 1- المدوِّر 2- خزان خارجي 3- معززان صاروخيان صلبان. وتضم مقدمة المدور المجنح كابينة الطاقم المضغوطة. ويحتوي ظهر المكوك الأوسط، الذي يقع تحت ظهر الإقلاع، على مقاعد إضافية وغوالق معدات ونظم الغذاء وتسهيلات النوم وحمام صغير. ويربط غالق هوائي الظهر الأوسط بحجيرة الحمل الصافي، وهي المنطقة التي توضع فيها الشحنة. ويضم ذيل المدور المحركات الرئيسية ومجموعة أصغر من المحركات تستخدم في عمليات المناورة في الفضاء.
ويتصل الخزان الخارجي بجوف المدوِّر، ويحتوي على الدواسر السائلة المستخدمة في المحركات الرئيسية. ويرتبط بجانبي الخزان معززان صاروخيان، يحتويان على الدواسر الصلبة.
وكان على مصممي المكوك الفضائي التغلب على عدد من التحديات التقنية. فقد كان مطلوبًا أن تكون المحركات الرئيسية للمكوك قابلة لإعادة الاستخدام مرات عديدة، كما احتاج المكوك نظام تحكم حاسوبي مرن ودقيق، بالإضافة إلى درع حراري من نوع جديد يمكنه مقاومة الدخول عدة مرات في الغلاف الجوي الأرضي.
بداية عصر المكوك:
في عام 1977م أجرت ناسا عددًا من الطلعات الاختبارية لأول مكوك فضائي. وقد زود المكوك، الذي أطلق عليه اسم انتربرايز، بنفاث جامبو 747، معدّل، وقد حمل المدور إلى الجو وعاد به عدة مرات، وأطلقه في الجو عدة مرات. وفي الطلعات الاختبارية الحرة الأولى اختبر الرائدان فريد هايز الأصغر وجوردون فوليرتون إمكانيات هبوط المركبة، وتلت ذلك عدة طلعات اختبارية أخرى.
بدأت أول بعثة لمكوك فضائي في 12 أبريل 1981م. ففي ذلك اليوم أطلق المكوك كولومبيا، وعلى متنه الرائدان جون يونج وروبرت كريبن. ومضت الرحلة، التي استغرقت 54 يومًا، دون أي صعوبات. وبعد ذلك بسبعة أشهر قامت المركبة برحلة مدارية أخرى، مؤكدة أن المركبات الفضائية يمكن أن تستخدم مرات عديدة.
وقد حملت كل رحلة من الرحلات المكوكية الأربعة الأولى ملاحيْن فقط، ولكن عدد الطاقم ازداد بسرعة إلى أربعة، وفيما بعد إلى سبعة وثمانية، حيث اشتمل طاقم المكوك، بجانب الملاحين على اختصاصيي البعثة (خبراء تشغيل المكوك)، واختصاصيي الحمل الصافي (خبراء البحث العلمي).
وفي عام 1978م، اختارت ناسا عددًا من المهندسات والعالمات ليعملن اختصاصيات بعثات. وفي 18 يونيو 1983م، أصبحت سالي ريد أول رائدة فضاء أمريكية، عندما اختيرت ضمن طاقم المكوك تشالنجر. وأصبح جويون بلوفورد الأصغر أول أمريكي أسود يرتاد الفضاء في 30 أغسطس 1983م، كما أصبح مارك جارنو أول كندي يرتاد الفضاء في 5 أكتوبر 1984م. وفي 12 سبتمبر 1992م، أصبحت ماي جيميسون أول أمريكية سوداء ترتاد الفضاء.
وقد فتحت السعة الكبيرة لمدور مكوك الفضاء إمكانية إدخال ركاب آخرين إلى جانب الرواد والعلماء، وشمل هؤلاء الركاب ممثلي شركات الحمل الصافي وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
وفي عام 1984م، صممت ناسا برنامج "مشاركة فضائية" خاصة، لفتح مجال ارتياد الفضاء أمام الأمريكيين، وأعلن الرئيس الأمريكي ريجان منح أول فرصة للمدرسين، على أن يتبع ذلك إعطاء الفرصة للصحفيين والفنانين وغيرهم من المهتمين برحلات الفضاء.
أنواع البعثات المكوكية:
تحمل مكوكات الفضاء الأقمار الصناعية والمجسات الفضائية وغير ذلك من الأحمال الثقيلة إلى مدارات حول الأرض. وبالإضافة إلى عمليات الإطلاق، تستطيع المكوكات استعادة الأقمار الصناعية بغرض الإصلاح، حيث يقوم رواد المكوك بإصلاح المكوك الفضائي، وإعادتها مرة أخرى إلى المدار. ويستطيع طاقم المكوك أيضًا إجراء أنواع كثيرة من التجارب والملاحظات العلمية.
الأقمار التجارية. كان أول إطلاق لحمل صاف خاص بعميل، في نوفمبر 1982م، حيث أطلق المكوك كولومبيا قمرين صناعيين، بمساعدة معززات صاروخية صلبة، دفعت القمرين إلى مداريهما المحددين. وتبع ذلك إطلاق عدد من الأقمار، حيث اكتشفت ناسا أن استخدام المكوك الفضائي لإطلاق الأقمار، أكثر مرونة مما كان متوقعًا. ولكنها اكتشفت أيضًا أن الفترة الزمنية المطلوبة لإعداد المكوك الفضائي، لكل عملية إطلاق، أكبر من المتوقع، وأنها تسبب تأخيرات مكلفة أحيانًا.
البعثات العسكرية. خصص حوالي ربع البعثات المكوكية خلال الثمانينيات للأغراض العسكرية. وأرسل رواد هذه البعثات أقمار رصد خاصة إلى المدار، لاختبار الأجهزة العسكرية المتنوعة. وقد أحيطت هذه البعثات بدرجة عالية جدًا من السرية، لمنع اكتشاف قدرات هذه الأقمار، حيث لم تعلن ناسا عن مواعيد إطلاق الأقمار قبل عمليات الإطلاق، ولم تكشف أي معلومات عن الأحاديث بين رواد البعثات وأطقم القيادة الأرضية. وفي أوائل تسعينيات القرن العشرين ألغت الولايات المتحدة استخدام المكوكات في الأغراض العسكرية، واستبدلتها بالصواريخ الرخيصة الأحادية الاستعمال.
بعثات الإصلاح. يمكِّن المكوك الفضائي الرواد من استعادة الأقمار الصناعية المحطمة وإصلاحها وإعادة إطلاقها. وقد اتضحت هذه الإمكانية، لأول مرة، في أبريل 1984م، عندما أصلح رائدان من المكوك الفضائي تشالنجر قمر البعثة الشمسية القصوى، الذي كان أول مرصد شمسي أطلق في المدار. وأثبت هذا النجاح قدرات الإنسان في الفضاء وقابليته للتكيف. ومنذ ذلك التاريخ أصلح رواد الفضاء عددًا من الأقمار في الفضاء، وكانت أهم بعثات الإصلاح البعثة التي أرسلت في ديسمبر 1993م، لإصلاح تلسكوب هبل الفضائي، الذي أطلقه المكوك في المدار قبل ذلك بثلاث سنوات. وقد نجحت عملية الإصلاح التي استهدفت إبطال تأثيرات مرآة صنعت بطريقة غير صحيحة.
بعثات المعمل الفضائي. المعمل الفضائي وحدة تمكن أطقم المكوكات من إجراء مجموعة كبيرة ومتنوعة من التجارب العلمية في الفضاء. ويمثل هذا المعمل جزءًا من برنامج المكوك الفضائي لوكالة الفضاء الأوروبية، ويتكون من معمل فضائي مأهول ومنصات أخرى منفصلة تسمى الطبليات. ويتصل المعمل المضغوط بحجرة الطاقم عبر نفق، وتضم تسهيلات تمكن العلماء من إجراء تجارب في التصنيع والطب وإنتاج المواد البيولوجية وغيرها. وتحمل الطبليات الأجهزة العلمية الضخمة المستخدمة في إجراء التجارب في مجال الفلك وغيره من المجالات. ويشغل العلماء الأجهزة من المعمل أو من مدار المكوك أو من الأرض. وتتقاسم كل من وكالة الفضاء الأوروبية والولايات المتحدة تسهيلات المعمل الفضائي.
أطلقت أول بعثة من بعثات المعمل الفضائي في 28 نوفمبر 1983م، في مكوك الفضاء كولومبيا. ومنذ ذلك التاريخ حمل عدد من المكوكات المعمل الفضائى، حيث ركزت كل بعثة على إجراء البحوث في مجال علمي أو تقني معين، مثل الفلك وعلوم الحياة والجاذبية الصغرية.
كارثة تشالنجر:
كانت الرحلة العاشرة لمكوك الفضاء تشالنجر تمثل البعثة المكوكية الخامسة والعشرين. وقد تكون طاقم الرحلة من فرانسيس سكوبي، قائدًا للبعثة، وكريستا ماكوليفي، وهي معلمة بالمدارس العليا، وخمسة رواد آخرين هم: جريجوري جارفيس ورونالد ماكنير وأليسون أونيزوكا وجوديث ريزنيك ومايكل سميث.
فبعد تأخر توقيت الإقلاع لعدة مرات، استبعد مسؤلو ناسا المخاطر التي أشار إليها المهندسون، وأمروا بإقلاع المكوك في صباح يوم 28 يناير 1986م، رغم برودة الجو. وقد انتهت الرحلة بمأساة عندما تحطم المكوك متحولاً إلى كرة من النار، بعد 73 ثانية فقط من إقلاعه، وهو على ارتفاع 14,020مترًا، بينما كان يسير بسرعة تعادل ضعف سرعة الصوت.
والمكوك بتعبير أدق، لم ينفجر، ولكنه تحطم بسبب عدد من الأعطال التركيبية. ويبدو أن الطاقم كان قد تنبه بسرعة إلى حدوث خطأ ما، بالرغم من أن المكوك قد تحطم دون سابق إنذار تقريبًا. فقد انفصلت كابينة الطاقم عن بقية أجزاء المكوك، واندفعت في الجو، ووقعت بعد حوالي ثلاث دقائق على المحيط الأطلسي، حيث تحطمت بسبب التصادم، مؤدية بذلك إلى مقتل أفراد الطاقم السبعة.
وبسبب هذا الحادث أوقفت كل البعثات المكوكية. وحددت لجنة ـ أمر بتشكيلها الرئيس الأمريكي ريجان ـ الأسباب التي أدت إلى الحادث، والإجراءات التي يمكن أن تتخذ لمنع تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً، حيث أوضح تقرير اللجنة الذي صدر في يونيو 1986م، أن الحادث نتج عن تعطل الحلقات أو(O rings) في معزز المكوك الصاروخي الصلب الأيمن. ووظيفة هذه الحلقات المطاطية هي إحكام غلق المفصل بين القطاعين السفليين للمعزز. وقد أدت أخطاء في تصميم المفصل، وبرودة الطقس الشديدة أثناء الإطلاق، إلى أن تفقد هذه الحلقات خاصية الإحكام، مما أدى بدوره إلى تسرب الغازات الساخنة خارج المعزز، عبر المفصل. ونتج عن هذا اندفاع اللهب من داخل المعزز، عبر الغلق غير المحكم، مؤديًا إلى تمدد الثقب الصغير بسرعة. وبعد ذلك، أحدثت الغازات الملتهبة ثقبًا في خزان الوقود الخارجي للمكوك. وبالإضافة إلى ذلك، بترت الغازات الملتهبة إحدى القطع الداعمة، التي تثبت المعزز بالسطح الجانبي للخزان الخارجي، مما أدى إلى تخلخل المعزز وتفجيره للخزان. وأدى انفجار الخزان إلى اختلاط الدواسر مكونة كرة نارية عملاقة، في الوقت الذي تمزقت فيه المركبة إلى قطع بفعل العطل التركيبي.
وقد خلصت اللجنة إلى أن قرار ناسا بإطلاق المكوك كان خاطئًا، حيث لم ينبه صانعو القرار إلى المشاكل الخاصة بالمفاصل والحلقات أو، ولم يخطروا أيضًا بالتأثيرات المدمرة للطقس البارد.
ولتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً أدخل مصممو المكوك عدة تعديلات تقنية، منها تطوير تصميم الحلقات أو، وإضافة نظام لتحرير الطاقم. وهو نظام لايعمل في كل الحالات، ولكنه مفيد في إنقاذ حياة أفراد الطاقم في بعض الحالات. وشملت التغييرات الإجرائية مواصفات أمان أكثر صرامة، وشروط إطلاق أكثر تقييدًا. ولم تكن كارثة تشالنجر صدمة لناسا وحدها، بل لكل مَنْ وقر في ذهنه أن رحلات الفضاء رحلات عادية. فعلى مدى 15 عامًا من تاريخ الرحلات الفضائية المأهولة، حتى عام 1986م، حملت المركبات الفضائية الأمريكية والسوفييتية أكثر من 100 رائد فضاء وفلكي إلى الفضاء. ولم تحدث قبل هذه الكارثة سوى تسع حالات وفاة، سواء في الفضاء أو أثناء الهبوط أو الاختبارات الأرضية.
إلى الفضاء مرة أخرى:
بدأت رحلات المكوكات الفضائية مرة أخرى في 29 سبتمبر 1988م، عندما أنطلق المكوك الفضائي، المطور التصميم، ديسكفري. وكانت المهمة الأساسية للبعثة، التي تكونت من خمسة أفراد، وضع قمر اتصالات في مداره. وفي السنوات التالية لهذه الرحلة، أرسل عدد من البعثات المكوكية، التي تأخر إطلاق كل منها لفترات طويلة. وأطلق رواد المكوكات عددًا من المجسات الفضائية غير المأهولة مثل جاليليو وماجلان ويوليسيس، ووضعوا عددًا من الأقمار البحثية الضخمة، مثل تلسكوب هبل الفضائي، ومرصد كومبتون لأشعة جاما، وقمر أبحاث الغلاف الجوي العلوي، في المدار، كما أطلقوا أيضًا أقمار اتصالات وأقمارًا عسكرية. وأجرت بعثات المعمل الفضائي البحثية دراسات في الفلك وطب الفضاء. وقد وضع المسؤولون برنامج إطلاق أقل طموحًا، مما أدى إلى تقليل التأخيرات.
طورت ناسا أيضًا أسطول المكوكات، حيث زُودت المكوكات بحواسيب جديدة وأجهزة إعاشة متطورة. وأصبح التحكم في الهبوط أسهل بفضل تزويد المكوكات ببراشوتات سحب وكوابح متطورة، كما طور نظام التوجيه الذاتي المحوسب.
المكوك الفضائي السوفييتي:
بينما كانت ناسا تصارع لاستعادة طلعاتها المكوكية، كان السوفييت يعدون مكوكهم الفضائي بسرية عالية. وكان المكوك السوفييتي بوران (العاصفة الثلجية) شبيهًا بالمكوك الأمريكي. وقد بدأ السوفييت بالنموذج الأمريكي، ولكنهم أضافوا تحويرات عديدة، حيث حركوا ترس الهبوط الأمامي، على سبيل المثال، إلى موقع أكثر أمانًا، وزودوا المكوك ببراشوت كابح. واستخدمت صواريخ المناورة السوفييتية نوعًا مختلفًا من الوقود، كما استخدمت المكوكات السوفييتية معززات قابلة لإعادة الاستخدام، ولم تكن لها محركات رئيسية للتعويض.
صمم السوفييت معززًا ثقيلاً سموه إنرجيا، لحمل المكوك وغيره من المركبات الفضائية إلى المدار، وانطلق المعزز لأول مرة في 15مايو 1987م. وفي 15 نوفمبر 1988م، حمل صاروخ إنرجيا آخر بوران إلى المدار. وقد زودت الرحلتان بنظام توجيه ذاتي. وهبط بوران على مدرج في ساحة بيكونور الكونية (تسمى الآن ساحة تايوراتام الكونية) في كازاخستان، التي كانت آنذاك جزءًا من الاتحاد السوفييتي. ولم يشتمل مكوك بوران الأول على أجهزة إعاشة، ولكن السوفييت شيدوا مكوكًا آخر بعد أن دربوا الرواد السوفييت على الرحلات المأهولة. ولكن نقص الموارد المالية بعد عام 1989م، أدى إلى تأخير كثير في تطوير برنامج بوروان. وفي عام 1993م توقف العمل على البرامج المكوكية.
بداية عصر المكوك
أنواع البعثات المكوكية
كارثة تشالنجر
إلى الفضاء مرة أخرى
المكوك الفضائي السوفييتي
المكوكات الفضائية
مكوك الفضاء. يقلع مستخدمًا الوقود في المعزِّزات الصلبة لصاروخه وخزانه الخارجي. وبعد استخدام الوقود، تعود المعززات إلى الأرض بوساطة مظلة ويُرمى الخزان في المحيط. |
قائد مكوك الفضاء والربان. يطير قائد مكوك الفضاء وربَّان العربة المدارية من القمرة (في الأعلى). كان جون واتز يونج قائد أول رحلة للمكوك (إلى اليمين). وكان الربان روبرت كربن (إلى اليسار). |
مكوك الفضاء أثناء صعوده. |
الزحافة تنقل مكوك الفضاء إلى منصة الإطلاق. |
مكوك الفضاء يقترب من مَدْرَج الهبوط عند العودة. |
بدأت ناسا تصميم مكوك فضائي قابل لإعادة الاستخدام أثناء العمل على برنامج أبولو. وفي عام 1972م، وقع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون على أمر تنفيذي قضى بالبدء رسميًا في برنامج المكوك الفضائي. وقد صممت المكوكات الفضائية بحيث تقلع منفجرة مثل الصواريخ وتهبط مثل الطائرات، وبحيث يمكنها نقل ما لايقل عن 100 بعثة.
يتكون نظام المكوك الفضائي من ثلاثة أجزاء: 1- المدوِّر 2- خزان خارجي 3- معززان صاروخيان صلبان. وتضم مقدمة المدور المجنح كابينة الطاقم المضغوطة. ويحتوي ظهر المكوك الأوسط، الذي يقع تحت ظهر الإقلاع، على مقاعد إضافية وغوالق معدات ونظم الغذاء وتسهيلات النوم وحمام صغير. ويربط غالق هوائي الظهر الأوسط بحجيرة الحمل الصافي، وهي المنطقة التي توضع فيها الشحنة. ويضم ذيل المدور المحركات الرئيسية ومجموعة أصغر من المحركات تستخدم في عمليات المناورة في الفضاء.
ويتصل الخزان الخارجي بجوف المدوِّر، ويحتوي على الدواسر السائلة المستخدمة في المحركات الرئيسية. ويرتبط بجانبي الخزان معززان صاروخيان، يحتويان على الدواسر الصلبة.
وكان على مصممي المكوك الفضائي التغلب على عدد من التحديات التقنية. فقد كان مطلوبًا أن تكون المحركات الرئيسية للمكوك قابلة لإعادة الاستخدام مرات عديدة، كما احتاج المكوك نظام تحكم حاسوبي مرن ودقيق، بالإضافة إلى درع حراري من نوع جديد يمكنه مقاومة الدخول عدة مرات في الغلاف الجوي الأرضي.
بداية عصر المكوك:
في عام 1977م أجرت ناسا عددًا من الطلعات الاختبارية لأول مكوك فضائي. وقد زود المكوك، الذي أطلق عليه اسم انتربرايز، بنفاث جامبو 747، معدّل، وقد حمل المدور إلى الجو وعاد به عدة مرات، وأطلقه في الجو عدة مرات. وفي الطلعات الاختبارية الحرة الأولى اختبر الرائدان فريد هايز الأصغر وجوردون فوليرتون إمكانيات هبوط المركبة، وتلت ذلك عدة طلعات اختبارية أخرى.
بدأت أول بعثة لمكوك فضائي في 12 أبريل 1981م. ففي ذلك اليوم أطلق المكوك كولومبيا، وعلى متنه الرائدان جون يونج وروبرت كريبن. ومضت الرحلة، التي استغرقت 54 يومًا، دون أي صعوبات. وبعد ذلك بسبعة أشهر قامت المركبة برحلة مدارية أخرى، مؤكدة أن المركبات الفضائية يمكن أن تستخدم مرات عديدة.
وقد حملت كل رحلة من الرحلات المكوكية الأربعة الأولى ملاحيْن فقط، ولكن عدد الطاقم ازداد بسرعة إلى أربعة، وفيما بعد إلى سبعة وثمانية، حيث اشتمل طاقم المكوك، بجانب الملاحين على اختصاصيي البعثة (خبراء تشغيل المكوك)، واختصاصيي الحمل الصافي (خبراء البحث العلمي).
وفي عام 1978م، اختارت ناسا عددًا من المهندسات والعالمات ليعملن اختصاصيات بعثات. وفي 18 يونيو 1983م، أصبحت سالي ريد أول رائدة فضاء أمريكية، عندما اختيرت ضمن طاقم المكوك تشالنجر. وأصبح جويون بلوفورد الأصغر أول أمريكي أسود يرتاد الفضاء في 30 أغسطس 1983م، كما أصبح مارك جارنو أول كندي يرتاد الفضاء في 5 أكتوبر 1984م. وفي 12 سبتمبر 1992م، أصبحت ماي جيميسون أول أمريكية سوداء ترتاد الفضاء.
وقد فتحت السعة الكبيرة لمدور مكوك الفضاء إمكانية إدخال ركاب آخرين إلى جانب الرواد والعلماء، وشمل هؤلاء الركاب ممثلي شركات الحمل الصافي وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
وفي عام 1984م، صممت ناسا برنامج "مشاركة فضائية" خاصة، لفتح مجال ارتياد الفضاء أمام الأمريكيين، وأعلن الرئيس الأمريكي ريجان منح أول فرصة للمدرسين، على أن يتبع ذلك إعطاء الفرصة للصحفيين والفنانين وغيرهم من المهتمين برحلات الفضاء.
أنواع البعثات المكوكية:
تحمل مكوكات الفضاء الأقمار الصناعية والمجسات الفضائية وغير ذلك من الأحمال الثقيلة إلى مدارات حول الأرض. وبالإضافة إلى عمليات الإطلاق، تستطيع المكوكات استعادة الأقمار الصناعية بغرض الإصلاح، حيث يقوم رواد المكوك بإصلاح المكوك الفضائي، وإعادتها مرة أخرى إلى المدار. ويستطيع طاقم المكوك أيضًا إجراء أنواع كثيرة من التجارب والملاحظات العلمية.
قمم الهمـلايا كما رآها مكـوك فضائي، ويمكن استخـدام المكــوك لمراقبة الأحوال الجوية والزراعية والبيئية على الأرض | قمر اتصالات أطلق بوساطة مكوك فضائي. وتُظهر هذه الصورة، أبواب حوز (حجرة صغيرة) الحمولة في العربة المدارية مفتوحة وقد أُطلق القمر الصناعي لتوه. |
أقمار الاتصالات أنك الكندية. تشبه القمر الصناعي المبين في الصورة (أعلاه). وقد حسّنت هذه الأقمار الاتصالات في الأجزاء الشمالية قليلة السكان والنائية من الدولة. | إنتلسات قمر اتصالات ينقل المكالمات الهاتفية والبرامج التلفازية واتصالات أخرى من دولة لأخرى. |
جوز أحد أقمار الأرصاد الجوية يرسل الصور لما يقارب ربع سطح الأرض كل نصف ساعة، كما أنه يجمع معطيات (بيانات) بيئية أخرى. | نافستار أحد الأقمار الصناعية الملاحية يمكِّن مشغِّلي الطائرات والسفن والمركبات الأرضية من تعيين أماكنهم في أي مكان في العالم. |
البعثات العسكرية. خصص حوالي ربع البعثات المكوكية خلال الثمانينيات للأغراض العسكرية. وأرسل رواد هذه البعثات أقمار رصد خاصة إلى المدار، لاختبار الأجهزة العسكرية المتنوعة. وقد أحيطت هذه البعثات بدرجة عالية جدًا من السرية، لمنع اكتشاف قدرات هذه الأقمار، حيث لم تعلن ناسا عن مواعيد إطلاق الأقمار قبل عمليات الإطلاق، ولم تكشف أي معلومات عن الأحاديث بين رواد البعثات وأطقم القيادة الأرضية. وفي أوائل تسعينيات القرن العشرين ألغت الولايات المتحدة استخدام المكوكات في الأغراض العسكرية، واستبدلتها بالصواريخ الرخيصة الأحادية الاستعمال.
بعثات الإصلاح. يمكِّن المكوك الفضائي الرواد من استعادة الأقمار الصناعية المحطمة وإصلاحها وإعادة إطلاقها. وقد اتضحت هذه الإمكانية، لأول مرة، في أبريل 1984م، عندما أصلح رائدان من المكوك الفضائي تشالنجر قمر البعثة الشمسية القصوى، الذي كان أول مرصد شمسي أطلق في المدار. وأثبت هذا النجاح قدرات الإنسان في الفضاء وقابليته للتكيف. ومنذ ذلك التاريخ أصلح رواد الفضاء عددًا من الأقمار في الفضاء، وكانت أهم بعثات الإصلاح البعثة التي أرسلت في ديسمبر 1993م، لإصلاح تلسكوب هبل الفضائي، الذي أطلقه المكوك في المدار قبل ذلك بثلاث سنوات. وقد نجحت عملية الإصلاح التي استهدفت إبطال تأثيرات مرآة صنعت بطريقة غير صحيحة.
بعثات المعمل الفضائي. المعمل الفضائي وحدة تمكن أطقم المكوكات من إجراء مجموعة كبيرة ومتنوعة من التجارب العلمية في الفضاء. ويمثل هذا المعمل جزءًا من برنامج المكوك الفضائي لوكالة الفضاء الأوروبية، ويتكون من معمل فضائي مأهول ومنصات أخرى منفصلة تسمى الطبليات. ويتصل المعمل المضغوط بحجرة الطاقم عبر نفق، وتضم تسهيلات تمكن العلماء من إجراء تجارب في التصنيع والطب وإنتاج المواد البيولوجية وغيرها. وتحمل الطبليات الأجهزة العلمية الضخمة المستخدمة في إجراء التجارب في مجال الفلك وغيره من المجالات. ويشغل العلماء الأجهزة من المعمل أو من مدار المكوك أو من الأرض. وتتقاسم كل من وكالة الفضاء الأوروبية والولايات المتحدة تسهيلات المعمل الفضائي.
أطلقت أول بعثة من بعثات المعمل الفضائي في 28 نوفمبر 1983م، في مكوك الفضاء كولومبيا. ومنذ ذلك التاريخ حمل عدد من المكوكات المعمل الفضائى، حيث ركزت كل بعثة على إجراء البحوث في مجال علمي أو تقني معين، مثل الفلك وعلوم الحياة والجاذبية الصغرية.
المركبة الفضائية تشالنجر انفجرت يوم 28 يناير 1986م بعد 73 ثانية من انطلاقها، وقد قُتل الرّواد السبعة الذين كانوا بداخلها. |
كانت الرحلة العاشرة لمكوك الفضاء تشالنجر تمثل البعثة المكوكية الخامسة والعشرين. وقد تكون طاقم الرحلة من فرانسيس سكوبي، قائدًا للبعثة، وكريستا ماكوليفي، وهي معلمة بالمدارس العليا، وخمسة رواد آخرين هم: جريجوري جارفيس ورونالد ماكنير وأليسون أونيزوكا وجوديث ريزنيك ومايكل سميث.
فبعد تأخر توقيت الإقلاع لعدة مرات، استبعد مسؤلو ناسا المخاطر التي أشار إليها المهندسون، وأمروا بإقلاع المكوك في صباح يوم 28 يناير 1986م، رغم برودة الجو. وقد انتهت الرحلة بمأساة عندما تحطم المكوك متحولاً إلى كرة من النار، بعد 73 ثانية فقط من إقلاعه، وهو على ارتفاع 14,020مترًا، بينما كان يسير بسرعة تعادل ضعف سرعة الصوت.
والمكوك بتعبير أدق، لم ينفجر، ولكنه تحطم بسبب عدد من الأعطال التركيبية. ويبدو أن الطاقم كان قد تنبه بسرعة إلى حدوث خطأ ما، بالرغم من أن المكوك قد تحطم دون سابق إنذار تقريبًا. فقد انفصلت كابينة الطاقم عن بقية أجزاء المكوك، واندفعت في الجو، ووقعت بعد حوالي ثلاث دقائق على المحيط الأطلسي، حيث تحطمت بسبب التصادم، مؤدية بذلك إلى مقتل أفراد الطاقم السبعة.
وبسبب هذا الحادث أوقفت كل البعثات المكوكية. وحددت لجنة ـ أمر بتشكيلها الرئيس الأمريكي ريجان ـ الأسباب التي أدت إلى الحادث، والإجراءات التي يمكن أن تتخذ لمنع تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً، حيث أوضح تقرير اللجنة الذي صدر في يونيو 1986م، أن الحادث نتج عن تعطل الحلقات أو(O rings) في معزز المكوك الصاروخي الصلب الأيمن. ووظيفة هذه الحلقات المطاطية هي إحكام غلق المفصل بين القطاعين السفليين للمعزز. وقد أدت أخطاء في تصميم المفصل، وبرودة الطقس الشديدة أثناء الإطلاق، إلى أن تفقد هذه الحلقات خاصية الإحكام، مما أدى بدوره إلى تسرب الغازات الساخنة خارج المعزز، عبر المفصل. ونتج عن هذا اندفاع اللهب من داخل المعزز، عبر الغلق غير المحكم، مؤديًا إلى تمدد الثقب الصغير بسرعة. وبعد ذلك، أحدثت الغازات الملتهبة ثقبًا في خزان الوقود الخارجي للمكوك. وبالإضافة إلى ذلك، بترت الغازات الملتهبة إحدى القطع الداعمة، التي تثبت المعزز بالسطح الجانبي للخزان الخارجي، مما أدى إلى تخلخل المعزز وتفجيره للخزان. وأدى انفجار الخزان إلى اختلاط الدواسر مكونة كرة نارية عملاقة، في الوقت الذي تمزقت فيه المركبة إلى قطع بفعل العطل التركيبي.
وقد خلصت اللجنة إلى أن قرار ناسا بإطلاق المكوك كان خاطئًا، حيث لم ينبه صانعو القرار إلى المشاكل الخاصة بالمفاصل والحلقات أو، ولم يخطروا أيضًا بالتأثيرات المدمرة للطقس البارد.
ولتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً أدخل مصممو المكوك عدة تعديلات تقنية، منها تطوير تصميم الحلقات أو، وإضافة نظام لتحرير الطاقم. وهو نظام لايعمل في كل الحالات، ولكنه مفيد في إنقاذ حياة أفراد الطاقم في بعض الحالات. وشملت التغييرات الإجرائية مواصفات أمان أكثر صرامة، وشروط إطلاق أكثر تقييدًا. ولم تكن كارثة تشالنجر صدمة لناسا وحدها، بل لكل مَنْ وقر في ذهنه أن رحلات الفضاء رحلات عادية. فعلى مدى 15 عامًا من تاريخ الرحلات الفضائية المأهولة، حتى عام 1986م، حملت المركبات الفضائية الأمريكية والسوفييتية أكثر من 100 رائد فضاء وفلكي إلى الفضاء. ولم تحدث قبل هذه الكارثة سوى تسع حالات وفاة، سواء في الفضاء أو أثناء الهبوط أو الاختبارات الأرضية.
المرفأ الفضائي ناسا يشتمل على بناء مجمَّع العربات، حيث يتم تجميع المعززات الصاروخية الصلبة للمكوك، وخزان الوقود الخارجي، والعربة المدارية الشبيهة بالطائرة. وبعد عملية التجميع، يتم نقل المكوك بوساطة زحَّافة إلى منصة إطلاق واحدة أو اثنتين. وتمكِّن مباني الخدمة الثابتة والمتنقلة عند المنصة الفنيين من العمل على المركبة الفضائية حتى قبيل الإطلاق ببضع ساعات. |
بدأت رحلات المكوكات الفضائية مرة أخرى في 29 سبتمبر 1988م، عندما أنطلق المكوك الفضائي، المطور التصميم، ديسكفري. وكانت المهمة الأساسية للبعثة، التي تكونت من خمسة أفراد، وضع قمر اتصالات في مداره. وفي السنوات التالية لهذه الرحلة، أرسل عدد من البعثات المكوكية، التي تأخر إطلاق كل منها لفترات طويلة. وأطلق رواد المكوكات عددًا من المجسات الفضائية غير المأهولة مثل جاليليو وماجلان ويوليسيس، ووضعوا عددًا من الأقمار البحثية الضخمة، مثل تلسكوب هبل الفضائي، ومرصد كومبتون لأشعة جاما، وقمر أبحاث الغلاف الجوي العلوي، في المدار، كما أطلقوا أيضًا أقمار اتصالات وأقمارًا عسكرية. وأجرت بعثات المعمل الفضائي البحثية دراسات في الفلك وطب الفضاء. وقد وضع المسؤولون برنامج إطلاق أقل طموحًا، مما أدى إلى تقليل التأخيرات.
طورت ناسا أيضًا أسطول المكوكات، حيث زُودت المكوكات بحواسيب جديدة وأجهزة إعاشة متطورة. وأصبح التحكم في الهبوط أسهل بفضل تزويد المكوكات ببراشوتات سحب وكوابح متطورة، كما طور نظام التوجيه الذاتي المحوسب.
المكوك الفضائي السوفييتي:
بينما كانت ناسا تصارع لاستعادة طلعاتها المكوكية، كان السوفييت يعدون مكوكهم الفضائي بسرية عالية. وكان المكوك السوفييتي بوران (العاصفة الثلجية) شبيهًا بالمكوك الأمريكي. وقد بدأ السوفييت بالنموذج الأمريكي، ولكنهم أضافوا تحويرات عديدة، حيث حركوا ترس الهبوط الأمامي، على سبيل المثال، إلى موقع أكثر أمانًا، وزودوا المكوك ببراشوت كابح. واستخدمت صواريخ المناورة السوفييتية نوعًا مختلفًا من الوقود، كما استخدمت المكوكات السوفييتية معززات قابلة لإعادة الاستخدام، ولم تكن لها محركات رئيسية للتعويض.
صمم السوفييت معززًا ثقيلاً سموه إنرجيا، لحمل المكوك وغيره من المركبات الفضائية إلى المدار، وانطلق المعزز لأول مرة في 15مايو 1987م. وفي 15 نوفمبر 1988م، حمل صاروخ إنرجيا آخر بوران إلى المدار. وقد زودت الرحلتان بنظام توجيه ذاتي. وهبط بوران على مدرج في ساحة بيكونور الكونية (تسمى الآن ساحة تايوراتام الكونية) في كازاخستان، التي كانت آنذاك جزءًا من الاتحاد السوفييتي. ولم يشتمل مكوك بوران الأول على أجهزة إعاشة، ولكن السوفييت شيدوا مكوكًا آخر بعد أن دربوا الرواد السوفييت على الرحلات المأهولة. ولكن نقص الموارد المالية بعد عام 1989م، أدى إلى تأخير كثير في تطوير برنامج بوروان. وفي عام 1993م توقف العمل على البرامج المكوكية.