نمطية مهرجان القلعة في مصر لا تؤثر على جماهيريته بين البسطاء
عدم تغيير المشاركين وغياب الفنانين العرب وتقليص الحفلات ظواهر تثير الجدل.
السبت 2024/08/24
متنفس كبير للبسطاء
تحقق حفلات مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء إقبالا كبيرا، لكنها رغم ذلك لا تعكس اهتمام الجهات الرسمية في مصر بتحقيق العدالة الثقافية، وما يؤكد ذلك تكرار المهرجان لأسماء أغلب الفنانين المشاركين في فعالياته سنويا مع تقليصه عدد سهراته وعدم التنويع في الأسماء إلى جانب الاهتمام باستقطاب النجوم دون دعم العديد من المواهب الأخرى.
القاهرة - يشكل مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء في مصر، الذي انطلق منتصف أغسطس الجاري ويستمر حتى الثامن والعشرين منه، متنفسا لقطاعات شعبية تواجه شحا في الفعاليات الثقافية والفنية، ما يجعله يحافظ على شعبيته بين البسطاء على الرغم من النمطية التي يعانيها جراء تكرار الاستعانة بعدد من الفرق الغنائية والمطربين الذين يحافظون على حضورهم بشكل مستمر بلا تنويع فني يسهم في إثراء المهرجان على نحو أكبر.
وقلص المهرجان في دورته الحالية حفلاته لتصل إلى 31 حفلة مقارنة بـ45 حفلة العام الماضي، و43 حفلة في العام السابق له، ما عد مؤشرا على تراجع القيمة الفنية للمهرجان الذي ظل منذ انطلاقه عام 1990 بمثابة شعاع فني للبسطاء ممن لديهم قدرة على دفع قيمة تذكرة حفلات لم تتغير قيمتها.
وطالت الانتقادات وزارة الثقافة المصرية دائما بحجة عدم قدرتها على تحقيق عدالة ثقافية وفنية بين الأقاليم المختلفة، أسوة بما يحققه مهرجان القلعة لسكان العاصمة القاهرة.
أحمد سماحة: تراجع عدد الحفلات تقصير من المسؤولين عن تنظيم المهرجانات الحكومية
واستضاف المهرجان للعام السابع على التوالي المطرب هشام عباس، الذي جذب قطاعا من الجمهور في حفلته الاثنين الماضي، وحافظ على حضور متكرر كل من هاني شاكر ومدحت صالح وعلي الحجار وإيهاب توفيق ونادية مصطفى والموسيقار عمر خيرت، فيما حقق حفل الفنان حمزة نمرة الذي اعتلى مسرح القلعة بوسط القاهرة لأول مرة هذا العام حضورا جماهيريا مميزا ورفع شعار “كامل العدد” مع قرار إدارة المهرجان هذا العام زيادة الطاقة الاستيعابية إلى خمسة آلاف شخص.
وغاب الغناء العربي عن المهرجان هذا العام، بعد أن حضر عدد من الفنانين العام الماضي، في مقدمتهم السوريتان فايا يونان ولينا شاماميان، واللبنانيان وليد توفيق وعبير نعمة، وكشف الانكفاء على الفرق المصرية أن المهرجان يعاني اقتصاديا وربما لم تتوفر له الميزانيات الكافية لاستقدام أسماء عربية أسوة بمهرجان الموسيقى العربية، وقد يكون ذلك سببا في اختصار أيامه إلى 15 يومًا بدلا من 19 يوما العام الماضي، وهو من أسباب الاستعانة بالأسماء نفسها ممن لا يطلبون مبالغ باهظة مقابل الغناء والاستفادة من تواجدهم في حفلات دار الأوبرا المصرية.
ويتفق العديد من النقاد على أن تطورات حركة الموسيقى والغناء يجب أن تكون حاضرة في المهرجان، ورغم هيمنة الموسيقى الشرقية عليه بشكل شبه كامل إلا أنه يهدف إلى إدخال لون مختلف، مثلما هو الحال بالنسبة إلى حفلة فريق “بلاك تيما” التي تقدم ألوانا مغايرة من الغناء، من بينها “ريغي” وموسيقى “ريذم أند بلوز” و”هيب هوب”، ما يشي بأن الانفتاح على الألوان الشعبية يحقق انتشارا وسط البسطاء.
ويظل التغيير مطلوبا مع خفوت نجم العديد من المطربين الذين لعبوا على وتر النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، ويقدمون أغاني حققت نجاحات كبيرة خلال حبقتي ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
ولم تعد مبررات الحفاظ على التراث الغنائي المصري مجدية للحفاظ على نمطية قد تجعل منحنى المهرجان في هبوط، وأن الجمهور يتعرض إلى ألوان غنائية مختلفة عن الطرب المصري القديم أو الغناء التقليدي لمطربي التسعينات.
ويصعب أن تكون مجموعة الحفلات التي يتم تنظيمها خلال أسبوعين سنويا كافية للحفاظ على التراث، لأن جذب الأجيال الصاعدة بحاجة إلى تنوع يضمن استماعها إلى الألوان المتباينة، ويعد ذلك من أبرز أدوات استمرار الجماهيرية الكبيرة التي قد تكون معرضة للتراجع، حال لم يلب المهرجان احتياجات وأذواق الشباب.
مبررات الحفاظ على التراث الغنائي المصري لم تعد مجدية للحفاظ على نمطية قد تجعل منحنى المهرجان في هبوط
وقال الناقد الموسيقي أحمد سماحة إن تراجع عدد الحفلات واقتصارها على أسماء بعينها هما نتيجة تقصير من موظفي وزارة الثقافة كمسؤولين عن تنظيم المهرجانات والحفلات الحكومية، في ظل غياب خطة عامة يمكن من خلالها إحداث تنوع فني وثقافي وغنائي، ويبرهن ذلك على عدم دراية بالساحة الغنائية المليئة بالمواهب المدفونة دون أن يعرفها أحد وهي بحاجة إلى إعادة النبش في الذاكرة وتقديمها للجمهور.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “بعض المطربين المصريين غابوا عن الساحة فترة طويلة وتمكن إعادتهم عبر مهرجانات تستقطب جميع أفراد الأسرة، ومن دون أن يكون ذلك مكلفا ماديا، ومن بينهم مها البدري وطارق فؤاد وأسامة شريف”.
كما أن الكثير من نجوم الغناء في العالم العربي لديهم رغبة في الوقوف أمام الجمهور المصري عبر حفلات تطغى عليها الصفة الحكومية، وأن الفنان اللبناني زياد برجي وافق على الغناء في مهرجان الموسيقى العربية العام الماضي على نفقته الخاصة، وهناك غيره كثيرون يمكن تقديمهم إلى الجمهور المصري.
وشدد سماحة على أن مهرجان القلعة اعتاد في سنواته الأولى تقديم فرق أجنبية الهوى تساهم في تجديد الموسيقى التي يستمع لها الجمهور، لكن ذلك تراجع هذا العام ولم يختف بشكل كامل، وأن الموسيقى الشرقية هيمنت بشكل كبير.
ولفت إلى أن تقليص أعداد الحفلات يرجع إلى أن المسؤولين عن المهرجان تعاملوا معه بمبدأ الربح والخسارة المادية، وأن بعض الحفلات التي لم تحقق العلامة الجماهيرية الكاملة تم إبعادها عن جدول هذا العام، مع أنه طبيعي عدم إقبال الجمهور بالكثافة نفسها في كافة الحفلات.
واستعان مهرجان القلعة هذا العام بفرقة “جلاس أونيون” وقدمت مقطوعات وأغاني استعادت عبرها ذكريات موسيقى فريق “البيتلز” الذي اشتهر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبرامج متنوعة ضمت مختارات منها: “تعالى سويا، شيء ما، مطرقة ماكسويل الفضية، محبوب، حديقة الأخطبوط، أريدك، ها هي الشمس تأتي، أنت لم تعطني المال الخاص بك، ملك الشمس، يعنى السيد الخردل، بوليثين بام”.
وذكر أحمد سماحي في حديثه لـ”العرب” أن مهرجان القلعة تأثر بتراجع الاهتمام بالغناء في مصر بوجه عام، وأن القاهرة وصفت في تسعينات القرن الماضي بأنها “تغني” في ظل انتعاشة أسواق الكاسيت التي سادت في الشوارع والسيارات اللبنانية، ولم يعد موسم الصيف يرتبط بتقديم ألبومات تجذب الجمهور، وحفلات “ليالي التلفزيون” و”أضواء المدينة” التي كانت تستمر على مدار الصيف غابت الآن، ما ترك تأثيره على مستوى الإبداع والابتكار في تقديم الحفلات الفنية.
وأشار إلى أن اقتصار الغناء على مدينة العلمين الجديدة، على الساحل الشمالي الغربي لمصر، أمر إيجابي ويسهم في انتعاشة السياحة، لكنه غير كاف لتحقيق العدالة الثقافية والغنائية المطلوبة في المحافظات المختلفة، فهذه الحفلات قد تكون غير مناسبة لقطاع كبير من الجمهور، ما يجعله يتعطش إلى مهرجان القلعة وإن تراجعت قيمته الفنية.
أحمد جمال
صحافي مصري
عدم تغيير المشاركين وغياب الفنانين العرب وتقليص الحفلات ظواهر تثير الجدل.
السبت 2024/08/24
متنفس كبير للبسطاء
تحقق حفلات مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء إقبالا كبيرا، لكنها رغم ذلك لا تعكس اهتمام الجهات الرسمية في مصر بتحقيق العدالة الثقافية، وما يؤكد ذلك تكرار المهرجان لأسماء أغلب الفنانين المشاركين في فعالياته سنويا مع تقليصه عدد سهراته وعدم التنويع في الأسماء إلى جانب الاهتمام باستقطاب النجوم دون دعم العديد من المواهب الأخرى.
القاهرة - يشكل مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء في مصر، الذي انطلق منتصف أغسطس الجاري ويستمر حتى الثامن والعشرين منه، متنفسا لقطاعات شعبية تواجه شحا في الفعاليات الثقافية والفنية، ما يجعله يحافظ على شعبيته بين البسطاء على الرغم من النمطية التي يعانيها جراء تكرار الاستعانة بعدد من الفرق الغنائية والمطربين الذين يحافظون على حضورهم بشكل مستمر بلا تنويع فني يسهم في إثراء المهرجان على نحو أكبر.
وقلص المهرجان في دورته الحالية حفلاته لتصل إلى 31 حفلة مقارنة بـ45 حفلة العام الماضي، و43 حفلة في العام السابق له، ما عد مؤشرا على تراجع القيمة الفنية للمهرجان الذي ظل منذ انطلاقه عام 1990 بمثابة شعاع فني للبسطاء ممن لديهم قدرة على دفع قيمة تذكرة حفلات لم تتغير قيمتها.
وطالت الانتقادات وزارة الثقافة المصرية دائما بحجة عدم قدرتها على تحقيق عدالة ثقافية وفنية بين الأقاليم المختلفة، أسوة بما يحققه مهرجان القلعة لسكان العاصمة القاهرة.
أحمد سماحة: تراجع عدد الحفلات تقصير من المسؤولين عن تنظيم المهرجانات الحكومية
واستضاف المهرجان للعام السابع على التوالي المطرب هشام عباس، الذي جذب قطاعا من الجمهور في حفلته الاثنين الماضي، وحافظ على حضور متكرر كل من هاني شاكر ومدحت صالح وعلي الحجار وإيهاب توفيق ونادية مصطفى والموسيقار عمر خيرت، فيما حقق حفل الفنان حمزة نمرة الذي اعتلى مسرح القلعة بوسط القاهرة لأول مرة هذا العام حضورا جماهيريا مميزا ورفع شعار “كامل العدد” مع قرار إدارة المهرجان هذا العام زيادة الطاقة الاستيعابية إلى خمسة آلاف شخص.
وغاب الغناء العربي عن المهرجان هذا العام، بعد أن حضر عدد من الفنانين العام الماضي، في مقدمتهم السوريتان فايا يونان ولينا شاماميان، واللبنانيان وليد توفيق وعبير نعمة، وكشف الانكفاء على الفرق المصرية أن المهرجان يعاني اقتصاديا وربما لم تتوفر له الميزانيات الكافية لاستقدام أسماء عربية أسوة بمهرجان الموسيقى العربية، وقد يكون ذلك سببا في اختصار أيامه إلى 15 يومًا بدلا من 19 يوما العام الماضي، وهو من أسباب الاستعانة بالأسماء نفسها ممن لا يطلبون مبالغ باهظة مقابل الغناء والاستفادة من تواجدهم في حفلات دار الأوبرا المصرية.
ويتفق العديد من النقاد على أن تطورات حركة الموسيقى والغناء يجب أن تكون حاضرة في المهرجان، ورغم هيمنة الموسيقى الشرقية عليه بشكل شبه كامل إلا أنه يهدف إلى إدخال لون مختلف، مثلما هو الحال بالنسبة إلى حفلة فريق “بلاك تيما” التي تقدم ألوانا مغايرة من الغناء، من بينها “ريغي” وموسيقى “ريذم أند بلوز” و”هيب هوب”، ما يشي بأن الانفتاح على الألوان الشعبية يحقق انتشارا وسط البسطاء.
ويظل التغيير مطلوبا مع خفوت نجم العديد من المطربين الذين لعبوا على وتر النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، ويقدمون أغاني حققت نجاحات كبيرة خلال حبقتي ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
ولم تعد مبررات الحفاظ على التراث الغنائي المصري مجدية للحفاظ على نمطية قد تجعل منحنى المهرجان في هبوط، وأن الجمهور يتعرض إلى ألوان غنائية مختلفة عن الطرب المصري القديم أو الغناء التقليدي لمطربي التسعينات.
ويصعب أن تكون مجموعة الحفلات التي يتم تنظيمها خلال أسبوعين سنويا كافية للحفاظ على التراث، لأن جذب الأجيال الصاعدة بحاجة إلى تنوع يضمن استماعها إلى الألوان المتباينة، ويعد ذلك من أبرز أدوات استمرار الجماهيرية الكبيرة التي قد تكون معرضة للتراجع، حال لم يلب المهرجان احتياجات وأذواق الشباب.
مبررات الحفاظ على التراث الغنائي المصري لم تعد مجدية للحفاظ على نمطية قد تجعل منحنى المهرجان في هبوط
وقال الناقد الموسيقي أحمد سماحة إن تراجع عدد الحفلات واقتصارها على أسماء بعينها هما نتيجة تقصير من موظفي وزارة الثقافة كمسؤولين عن تنظيم المهرجانات والحفلات الحكومية، في ظل غياب خطة عامة يمكن من خلالها إحداث تنوع فني وثقافي وغنائي، ويبرهن ذلك على عدم دراية بالساحة الغنائية المليئة بالمواهب المدفونة دون أن يعرفها أحد وهي بحاجة إلى إعادة النبش في الذاكرة وتقديمها للجمهور.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “بعض المطربين المصريين غابوا عن الساحة فترة طويلة وتمكن إعادتهم عبر مهرجانات تستقطب جميع أفراد الأسرة، ومن دون أن يكون ذلك مكلفا ماديا، ومن بينهم مها البدري وطارق فؤاد وأسامة شريف”.
كما أن الكثير من نجوم الغناء في العالم العربي لديهم رغبة في الوقوف أمام الجمهور المصري عبر حفلات تطغى عليها الصفة الحكومية، وأن الفنان اللبناني زياد برجي وافق على الغناء في مهرجان الموسيقى العربية العام الماضي على نفقته الخاصة، وهناك غيره كثيرون يمكن تقديمهم إلى الجمهور المصري.
وشدد سماحة على أن مهرجان القلعة اعتاد في سنواته الأولى تقديم فرق أجنبية الهوى تساهم في تجديد الموسيقى التي يستمع لها الجمهور، لكن ذلك تراجع هذا العام ولم يختف بشكل كامل، وأن الموسيقى الشرقية هيمنت بشكل كبير.
ولفت إلى أن تقليص أعداد الحفلات يرجع إلى أن المسؤولين عن المهرجان تعاملوا معه بمبدأ الربح والخسارة المادية، وأن بعض الحفلات التي لم تحقق العلامة الجماهيرية الكاملة تم إبعادها عن جدول هذا العام، مع أنه طبيعي عدم إقبال الجمهور بالكثافة نفسها في كافة الحفلات.
واستعان مهرجان القلعة هذا العام بفرقة “جلاس أونيون” وقدمت مقطوعات وأغاني استعادت عبرها ذكريات موسيقى فريق “البيتلز” الذي اشتهر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبرامج متنوعة ضمت مختارات منها: “تعالى سويا، شيء ما، مطرقة ماكسويل الفضية، محبوب، حديقة الأخطبوط، أريدك، ها هي الشمس تأتي، أنت لم تعطني المال الخاص بك، ملك الشمس، يعنى السيد الخردل، بوليثين بام”.
وذكر أحمد سماحي في حديثه لـ”العرب” أن مهرجان القلعة تأثر بتراجع الاهتمام بالغناء في مصر بوجه عام، وأن القاهرة وصفت في تسعينات القرن الماضي بأنها “تغني” في ظل انتعاشة أسواق الكاسيت التي سادت في الشوارع والسيارات اللبنانية، ولم يعد موسم الصيف يرتبط بتقديم ألبومات تجذب الجمهور، وحفلات “ليالي التلفزيون” و”أضواء المدينة” التي كانت تستمر على مدار الصيف غابت الآن، ما ترك تأثيره على مستوى الإبداع والابتكار في تقديم الحفلات الفنية.
وأشار إلى أن اقتصار الغناء على مدينة العلمين الجديدة، على الساحل الشمالي الغربي لمصر، أمر إيجابي ويسهم في انتعاشة السياحة، لكنه غير كاف لتحقيق العدالة الثقافية والغنائية المطلوبة في المحافظات المختلفة، فهذه الحفلات قد تكون غير مناسبة لقطاع كبير من الجمهور، ما يجعله يتعطش إلى مهرجان القلعة وإن تراجعت قيمته الفنية.
أحمد جمال
صحافي مصري